الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْجَاهِلُ بِمَعْنَى الْآيَةِ، لِتَوَهُّمِهِ أَنَّ الَّذِي أَنْفَقَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً غَيْرُ الَّذِي أَنْفَقَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ - يَقُولُ: نَزَلَتْ فِيمَنْ أَنْفَقَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، إِمَّا عَلِيٍّ وَإِمَّا غَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} * لَمْ يَعْطِفْ بِالْوَاوِ، فَيَقُولُ: وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً. بَلْ هَذَانِ دَاخِلَانِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، سَوَاءٌ * (1) قِيلَ: هُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنَ الْإِنْفَاقِ، أَوْ قِيلَ: عَلَى الْحَالِ. فَسَوَاءٌ قُدِّرَا سِرًّا وَعَلَانِيَةً (2) ، أَوْ مُسِرًّا وَمُعْلِنًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي كَذَّبَ هَذَا كَانَ جَاهِلًا بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ. وَالْجَهْلُ فِي الرَّافِضَةِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ.
الْخَامِسُ: أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ، وَنَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ، فَهَلْ هُنَا إِلَّا إِنْفَاقُ (3) أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ؟ ! وَهَذَا عَمَلٌ مَفْتُوحٌ بَابُهُ (4) مُيَسَّرٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْعَامِلُونَ بِهَذَا وَأَضْعَافِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَوْا، وَمَا مِنْ أَحَدٍ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يُنْفِقَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَارَةً بِاللَّيْلِ وَتَارَةً بِالنَّهَارِ، وَتَارَةً فِي السِّرِّ وَتَارَةً فِي الْعَلَانِيَةِ. فَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْخَصَائِصِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْإِمَامَةِ (5) .
[فصل البرهان الثامن والعشرون " لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. . . " والجواب عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ (6) : " الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ
(1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)
(2)
ن: قُدِّرَ إِسْرَارًا وَإِعْلَانًا، س، ب: قُدِّرَ سِرًّا وَإِعْلَانًا.
(3)
ن، م، س: هُنَا الْإِنْفَاقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
م، س، ب: بِأَنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
ن: عَلَى فَضْلِهِ الْإِمَامَةَ، ب: عَلَى فَضِيلَةٍ وَلَا إِمَامَةٍ.
(6)
فِي (ك) ص 162 (م) .
حَنْبَلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا، وَشَرِيفُهَا وَسَيِّدُهَا، وَلَقَدْ عَاتَبَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (1) فِي الْقُرْآنِ، وَمَا ذَكَرَ عَلِيًّا إِلَّا بِخَيْرٍ. وَهَذَا (2) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ".
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَلَيْسَ هَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَلَا مُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ لَهُ - لَوْ رَوَاهُ - فِي " الْفَضَائِلِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صِدْقٌ، فَكَيْفَ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ: لَا فِي الْمُسْنَدِ، وَلَا فِي " الْفَضَائِلِ " وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زِيَادَاتِ الْقُطَيْعِيِّ، رَوَاهُ (3) عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شَرِيكٍ الْكُوفِيِّ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْكِسَائِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى (4) عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ (5) ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِثْلُ هَذَا الْإِسْنَادِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; فَإِنَّ زَكَرِيَّا بْنَ يَحْيَى الْكِسَائِيَّ: قَالَ فِيهِ يَحْيَى: " رَجُلُ سُوءٍ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ بِئْرٌ فَيُلْقَى فِيهَا " وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: " مَتْرُوكٌ ". وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: " كَانَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ فِي مَثَالِبِ الصَّحَابَةِ "(6) .
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمُتَوَاتِرُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَهُ مُعَايَبَاتٌ يَعِيبُ بِهَا عَلِيًّا، وَيَأْخُذُ عَلَيْهِ فِي أَشْيَاءَ مِنْ
(1) م: عَاتَبَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا.
(2)
ك: فَهَذَا.
(3)
فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 2/654 (رَقْمَ 1114
(4)
فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ الْكُوفِيُّ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْكِسَائِيُّ، ثَنَا عِيسَى.
(5)
ن، س: نَدِيمَةَ.
(6)
قَالَ الدُّكْتُورُ وَصِيُّ اللَّهِ فِي تَعْلِيقِهِ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَجْلِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْكِسَائِيِّ ".
أُمُورِهِ، حَتَّى إِنَّهُ لَمَّا حَرَّقَ الزَّنَادِقَةَ الَّذِينَ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ قَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَضَرَبْتُ أَعْنَاقَهُمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (1) . وَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا ذَلِكَ قَالَ: وَيْحَ أُمِّ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنَ الثَّابِتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي - إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَصٌّ - بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَهَذَا اتِّبَاعُهُ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهَذِهِ مُعَارَضَتُهُ لِعَلِيٍّ.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مُجَاوَبَتَهُ لِعَلِيٍّ لَمَّا أَخَذَ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْبَصْرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رِسَالَةً فِيهَا تَغْلِيطٌ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ عَلِيًّا (2) بِجَوَابٍ يَتَضَمَّنُ أَنَّ مَا فَعَلْتُهُ دُونَ مَا فَعَلْتَهُ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ لِعَلِيٍّ ; فَإِنَّ اللَّهَ كَثِيرًا مَا يُخَاطِبُ النَّاسَ بِمِثْلِ هَذَا فِي مَقَامِ عِتَابٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سُورَةُ الصَّفِّ: 2 - 3] ، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ رَأْسَ هَذِهِ الْآيَةِ ; فَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ هَذَا الْفِعْلُ الَّذِي أَنْكَرَهُ اللَّهُ وَذَمَّهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 1] . وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ لَمَّا كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ لِيَأْتِيَا بِالْمَرْأَةِ (3) الَّتِي كَانَ مَعَهَا الْكِتَابُ (4) ، وَعَلِيٌّ كَانَ بَرِيئًا
(1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/307
(2)
م: وَأَجَابَ عَلِيٌّ، وَالْمُجِيبُ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَجَابَ عَلِيًّا عَلَى رِسَالَتِهِ الَّتِي فِيهَا تَغْلِيظٌ.
(3)
ن، س، ب: الْمَرْأَةَ.
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 3/501 وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 8/108 - 111
مِنْ ذَنْبِ حَاطِبٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ رَأْسَ الْمُخَاطَبِينَ الْمُلَامِينَ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ؟ !
وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 94] . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ وَجَدُوا رَجُلًا فِي غَنِيمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِالتَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَكْذِيبِ مُدَّعِي الْإِسْلَامِ طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ. وَعَلَيٌّ رضي الله عنه بَرِيءٌ مِنْ ذَنْبِ هَؤُلَاءِ، فَكَيْفَ يُقَالُ هُوَ رَأْسُهُمْ؟ ! وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.
الرَّابِعُ: هُوَ مِمَّنْ شَمِلَهُ لَفْظُ الْخِطَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ سَبَبُ الْخِطَابِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّفْظَ شَمِلَهُ كَمَا يَشْمَلُ (1) غَيْرَهُ. وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْآيَةِ تَفْرِيقٌ بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنٍ.
الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُ رَأْسُ الْآيَاتِ وَأَمِيرُهَا وَشَرِيفُهَا وَسَيِّدُهَا، كَلَامُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خُوطِبَ بِهَا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُ الْمُخَاطَبِينَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، لَا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِمَا تَنَاوَلَهُ عَنْ بَعْضٍ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ فِي الْآيَاتِ آيَاتٍ قَدْ عُمِلَ بِهَا مِنْ قَبْلِ عَلِيٍّ، وَفِيهَا آيَاتٌ لَمْ يَحْتَجْ عَلِيٌّ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ تَنَاوُلَهَا لِغَيْرِهِ أَوْ عَمْلَ غَيْرِهِ بِهَا مَشْرُوطٌ بِهِ، كَالْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ شُمُولَ الْخِطَابِ لِبَعْضِهِمْ لَيْسَ مَشْرُوطًا
(1) ن: يَشْمَلُهُ كَمَا يَشْمَلُ، س، ب: يَشْمَلُهُ كَمَا شَمِلَ.
بِشُمُولِهِ لِآخَرِينَ، وَلَا وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى بَعْضِهِمْ مَشْرُوطٌ عَلَى آخَرِينَ بِوُجُوبِهِ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ عُنِيَ بِهَا، فَهَذَا يُبْنَى عَلَى كَوْنِهِ أَفْضَلَ النَّاسِ. فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَجُزِ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا، فَكَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا بَاطِلًا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَغَايَةُ مَا عِنْدَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُفَضِّلُ عَلِيًّا، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ (1) هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخِلَافُ الْمَعْلُومِ عَنْهُ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ - مَعَ مُخَالَفَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - لَمْ يَكُنْ حُجَّةً.
السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَقَدْ عَاتَبَ اللَّهُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الْقُرْآنِ وَمَا ذَكَرَ عَلِيًّا إِلَّا بِخَيْرٍ، كَذِبٌ مَعْلُومٌ ; فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّ اللَّهَ عَاتَبَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْقُرْآنِ، بَلْ وَلَا أَنَّهُ سَاءَ رَسُولَ (2) اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بَلْ رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ:" «أَيُّهَا النَّاسُ، اعْرَفُوا لِأَبِي بَكْرٍ حَقَّهُ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَسُؤْنِي يَوْمًا قَطُّ» "(3) .
وَالثَّابِتُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْتَصِرُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَيَنْهَى النَّاسَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ سَاءَهُ، كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخُطْبَةَ الْمَعْرُوفَةَ (4) ، وَمَا حَصَلَ مِثْلُ هَذَا فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ قَطُّ.
(1) س، ب: وَمَعَ هَذَا أَنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
م: سَاءَ إِلَى رَسُولِ.
(3)
لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ.
(4)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/145. وَأَوَّلُهُ: إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي.
وَأَيْضًا فَعَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ كَمَا كَانَ يَدْخُلُ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مِثْلَ الْمُشَاوَرَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَحُرُوبِهِ وَإِعْطَائِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ الْوَزِيرَيْنِ لَهُ، شَاوَرَهُمَا (1) فِي أَسْرَى بَدْرٍ مَا يَصْنَعُ بِهِمْ، وَشَاوَرَهُمَا (2) فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ لِمَنْ يُوَلِّي عَلَيْهِمْ، وَشَاوَرَهُمَا (3) فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ يَخُصُّهُمَا بِالشُّورَى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا مَاتَ قَالَ لَهُ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْشُرَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ ; فَإِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "«دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» " (4) .
وَكَانَ يُشَاوِرُ أَبَا بَكْرٍ (5) بِأُمُورِ حُرُوبِهِ يَخُصُّهُ، كَمَا شَاوَرَهُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، كَمَا (6) اسْتَشَارَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَكَمَا سَأَلَ بَرِيرَةَ. وَهَذَا أَمْرٌ يَخُصُّهُ ; فَإِنَّهُ لَمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَتَرَدَّدَ هَلْ يُطَلِّقُ لِمَا بَلَغَهُ عَنْهَا أَمْ يُمْسِكُهَا، صَارَ يَسْأَلُ عَنْهَا بَرِيرَةَ لِتُخْبِرَهُ بِبَاطِنِ أَمْرِهَا، وَيُشَاوِرُ فِيهَا عَلِيًّا: أَيُمْسِكُهَا أَمْ يُطَلِّقُهَا؟ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: «أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا» ، وَقَالَ عَلِيٌّ:«لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَاسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ» . وَمَعَ
(1) ن، م، س: يُشَاوِرُهُمَا.
(2)
ن، س: وَيُشَاوِرُهُمَا، م: وَيُشَاوِرُهُمْ.
(3)
ن، م: وَيُشَاوِرُهُمَا.
(4)
سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ كَامِلًا فِيمَا بَعْدُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 391 إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ.
(5)
م: وَكَانَ يُشَاوِرُ عَلِيًّا، وَهُوَ خَطَأٌ.
(6)
ب: وَكَمَا.
هَذَا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَرَاءَتِهَا وَإِمْسَاكِهَا، مُوَافَقَةً لِمَا أَشَارَ بِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (1) ، وَكَانَ عُمَرُ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّورَى، وَيَتَكَلَّمُ مَعَ نِسَائِهِ فِيمَا يَخُصُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى قَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا عُمَرُ لَقَدْ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى دَخَلْتَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ نِسَائِهِ.
وَأَمَّا الْأُمُورُ الْعَامَّةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَحْيٌ خَاصٌّ، فَكَانَ يُشَاوِرُ فِيهَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنْ دَخَلَ غَيْرُهُمَا فِي الشُّورَى، لَكِنْ هُمَا الْأَصْلُ فِي الشُّورَى، وَكَانَ عُمَرُ تَارَّةً يَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ فِيمَا يَرَاهُ، وَتَارَةً يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ فِي خِلَافِ مَا رَآهُ فَيَرْجِعُ عَنْهُ.
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا (2) ، وَلَا كَانَ أَيْضًا يَتَقَدَّمُ فِي شَيْءٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا لَمَّا تَنَازَعَ هُوَ وَعُمَرُ فِيمَنْ يُوَلَّى مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 2] ، وَلَيْسَ تَأَذِّي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَأَذِّيهِ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 23] . وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَلِيٍّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 43] لَمَّا صَلَّى فَقَرَأَ وَخَلَطَ (3) .
(1) انْظُرْ حَدِيثَ الْإِفْكِ فِيمَا سَبَقَ 4/33
(2)
أَيْ: لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه شَيْئًا.
(3)
ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِأَوَّلِ آيَةِ 43 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ حَدِيثًا عَنِ ابْنِ أَبِي - حَاتِمٍ وَسَاقَ سَنَدَهُ -، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنَ الْخَمْرِ، فَأَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنَّا، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُوا فُلَانًا، قَالَ: فَقَرَأَ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، مَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: " هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكِيِّ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ ". ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ حَدِيثًا آخَرَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ جَاءَ فِيهِ أَنَّ الَّذِي صَلَّى بِهِمْ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ:" وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ ". وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ حَدِيثًا ثَالِثًا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي صَلَّى إِمَامًا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. كَمَا ذَكَرَ حَدِيثًا رَابِعًا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَاخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَلِيلًا. انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ " ط. الْمَعَارِفِ " 8/376 (الْآثَارَ 9524، 9525) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/305 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ النِّسَاءِ) ، وَهُوَ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِيهِ. . . فَأَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنَّا وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ. . الْحَدِيثَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ". وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فَهُوَ فِيهَا 3/445 " كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَفِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ دَعَاهُ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَسَقَاهُمَا قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَأَمَّهُمْ عَلِيٌّ فِي الْمَغْرِبِ فَقَرَأَ. . إِلَخْ.