الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان للقراء الكرام
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد رسول الله، وعلى آله وصحبه أَجمعين وبعد: فقد بدأْنا - بتوفيق الله تعالى - تفسير النصف الثاني من القرآن الكريم، من قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
…
} من الآية 79 من سورة الكهف - كما وعدنا القراءَ - ووصلنا إِلى نهاية الآيتين: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} من سورة الصافات الآيتين 143، 144 وبهما ينتهي الحزب الخامس والأَربعون من القرآن العظيم، وبذلك يكون قد تم تفسير ثلاثة أَرباع القرآن الكريم.
وقد توفي في هذه الفترة فضيلة الأُستاذ الشيخ طه الساكت، والسيد الأُستاذ علي عبد العظيم، عضوا لجنة التفسير الوسيط - عليهما رحمة الله - وجزاهما أَحسن الجزاء على صالح أَعمالهما، وقد حل محلهما فضيلة الأُستاذ الشيخ محمَّد مرسي عامر، وفضيلة الأُستاذ الشيخ إبراهيم السويركي، وأَصبحت اللجنة مؤلفة كالآتي حسب ترتيب الحروف الهجائية:
1 -
الشيخ إبراهيم السويركي.
2 -
الشيخ سيد مصطفى شريف.
3 -
الشيخ عبد المهيمن الفقي.
4 -
الشيخ محمد مرسي عامر.
5 -
الشيخ مصطفى محمَّد الحديدي الطير.
ويقوم فضيلة الشيخ مصطفى محمَّد الحديدي الطير بتنسيق أَعمال هذه اللجنة ويتولى رياستها، وقد عرف القراء - ممَّا صدر من تفسيرها الأَحزاب التي طبعت - أَن اللجنة عند التزامها إِخراج التفسير خاليا من التعقيد والمصطلحات الفنية، إِلَاّ ما تدعو إليه شدة الضرورة،
كما عرفوا خلوه من الإسرائيليات والآراء الهابطة، كما أدركوا تقاربه بفضل التنسيق الدقيق والمراجعة اللذين يتولاهما رئيس اللجنة.
ونحن لا ندعي الكمال فيما قدمناه للقراءِ الكرام.، كما لا ندعي خلوه من الخطأ، فالعصمة لله ولرسوله، وحسبنا أَننا بذلنا فيه الوسع، ورجونا فيه الأَجر من رب العالمين، وإننا لنشكر للقراءِ الكرام - في مصر والبلاد العربية - إِقبالهم على شراء ما يصدر منه من الطبعات.
وقد فرغت اللجنة من تأليف وتنسيق أكثر من ذلك، وهو تحت الطبع.
والله تعالى ولي التوفيق،
رئيس اللجنة
مصطفى محمَّد الحديدي الطير
عضو مجمع البحوث الإِسلامية
المفردات:
{فَنَبَذْنَاهُ} : فطرحنَاه وأَلقيناه.
{بِالْعَرَاءِ} : بالأَرض الفضاءِ.
{سَقِيمٌ} : مريض ضعيف البدن.
{يَقْطِينٍ} : شجرة القرع وليس لها ساق تقوم عليه.
التفسير
145 -
{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} :
ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أن يونس عليه السلام التقمه الحوت وهو مُلِيم لأَنه حين رأى العذاب لم ينزل بقومه، وكان قد توعدهم به تركهم وقال: لا أَرجع إِليهم كاذبًا، ولم يستأذن ربه في تركهم، ولولا أنه كان من المواظبين على تسبيح الله والدعاءِ لبقي في بطن الحوت إِلى يوم البعث، وفي هذه الآية الكريمة يقول - سبحان -:{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} بأَن حملنا الحوت على لَفْظِه وطرحه في الفضاءِ الواسع من الأَرض لا شجر فيه، ولا شىءَ يُغَطِّيه ويواريه من بناءٍ أَو سقف، وهو عليل واهن البدن خائر القوى مما أصابه، قال ابن عباس: كبدن الصبي حين يولد، قيل: إنه نبذه كل شط دِجْلة قرب مدينة "نينوى" والله أعلم بمكان طرحه في العراء.
146 -
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} :
أَي: وأَنبتناها عليه مُظِلَّة له كالخيمة، واليقطين: يفْعِيل من قَطَن بالمكان إِذا أَقام به، والمراد به على ما جاءَ عن ابن عباس في رواية: الدُّبَّاء، وهو الفرع
المعروف أَنبتها الله - تعالى - فَغَطَّته ووقَتْه غوائل الجو لأنها تجمع خِصالا عدَّة: برْد الظِّلِّ، ونعومة الملمس، وعظم الورق، وأَنَّ الذباب لا يقع عليها كما قيل، وكان عليه السلام لرقَّة جلده بمكثه في بطن الحوت يُؤْذيه الذباب، ومُماسَّة ما فيه خشونة، ويؤلمه حر الشمس، ويستطيب بارد الظل، فلطف الله - تعالى - به بذلك، وذكر الزمخشري أنه قيل لرسول الله: إنك لتحب القرع: قال: أجل هي شجرة أخي يونس.
وذكر القرطبي عن أَنس - رضى الله عنه - قال: قُدِّم للنبي صلى الله عليه وسلم مَرَقٌ فيه دُبَّاء وقَدِيد، فجعل يتَّبع الدُّبَّاءَ حول القصعة. قال أَنس: فلم أَزل أُحب الدُّبَّاءَ من يومئذ. أَخرجه الأَئمة - وقيل: اليقطين شجرة التين، وقيل: الموز، والأَكثر على أنه القرع، وعلى هذا يكون المولى - سبحانه - قد جعل لهذا القرع ساقًا عالية ليظلله ورقها، والله على كل شيءٍ قدير.
147 -
{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} :
بعد أَن أَبَلَّ يونس من مرضه، وعُوفي من ضعفه، وصح بدنه، أَرسلناه إلى عدد كبير يقول من يراه: إِنهم مائة ألف أَو يزيدون في مرأَى الناظر، والغرض الوصف بالكثرة، وقيل: لَفْظ {أَوْ} في قوله: {أَوْ يَزِيدُونَ} بمعنى الواو، أَي: ويزيدون مع استمرار التبليغ، والمراد بقوله - تعالى -:{وَأَرْسَلْنَاهُ} ما سبق من إِرساله إِلى قومه من أهل نينوى، حين كُفْرهم قبل أَن يؤمنوا، وقيل غير ذلك.
148 -
{فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} :
فاستجابوا جميعًا لدعوته، وآمنوا برسالته، واتبعوا النور الذي أُنزل معه بعد أن رأوا أمارات العذاب، فأَبقيناهم مُمتَّعين بمالهم وأَملاكهم، آمنين في سربهم، وبسطنا عليهم نعمتنا إِلى الوقت المعلوم حين تنقضي آجالهم. وكان يونس لا يعلم بأَنهم آمنوا فرفع عنهم العذاب روى عن عبد الله بن مسعود أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن يونس وعد قومه بالعذاب، وأَخبرهم أن يأْتيهم إِلى ثلاثة أَيام، ففرقوا بين كل والدة وولدها وخرجوا، فجاروا إلى الله واستغفروا فكف عنهم العذاب، وغدا يونس ينتظر العذاب فلم ير شيئًا، فخرج يونس مغاضبًا، فأَتى قومًا في سفينة فحملوه .. " انظر القرطبي.
المفردات:
{فَاسْتَفْتِهِمْ} : فاستخبر كفار مكة توبيخا لهم، وسلْهُم على سبيل الإِنكار عليهم.
{إِفْكِهِمْ} : كذبهم.
{أَصْطَفَى} : أَختار، وهو استفهام توبيخ.
التفسير
149 -
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} :
أَمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في صدر هذه السورة الكريمة بتبكيت قريش وإِبطال مذهبهم في إِنكار البعث بطريق الاستفتاءِ في قوله - تعالى -: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} (1) وساق البراهين الناطقة بأَنه سيتحقق لا محالة وبيَّن ما سوف يلقونه عند ذلك من فنون العذاب واستثنى منهم عباده المخلصين، وفصل - سبحانه - ما لهم من النعيم المقيم، ثم ذكر - سبحانه - أَنه قد ضلَّ مِنْ قبلهم أَكثر الأَوَّلين، وأَنه - تعالى - أَرسل إِليهم منذرين على وجه الإجمال، ثم أَورد قصص بعض الأَنبياءِ عليهم السلام بنوع تفصيل متضمنا كل منها ما يدل على فضلهم وعبوديتهم له عز وجل ثم أَمره صلى الله عليه وسلم بتبكيتهم بطريق الاستفتاءِ عن وجه ما زعموه من نسبة البنات إلى الله - تعالى - وقد قال بذلك
(1) سورة الصافات: من الآية 11.
جهينة، وبنو سلمة، وخزاعة وغيرهم، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، فجعلوا لله الإِناث، ولأَنفسهم الذكور في قولهم: الملائكة بنات الله، مع كراهيتهم الشديدة لهنّ، ووأدهن، واستنكافهم من ذكرهنّ، وقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أَنواع من الكفر:
أحدها: التَّجْسيم لأَن الولادة مختصة بالأَجسام، والثاني: تفضيل أَنفسهم على ربهم حيث جعلوا أَقل الجنسين في نظرهم له، وأَرفعها لهم كما قال - تعالى -:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} (1).
الثالث: أنهم استهانوا بالملائكة وهم أكرم خلق الله عليه، وأَقربهم إليه، حيث حكموا عليهم بالأُنوثة، ولو قيل لأَقلهم درجة وأَدناهم منزلة: فيك أُنوثة أَو نحوها لثار لكرامته، وللبس لقائله ثوب النمر.
150 -
{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} :
إِضراب وانتقال من التبكيت بالاستفتاءِ السابق إلى التبكيت بهذا، أَي: بل أَخلقنا الملائكة إناثًا وهم معاينون لخلقهم حتى حكموا هذا الحكم الباطل، فهم من أشرف الخلائق عند ربهم، وأَعظمهم بعدا عن الأنوثة، وقوله - تعالى -:{وَهُمْ شَاهِدُونَ} استهزاء بهم، وتجهيل لهم، ومثله قوله - تعالى -:{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} (2) فإن هذه الأمور لا تُعْلَم إلَاّ بالمشاهدة، إِذ لا سبيل إِلى معرفتها بطريق العقل ولا النقل، فلا بد أَن يكون القائل بأُنوثتهم شَاهد خَلقهم على هذه الصورة ليصح قوله، ولا سبيل لهم إلى ذلك.
151، 152 - {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)}:
استئناف من جهته - تعالى - غير داخل تحت الاستفتاءِ، سِيق لإِبطال أَصل مذهبهم الفاسد ببيان أَن مبناه الإفك والافتراء القبيح، من غير أن يكون لهم دليل ولا شبهة، وإِنهم لكاذبون فيما يتدينون به مطلقًا أو في هذا القول، والمعنى: تنبَّه أَيها السامع: إِنهم من كذبهم واختلاقهم ليقولون: ولد الله، بقولهم: الملائكة بنات الله، وهو المنزه
(1) سورة الزخرف: الآية 17.
(2)
سورة الزخرف: من الآية 19.
عن الوالدية والولدية، وإِنهم لكاذبون في هذا الادعاءِ بشهادة الأدلة على وحدانيته - تعالى -، والولد يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
153 -
{أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} :
أَي: أَي شيءٍ يحمله على أن يختار البنات - المكروهات في زعمكم - على البنين المحبوبين لديكم وهو - سبحانه - الخالق للبنات والبنبن، مثل ذلك قوله - تعالى -:{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} (1) والاستفهام للإنكار والتوبيخ، والمراد: إثبات إفكهم وتقرير كذبهم، ولهذا قال تبارك وتعالى:
154 -
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} :
ماذا أَصابكم حين حكمتم بغير دليل، كيف تحكمون هذا الحكم الفاسد مع وضوح بطلانه؟
155 -
{أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} :
أنسيتم دلائل القدرة والتنزيه المرْكوزة في كل العقول، فلا تتذكرون أنه لا يجوز أَن يكون له ولد حتى وقعتم في هذا الضلال؟
(1) سورة الإسراء: الآية 40.
المفردات:
{سُلْطَانٌ مُبِينٌ} : حجَّةٌ واضحة وبرهان على أَن الملائكة بنات الله.
{الْجِنَّةِ} : الملائكة لأَنهم يستجنُّون، أَي: يختفون ويستترون، أَو الجن.
التفسير
156 -
{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} :
إِضرابٌ وانتقال من توبيخهم بما ذكر بتكليفهم ما لا يدخل تحت الوجود أَصلًا، أَي: بل أَلكم حجة واضحة نزلت من السماء بأَن الملائكة بناته، ضرورة أَن الحكم بذلك لا بد له من دليل حسِّي أَو عقلي، وحيث انتفى كلاهما فلابد من سند نقلي له سلطان وقوة، ولا سبيل إلى ذلك.
157 -
{فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} :
أَي: هاتوا برهانًا على ذلك يكون مستندًا إلى كتاب منزل من السماء عن الله - تعالى - أَنه اتخذ ما تقولونه، ويكون ناطقا بصحة دعواكم إن كنتم صادقين فيها، والأَمر للتعجيز، وإضافة الكتاب إِليهم للتهكم، وفي الآيات السابقة من الإِنباءِ عن السخط العظيم، والإِنكار الشديد لأَقاويلهم، والاستبعاد لأَباطيلهم، وتسفيه أَحلامهم، مع استهزاءٍ بهم وتعجيب من قولهم ما لا يخفى على من تأَمَّل فيها.
158 -
التفات للغيبة للإِيذان بانقطاعهم عن الجواب، وسقوطهم عن درجة الخطاب، واقتضاء حالهم أَن يُعْرض عنهم، وتُحْكى لآخرين جناياتهم.
والمعنى: استمرأ المشركون غيَّهم، وتمادوا في باطلهم وضلالهم، وجعلوا بين الله سبحانه وتعالى وبين الجن المستورين عن العيون قرابة ومصاهرة، ووالله لقد علمت الجن إن الكفار لمحضرون إِلى الله - تعالى - لينالوا جزاءَ ما ارتكبوا من جرم، وما اجترحوا من إِثم، بسبب اعتقادهم الفاسد، أَخرج آدم بن أَبي إِياس، وعبد بن حميد، وابن جرير وغيرهم،
عن مجاهد قال كفار قريش: الملائكة بنات الله، فقال لهم أَبو بكر الصديق - على سبيل التبكيت -: فمن أُمهاتهن؟ فقالوا: بنات سروات الجِن، وروى هذا ابن أَبي حاتم: عن عطية، أَو أُريد وجعلوا بينه وبين الجِنَّة نسبًا حيث أَشركوهم به - تعالى - في استحقاق العبادة، وروى هذا عن الحسن حيث قال: أَشركوا الشيطان في عبادة الله، فهذا النسب الذي جعلوه.
159 -
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} :
أَي: تعالى الله وتقدَّس وتنزَّه عن أَن يكون له ولد، وعمَّا يصفه به الظالمون الملحدون المفترون من صفات النقص التي لا تليق بمقامه الكريم.
160 -
{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} :
لكن عباد الله المخلصين وهم المتبعون للحق المنزَّل على كل نبي ورسول برآءُ ممَّا يصفه به الكافرون، وهم ناجون من النار.
المفردات:
{بِفَاتِنِينَ} : بمضلين أَو مفسدين.
{صَالِ الْجَحِيمِ} : داخلها ومُقَاسٍ حرها.
{الصَّافُّونَ} : الواقفون في العبادة صفوفًا.
{الْمُسَبِّحُونَ} : المنزِّهُون الله - تعالى - عمَّا لا يليق بجلاله.
{ذِكْرًا} : كتابًا. أَو من يُذَكِّرُنا بأَمر الله أَو بكتابه.
التفسير
161، 162، 163 - {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)}:
عود إِلى خطاب المشركين، والضمير في (عليه) للهِ عز وجل.
والمعنى: فإِنكم ومعبوديكم من دون الله ما أَنتم وهم جميعًا على الله بفاتنين إلَاّ أَصحاب النار الذين سبق في علمه أَنهم لسوءِ اختيارهم يستوجبون أَن يصْلَوْها ويذوقوا حرَّها، ومعنى يفتنونهم على الله: يفسدونهم عليه بإِغوائهم واستهوائِهم، من قولك: فتن فلان على فلان امرأته أَي: أَفسدها.
ويجوز أَن تكون الواو في قوله: (وما تعبدون) بمعنى مع كما في قولهم: كل رجل وضيعته.
والمعنى: فإِنكم مع ما تعبدون، من دون الله {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَي: على الله {بِفَاتِنِينَ} أَي: بمضلين مفسدين {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} أَي: إلَاّ من هو ضال مثلكم معذب بالجحيم.
قال النَّحَّاس: أَهل التفسير مجمعون فيما علمت على أَن المعنى: ما أَنتم بمضِلِّين أَحدًا إلَاّ من قدَّر الله عز وجل أن يَضلَّ.
وفيها من المعاني أَن الشياطين لا يصِلُون إلى إضلال أَحد إلَاّ من كتب الله عليه أَنه لا يهتدى لسوءِ اختياره، ولو علم الله - جلَّ شأْنه - أَنه يهدي لحال بينه وبينهم.
164 -
{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} :
هذه الآية وما بعدها من قول الملائكة تعظيمًا لله عز وجل وإِنكارًا منهم عبادة من عبدهم، أَي: وما مِنَّا إِلَاّ له مقام معلوم في العبادة والعلم والرُّتْبة، والرُّجوع إِلى أَمر الله - تعالى -
في تدبير العالم مقصور عليه لا يتجاوزه، ولا يستطيع أَن ينزلَ عنه خضوعًا لعظمته - تعالى - وخشوعًا لهيبته - سبحانه - وتواضعًا لجلاله - جل شأْنه -.
والآية تشير إِلى أَنَّ الملَك لا يتعدَّى مقامه إِلى ما فوقه، ولا يهبط عنه إِلى ما دونه، قال مقاتل: هذه الثلاث الآيات {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} وما بعدها، نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى، فتأَخَّر جبريل، فقال النبي: أَهنا تفارقني؟ فقال: ما أَستطيع أَن أَتقدم من مكاني. وأَنزل الله - تعالى - حكاية عن قول الملائكة: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ
…
} إلى آخر الآيات.
165 -
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} :
أَي: وإِنَّا لنحن الصَّافون أَنفسنا في مواقف العبودية دائمًا، وقيل: الصافون أَقدامنا في الصلاة، وقيل: الصافون حول العرش ننتظر الأَمر الإِلهي، وأَخرج ابن أَبي حاتم عن الوليد ابن عبد الله بن مغيث قال: كانوا لَا يَصُفُّون في الصلاة حتى نزلت {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} ، وأَخرج مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فُضِّلْنا على الناس بثلاث: جُعِلَت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجُعِلت لنا الأَرض مسجدًا، وجُعِلت لنا تربتها طهورًا إذا لم نجد الماء، وليس يصطف أَحد من أَهل المِلل في صلاتهم غير المسلمين".
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سَمُرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد فقال: "أَلَا تَصُفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها، فقلنا: يا رسول الله، كيف تَصُفُّ الملائكة عند ربها؟ قال: يُتِمُّون الصفوف الأُوَل، ويتراصُّون في الصف". وقال أَبو نَضرة: كان عمر رضي الله عنه إذا أُقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ثم قال: "أَقيموا صفوفكم، استووا قيامًا يريد الله بكم هَدْي الملائكة، ثم يقول: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} تأَخر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبِّر".
166 -
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} :
أَي: المنزِّهون الله عمَّا لا يليق به - سبحانه - ويدخل فيه ما نسبه الكفرة إلى الله - تعالى - وقيل: أَي القائلون: سبحان الله، وأخرج عبد بن حُميد وغيره عن قتادة أَنه قال: المُسبِّحون، أَي: المصلُّون، ويقتضيه ما روى عن ابن عباس: أَنَّ كل تسبيح في القرآن بمعنى الصلاة، والأُسلوب يُفيد أَنهم المواظبون على ذلك من غير فُتور، وخواص البشر لا تخلو من الاشتغال بالمعاش، ولعلَّ الكلام لا يخلو عن تعريض بالكفرة.
قال الزمخشري: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} أَي: الْمُنَزِّهُن، أو المصَلُّون، والوجه أَن يكون وما قبله وهو قوله:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} كأَنَّه قيل: وقد علمت الملائكة وشهدوا: أَن المشركين محضرون يوم القيامة لعقابهم، وقالوا: سبحان الله، فنزِّهوه عن ذلك، واستثنوْا عباد الله المخلصين، وبرَّءُوهم منه، وقالوا للكفرة: إنَّكم وآلهتكم لا تقدرون أنْ تفتنوا على الله أحدًا من خلقه وتضلوه، إِلَاّ من كان مثلكم ممن علم الله أَنهم من أَهل النار لكفرهم، وكيف نكون مناسبين لرب العزة ويجمعنا وإياه جنس واحد، وما نحن إلَاّ عبيد أَذلَاّء بين يديه لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أَن يزلّ عنه خشوعًا لعظمته وتواضعًا لجلاله، ونحن الصَّافُّون أَقدامنا وأجنحتنا لعبادته، مذعنين خاضعين مسبِّحين مُمَجِّدِين كما يجب على العباد لربهم.
167، 168، 169 - {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)}:
عود إِلى الإِخبار عن المشركين: بأَنهم كانوا قبل بعثة محمَّد صلى الله عليه وسلم يقولون:
لو أَنَّ عندنا ذكرًا، أَي: كتابا من كتب الأَولين الذين أُنزل عليهم التوراة والإِنجيل؛ لأَخلصنا
العبادة لله، ولما كذَّبنا كما كذبوا، وخالفنا كما خالفوا، وقيل: كانوا يتمنون قبل أَن تُبعث يا محمد لو كان عندهم من يذكِّرهم بأَمر الله، وما كان من أَخبار القرون الأُولى، ويأْتيهم بكتاب من عند الله، إذا لاتَّبعوه، ولما حاربوه، فجاءَهم نبي هو خير الأَنبياءِ، وسيد المرسلين، ومعه كتاب مُعجز مهيمن على سائر الكتب والأَخبار، وهو القرآن الكريم، كتاب الله الذي لا يأْتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه، حوى الخير والسعادة للبشرية كلها.
170 -
{فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} :
فجاءَهم الكتاب الذي تمنوه وطلبوه فكفروا به، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، وما يجعل بهم من الانتقام، وهو وعيد أَكيد، وتهديد شديد على كفرهم بربهم، وتكذيبهم لكتابه ورسوله.
المفردات:
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} : فأَعرض عن كفار مكة.
{حَتَّى حِينٍ} : إلى الوقت الذي أمهلوا فيه، أَو إِلى بدر أَو فتح مكة.
{بِسَاحَتِهِمْ} : بفنائِهم، والمراد: بهم.
{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} أَي: فبئس الصباح صباحهم.
التفسير
171، 172، 173 - {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)}:
استئناف مُقرِّر للوعيد، وتصديره بالقسم لتمام العناية بتحقيق مضمونه، أَي: وبالله لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين بالنصرة والغلبة على الكافرين، والكلمة هي قوله - تعالى -:{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} وإِنما سماها كلمة وهي كلمات عدة؛ لأَنَّها لمَّا انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة. وقُرئ: كلماتنا، والمراد: الوعد بعلوِّهم على عدوهم في مقام الحِجاج، وملاحم القتال في الدنيا، وعلوهم على غيرهم في الآخرة، كما قال - تعالى -:{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1) ولا يلزم انهزامهم في بعض المشاهد، وما جرى على بعضهم من القتل؛ لأَن قاعدة أَمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة وإن وقع في تضاعيف ذلك شَوْبٌ من البلاءِ والمحنة، فالحكم للغالب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:"إن لم يُنْصروا في الدنيا نصروا في الآخرة".
174 -
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} :
أَي: فأَعرض عن كفار مكة، واصبر على أَذاهم لك، وانتظر إِلى وقت مؤَجل، فإنا سنجعل لك العاقبة والنصرة عليهم، والظفر بهم، وذلك يوم بدر، أَو فتح مكة، والأَخير هو الظاهر، فإنه صلى الله عليه وسلم قد نصر عليهم نهائيا في فتح مكة؛ ودخلوا في دين الله أَفواجا، وصدق الله إذ يقول:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ونميت} فقد أَحياهم الله بالإِسلام.
175 -
{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} :
وأَبصر ما يكونون عليه يوم القيامة من العذاب فسوف يُبصرون ما يكون لك من مزيد الثواب، أَو المراد: وأَبصرهم يوم القيامة وهم يعذبون، فسوف يبصرون ويندمون حين لا ينفعهم ذلك، وفي ذكر ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتنفيس عنه.
(1) سورة البقرة: من الآية 212.
176 -
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} : استفهام توبيخ:
والمعنى: أَسلبوا عقولهم فبعذابنا يستعجلون؟ فكأَنه يقول: لا تستعجلوه فإِنه واقع بكم، إِن استمررتم على كفركم وتكذيبكم لرسولكم، ورُوى أَنه لَمَّا نزل {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} قالوا: متى ذلك؟ فنزلت.
177 -
{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} :
أَي: فإِذا نزل العذاب الموعود بساحتهم وحل بهم وهم مصرون على الكفر فبئس صباح المنذرين صباحُهم، رُوى في الصحيحين: عن أَنس رضي الله عنه قال: لما أَتَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ وكانوا خارجين إلى مزارعهم ومعهم الْمسَاحِي قالوا: محمَّد والخميس، ورجعوا إِلى حصنهم، فقال صلى الله عليه وسلم "الله أَكبر خربت خيبر، إِنَّا إِذا نزلنا بساحة قوم {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} .
قال الزمخشري: مَثَّل العذاب النازل بهم بعد ما أُنْذِرُوه فأَنكروه بجيش أَنذر بعضُ النصحاءِ قومه بهجومه عليهم فلم يلتفتوا إِلى إِنذارهم، ولا أَخذوا أهبتهم، ولا دبَّروا أَمرهم تدبيرًا ينجيهم حتى أَناخ بفنائهم بغتة، فشنَّ عليهم الغارة، وقطع دابرهم، وكانت عادة مغاويرهم أَن يغيروا صباحًا فسميت الغارة صباحًا وإِن وقعت في وقت آخر، وما فَصُحَتْ هذه الآية ولا كانت لها الرَّوْعة التي تحسُّ بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك إلا لمجيئها على طريق التمثيل. اهـ: كشاف بتصرف.
178 -
{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} :
أَي: أَعرض عنهم إلى وقت ينتهي فيه أَمرهم ولا تهتم بمعارضتهم وتكذيبهم إِياك.
179 -
{وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} :
أَي: أَبصر ما يستقبلك ويستقبلهم، فسوف يرون ما به يستعجلون، إِن استمروا على كفرهم.
والآية تسلية لرسول الله إثر تسلية، وتأْكيد لوقوع ما أُنذروا به عقب تأْكيد، مع ما في إِطلاق الفعلين عن المفعول من الإِيذان بأَن ما يبصره عليه السلام حينئذ من فنون المسرَّات وما يبصرونه من أنواع المضار لا يحيط به الوصف والبيان، ويجوز أن يراد بقوله - تعالى -:{وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
المفردات:
{سُبْحَانَ رَبِّكَ} : تنزيهًا لربِّك يا محمَّد عما يصفه به المشركون.
{الْعِزَّةِ} : الغلبة والقدرة.
التفسير
180 -
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} :
أَي: تنزيهًا لله - تعالى - عن كل ما يصفه به المشركون مما لا يليق بكبريائه وجبروته، مما حكى عنهم في السورة الكريمة "كاتِّخَاذ الصَّاحبة والولد" وزعمهم أن الله لن ينصره عليهم وكأَنه قيل: سبحان من هو مربِّيك ومكمِّلك ومن له العِزةُ والغلبة والبطش على الإِطلاق عما يصفه به المشركون، وما يلحقونه به من الأُمور التي منها: ترك نصرتك عليهم، كما يدل عليه استعجالهم بالعذاب والمقصود من قوله:{رَبِّ الْعِزَّةِ} أَنَّهَا لَهُ - تعالى - وحده، وما من عزة لأَحد من الملوك وغيرهم إلا وهو عز وجل ربُّهَا ومالكها.
قال الزمخشري: أُضيف الرب إلى العزة لاختصاصه - تعالى - بها، كأَنَّه قيل: ذي العزة، كما تقول: صاحب صدق لاختصاصه بالصدق.
181 -
{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} :
تشريف للرسل كلهم بعد تنزيهه - تعالى - لنفسه عمَّا ذُكر، وتنويه بشأْنهم وإِيذان بأَنهم سالمون من كل المكاره، فائزون بكل المآرب، لهم أَمن الله عز وجل في الدنيا ويوم الفزع الأَكبر؛ لأَنهم الذين بلَّغوا عن الله الشرائع، ونشروا رسالة السماءِ إِلى الأَرض، وكانوا رواد الناس إلى الصراط المستقيم، والطريق القويم.
182 -
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} :
إشارة إِلى وصفه - تعالى - بصفاته الكريمة الثبوتية، بعد التنبيه على اتصافه عز وجل بجميع صفاته السلبية، والمعنى: والثناء لله وحده. خالق العالمين ومربيهم على موائد كرمه، القائم على الخلق أَجمعين، وقال القرطبي:(الحمد لله رب العالمين) أَي: على إِرسال الرسل مبشرين ومنذرين، وقيل: على هلاك المشركين، ودليله:{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1).
قلت: والكل مراد، والحمد يعمُّ. اهـ "بتصرف يسير".
والمراد من هذه الآيات: تنبيه المؤمنين على كيفية تسبيحه - سبحانه - وتحميده والتسليم على رسله عليه السلام ولعلَّ توسيط التسليم على المرسلين بين تسبيحه - تعالى - وتحميده لختم السورة الكريمة بحمده - تعالى - على ما فيه من الإشعار بأَن توفيقه - تعالى - للتسليم على المرسلين من جملة نعمه الموجبة للحمد.
(1) سورة الأنعام: الآية 45.
وهذه الآيات من الجوامع والكوامل، ووقوعها في موقعها هذا ينادي بأَنه كلام من له الكبرياءُ ومنه العزة جل جلاله وعمَّ نواله، وقد أَخرج الخطيب: عن أَبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد أَن يسلم: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} وأَخرج ابن أَبي حاتم: عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سرَّه أَن يُكْتَال له بالمكيال الأَوفى من الأَجْرِ يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أَن يقوم: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} .