الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ (1) : أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى (2) عَلَيْهِ إِمَامٌ عَادِلٌ يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ، وَيَكُونُ غَالِبًا ; فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْعَدْلِ يَتَوَلَّوْنَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ (3)، كَمَا كَانَ فِي مَدِينَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ حُكْمِهِ ذِمِّيُّونَ وَمُنَافِقُونَ. وَكَذَلِكَ كَانَ تَحْتَ وِلَايَةِ عَلِيٍّ كُفَّارٌ وَمُنَافِقُونَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 56] ; فَلَوْ أَرَادَ الْإِمَارَةَ لَكَانَ الْمَعْنَى: إِنَّ كُلَّ مَنْ تَأْمَّرَ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا يَكُونُونَ مِنْ حِزْبِهِ الْغَالِبِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ تَحْتَ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ، مَعَ كَوْنِهِ لَا يَتَوَلَّاهُمْ بَلْ يُبْغِضُهُمْ.
[فصل البرهان الثاني " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " والجواب عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ (4) : " الْبُرْهَانُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67](5)، اتَّفَقُوا فِي نُزُولِهَا فِي عَلِيٍّ. وَرَوَى (6) أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ - مِنَ الْجُمْهُورِ - بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (7) . وَمِنْ تَفْسِيرِ
(1) ن: السَّابِعَ عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(2)
م: يَتَوَلَّى.
(3)
ب: وَالْكُفَّارِ.
(4)
فِي (ك) ص 149 (م) .
(5)
ن، م: رِسَالَاتِهِ.
(6)
ك: فِي عَلِيٍّ عليه السلام، رَوَى.
(7)
ك: عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي عَلِيٍّ عليه السلام.
الثَّعْلَبِيِّ قَالَ: مَعْنَاهُ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَهُ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ مَوْلَاهُ» . وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبَاقِي الصَّحَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ مَوْلَاهُمْ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ.
وَمِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ (1) : «لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغَدِيرِ خُمٍّ نَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَقَالَ:" مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ " فَشَاعَ ذَلِكَ وَطَارَ فِي الْبِلَادِ (2) ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى أَتَى الْأَبْطَحِ، فَنَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَأَنَاخَهَا فَعَقَلَهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3) - وَهُوَ فِي مَلَأٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَرْتَنَا عَنِ اللَّهِ أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ; فَقَبِلْنَا (4) مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ خَمْسًا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا (5) فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نَصُومَ شَهْرًا (6) فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرَتْنَا أَنْ نَحُجَّ الْبَيْتَ فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. ثُمَّ لَمْ تَرْضَ
(1) ك الثَّعْلَبِيِّ قَالَ.
(2)
ن، س، ب: بِالْبِلَادِ.
(3)
ك: وَعَقَلَهَا وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
(4)
ك: فَقَبِلْنَاهُ.
(5)
ك: أَنْ نَصُومَ شَهْرًا.
(6)
ك: أَنْ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا.
بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَيِ (1) ابْنِ عَمِّكَ وَفَضَّلْتَهُ عَلَيْنَا، وَقُلْتَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ (2) . وَهَذَا مِنْكَ (3) أَمْ مِنَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهِ (4) الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (5) ، فَوَلَّى الْحَارِثُ (6) يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ (7) مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ عَلَى هَامَتِهِ وَخَرَجَ (8) مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَنْزَلَ (9) اللَّهُ تَعَالَى:{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} . {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ} » [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 1 - 3] . وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ النَّقَّاشُ مِنْ عُلَمَاءِ الْجُمْهُورِ فِي تَفْسِيرِهِ ".
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ كَذِبًا وَفِرْيَةً مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَوْلُهُ:" اتَّفَقُوا عَلَى نُزُولِهَا فِي عَلِيٍّ " أَعْظَمُ كَذِبًا مِمَّا قَالَهُ فِي تِلْكَ الْآيِهِ. فَلَمْ يَقُلْ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، الَّذِينَ يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ.
(1) ن، م: بِضْعِى، س: بِضْعٍ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الضَّبْعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ: وَسَطَ الْعَضُدِ بِلَحْمِهِ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْعَضُدُ كُلُّهَا، وَقِيلَ: الْإِبِطُ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْإِبِطِ إِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ مِنْ أَعْلَاهُ، تَقُولُ: آخُذُ بِضَبْعَيْهِ، أَيْ: بِعَضُدَيْهِ.
(2)
ك: فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ.
(3)
ك: فَهَذَا شَيْءٌ مِنْكَ.
(4)
ك: فَقَالَ: وَاللَّهِ.
(5)
ن: هُنَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، ك ص 150 م: إِنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، س، ب: أَمْرُ اللَّهِ.
(6)
ك: الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ.
(7)
م: إِنْ كَانَ هُوَ الْحَقَّ، ك: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، وَسَقَطَتْ (مِنْ عِنْدِكَ) .
(8)
ك: فَخَرَجَ.
(9)
ك: فَأَنْزَلَ.
وَأَمَّا مَا (1) يَرْوِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْحِلْيَةِ " أَوْ فِي " فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ " وَالنَّقَّاشُ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَنَحْوُهُمْ فِي التَّفْسِيرِ، فَقَدِ (2) اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ فِيمَا (3) يَرْوُونَهُ كَثِيرًا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ الَّذِي رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (4) هُوَ مِنَ الْمَوْضُوعِ، وَسَنُبَيِّنُ أَدِلَّةً يُعْرَفُ بِهَا أَنَّهُ (5) مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ [الثَّعْلَبِيُّ](6) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ * بِالْحَدِيثِ.
وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّا نَذْكُرُ قَاعِدَةً فَنَقُولُ: الْمَنْقُولَاتُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الصِّدْقِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْكَذِبِ * (7) ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا إِلَى أَهْلِ عِلْمِ الْحَدِيثِ (8) ، كَمَا نَرْجِعُ إِلَى النُّحَاةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الْعَرَبِ وَنَحْوِ غَيْرِ الْعَرَبِ (9) ، وَنَرْجِعُ إِلَى عُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِيمَا هُوَ مِنَ اللُّغَةِ وَمَا لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ عُلَمَاءُ الشِّعْرِ وَالطِّبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلِكُلِّ عِلْمٍ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهِ،
(1) س، ب: وَمَا.
(2)
س، ب: قَدْ.
(3)
ن، م، س: أَنَّ مَا.
(4)
سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيِّ الثَّعْلَبِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 427 فِيمَا مَضَى 2/27 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ " الْكَشْفَ وَالْبَيَانَ " فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ " غَيْرُ مَطْبُوعٍ. وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا: " طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ " لِلدَّاوُدِيِّ 1/65 - 66، " مُعْجَمَ الْمُؤَلِّفِينَ " 2/60، وَذَكَرَ بُرُوكْلِمَانُ فِي مَقَالَتِهِ عَنِ الثَّعْلَبِيِّ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، عَنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ: وَقَدْ نَقَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ تَغْرِي بَرْدِي لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيهِ بِالرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ وَخَاصَّةً فِي السُّوَرِ الْأُولَى. وَانْظُرِ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 12/40 حَيْثُ يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَكَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَاسِعَ السَّمَاعِ، وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنَ الْغَرَائِبِ شَيْءٌ كَثِيرٌ.
(5)
أَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(6)
الثَّعْلَبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَبِهَا يَتِمُّ الْكَلَامُ.
(7)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(8)
إِلَى عِلْمِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، س، ب: إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ.
(9)
س، ب: وَغَيْرِ نَحْوِ الْعَرَبِ.
وَالْعُلَمَاءُ بِالْحَدِيثِ أَجَلُّ هَؤُلَاءِ قَدْرًا (1) ، وَأَعْظَمُهُمْ صِدْقًا، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، وَأَكْثَرُ دِينًا.
وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ صِدْقًا وَأَمَانَةً، وَعِلْمًا وَخِبْرَةً، فِيمَا يَذْكُرُونَهُ عَنِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، مِثْلَ مَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالْعِجْلِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَبِي حَاتِمٍ (2) الْبَسْتِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ: خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّجَالِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَعْدَلَ مِنْ بَعْضٍ فِي وَزْنِ كَلَامِهِ، كَمَا أَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ كَذَلِكَ.
وَقَدْ صَنَّفَ لِلنَّاسِ كُتُبًا فِي نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ: كِبَارًا وَصِغَارًا، مِثْلَ الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ، وَتَارِيخَيِ الْبُخَارِيِّ، وَالْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَبْلَهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِ، وَكِتَابِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَابْنِ أَبِيِ حَاتِمٍ، وَكِتَابِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَكُتُبِ (3) أَبِي حَازِمٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
وَصُنِّفَتْ كُتُبُ الْحَدِيثِ تَارَةً عَلَى الْمَسَانِدِ، فَتَذْكُرُ مَا أَسْنَدَهُ الصَّاحِبُ (4) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي دَاوُدَ
(1) س، ب: أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ.
(2)
، ب: وَأَبِي حَامِدٍ، وَهُوَ خَطَأُ.
(3)
س، ب: وَكِتَابِ.
(4)
ب: الصَّحَابِيُّ.
الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِيِ عُمَرَ، وَالْعَدَنِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، وَأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَتَارَةً عَلَى الْأَبْوِابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَدَ مَقْصِدَهُ الصَّحِيحَ (1) كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَّجَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، كَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْبَرْقَانِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ أَحَادِيثَ السُّنَنِ، كَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ الْجَامِعَ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ الْفَضَائِلُ وَغَيْرُهَا، كَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَهَذَا عِلْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَعْظَمِ عُلُومِ الْإِسْلَامِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ أَقَلُّ مَعْرِفَةً بِهَذَا الْبَابِ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ أَجْهَلُ مِنْهُمْ بِهِ، فَإِنَّ سَائِرَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ - كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ - * مُقَصِّرُونَ (2) فِي مَعْرِفَةِ هَذَا، وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ، أَعْلَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَالْخَوَارِجُ أَعْلَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَالْخَوَارِجُ * (3) أَصْدَقُ مِنَ الرَّافِضَةِ وَأَدْيَنُ وَأَوْرَعُ، بَلِ الْخَوَارِجُ لَا نَعْرِفُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ، بَلْ هُمْ [مِنْ](4) أَصْدَقِ النَّاسِ.
وَالْمُعْتَزِلَةُ - مِثْلُ سَائِرِ الطَّوَائِفِ - فِيهِمْ مَنْ يَكْذِبُ وَفِيهِمْ مَنْ يَصْدُقُ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْعِنَايَةِ بِالْحَدِيثِ وَمَعْرِفَتِهِ (5) مَا لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَدَيَّنُونَ (6) بِهِ (7) فَيَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ الصِّدْقُ.
(1) ن: مَنْ قَصَدَ قَصْدَ الصَّحِيحِ، س، ب: مَنْ قَصَدَ الصَّحِيحَ.
(2)
س، ب: يُقَصِّرُونَ.
(3)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(4)
مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(5)
س، ب: وَمَعْرِفَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
ب: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَتَدَيَّنُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(7)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
وَأَهْلُ الْبِدَعِ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ ابْتَدَعُوهَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا (1) ، وَلَا يَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ، بَلْ وَلَا الْقُرْآنَ، فِي أُصُولِهِمْ [إِلَّا](2) لِلِاعْتِضَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ.
وَالرَّافِضَةُ أَقَلُّ مَعْرِفَةً وَعِنَايَةً بِهَذَا، إِذْ (3) كَانُوا لَا يَنْظُرُونَ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا فِي سَائِرِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ: هَلْ (4) تُوَافِقُ ذَلِكَ أَوْ تُخَالِفُهُ؟ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ لَهُمْ أَسَانِيدُ مُتَّصِلَةٌ صَحِيحَةٌ قَطُّ، بَلْ كُلُّ إِسْنَادٍ مُتَّصِلٌ لَهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْ (5) هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ أَوْ كَثْرَةِ الْغَلَطِ.
وَهُمْ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِسْنَادٌ. وَالْإِسْنَادُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ هُوَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَالرَّافِضَةُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عِنَايَةً ; إِذْ (6) كَانُوا لَا يُصَدِّقُونَ إِلَّا بِمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، وَعَلَامَةُ كَذِبِهِ أَنَّهُ (7) يُخَالِفُ هَوَاهُمْ ; وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْتُبُونَ مَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ، وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا مَا لَهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَهُمْ كَانُوا كَثِيرِي (8) الْكَذِبِ، فَانْتَقَلَتْ أَحَادِيثُهُمْ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ التَّمْيِيزُ إِلَّا بِتَصْدِيقِ الْجَمِيعِ أَوْ تَكْذِيبِ الْجَمِيعِ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ غَيْرُ الْإِسْنَادِ.
(1) ب: ابْتَدَعُوهَا وَاعْتَمَدُوهَا.
(2)
إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (س) .
(3)
ن، م، س، ب: إِذَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.
(4)
س: بَلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
س، ب: مَا.
(6)
ن، س، ب: إِذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(7)
ن، م: أَنْ.
(8)
ن، م، س: كَثِيرِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
فَيُقَالُ: مَا يَرْوِيهِ مِثْلُ أَبِي نُعَيْمٍ وَالثَّعْلَبِيِّ وَالنَّقَّاشِ وَغَيْرِهِمْ (1) : أَتَقْبَلُونَهُ مُطْلَقًا؟ أَمْ تَرُدُّونَهُ مُطْلَقًا؟ أَمْ تَقْبَلُونَهُ إِذَا كَانَ لَكُمْ [لَا عَلَيْكُمْ](2) ، وَتَرُدُّونَهُ إِذَا كَانَ عَلَيْكُمْ؟ فَإِنْ تَقْبَلُوهُ (3) مُطْلَقًا، فَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَهٌ فِي فَضَائِلِ (4) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ تُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ. وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَّلِ " الْحِلْيَةِ " فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، وَفِي كِتَابِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَحَادِيثَ بَعْضُهَا صَحِيحَةٌ وَبَعْضُهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ مُنْكَرَةٌ (5) . وَكَانَ رَجُلًا عَالِمًا بِالْحَدِيثِ فِيمَا يَنْقُلُهُ، لَكِنْ هُوَ وَأَمْثَالُهُ يَرْوُونَ مَا فِي الْبَابِ، لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَى كَالْمُفَسِّرِ الَّذِي يَنْقُلُ أَقْوَالَ النَّاسِ فِي التَّفْسِيرِ، وَالْفَقِيهِ الَّذِي يَذْكُرُ الْأَقْوَالَ فِي الْفِقْهِ، وَالْمُصَنِّفِ الَّذِي يَذْكُرُ حُجَجَ النَّاسِ، لِيَذْكُرَ مَا ذَكَرُوهُ (6) ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْتَقَدُ صِحَّتُهُ، بَلْ يُعْتَقَدُ ضَعْفُهُ ; لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا نَقَلْتُ مَا ذَكَرَ غَيْرِي، فَالْعُهْدَةُ (7) عَلَى الْقَائِلِ لَا عَلَى النَّاقِلِ.
وَهَكَذَا كَثِيرٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الْعِبَادَاتِ، وَفَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ، وَغَيْرِ
(1) م: وَنَحْوِهِمْ.
(2)
لَا عَلَيْكُمْ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن، م: فَإِنْ قَبِلُوهُ.
(4)
فَضَائِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(5)
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ) فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/111 قَالَ الْخَطِيبُ: رَأَيْتُ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَشْيَاءَ يَتَسَاهَلُ فِيهَا ; مِنْهَا أَنَّهُ يُطْلِقُ فِي الْإِجَازَةِ أَخْبَرَنَا، وَلَا يُبَيِّنُ، قُلْتُ: هَذَا مَذْهَبٌ رَآهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، وَكَلَامُ ابْنِ مِنْدَهْ فِي أَبِي نُعَيْمٍ فَظِيعٌ لَا أُحِبُّ حِكَايَتَهُ، وَلَا أَقْبَلُ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ ; بَلْ هُمَا عِنْدِي مَقْبُولَانِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُمَا ذَنْبًا أَكْثَرَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا الْمَوْضُوعَاتِ سَاكِتِينَ عَنْهَا، وَانْظُرْ:" لِسَانَ الْمِيزَانِ " 1/201 - 202
(6)
م: مَا يَذْكُرُوهُ.
(7)
ن، س، ب: فَالْعَهْدُ.
ذَلِكَ: يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا يَذْكُرُونَ [أَحَادِيثَ](1) فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ، عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيَذْكُرُونَ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ (2) جُمُعَةٍ مِنْهُ، وَأَلْفِيَّةَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَكَمَا يَذْكُرُونَ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ مَا وَرَدَ مِنَ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَفَضَائِلِ الْمُصَافَحَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ وَالِاغْتِسَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُونَ فِيهَا صَلَاةً.
وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَمْ يَصِحَّ فِي عَاشُورَاءَ إِلَّا فَضْلُ صِيَامِهِ. قَالَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ (3) يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» ؟ فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ (4) .
وَقَدْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ - غَيْرُ وَاحِدٍ، مِثْلُ خَيْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَطْرَابُلْسِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا قَبْلَ أَبِي نُعَيْمٍ. يَرْوِي عَنْهُ إِجَازَةً. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ جَرَوْا عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ يُصَنِّفُ فِي الْأَبْوِابِ: أَنَّهُ يَرْوِي مَا سَمِعَهُ فِي هَذَا (5) الْبَابِ.
(1) أَحَادِيثَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)، وَفِي (ب) : كَمَا يَذْكُرُونَ فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ أَحَادِيثَ.
(2)
لَيْلَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(3)
ن، م: أَهْلِهِ.
(4)
ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَنْسُوبٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 2/109 - 110 وَقَالَ: مَوْضُوعٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَضَعَهُ وَرَكَّبَهُ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ وَضَعَّفَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6/256
(5)
ن، م: ذَلِكَ.
وَهَكَذَا الْمُصَنِّفُونَ فِي التَّوَارِيخِ، مِثْلَ " تَارِيخِ دِمَشْقَ " لِابْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، إِذَا ذَكَرَ تَرْجَمَةَ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ غَيْرِهِ (1) يَذْكُرُ كُلَّ مَا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، فَيَذْكُرُ لِعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضْلِهِمَا مَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَلَكِنْ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَمُعَاوِيَةُ لَيْسَ لَهُ بِخُصُوصِهِ فَضِيلَةٌ فِي الصَّحِيحِ، لَكِنْ قَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَتَبُوكَ، وَحَجَّ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، فَهُوَ مِمَّنِ ائْتَمَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى كِتَابَةِ الْوَحْيِ، كَمَا ائْتَمَنَ غَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.
فَإِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ يَقْبَلُ كُلَّ مَا رَوَاهُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ، فَقَدْ رَوَوْا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تُنَاقِضُ مَذْهَبَهُمْ. وَإِنْ كَانَ يَرُدُّ الْجَمِيعَ، بَطَلَ احْتِجَاجُهُ بِمُجَرَّدِ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ [بِدُونِ الْمَذْهَبِ] إِلَيْهِمْ (2) . وَإِنْ قَالَ: أَقْبَلُ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبِي وَأَرُدُّ مَا يُخَالِفُهُ، أَمْكَنَ مُنَازِعُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ هَذَا، [وَكِلَاهُمَا](3) بَاطِلٌ، لَا يَجُوزُ أَنَّ يُحْتَجَّ عَلَى * صِحَّةِ مَذْهَبٍ بِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ بِدُونِ الْمَذْهَبِ، فَاذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى * (4) صِحَّتِهِ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّتَهُ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَذْهَبَ، امْتَنَعَ تَصْحِيحُ الْحَدِيثِ بِالْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ صِحَّةُ الْمَذْهَبِ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَصِحَّةُ الْحَدِيثِ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّةِ الْمَذْهَبِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرَ الْمُمْتَنِعَ.
(1) ب: أَوْ غَيْرِهِمْ.
(2)
بِدُونِ الْمَذْهَبِ إِلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)، وَفِي (ن) : بِمُجَرَّدِ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ إِلَيْهِمْ.
(3)
وَكِلَاهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(4)
) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
وَأَيْضًا فَالْمَذْهَبُ: إِنْ كُنْتَ عَرَفْتَ صِحَّتَهُ بِدُونِ هَذَا الطَّرِيقِ، لَمْ يَلْزَمْ صِحَّةَ هَذَا الطَّرِيقِ. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْذِبُ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ حَقًّا، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (1) قَوْلًا هُوَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) - فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ صِدْقًا فِي نَفْسِهِ (3) أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّتَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، امْتَنَعَ أَنْ تَعْرِفَ صِحَّةَ الطَّرِيقِ بِصِحَّتِهِ ; لِإِفْضَائِهِ إِلَى الدَّوْرِ.
فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يُعْلَمُ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَذْهَبُ مَعْلُومَ الصِّحَّةِ، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ.
وَأَيْضًا (4) فَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ وَإِنْصَافٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا صِدْقٌ وَكَذِبٌ (5) ، وَأَنَّ النَّاسَ كَذَبُوا فِي الْمَثَالِبِ وَالْمَنَاقِبِ، كَمَا كَذَبُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَبُوا فِيمَا يُوَافِقُهُ وَيُخَالِفُهُ.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي كَثِيرٍ مِمَّا رَوَوْهُ (6) فِي فَضَائِلِ أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، كَمَا كَذَبُوا فِي كَثِيرٍ مِمَّا رَوَوْهُ (7) فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَكْثَرُ كَذِبًا مِنَ الرَّافِضَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ (8) لَا يَكَادُونَ يَكْذِبُونَ، بَلْ هُمْ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ مَعَ بِدْعَتِهِمْ وَضَلَالِهِمْ.
(1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2)
سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(3)
م: مِنْ كَوْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَادِقًا فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(5)
ن، م: كَذِبٌ وَصِدْقٌ.
(6)
س، ب: مِمَّا يَرْوُونَهُ.
(7)
س: يَرْوُوهُ، ب: يَرْوُونَهُ.
(8)
س، ب: فَإِنَّ مِنَ الْخَوَارِجِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلَا يُصَدِّقُونَ بِالنَّقْلِ وَيُكَذِّبُونَ [بِهِ](1) بِمُجَرَّدِ مُوَافَقَةِ مَا يَعْتَقِدُونَ، بَلْ قَدْ يَنْقُلُ الرَّجُلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِيهَا فَضَائِلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَيَرُدُّونَهَا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا كَذِبٌ، وَيَقْبَلُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لِصِحَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ: إِمَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، أَوْ لَهَا تَفْسِيرٌ لَا يُخَالِفُونَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
فَالْأَصْلُ فِي النَّقْلِ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إِلَى أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَعُلَمَائِهِ، وَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فِي عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا يَعْلَمُونَ، وَأَنَّ يُسْتَدَلَّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الرِّوَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَهَذَا. وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ:" رَوَاهُ فُلَانٌ " لَا يَحْتَجُّ بِهِ: لَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَا الشِّيعَةُ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَحْتَجُّ بِكُلِّ حَدِيثٍ رَوَاهُ كُلُّ مُصَنِّفٍ، فَكُلُّ حَدِيثٍ يَحْتَجُّ بِهِ نُطَالِبُهُ مِنْ أَوَّلِ مَقَامٍ بِصِحَّتِهِ.
وَمُجَرَّدُ عَزْوِهِ إِلَى رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي تَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ، لَا [فِي](2) الصِّحَاحِ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ (3) وَغَيْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَذِبَ مِثْلِ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ.
وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ ظَنِّ مَنْ يَظُنُّ مِنَ الْعَامَّةِ - وَبَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي غِمَارِ الْفُقَهَاءِ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَنَحْوَهُ كَانُوا مِنْ قَبْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(2)
فِي: زِيَادَةٌ فِي (م) .
(3)
ب: الْمَسَانِدِ.
وَسَلَّمَ -، أَوْ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنَ التُّرْكُمَانِ أَنَّ حَمْزَةَ لَهُ مَغَازٍ عَظِيمَةٌ وَيَنْقُلُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إِلَّا بَدْرًا وَأُحُدًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمِثْلَ مَا يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ فِي مَقَابِرِ دِمَشْقَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّ سَلَمَةَ وَغَيْرَهَا، وَمِنْ أَصْحَابِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْدَمْ دِمَشْقَ، وَلَكِنْ كَانَ فِي الشَّامِ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونَهَا أُمَّ سَلَمَةَ، فَظَنَّ الْجُهَّالُ أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ. وَأُوَيْسٌ تَابِعِيٌّ لَمْ يَقْدَمِ الشَّامَ. \ 507 وَمِثْلَ مَنْ يَظُنُّ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ قَبْرَ عَلِيٍّ بِبَاطِنِ النَّجَفِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ - بِالْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا - يَعْلَمُونَ بُطْلَانَ هَذَا، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كُلٌّ مِنْهُمْ دُفِنَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِبَلَدِهِ، خَوْفًا عَلَيْهِ (1) مِنَ الْخَوَارِجِ أَنْ يَنْبُشُوهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا تَحَالَفُوا عَلَى قَتْلِ الثَّلَاثَةِ، فَقَتَلُوا عَلِيًّا وَجَرَحُوا مُعَاوِيَةَ.
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ (2) خَارِجَةُ، فَضَرَبَهُ الْقَاتِلُ يَظُنُّهُ عَمْرًا فَقَتَلَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ خَارِجَةُ، فَقَالَ: أَرَدْتُ عَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ خَارِجَةَ، فَصَارَ مَثَلًا.
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ يَعْلَمُونَ خِلَافَ ذَلِكَ.
(1) م: عَلَيْهِمْ.
(2)
ن، س، ب: إِنَّهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ (1) : فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ; فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ بِغَدِيرٍ يُدْعَى خُمًّا نَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، فَأَخَذَ بِيَدَيْ عَلِيٍّ وَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، وَأَنَّ هَذَا قَدْ شَاعَ وَطَارَ بِالْبِلَادِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ، وَأَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ وَهُوَ فِي الْأَبْطَحِ وَأَتَى وَهُوَ فِي مَلَأٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَذَكَرَ أَنَّهُمُ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، ثُمَّ قَالَ:" أَلَمْ تَرْضَى بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَيِ ابْنِ عَمِّكَ تُفَضِّلُهُ عَلَيْنَا " وَقُلْتَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فِعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ؟ وَهَذَا مِنْكَ أَمْ (2) مِنَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (3) ، فَوَلَّى الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ:{اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ، فَسَقَطَ عَلَى هَامَتِهِ، وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ:{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ - لِلْكَافِرينَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 1، 2] الْآيَةَ. فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْكَذَّابِينَ: أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِغَدِيرِ خُمٍّ (4) كَانَ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَالشِّيعَةُ تُسَلِّمُ هَذَا، وَتَجْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ رَجَعَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَعَاشَ تَمَامَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
(1) ن: أَنْ تَقُولَ.
(2)
س، ب: أَوْ.
(3)
م: هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ.
(4)
عِبَارَةُ بِغَدِيرِ خُمٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُذْكَرُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ هَذَا بِغَدِيرِ خُمٍّ وَشَاعَ فِي الْبِلَادِ، جَاءَهُ الْحَارِثُ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ، وَالْأَبْطَحُ (1) بِمَكَّةَ، فَهَذَا كَذِبُ جَاهِلٍ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى كَانَتْ قِصَّةُ غَدِيرِ خُمٍّ.
وَأَيْضًا (2) فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ - سُورَةَ سَأَلَ سَائِلٌ - مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَهَذِهِ نَزَلَتْ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ [تَكُونُ](3) نَزَلَتْ بَعْدَهُ؟ .
وَأَيْضًا قَوْلُهُ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32] فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَقِيبَ بَدْرٍ (4) بِالِاتِّفَاقِ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْهِجْرَةِ، كَأَبِي جَهْلٍ وَأَمْثَالِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ ذَكَّرَ نَبِيَّهُ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ (5) بِقَوْلِهِ:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} أَيِ اذْكُرْ قَوْلَهُمْ، كَقَوْلِهِ:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30]، {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 121] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَذْكُرَ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ ; فَقَالَ:
(1) وَالْأَبْطَحُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(2)
وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(3)
تَكُونُ: فِي (م) فَقَطْ.
(4)
س، ب: وَقَدْ نَزَلَتْ بِبَدْرٍ.
(5)
س، ب: يَقُولُونَ.
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32] ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 33] وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ هَذَا آيَةً لَكَانَ مِنْ جِنْسِ آيَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ.
وَلَوْ أَنَّ النَّاقِلَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْعِلْمِ: لَا الْمُسْنَدِ، وَلَا الصَّحِيحِ، وَلَا الْفَضَائِلِ، وَلَا التَّفْسِيرِ، وَلَا السِّيَرِ وَنَحْوِهَا، إِلَّا مَا يُرْوَى بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْمُنْكَرِ - عُلِمَ (1) أَنَّهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ.
وَأَيْضًا فَقَدْ ذُكِرَ (2) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ أُمِرَ بِمَبَانِي الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدَ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ قَالَ: " فَقَبِلْنَاهُ (3) مِنْكَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصِبْهُ هَذَا.
وَأَيْضًا فَهَذَا الرَّجُلُ لَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الطُّرُقِيَّةُ، مِنْ جِنْسِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي سِيرَةِ عَنْتَرٍ وَدَلْهَمَةَ. وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ كُتُبًا كَثِيرَةً فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ، حَتَّى فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، مِثْلَ كِتَابِ " الِاسْتِيعَابِ " لِابْنِ
(1) ن، م، س: عَلَى، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .
(2)
م: فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، س، ب: فَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ.
(3)
ن، س، ب: فَقَبِلْنَا.
عَبْدِ الْبَرِّ، وَكِتَابِ ابْنِ مِنْدَهْ، وَأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَالْحَافِظِ أَبِي مُوسَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا الرَّجُلَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَذْكُرُونَ إِلَّا مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، لَا يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ الطُّرُقِيَّةِ، مِثْلَ " تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ " لِلْبَكْرِيِّ الْكَذَّابِ (1) وَغَيْرِهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: أَنْتُمُ ادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ أَثْبَتُّمْ إِمَامَتَهُ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا ; فَإِنَّهُ قَالَ:{بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] . وَهَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ.
فَدَعْوَى الْمُدَّعَى أَنَّ إِمَامَةَ عَلِيٍّ هِيَ (2) مِمَّا بَلَّغَهَا، أَوْ مِمَّا (3) أُمِرَ بِتَبْلِيغِهَا، لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ كَانَ ذَلِكَ إِثْبَاتًا بِالْخَبَرِ لَا بِالْقُرْآنِ. فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى [أَنَّ](4) إِمَامَةَ عَلِيٍّ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، فَقَدِ افْتَرَى عَلَى الْقُرْآنِ، فَالْقُرْآنُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ (5) : أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ، مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَا ذَكَرُوهُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنَزِّلْهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا (6) ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ، لَبَلَّغَهُ ; فَإِنَّهُ لَا يَعْصِي اللَّهَ فِي ذَلِكَ.
(1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَكْرِيِّ وَكِتَابِهِ تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ.
(2)
هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(3)
مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(4)
أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ن (م) ، (س) .
(5)
م: الثَّالِثُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(6)
م: وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا.
وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: " مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَذَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] .
لَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَلِّغْ شَيْئًا مِنْ إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَلَهُمْ عَلَى هَذَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ يُثْبِتُونَ بِهَا هَذَا الْعِلْمَ.
مِنْهَا: أَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَنُقِلَ، كَمَا نُقِلَ أَمْثَالُهُ مِنْ حَدِيثِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ مَا يُنْقَلُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ، فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ الْحَقُّ [الصِّدْقُ](1) الَّذِي قَدْ بُلِّغَ لِلنَّاسِ؟ ! .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّتَهُ بِتَبْلِيغِ مَا سَمِعُوا مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كِتْمَانُ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَاتَ، وَطَلَبَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، فَأُنْكِرَ (2) ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: الْإِمَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، وَرَوَى الصَّحَابَةُ فِي [مَوَاطِنَ] (3) مُتَفَرِّقَةٍ الْأَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي (4) :" أَنَّ «الْإِمَامَةَ فِي قُرَيْشٍ» "(5)
(1) الصِّدْقُ: زِيَادَةٌ فِي (م) .
(2)
ب: فَأَنْكَرُوا.
(3)
مَوَاطِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .
(4)
فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(5)
الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ " ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 2/298 - 301 حَدِيثٌ رَقْمُ 520 وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مُطَوَّلًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/129 وَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَلَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ عَنْهُ: حم مُسْنَدُ أَحْمَدَ، ن سُنَنُ النَّسَائِيِّ، الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، وَقَالَ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ إِنَّ الطَّيَالِسِيَّ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، إِلَخْ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا، وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فَجَّارِهَا. الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَالْحَاكِمَ أَخْرَجَاهُ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، 4/75 - 76 وَفِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ لِلْطَبَرَانِيِّ ص 85 وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/192 وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَلْبَانِيِّ أَيْضًا، وَحَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/421، 424 وَذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ رَقْمُ 1009، 1029
وَلَمْ يَرْوِ وَاحِدٌ (1) مِنْهُمْ: لَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ.
وَبَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ بَنِي عَبْدِ مُنَافٍ - مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ - لَهُمْ مَيْلٌ قَوِيٌّ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَخْتَارُونَ وَلَايَتَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا النَّصَّ. وَهَكَذَا أُجْرِيَ الْأَمْرُ (2) فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَفِي عَهْدِهِ أَيْضًا لَمَّا صَارَتْ لَهُ وَلَايَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ (3) هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ هَذَا النَّصَّ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ هَذَا النَّصُّ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ يَتَوَلُّونَ عَلِيًّا وَيُحِبُّونَهُ، وَيَقُولُونَ (4) : إِنَّهُ كَانَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ عُثْمَانَ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، قَدْ نَازَعَهُمْ (5) فِي ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: كَانَ زَمَانُهُ زَمَانَ فِتْنَةٍ وَاخْتِلَافٍ (6) بَيْنَ الْأُمَّةِ، لَمْ تَتَّفِقِ الْأُمَّةُ فِيهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ.
(1) ن، م: أَحَدٌ.
(2)
ن، س، ب: وَهَكَذَا جَرَى النَّصُّ.
(3)
ن، ب: لَمْ يَذْكُرْ، س: لَمْ يَذْكُرْهُ.
(4)
ب: يَقُولُونَ.
(5)
س: وَقَدْ تَنَازَعَهُمْ، ب: قَدْ نَازَعَهُمْ، م: تَنَازَعَهُمْ.
(6)
ن، م، س: وَالِاخْتِلَافُ.
وَقَالَ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ كَالْكَرَّامِيَّةِ: بَلْ هُوَ كَانَ إِمَامًا وَمُعَاوِيَةُ إِمَامًا، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إِمَامَانِ لِلْحَاجَةِ. وَهَكَذَا قَالُوا فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَيَزِيدَ، حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى إِمَامٍ.
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، مَعَ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالْحَدِيثِ، احْتَجَّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ:" «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» "(1) . وَبَعْضُ النَّاسِ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ، لَكِنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ يُثْبِتُونَهُ، فَهَذَا عُمْدَتُهُمْ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَلَوْ ظَفِرُوا بِحَدِيثٍ مُسْنَدٍ أَوْ مُرْسَلٍ مُوَافِقٍ لِهَذَا لَفَرِحُوا بِهِ.
فَعُلِمَ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ النَّصِّ، هُوَ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَقْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا.
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ كَذِبَ هَذَا النَّقْلِ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الْمَكْذُوبَةِ.
وَقَدْ جَرَى تَحْكِيمُ الْحَكَمَيْنِ، وَمَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا غَيْرِهِمْ مَنْ ذَكَرَ هَذَا النَّصَّ، مَعَ كَثْرَةِ شِيعَتِهِ، وَلَا فِيهِمْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي تَتَوَفَّرُ فِيهِ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى إِظْهَارِ مِثْلِ هَذَا النَّصِّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّصُّ مَعْرُوفًا عِنْدَ شِيعَةِ عَلِيٍّ - فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ - ; لَكَانَتِ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: هَذَا نَصُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خِلَافَتِهِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ.
وَأَبُو مُوسَى نَفْسُهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، لَوْ (2) عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/515.
(2)
ن، م، س: قَدْ.