الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
سورة السجدة
"
سورة السجدة مكية، وعدد آياتها ثلاثون آية، وتوافقها في عدد آياتها سورة (الملك) كما تشاركها في بعض الفضائل، وتسمى هذه السورة سورة المضاجع؛ لقوله - تعالى -:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} كما تسمى سورة "سجدة لقمان" تمييزًا لها عن سورة (حَم) - فصلت - فإنها تسمى أيضًا سورة السجدة.
ووجه مناسبتها لما قبلها اشتمال كل منهما على دلائل الأوهية.
وفي البحر: لما ذكر - سبحانه - فيما قبل دلائل التوحيد وهو الأصل الأول، ثم ذكر - جل وعلا - المعاد وهو الأصل الثاني وختم به السورة، ذكر في بدء هذه السورة الأصل الثالث وهو النبوة.
وقال الجلال السيوطي في وجه الاتصال بما قبلها: إنها شرح لمفاتح الغيب الخمسة التي ذكرت في خاتمة ما قبلها
فضل هذه السورة:
جاء في فضلها أخبار كثيرة: منها ما أخرجه أبو عبيدة في فضائله، وأحمد، وعبد بن حميد والدارمي، والترمذي، والنسائي، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن جابر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ: {الم تَنْزِيلُ
…
السجدة}، و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وكان صلى الله عليه وسلم يقرؤها هي وهل أتى في صلاة فجر الجمعة، أخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة: الم تنزيل: السجدة، وقيل أتى على الإنسان".
ما تشتمل عليه السورة:
بدأت هذه السورة مما بدأت به سور كثيرة من القرآن الكريم بسرد حروف من المعجم، وإتباع ذلك بالحديث عن القرآن، ببيان أنه تنزيل من رب العالمين لا مجال فيه لشك،
ولا مدخل لريبة، وبرفض مزاعم المشركين أن رسول الله افتراه من عنده، وبيان أنه الحق المنزل علية من ربه لينذر به قومه الذين لم يسبق لهم إنذار قبل بعثته، لأنه أول رسول أُرسل فيهم، فإن إسماعيل عليه السلام كان قد أرسل إلى قبيلة جُرهُمَ وهم من العرب العاربة، وقد نشأت العرب المستعربة من ذريته مع جرهم، وفيهم أُرسل محمد صلى الله عليه وسلم فهو أول رسول للعرب المستعربة.
ثم تنتقل الآيات بعد تقرير إرسال الرسول وإنزال القرآن عليه إلى ذكر دلائل من قدرة الله المتمثلة في خلق السموات والأرض، واستيلائه على عرشه، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ليعرج إليه يوم القيامة، وهو العالم بكل شيء الذي أحسن كل شيء خَلَقه، وبدأ خلق الإنسان (آدم) من طين على وجه بديع، وفطرة عجيبة، ثم نسل منه ذريته، ونفخ فيها من روحه، وجعل لها السمع والأبصار والأفئدة لتتيسر لها وسائل الحياة فتشكر نعمه - تعالى - وتحمد فضله، ولكنها قليلًا ما تؤدي شكر ذلك.
ثم تعرض لحال المشركين واستبعادهم البعث بعد أن يموتوا وتتحلل أجزاؤهم، وتتيه في التراب وتضل في أجزاء الأرض، وتقرر أن الموت حق عليهم تتوفاهم الملائكة الموكلون بهم، ثم يرجعون إلى ربهم، ويبعثون ليوم عظيم يقفون فيه بين يدي الله خزايا يطلبون الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فات، وهيهات هيهات!!!!
ثم تذكر الآيات حكمة الله السامية في اختلاف أحوال الخلق بالإيمان والكفر - ولو شاء لآتى كل نفس هداها - ليكون لجهنم عمارها من الجِنّة والناس أجمعين، وليذوقوا عذاب الخلد بما كانوا يعملون، من الإشراك بربهم، ونسيان لقائه وجحد جزائه.
ثم تشيد الآيات بذكر المؤمنين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، وما أُعد لهم من نعيم مقيم:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ثم تقرر الآيات أن إرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم شأن قديم، وسنن طبعي لا يحتمل ريبة، وقد أنزل التوراة على موسى وكانت هدًى لبني إسرائيل، وكان منهم أئمة يهدون بأمر الله،
ويوقنون بآيته، وسوف يفصل الله بين الأنبياء وأُممهم بما فعلوه معهم، ثم تتجه الآيات إلى تبصير النفوس الغافلة، والاتعاظ بالأمم السابقة التي يعيشون مكانها، ويمشون في مساكنها، وإلى الانتفاع بآيات الله وقدرته التي تسوق الماء إلى الأرض الجُرُز، أي: الجدباء التي لا زرع فيها، فتخصب وتنبت، وتحيا وتعمر بالإنسان والحيوان، أليس ذلك بقادر على إحياء الموتى وبعثهم كما أحيا الأرض الجرز بعد موتها وقحطها، وبعث فيها الحياة والجمال.
وتختم السورة بتبكيت المشركين على استبعادهم ليوم الفتح الذي ينتظره المؤمنون ليفصل بينهم وبين المشركين، ويتوعدهم بأن هذا اليوم آت لا محالة، وسيلاقون فيه جزاءهم ولا ينفعهم إيمانهم ولا هم ينظرون، وتطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم، وانتظار النصرة عليهم وهلاكهم الذي ينتظرونه.
بسم الله الرحمن الرحيم
المفردات:
{لَا رَيْبَ فِيهِ} : لا شك فيه.
{افْتَرَاهُ} : اختلقه من عنده.
{لِتُنْذِرَ} : لتخوّف وتحذِّر.
التفسير
1 -
الم:
هذه الآية ابتداءُ سورة السجدة، وهي سادسة ست سور بدئت بهذه الأحرف، وقبلها سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة العنكبوت، وسورة الروم، وسورة لقمان، ثم هذه السورة، وقد تقدم الكلام عليها مبسوطًا في سورة البقرة وفي غيرها من هذه السور.
2 -
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} :
الكلام في هذه الآية يجري على نمط الكلام الذي في السور المشاركة لها في البدء بالحديث عن القرآن الكريم، ومن ذلك أنه الكلام المنزل من رب العالمين الذي لا مجال فيه لشك، ولا مدخل لريب، كما في قوله - تعالى -:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} . و {الم} إن جعل اسما للسورة أو القرآن فهو خبر لمبتدأ محذوف، و {تَنْزِيلُ} خبر ثان، و {لَا رَيْبَ فِيهِ} خبر ثالث، و {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} خبر رابع، والتقدير: هذا الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين، والمراد من التنزيل اسم المفعول، أي: مُنزَّل الكتاب، وهناك إعرابات أخرى فارجع إليها إن شئت.
والمعنى: هذه السورة التي تسمى الم لا شك في أنها - كسائر القرآن - منزلة من رب العالمين الذي يعلم مصالح عباده، ولكن المشركين يمارون في الحق ويجادلون فيه ويزعمون أن هذا القرآن من عند محمد كما حكى الله عنهم بقوله:
3 -
أثبتت الآية الأولي أن هذا القرآن تنزيل من رب العالمين لا سبيل فيه إلى شك، بل هو أبعد شيءٍ عنه، ثم أضرب - جل وعَلَا - عن ذلك إضرابًا انتقاليًا مشوبا بالإنكار بقوله:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي: بل أَيقول المشركون افترى محمد القرآن على الله من عنده، وأعانه عليه قوم آخرون، وقوله:{بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} إضراب إبطالي عن دعواهم الاختلاق، وتسفيه لعقولهم، وإثبات أن هذا القرآن هو الحق الصادق
الثابت المنزل من ربك لتنذر به، وتخوف قريشًا قومك الذين لم يسبق لهم إنذار بمثله قبل بعثتك إليهم؛ لأنهم لم يرسل إليهم رسول منهم قبلك فقد كان إسماعيل عليه السلام غير عربي، أُرسل لقبيلة جرهم التي هي من العرب العاربة، أما قريش فمن العرب المستعربة. التي هي من ذرية إسماعيل وجرهم، أو أنهم لم يباشرهم وآبائهم الأقربين إنذار، وإنما كان الإنذار لآبائهم الأقدمين، وقد طال عليه العهد، وبعد به الزمن، فلم يسمعوا شيئًا منه، ولم يعرفوا شيئًا عنه، وقد بعثك الله إليهم، وأنزل عليك الكتاب لتنذرهم به {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي: رجاءَ أن يهتدوا، فهو على الترجي من رسول الله، كما جاء الترجي من موسى عليه السلام في قوله - تعالى -:{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (1) أو على التعليل بمعنى: ليهتدوا.
المفردات:
{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2) أي: قام وحده بتدبير سمواته وأرضه بعد خلقها، ولهذا قال بعد ذلك:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} .
{مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} : من ناصر ينصركم ولا وسيط يشفع لكم.
{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} : يريده على وجه الإتقان ومراعاة الحكمة، والمراد به هنا: أمر الدنيا وشئونها.
(1) من الآية 44 من سورة طه.
(2)
سبق بسط الكلام على آراء العلماء في تفسير مثل هذه الآية في سورة الأعراف.
التفسير
4 -
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
…
} الآية:
لما ذكرت الآية السابقة الرسالة بعنوان الإنذار بينت هذه الآية ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد، وإقامة الدليل.
والمعنى: الله الذي جلت قدرته وتعاظم سلطانه خلق السموات، ورفعها بغير عمد ترونها، وأحكم نظامها، وبسط الأرض، وجعل فيها جبالا رواسي، وأجرى فيها أنهارًا، وأنبت بها زرعًا وأشجارًا، وخلق بينهما كائنات وأجرامًا لا يعلم كنهها ولا يحيط بحقائقها إلَاّ الله الواحد القهار.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} : وذللهما وسيرهما على أبدع نظام وأدق إحكام لا يختل لهما مدار، ولا يختلف لهما مسار، وخلص من هذا كله في ستة أيام من أيامه تعالى:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (1). ويقول في هذه السورة: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} وهي الآية التالية.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : ثم دبر ملكه بعد تمام خلقه، لم يعنه في ذلك أحد، ولم يحتج إلى نصير أو شريك، فقدِّروا قدرته واشكروا نعمته.
{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} ينصركم إذا جاوزتم طاعته ورضاه، وما لكم من وسيط يشفع لكم، ويدفع عنكم عذابه، أو يجيركم من بأسه. {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} أي: أتسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها كفرًا وعنادًا؟
5 -
أصل التدبير: النظر في دابر الأمر، والتفكير فيه ليجىء محمود العاقبة. وهو في حقه تعالى مجاز عن إرادة الشيء على وجه الإتقان والحكمة.
والمعنى: يريد الله الأمر على وجه الحكمة والإتقان بأسباب تقتضيه، نازلة أحكمها وآثارها من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة.
(1) سورة الحج من الآية: 47.
{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي: ثم يصير إليه خبر ذلك الأمر ويصعد إليه ليعلمه - جلَّ شأنه - موجودا كما أراده - جل وعلا - قال الآلوسي: والمراد بعروج الأمر إليه بعد تدبير - سبحانه - وصول خبر وجوده بالفعل كما دبَّر - جل وعلا - بواسطة الملك، وعرضه ذلك في حضرة قد أعدها الله للإخبار بما هو - جل وعلا - أعلم به، إظهارًا لكمال عظته وعظيم سلطنته، وذلك كعرض الملائكة عليه أعمال العباد الوارد في الأخبار: اهـ. بتصرف يسير.
ومعنى قوله - تعالى -: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} أي: في زمن متطاول يبلغ في حساب دنياكم ألف سنة مما تعدون من السنين التي تقيسون بها آجالكم وأعمالكم، وإن كان الملك يقطعه في زمن يسير كشأنه في الوحي وفي رحلة الإسراء والمعراج، وقيل معناه: يقضى قضاة ألف سنة فينزل به الملك، ثم يعرج بعد الألف لألف آخر، وقيل: المعنى أنه يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة، نقله القرطبي.
واعلم أن أيام الله ليس فيها ليل ولا نهار، وإنما هي أزمان تحت مشيئة الله تبارك وتعالى وقد يقدر اليوم مرة في كتاب الله بألف سنة مما يعده البشر، وقد يقدر بخمسين ألف سنة كما جاء في بعض الآيات، وكل ذلك من باب ضرب المثل لطول أيام الله - تعالى - وقد يطول اليوم عن ذلك كله وما يعلم شئون ربك إلا هو.
المفردات:
{الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} الغيب: ما غاب عن الخلق وخفى، والشهادة: ما شاهدوه ورأوه.
{الْعَزِيزُ} : القوي الغالب.
{الرَّحِيمُ} : البالغ الرحمة واللطف.
{الْإِنْسَانِ} : آدم عليه السلام.
{نَسْلَهُ} : ذريته.
{سُلَالَةٍ} سلالة الشيء: ما استل منه، وسلالة الإنسان: النطفة.
{مَهِينٍ} : مبتذل لا يعتنى به.
{ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} : خفينا وتحللت فيها أجزاؤنا.
التفسير
6 -
{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} :
أي: ذلك الموصوف بما مرّ من خلق السموات والأرض وما بينهما وتسخير الشمس والقمر، والاستواء على العرش، وتدبير أمر الكائنات - ذلك الموصوف بهذا كله {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي: عالم كل ما غاب عن المخلوقات وخفي، وما شاهدوه من أحوالها وشئونها ورأوه رأي العين. {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي: وهو القوى الغالب على كل شيء.
{الرَّحِيمُ} : الواسع الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شيء.
7 -
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} :
أوصاف جارية على الله - تعالى - بعد وصفه بالأوصاف السابقة، والمعنى: الذي أتقن كل مخلوق خلقه، ووفَّر له ما يليق به على وفق الحكمة والمصلحة، وبدأ خلق الإنسان - وهو آدم عليه السلام من طين على وجه بديع تحار فيه العقول، وجعله بحيث يكون مستتبعًا لخروج كل فرد من ذريته، خلقًا بعد خلق، وجيلا بعد جيل، وذلك ما حكاه بقوله:
8 -
أي: ثم جعل ذرية آدم المخلوق من طين - جعلها - مخلوقة من خلاصة من ماءٍ مبتذل لا يُعبَأُ به عند الناس وهو المني، فإنهم يتخلصون منه بغسل موضعه، وسميت الذرية نسلًا لأنها تنسل من الإنسان، وتنفصل عنه.
9 -
أي: ثم قوَّمه وعدَّله بتكميل أعضائه، وتنسيقها في الرحم، وتصويرها على ما ينبغي {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} أي: أدخل فيه الروح المملوكة له، وأجرى فيه الحياة. وقوله - تعالى -:{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} معناه: خلق لكم هذه الأعضاء الكريمة لمنفعتكم، فتستعينون بها على حياتكم، وتيسير أموركم الدينية، والدنيوية المختلفة، وإن أيسر ما تقابل به هذه النعم هو الشكر عليها، وصرفها فيما خلقت له، ولكنكم قليلًا ما تشكرونها، بأداء حق الله فيها.
10 -
هذه الآية استئناف كلام جديد مسوق لبيان أباطيلهم وأنه لم يقف أمرهم عند عدم الشكر، بل جاوزه إلى الكفر وإنكار البعث. {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي: أئذا خفينا في الأرض التي دفنت فيها أجسامنا، وتحللت أجزاؤنا، وصرنا ترابًا مخلوطًا بترابها، أيعقل أن نبعث ونعود إلى خلق جديد؟ {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أي: إن أمر هؤلاء المشركين لا يقف عند إنكار البعث بل يتجاوزه إلى كفرهم بلقاء ربهم، والمراد من لقائه - تعالى -: لقاء ملائكته وما يكون بعده من حساب وجزاء فهم يكفرون بالبعث وكل ما يتصل به من شئون الآخرة.
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)}
المفردات:
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} أصل المتوفى: أخذ الشيء وافيًا تامًّا، ثم غلب في قبض الروح، يقال: توفاه الله؛ أي: استوفى روحه وقبضه.
{مَلَكُ الْمَوْتِ} : اسمه عزرائيل، ومعناه - كما قيل - عبد الله، وهو موكل بقبض أرواح جميع الخلائق.
التفسير
11 -
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} :
لما ختمت الآية السابقة ببيان كفرهم بالبعث والنشور، أتت هذه الآية للرد عليهم
بيانًا للحق، وإبطالا لما زعموه من إفك وبتهان.
والمعنى: قل لهم - أيها الرسول -: يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم
ومعرفة انتهاء آجالكم، بحيث لا يترك منكم أحدًا دون أن ينتزع روحه على أشد ما يكون،
حيث إن الملائكة - وهم أعوانه - يضربون رجوهكم وأدباركم كما قال - تعالى -:
فأعوان ملك الموت يعالجون قبض الأرواح، وملك الموت يقبضها، والله يزهقها، وهذا هوالجمع
بين قوله - تعالى -: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} (2) وقوله هنا: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}
وقوو - تعالى -: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (3) اهـ بتصرف من القرطبي.
ولما كان ملك الموت يتولى ذلك عن الله - تعالى - أضيف التوفي إليه هنا.
{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} بالبعث والحساب والجزاء، وهوتهديد ووعيد.
(1) سورة الأنفال، الآية:50.
(2)
من الآية 61 من سورة الأنام.
(3)
من الآية 42 من سورة الزمر.
المفردات:
{نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ} : مطرقوها من الخزي والندم في موقف الحساب، من النكْس: وهو قلب الشيء على رأسه، كالتنكيس، وفعله: من باب نصر.
{لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} أي: رشدها وتوفيقها إلى الإيمان.
{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أي: بما تركتم ذكر لقائه، فالنسيان مشترك بين الغفلة والترك العمد.
{إِنَّا نَسِينَاكُمْ} أي: تركناكم في العذاب.
التفسير
12 -
الخطاب للنبي، وخطابه صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته، أو خطاب لكل أحد ممن تصح منه الرؤية.
والمعنى: ولو ترى حال منكري البعث يوم القيامة، أو حال كل مجرم باعتبار الجنس ومن جملتهم هؤلاء - لو ترى حالهم - لرأيت أمرا فظيعًا، وصورة عجيبة، حيث تراهم مطرقي الرءُوس من الندم والخزي والذل والغم عند محاسبة ربهم إياهم وجزائهم على أعمالهم، يقولون في ضراعة وإقرار بالتقصير: ربنا أبصرنا ما كنا نكذب به، وسمعنا ما كنا ننكره، فقد أبصرنا صدق وعيدك، وسمعنا قول الرسل سماع تصديق وإذعان، وحصل لنا الاستعداد لإدراك الآيات البصرة، والآيات السموعة، وكنا قَبلُ صمًّا عميًا لا ندرك شيئًا. أو يقولون: أبصرنا قبح أعمالنا التي كنا نراها في الدنيا حسنة، وسمعنا قول الملائكة: إن مَرَدَّكم إلى النار فارجعنا إلى الدنيا بعد أن أبصرنا وسمعنا لنتدارك ما فاتنا، ونعمل عملا صالحًا وفق ما ترشد إليه آياتك، لأننا الآن موقنون بالبعث والحساب، وزالت عنا الشكوك، يقولون ذلك ادعاءً منهم بصحة الأفئدة، والاقتدار على فهم معاني الآيات والعمل بما توجبه، وكانوا يسمعون ويبصرون في الدنيا ولا يتدبرون، ولكن أنَّى لهم أن يجابوا إلى تحقيق أملهم، وقد علم الله منهم أنهم كاذبون، وأنه لو أعادهم إلى الدنيا لعادوا كما كانوا كفارًا، كما قال - سبحانه -:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (1).
13 -
أي: ولو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليًّا بأن نعطي كل نفس: برة أو فاجرة ما تهتدي به قهرًا في دنياها لفعلنا، ولكن حق القول مني أن أجازى كل امرىءٍ على ما كسبت يداه باختياره، فلأملأنّ جهنم من كفار الجن والناس أجمعين بما كانوا يكسبون.
فبموجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى لكل نفس، بل منعناه من أتباع إبليس الذين أنتم من جملتهم، حيث صرفتم اختياركم إلى الغي والضلال بتزيين الشيطان وإغوائه، ومشيئتنا لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها المعلوم لنا أزلًا، فلما لم تختاروا الهدى
(1) من الآية 28 من سورة الأنعام.
واخترتم الضلالة لم نشأ إعطاءه لكم، وإنما أعطيناه الذين اختاروه من النفوس البرة لنقاءِ نفوسهم، وكمال استعدادهم، وهم المعنيون بما سيأتي من قوله - تعالى -: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا
…
} الآية. وفي تخصيص الجن والإنس في قوله - سبحانه -: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} إشارة إلى أن الله عصم ملائكته من عمل يستوجبون به جهنم.
14 -
الأمر للتهديد والتوبيخ، وهو مرتب على ما يُعرب عنه ما قبله من نفي الرجع إلى الدنيا، أو على قوله - تعالى -: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي
…
} الآية:
والمعنى: فذوقوا العذاب الدائم يا أهل النار بسبب نسيانكم لقاء هذا اليوم العظيم، وترككم التفكر فيه، والتزود له بما ينجيكم من شدائده وأهواله، والنسيان بهذا المعنى اختياري يوبخ عليه حيث أُريد به ترك الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح، ويعبر بالذوق كما يطرأُ على النفس وإن لم يكن مطعومًا لإحساسها به كإحساسها بذوق الطعام.
{إِنَّا نَسِينَاكُمْ} : استئناف، للإشعار بتشديد الانتقام منهم والسخط عليهم، أي: تركناكم في العذاب ترك الشيء المنسي بالكلية.
وقوله - سبحانه -: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} : تكرير لتهديدهم بذوق المذاب للتأكيد والتشديد، وتعيين المفعول المطوي في الذوق الأول وهو "عذاب الخلد" الذي لا انقطاع له، والإشعار بأن سبب العذاب ليس مجرد ما ذكر من النسيان، بل له أسباب أُخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا، ولما كان ختام الآية فيه زيادة عن صدرها حصلت بها مغايرته له استحق العطف عليه، ولم ينظم الكل في سلك واحد، للتنبيه على استقلال كل من النسيان وأعمالهم من فنون الكفر والمعاصي في استيجاب العذاب.
المفردات:
{خَرُّوا سُجَّدًا} : المراد به السجود المعهود، وعليه أكثر العلماء، أي: سقطوا على وجوههم ساجدين تعظيمًا لله، وخر: من باب ضرب.
{وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي: جمعوا بينه التسبيح والحمد في سجودهم، فقالوا: سبحان الله وبحمده. والتسبيح: التنزيه.
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} أي: ترتفع جنوبهم عن مواضع الاضطجاع، كناية عن ترك النوم للعبادة.
{خَوْفًا وَطَمَعًا} أي: خوفًا من عذابه - تعالى - وطمعًا في ثوابه، وأكثر ما يستعمل الطمع فيما يقرب حصوله، وقد يستعمل بمعنى الأَمل، ومن كلامهم: طمع في غير مطمع.
{مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} : مما تسر به قلوبهم، يقال: قرت العين قُرَّةً - بالضم - وقُرورًا: بردت سرورًا، وقر من باب: تعب.
التفسير
15 -
استئناف مسوق لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتقرير عدم استحقاقهم لإيتاء الهدى، وتعيين من يستحقه في الآية بطريق القصر.
والمعنى: إنَّمَا يؤمن بآياتنا الذين إذا وعظوا بها أقبلوا عليها وتفهموا معانيها، من غير تردد ولا تسويف، وهَبَطُوا على وجوههم فوضُعوا جباههم على الأرض بحمد الله تعظيمًا لذاتِه العلية، وخوفًا من سطوته وعذابه، وشكرًا على ما رزقهم من نعمة الإِسلام، ونزهوه عما لا يليق به من الأمور التي من جملتها العجز عن البعث، وأثنوا عليه لنعمائه - جل وعلا - التي أجلُّها الهداية إليه عن طريق آياته، والتوفيق إلى الاهتداء، فخلطوا بذلك التسبيح بالتحميد، وهم في كل أحوالهم لا يستكبرون عن عبادته وإخلاص الإيمان له، والثناء عليه، لا كما يفعل من يصر مستكبرًا كأن لم يسمع الآيات.
أو: لا يستكبرون كما استكبر أهل مكة عن السجود، ويرى ابن عباس أن المعنى: خروا ركعًا، وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة. قاله المهدوي، وقال أبو حيان: هذه السجدة من عزائم سجود القرآن.
والتعرض لعنوان الربوبية بطريق الالتفات مع الإضافة إلى ضميرهم في قوله - جل ذكره -: {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} للإشعار بعلة التسبيح والتحميد، من حيث إنهم يفعلونها بملاحظة ربوبيته لهم.
16 -
أي: تتنحى وتتجنبُ جنوبهم الفُرُش ومواضع النوم؛ وهذا التعبير كناية عن ترك النوم وعدم الاستسلام له، ومثله قول عبد الله بن رواحة يصف النبي صلى الله عليه وسلم:
نبيّ تجافى جنبُه عن فراشه
…
إذا استُثقِلتْ بالمشركين المضاجع
وفي المراد من تجافي الجنوب عن المضاجع أقوال، والمشهور أن المراد به: القيام لصلاة النفل ليلًا، قاله جمهور المفسرين، وهو قول مجاهد، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والحسن بن أبي الحسن، وأبي العالية وغيرهم؛ لأن أفضل النفل ما كان في الأسحار، وفي الحث على قيام الليل أحاديث كثيرة، منها حديث معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئُ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل" قال: ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ: {يَعْمَلُون} .
أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والقاضي إسماعيل بن إسحق، وأبو عيسى الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وقال أنس: إن المراد بالآية انتظار صلاة العشاء الآخرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل، قال أنس: نزلت فينا - معاشر الأنصار - كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عطية: كانت الجاهلية ينامون من وقت الغروب ومن أي وقت شاء الإنسان، فجاء انتظار وقت العشاء غريبًا وشاقًّا. اهـ.
وقال الضحاك: تَجَافِي الجُنُب: هو أن يصلي العشاء والصبح في جماعة. وقاله أبو الدرداء.
{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي: يسألونه - تعالى -: خائفين من غضبه وعذابه وعدم قبول عبادتهم، وطامعين في ثوابه وحسن جزائه.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} أي: ومن المال الذي أعطيناهم إياه ينفقون في وجوه الخير، وقيل: معناه الزكاة المفروضة (1)، اهـ: القرطبي.
17 -
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} :
يخبر الله - سبحانه - أنه أعد لهؤلاء الذين ذكرت محاسنهم ثوابًا عظيمًا من النعيم المقيم الذي أُخفي لهم، فلا تعلم كنهه نفس من النفوس، لا ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، فضلا عمن عداهم بهذا النعيم الذي تبرُدُ أعينهم سرورًا به وتبتهج قلوبهم له: جزاء وفاقًا لما أخفوه من أعمالهم الصالحة في الدنيا، فإن الجزاء من جنس العمل.
قال الحسن: أخفى قوم عملهم، فأخفى الله لهم ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر. رواه ابن أبي حاتم.
وفي معنى هذه الآية ما خرجه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت،
(1) وقيل: مما رزقناهم من المعارف وأنواع الفيوضات ينفقون، إشارة إلى تكميلهم لغيرهم بعد كمالهم في أنفسهم.
ولا خطر على قلب بشر، ذخرا بَلْه (1) ما أطْلَعكم عليه" ثم قرأ:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} والإبهام في لفظ "أعين" للتعظيم وإعلاء الشأن، قال ابن عباس: الأمر في هذا أجل وأعظم من أن يعرف تفسيره، وفي إضافة القرة إلى الأعين على الإطلاق لا إلى أعينهم تنبيه على أن ما أُخفى لهم في غاية الحسن والكمال فلا تشذ عن استحسانه عين ما، ثم بيَّن أن من كان في نور الطاعة والإيمان لا يستوي مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان فقال - سبحانه -:
المفردات:
{كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} : أُريد بالفسق الذي اتصفوا به: الخروج عن الطاعة وأحكام الشرع، وأصله وفق الاشتقاق: الخروج مطلقًا، من فسقت الثمرة: خرجت من قشرها.
(1) بله: من أسماء الأفعال، ومعناها: دع عنكم ما أطلعكم عليه، فالذي يطلعكم عليه أعظم، كأنه أضرب عنه استقلالا له في جنب ما لم يطلعهم عليه. اهـ: شرح النووى.
{فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا} أي: الجنات التي فيها مساكنهم جعلت لهم نزلا ضيافة وثوابًا على أعمالهم، والنزل في الأصل: ما يعد للنازل من الطعام والشراب، ثم عمَّ كل عطاء.
{فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} أي: ملجؤهم ومنزلهم.
{الْعَذَابِ الْأَدْنَى} : عذاب الدنيا من قحط وقتل وأسر.
{دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} : قبل عذاب الآخرة.
{ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} أي: تولَّى بترك التدبر والقبول.
{مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} أي: ممن أذنبوا مُعَاقِبون، يقال: جرم فلان: أذنب، كأجرم، وانتقم منه: عاقبه.
التفسير
18 -
{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} :
قال ابن عباس وعطاء بن يسار: نزلت الآية في علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وذلك أنهما تلاحيا (1)، فقال له الوليد: أنا أبسط منك لسانا وأحدّ سنانا، وأملأُ الكتيبة جسدًا، فقال له علي: اسكت؛ فإنك فاسق - فنزلت الآية - قال ابن عبد البر: لا خلاف بين أهل العم بتأويل القرآن أنها نزلت فيه: انتهى كلامه. ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والاستفهام في قوله - تعالى -: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا
…
}. للإنكار والنفي، ولذا عقَّبه - سبحانه - بقوله:{لَا يَسْتَوُونَ} .
والمعنى: أيستوي الناس في جزائهم، وقد اختلفت أعمالهم، فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقًا؟ لا يتوهم ذلك بعد وضوح ما بينهما من التباين، فهما لا يستويان جزاءً كما لم
(1) تلاحيا، أي: تخاصما.
يستويا عملا، حيث إن المؤمن له جنة الخلد يتمتع بنعيمها، والكافر له جهنم يتجرع غصصها خالدا فيها أبدًا.
والتعبير بقوله: {لَا يَسْتَوُونَ} بواو الجمع مع أن الضمير عائد على اثنين وهما المؤمن والكافر. لأن الاثنين جمعٌ لُغةً؛ لأنهما واحدٌ جُمِعَ مع آخر.
19 -
تفصيل لمراتب الفريقين في الدار الآخرة، بعد ذكر أحوالهما في الدنيا.
والمعنى: أن المؤمنين الذين صدقت قلوبهم آيات الله، وعملوا الصالحات بمقتضاها جعلت لهم جنات المأوى، أي: التي فيها يأوون ويسكنون، نزلا، أي: ضيافة لهم، وثوابًا على أعمالهم الصالحة التي كانوا يعملونها في الدنيا.
وإضافة الجنات إلى المأوى إشارة إلى أنها هي المأوى والمسكن الحقيقي، وأن الدنيا منزل مرتحلٌ عنه لا محالة.
20 -
المعنى: وأما الذين خرجوا عن الإيمان إلى الكفر فمسكنهم ومقامهم النار، في مقابل جنات المأوى التي أعدت للمؤمنين، هؤلاء الكافرون كلما دفعهم لهيب النار إلى أعلاها فشارفوا الخروج منها وقربوا منه رُدوا إلى موضعهم فيها ودفعوا إلى قعرها، قال الفضيل:"والله إن الأيدى لموثقة وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللهيب ليرفعهم والملائكه تقمعهم"(1) وقيل لهم على لسان الخَزَنَة تقريعًا وتشديدًا زيادة في غيظهم: {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} في الدنيا مستمرين على تكذيبكم بعذابها، وهذا دليل على أن المراد هنا بالفاسق: الكافر، إذ التكذيب يقابل الإيمان.
(1) تقمعهم: تضربهم بالمقمعة - بكسر الأول - وهي خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه ليذل ويهان. اهـ: المصباح وفي القاموس: المقمعة - كمكنسة -: العمود من حديد يضرب به رأس الفيل، وخشبة يضرب بها رأس الإنسان، والفعل كمنع، ويقال: قمعه، وأقمعه.
21 -
{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} :
ونقسم لنذيقن الكافرين في الدنيا العذاب الأدنى وهو الأقل أو الأقرب، وذلك ما أصابهم من القتل والسَّبْي يوم بدر، كما روى عن عبد الله بن مسعود، وعن مجاهد: القتل والجوع، وأخرج ابن المنذر، وابن جرير عن ابن عباس أنه قال: هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها، وقال مقاتل: الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف، وعن أبي عبيدة أنه فسره بعذاب القبر، وحكى عن مجاهد أيضًا.
لنذيقنهم هذا العذاب قبل أن يصلوا إلى العذاب الأكبر، وهو عذاب الآخرة الذي به يخلدون في النار لعلّ (1) من بقى من المعذبين بالعذاب الأدنى يتوبون عن الكفر بعد مشاهدتهم إياه، ويعودون إلى الإيمان.
وفي الآية لم يقل: الأصغر في مقابلة الأكبر، أو الأبعد في مقابلة الأدنى، لأن المقصود هنا: هو التخويف والتهديد، وذلك إنما يحصل بالقرب لا بالصغر، وبالكبر لا بالبعد، قاله النيسابورى.
22 -
بيان إجمالي لحال من قابل آيات الله - تعالى - بالإعراض عنها بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد.
والمعنى: لا أحد أظلم لنفسه ممن ذكره الله بآياته الواضحة النيرة التي ترشد إلى الصراط المستقيم، والفوز بالسعادة العظمى والنعيم المقيم، ثم كان منه بعد التذكير بها ما يستبعد عقلا وهو الإعراض عنها بترك التدبر فيها، وتناسيها كأن لم يسمعها، ولم يعلم عنها شيئًا، وتشير كلمة (ثمَّ) إلى الاستبعاد العقلي للإعراض عن الآيات مع وصفها بما ذكر من الأوصاف العظيمة، وختمت الآية بتهديد كل من اقترف الإجرام والأفعال المذمومة، حيث قال - سبحانه
(1) لعل للترجي الحاصل من المخاطبين كما فسرها بذلك سيبويه، وعن ابن عباس تفسيرها هنا: بكى، وكأن المراد: كي نعرضهم بذلك للتوبة.
وتعالى -: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} ولم يقل: (منه) أي: من الأظلم (منتقمون) لأنه إذا جعله أظلم من كل ظالم، ثم توعد المجرمين جميعًا بالانتقام منهم، فقد دل بذلك على إصابة الأظلم بالنصيب الأوفر من الانتقام، ولو قال:(منه) لم تحصل هذه الفائدة.
وجوز أن يراد بالمجرمين الأظلم المذكور، وقد أقيم المظهر مقام المضمر الراجع إلى (مَن) باعتبار معناها، وكأنه قيل: إنا منهم منتقمون، واختير هذا التعبير ليؤذن الإتيان بالمظهر أن علة الانتقام ارتكاب هذا المُعْرض مثل هذا الجرم العظيم.
المفردات:
{فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} أي: فلا تكن في شك من لقائك الكتاب مثله، والمرية: اسم من امترى في أمره: شك.
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} أي: قادة يقتدى بهم في دينهم.
{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} أي: يعلمون التوراة علمًا لا يداخله أي شكّ، واليقين: العلم الحاصل عن نظر واستدلال، ويَقِن الأمرُ من باب تَعِب: إذا ثبت ووضح، ويستعمل أيضًا متعديًا بنفسه وبالباء، فيقال: يقنته ويقنت به.
التفسير
23، 24 - {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)}:
المعنى: ولقد آتينا موسى الكتاب (أي: التوراة) فلا تكن - أيها النبي - في شك من لقائك كتاب القرآن مثلما لقى موسى كتاب التوراة، ونهيه عليه الصلاة والسلام عن الشك في لقائه المقصود منه نهي أُمته، وجعلنا الكتاب الذي أنزل على موسى هاديًا لقوم - بني إسرائيل - من الضلالة، ويشير ذلك إلى أنه لم يتعبد به أحد من ولد إسماعيل، ولذلك خُصَّ به بنو إسرائيل، وجعلنا من بينهم قادة يقتدى بهم في دينهم سوى الأنبياء عليهم السلام جعلناهم يرشدونهم، ويدعونهم إلى سلوك الطريق القويم، وَفْق ما في تضاعيف الكتاب من الحِكم والأحكام، وذلك بأمرنا إياهم بأن يهدوا الخلق إلى طاعتنا، وكان هؤلاء أئمة حين صبروا على مشاق الطاعة، ومقاساة الشدائد في نصرة الدين، وفي ذلك إشارة إلى أن الصبر ثمرته الإمامة للناس، وكان هؤلاء الأئمة يصدقون بآيات التوراة تصديقًا يقينيًّا لا شك فيه، لحصوله عن نظر واستدلال، وكذلك لنجعلنَّ الكتاب الذي أُوتيته هدى لأمتك ولنجعلن منهم أئمة يهدون تلك الهداية، وفيه تعريض بكفرة أهل مكة، وأجاز بعضهم أن يراد من أئمة بني إسرائيل أنبياؤهم.
25 -
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} :
المعنى: إن ربك هو يحكم ويقضي بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة فيميز بين الحق والمبطل فيما اختلفوا فيه من أُمور الدين، حتى يكون الجزاء لكل بما يستحقه قسطًا وعدلا، وفق العمل الذي عمله.
وقيل: يقضى بين الأنبياء وأُممهم. حكاه النقاش.
المفردات:
{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} : أوَ لَمْ يبين لهم، والواو عاطفة على مقدر يقتضيه المقام، والتقدير: أغفلوا ولم يهد لهم، وفاعل (يهد) ضمير يشير إليه ما بعده.
{كَمْ أَهْلَكْنَا} : و (كم) في محل النصب بأهلكنا، ولا يصح أن يكون فاعلًا ليهد، لأن اسم الاستفهام. لا يحمل فيه ما قبله عند الجمهور، وأجازه الفراء، وهو رأي ضعيف، ومفعول (يهد) مقدر، والتقدير: أو لم يبين لهم الحق كثرة من أهلكنا
…
إلخ.
{مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ} : جمع قرن وهو الجيل من الناس.
{إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} : وهي اليابسة التي لا نبات فيها؛ لأنه جُرِز نباتها، أي: قُطِع، إما لعدم المطر، وإما لأنه رعى وأُزيل، ولا يقال للتي لا تنبت، كالسباخ جمع سَبْخة، لا يقال لها: جرز، والسبخة - مسكنة ومحركة -: أرض ذات نَزّ (1) وملح: اهـ.
التفسير
26 -
{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
أَفَلَا يَسْمَعُونَ}:
الهمزة للإنكار، والمعنى: أتركوا الاتعاظ، ولم يبين لهم الحق كثرة من أهلكنا قبلهم من القرون الكافرة المعروفة لهم كعاد وثمود وقوم لوط، أهلكناهم بتكذيبهم الرسل، ومخالفتهمم إياهم فيما جاؤهم به من قويم السبل، فلم تبق منهم باقية، كما قال - تعالى -:{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (2) وهؤلاء المكذبون من أهل مكة يمرون
(1) النز: ما يتحلب من الأرض من الماء: قاموس.
(2)
الآية 98 من سورة مريم.
في أسفارهم للتجارة بديار وبلاد أولئك المكذبين المهلكين، ويشاهدون آثار هلاكهم. ويمشون في مساكنهم فلا يرون فيها أحدًا ممن كان يسكنها ويعمرها {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} (1) وكان عليهم أن يعتبروا بهذه القرون المعاقَبة قبلهم.
إن فيما حل بأولئك الطغاة من هلاك ودمار بسبب تكذيبهم الرسل إغفال ما جاءهم من الآيات البينات، وهي عظيمة في نفسها، كثيرة في عددها {أَفَلَا يَسْمَعُونَ} أي: أَصَموا فلا يسمعون آيات الله وعظاته وأخبار من تقدم من الأُمم سماع تدبر واتعاظ، ليثوبوا إلى رشدهم، ويقبلوا على طاعة ربهم؟
27 -
المعنى: أعَمُوا ولم يشاهدوا كمال قدرتنا بسَوْق السحاب الحامل للماء، أو بسوق نفس الماء بالسيل أو بإجرائه في الأنهار، نسوقه إلى الأرض الجرز وهي اليابسة التي لا نبات فيها لانقطاع الماء عنها أو لرعيه أو إزالته، نسوق الماء إليها لنحييها بعد موتها، فنخرج بالماء زرعًا - ويراد به النبات مطلقًا مزروعًا أو غير مزروع - نخرجه به ليكون غذاء تأكل منه أنعامهم كالكلأ (2) والعشب والتبن والحبوب الخاصة بها، وتأكل منه أنفسهم، كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان والخضراوات والفواكه {أَفَلَا يُبْصِرُونَ} هذا بأَعينهم، وينظرون إليه نظر تفكر وتدبر، فيستدلوا به على كمال قدرته - تعالى - على إحياء الموتى بالبعث، وعلى فضله وإحسانه إلى خلقه؟!.
وقدم الأنعام في الآية على أنفسهم لأن انتفاعها مقصور على الزرع، وأما الإنسان فقد يتغذى بغيره، وجعلت الفاصلة هنا (يبصرون) لأن ما قبلها مرئي، وفي الآية السابقة يسمعون لأن ما قبلها مسموع، وقيل: ترقيًا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر: ذكر ذلك الآلوسي.
(1) الآية 92 من سورة الأعراف.
(2)
الكلأ: العشب رطبه ويابسه.
المفردات:
{يَوْمَ الْفَتْحِ} الفتح: الفعل، ويوم الفتح هو يوم القيامة، فهو وم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم، وقيل: يوم بدر، أو فتح مكة.
{وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} أي: يؤخرون ويمهلون للتوبة.
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: عن سفههم، ولا تُجبْهُم إلَاّ بما أمرناك به.
{إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} أي: منتظرون هلاككم، وسيأتي لذلك مزيد بيان.
التفسير
28 -
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} :
المعنى: كان المشركون من أهل مكة يقولون للنبي وللمؤمنين على وجه التكذيب والاستهزاء: متى هذا الفتح؟ إذا سمعوهم يقولون لهم: إن الله سيفتح لنا عليكم بالفصل بيننا وبينكم في الخصومة فيثيب المحقين، ويعاقب المبطلين.
وهذه الآية مرتبطة بقوله - تعالى -: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (1).
29 -
{قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} :
المعنى: قل لهم - أيها النبي تقريعًا لهم، وبيانًا للحق الثابت -: يوم الفتح، أي: يوم
(1) الآية 25 من هذه السورة.
القضاء والفصل بين المؤمنين وأعدائهم في القيامة إذا حل بهم لا ينفع نفسًا إيمانها لفوات وقته، ولا هم يمهلون ويؤخرون من العذاب الذي يستحقونه ولو لحظة.
30 -
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} :
المعنى: فأعرض - أيها النبي - عن سفه هؤلاء المشركين، ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم وبلغ ما أُنزل إليك من ربك، وانتظر النصر عليهم وهلاكهم، فإن الله سينجز لك ما وعدك، وسينصرك على من خالفك نصرًا عزيرًا في الدنيا والآخرة، فهو - سبحانه - لا يخلف الميعاد.
وهم منتظرون أن تدور بكم الدوائر، وتصيبكم حوادث الزمان كقوله - تعالى -:{فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} (1)، وسيجدون غِبَّ ما ينتظرون فيك وفي أصحابك من وبيل عقاب الله لهم، وحلول عذابه بهم ما لا قبل لهم بدفعه.
وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي الإعراض عن المنكرين المستهزئين بالدعاة والمرشدين والمُضِيُّ في وعظهم وإرشادهم لعل الله يهديهم.
(1) من الآية 52 من سورة التوبة.