الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل البرهان الثاني والثلاثون " يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " والجواب عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ (1) : " الْبُرْهَانُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 8] . رَوَى (2) أَبُو نُعَيْمٍ مَرْفُوعًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى (3) مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ: إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بِخُلَّتِهِ مِنَ اللَّهِ (4) ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّهُ صَفْوَةُ اللَّهِ، ثُمَّ عَلِيٌّ يُزَفُّ بَيْنَهُمَا إِلَى الْجِنَانِ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} قَالَ: عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ".
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ (5) ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ.
(1) فِي (ك) ص 163 (م) .
(2)
م: رَوَاهُ.
(3)
ك: يَكْتَسِي.
(4)
ك: إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ لِخُلَّتِهِ مِنَ اللَّهِ.
(5)
م: بِصِحَّةِ النَّقْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (1) .
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي (2) أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ ; لِأَنَّهُ وَسَطٌ وَهُمَا طَرَفَانِ. وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ، فَمَنْ فَضَّلَ عَلَيْهِمَا عَلِيًّا كَانَ أَكْفَرَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ» "(3) . وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مُحَمَّدٍ وَلَا عَلِيٍّ. وَتَقْدِيمُ إِبْرَاهِيمَ بِالْكُسْوَةِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا (4)، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ:" «إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفِيقُ، فَأَجِدُ (5) مُوسَى بَاطِشًا (6) بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي هَلِ اسْتَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ» "(7) ،
(1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.
(2)
ن، م: لِأَنَّهُ يَقْتَضِي.
(3)
الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْبُخَارِيِّ 4/139 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) 4/168 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ) ، وَهُوَ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 4/2194 - 2195 (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ فِنَاءِ الدُّنْيَا وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/4 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) ، وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى، وَالْحَدِيثُ فِي النَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ.
(4)
ن، م: مُطْلَقًا مِنْ مُحَمَّدٍ.
(5)
م: وَأَخِي.
(6)
س: بَاسِطًا.
(7)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَجَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ آخِرُهَا 9/139 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ. . .، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ "، وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ فِي مُسْلِمٍ 4/1844 - 1845 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، 4/301 - 302 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) ، وَالْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/20 - 22 رَقْمِ 7576.
فَتَجْوِيزُ (1) أَنْ يَكُونَ سَبَقَهُ فِي الْإِفَاقَةِ أَوْ لَمْ يُصْعَقْ (2) بِحَالٍ - لَا يَمْنَعُنَا (3) أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَفْضَلُ مِنْ مُوسَى.
وَلَكِنْ إِذَا كَانَ التَّفْضِيلُ عَلَى وَجْهِ الْغَضِّ مِنَ الْمَفْضُولِ فِي النَّقْصِ لَهُ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا نَهَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ تَفْضِيلِهِ عَلَى مُوسَى، وَكَمَا قَالَ لِمَنْ قَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ. قَالَ: " «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ» "(4) وَصَحَّ قَوْلُهُ: " «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ» "(5) .
(1) ن، س، ب: فَيَجُوزُ.
(2)
م: وَلَمْ صُعِقْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
م: لَا يَمْنَعُ.
(4)
س، ب: ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 4/1839 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صلى الله عليه وسلم وَنَصُّهُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/116 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ لَمْ يَكُنْ)، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 3 178 - 184 وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ: 15/121 - 122 " قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم هَذَا تَوَاضُعًا وَاحْتِرَامًا لِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم لِخُلَّتِهِ وَأُبُوَّتِهِ، وَإِلَّا فَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِافْتِخَارَ وَلَا التَّطَاوُلَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ، بَلْ قَالَهُ بَيَانًا لِمَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِهِ، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: وَلَا فَخْرَ. لِيَنْفِيَ مَا قَدْ يَتَطَرَّقُ إِلَى بَعْضِ الْأَفْهَامِ السَّخِيفَةِ.
(5)
هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَاءَتْ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مِنْ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهم فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/370 - 371 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ الْإِسْرَاءِ)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:(هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ "، وَهُوَ أَيْضًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/247 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " حَدِيثُ رَقْمِ 3693 سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1440 (كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) حَدِيثُ رَقْمِ 2546، 2692 (ط. الْحَلَبِيِّ)
وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي تَفْضِيلِ الصَّحَابَةِ يُتَّقَى فِيهِ نَقْصُ أَحَدٍ عَنْ رُتْبَتِهِ أَوِ الْغَضُّ مِنْ (1) دَرَجَتِهِ، أَوْ دُخُولُ الْهَوَى وَالْفِرْيَةِ فِي ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَتِ الرَّافِضَةُ وَالنَّوَاصِبُ الَّذِينَ يَبْخَسُونَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ حُقُوقَهُمْ.
الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 8] وَقَوْلَهُ: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 12] نَصٌّ عَامٌّ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; فَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَيُطْفَأُ [نُورُهُ] يَوْمَ الْقِيَامَةِ (2) ، وَالْمُؤْمِنُ يُشْفِقُ مِمَّا يَرَى (3) مِنْ إِطْفَاءِ نُورِ الْمُنَافِقِ (4)، فَهُوَ يَقُولُ: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا (5) ، فَإِنَّ الْعُمُومَ (6) فِي ذَلِكَ
(1) ن: أَوِ النَّقْصُ مِنْ، س، ب: أَوِ النَّقْصُ عَنْ.
(2)
ن: فَيُطْفِئُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُطْفِئُ، س: فَيُعْطَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ب: فَيُطْفَأُ نُورُهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.
(3)
ن، م: رَأَى.
(4)
ن، م: الْمُنَافِقِينَ.
(5)
ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ بِمَعْنَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ آيَةٍ: 12 مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ وَنَسَبَهُ إِلَى الضَّحَّاكِ.
(6)
ن، س، ب: فَالْعُمُومُ.