الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْخِلَافَةَ ; فَإِنَّ كَوْنَهُ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَأَخَّرْ حُكْمُهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْخِلَافَةُ فَلَا يَصِيرُ خَلِيفَةً إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هَذَا.
وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَصَارَ لَهُ خَلِيفَةً بِنَصٍّ، أَوْ إِجْمَاعٍ فَهُوَ أَوْلَى بِتِلْكَ الْخِلَافَةِ وَبِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَكُونُ قَطُّ غَيْرُهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، لَا سِيَّمَا فِي حَيَاتِهِ.
وَأَمَّا كَوْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَعَلِيٍّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِ عَلِيٍّ، فَعَلِيٌّ الْيَوْمَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَلَيْسَ الْيَوْمَ مُتَوَلِّيًا عَلَى النَّاسِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (1) .
[الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى]
فَصْلٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ:: (2) : الثَّالِثُ (3) : قَوْلُهُ (4) : «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . [أَثْبَتَ لَهُ " عليه السلام " جَمِيعَ
(1) عِبَارَةُ " وَأَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(2)
فِي (ك) ص 168 (م) .
(3)
ب فَقَطْ: الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ.
(4)
ك: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
مَنَازِلِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى عليه السلام لِلِاسْتِثْنَاءِ] (1) ، وَمِنْ جُمْلَةِ (2) مَنَازِلِ هَارُونَ أَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً لِمُوسَى، وَلَوْ عَاشَ بَعْدَهُ لَكَانَ خَلِيفَةً أَيْضًا، وَإِلَّا (لَزِمَ) تَطَرُّقُ النَّقْضِ إِلَيْهِ (3) ، وَلِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ (4) مَعَ وُجُودِهِ، وَغَيْبَتِهِ مُدَّةً يَسِيرَةً فَبَعْدَ مَوْتِهِ وَطُولِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ (5) أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ " (6) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَبَتَ (7) فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَا رَيْبٍ وَغَيْرَهُمَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ (8) ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ (9) ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا سَافَرَ فِي غَزْوَةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ حَجٍّ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ ذِي. . . أَمَّرَ (10) عُثْمَانَ (11) ، وَفِي غَزْوَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ك) فَقَطْ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: بِلَا اسْتِثْنَاءٍ.
(2)
ك: وَفِي جُمْلَةِ.
(3)
ن: وَإِلَّا بِطَرِيقِ النَّقْصِ إِلَيْهِ، س، ب: وَإِلَّا بِطَرِيقِ النَّصِّ إِلَيْهِ، م: وَإِلَّا تَطَرَّقَ النَّقْصُ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) إِلَيْهِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) .
(4)
ن، م، س: وَلِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ، ب: وَلِأَنَّهُ خَلَفَهُ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) .
(5)
ن، م، س، ب: فَعِنْدَ مَوْتِهِ تَطُولُ الْغَيْبَةُ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك)
(6)
ن، م، س: يَكُونُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً، ب: فَيَكُونُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) .
(7)
س، ب: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ ثَبَتَتْ وَهُوَ خَطَأٌ.
(8)
لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(9)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/349.
(10)
) كَلِمَةُ " أَمَرَّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ فِيهَا وَفِي (ن) ، (س) بَيَاضٌ بَعْدَ كَلِمَةِ ذِي وَبَعْدَهَا كَلِمَةُ أَمَّرَ.
(11)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السِّيرَةُ 3/49، " فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ السَّوِيقِ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحَجَّةِ ثُمَّ غَزَا نَجْدًا، يُرِيدُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي. . . أَمَّرَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ "، وَانْظُرْ خَبَرَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/34 - 35، زَادِ الْمَعَادِ 3/190، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 3/3
بَشِيرَ بْنَ (عَبْدِ) الْمُنْذِرِ (1) ، وَلَمَّا غَزَا قُرَيْشًا، وَوَصَلَ (2) إِلَى الْفَرَعِ اسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ (3) ، وَذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ (4) وَغَيْرِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى يَسْتَخْلِفَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ كَانَ يَسْتَخْلِفُهُ، فَقَدْ سَافَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي عُمْرَتَيْنِ: عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي مَغَازِيهِ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ غَزَاةً - وَفِيهَا كُلِّهَا اسْتَخْلَفَ (5) ، وَكَانَ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لَمْ يَأْذَنْ لِأَحَدٍ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا، وَهِيَ آخِرُ مَغَازِيهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَجْتَمِعْ
(1) م: بِشْرَ بْنَ الْمُبْدَلَةِ، ن، س، ب: بِشْرَ بْنَ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ رضي الله عنه، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (الْإِصَابَةَ: 4/167) مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِهِ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: اسْمُهُ بَشِيرٌ. .، وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ أَوَّلُهُ التَّحْتَانِيَّةِ ثَانِيهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: اسْمُهُ رَفَاعَةُ. . .، وَكَذَا قَالَ " الْكَشَّافُ " وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ أَنَّ اسْمَهُ مَرْوَانُ، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ 1/232، 6/265 - 267 الِاسْتِيعَابِ 4/167، وَانْظُرْ خَبَرَ الْغَزْوَةِ وَاسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/52، طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/29، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ 1/105
(2)
ن، م، س: وَصَلَ.
(3)
انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/35 - 36 إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ 1/107، زَادِ الْمَعَادِ 3/190 جَوَامِعِ السِّيرَةِ، ص 152 سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/46 وَقَالَ:" وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ، أَوِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ".
(4)
م، س، ب: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَنِيعٍ الزُّهْرِيُّ صَاحِبُ الطَّبَقَاتِ، صَحِبَ الْوَاقِدِيَّ الْمُؤَرِّخَ زَمَانًا وَعُرِفَ بِمُؤَرِّخِ الْوَاقِدِيَّ، وُلِدَ سَنَةَ 168 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 230، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/182 - 183، تَارِيخِ بَغْدَادَ 5/321 - 322، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/473، الْأَعْلَامِ 7/6
(5)
ن، س، ب: يَسْتَخْلِفُ.
مَعَهُ أَحَدٌ كَمَا اجْتَمَعَ مَعَهُ فِيهَا فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، أَوْ مَنْ هُوَ مَعْذُورٌ لِعَجْزِهِ عَنِ الْخُرُوجِ، أَوْ مَنْ هُوَ مُنَافِقٌ، وَتَخَلَّفَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ (1) يَكُنْ فِي الْمَدِينَةِ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، بَلْ كَانَ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ أَضْعَفَ مِنَ (2) اَلِاسْتِخْلَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْمَدِينَةِ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوِيَاءُ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ أَحَدًا كَمَا كَانَ يَبْقَى فِي جَمِيعِ مَغَازِيهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوِيَاءُ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْتَخْلِفُ، فَكُلُّ اسْتِخْلَافٍ اسْتَخْلَفَهُ (3) فِي مَغَازِيهِ مِثْلَ اسْتِخْلَافِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْكُبْرَى، وَالصُّغْرَى، وَغَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَالْغَابَةِ، وَخَيْبَرَ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَسَائِرِ مَغَازِيهِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ، وَمَغَازِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ فِيهَا كُلِّهَا إِلَّا الْقَلِيلَ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَعُمْرَتَيْنِ قَبْلَ غَزْوَةِ تَبُوكَ.
وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ كُلُّ اسْتِخْلَافٍ قَبْلَ هَذِهِ يَكُونُ عَلِيٌّ أَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَلِيًّا، فَلِهَذَا خَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَبْكِي، وَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟
وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ طَعَنَ فِيهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا خَلَّفَهُ ; لِأَنَّهُ يُبْغِضُهُ، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي إِنَّمَا اسْتَخْلَفْتُكَ لِأَمَانَتِكَ عِنْدِي
(1) س ب: لَمْ.
(2)
مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(3)
س، ب: يَسْتَخْلِفُهُ.
وَإِنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَلَا غَضٍّ، فَإِنَّ مُوسَى اسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ نَقْصًا (1) ، وَمُوسَى لَيَفْعَلُهُ (2) بِهَارُونَ» ؟ فَطَيَّبَ بِذَلِكَ قَلْبَ عَلِيٍّ، وَبَيَّنَ أَنَّ جِنْسَ الِاسْتِخْلَافِ يَقْتَضِي كَرَامَةَ الْمُسْتَخْلَفِ وَأَمَانَتَهُ، لَا يَقْتَضِي إِهَانَتَهُ وَلَا تَخْوِينَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يَغِيبُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ خَرَجَ مَعَهُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ.
وَالْمُلُوكُ - وَغَيْرُهُمْ - إِذَا خَرَجُوا فِي مَغَازِيهِمْ أَخَذُوا مَعَهُمْ مَنْ يَعْظُمُ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ، وَمُعَاوَنَتُهُ لَهُمْ (3) ، وَيَحْتَاجُونَ إِلَى مُشَاوَرَتِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ، وَلِسَانِهِ، وَيَدِهِ، وَسَيْفِهِ.
وَالْمُتَخَلِّفُ (4) إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمَدِينَةِ سِيَاسَةٌ كَثِيرَةٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا كُلِّهِ، فَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا غَضَاضَةٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَنَقْصٌ مِنْهُ، وَخَفْضٌ مِنْ مَنْزِلَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى سَعْيٍ، وَاجْتِهَادٍ، بَلْ تَرَكَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ (5) سَعْيٍ وَاجْتِهَادٍ فَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنًا أَنَّ جِنْسَ الِاسْتِخْلَافِ لَيْسَ نَقْصًا وَلَا غَضًّا ; إِذْ لَوْ كَانَ نَقْصًا أَوْ غَضًّا لَمَا فَعَلَهُ مُوسَى بِهَارُونَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ كَاسْتِخْلَافِ هَارُونَ ; لِأَنَّ الْعَسْكَرَ كَانَ مَعَ هَارُونَ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مُوسَى وَحْدَهُ.
وَأَمَّا اسْتِخْلَافُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَمِيعُ الْعَسْكَرِ كَانَ مَعَهُ
(1) م: بُغْضًا.
(2)
ب: يَفْعَلُهُ.
(3)
ن، م، س: وَمُعَاوَنَتُهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(4)
وَالْمُتَخَلِّفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ.
(5)
س، ب: كَبِيرِ.
وَلَمْ يُخَلَّفْ (1) بِالْمَدِينَةِ - غَيْرُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ - إِلَّا مَعْذُورٌ أَوْ عَاصٍ.
وَقَوْلُ (2) الْقَائِلِ: " هَذَا بِمَنْزِلَةِ هَذَا، وَهَذَا مِثْلُ هَذَا " هُوَ كَتَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَلَا تَرَى إِلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْأُسَارَى لَمَّا اسْتَشَارَ أَبَا بَكْرٍ، وَأَشَارَ بِالْفِدَاءِ، وَاسْتَشَارَ عُمَرَ فَأَشَارَ بِالْقَتْلِ. قَالَ: " سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ صَاحِبَيْكُمْ (3) . «مَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 36) ، وَمَثَلُ عِيسَى إِذْ قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 118) ، وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ إِذْ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (سُورَةُ نُوحٍ: 26) ، وَمَثَلُ (4) مُوسَى إِذْ قَالَ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} » (سُورَةُ يُونُسَ: 88)(5) .
فَقَوْلُهُ لِهَذَا: مَثَلُكَ كَمَثَلِ (6) إِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى، وَلِهَذَا: مِثْلُ نُوحٍ، وَمُوسَى - أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِ:«أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ; فَإِنَّ نُوحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى أَعْظَمُ مِنْ هَارُونَ، وَقَدْ جَعَلَ هَذَيْنِ مِثْلَهَمْ، وَلَمْ
(1) ب: وَلَمْ يَتَخَلَّفْ.
(2)
ن، س: وَهُوَ قَوْلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
ن، م، س: عَنْ صَاحِبِكُمْ.
(4)
س، ب: أَوْ مِثْلُ.
(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/133
(6)
ن، م: مَثَلُ.
يُرِدْ أَنَّهُمَا مِثْلُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَكِنْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِنَ الشِّدَّةِ فِي اللَّهِ، وَاللِّينِ فِي اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ هُنَا إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَهُوَ اسْتِخْلَافُهُ فِي مَغِيبِهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ، وَهَذَا الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ، بَلْ وَلَا هُوَ مِثْلُ اسْتِخْلَافَاتِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ مِنْ عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الِاسْتِخْلَافَاتُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَى عَلِيٍّ إِذَا قَعَدَ مَعَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوجِبًا لِتَفْضِيلِهِ عَلَى عَلِيٍّ؟
بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَأُولَئِكَ الْمُسْتَخْلَفُونَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى مِنْ جِنْسِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ يَكُونُ عَلَى أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَامَ تَبُوكَ، وَكَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الِاسْتِخْلَافِ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنَ الْأَعْدَاءِ عَلَى الْمَدِينَةِ.
فَأَمَّا عَامُ (1) تَبُوكَ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ بِالْحِجَازِ، وَفُتِحَتْ مَكَّةُ، وَظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَعَزَّ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالشَّامِ، وَلَمْ تَكُنِ الْمَدِينَةُ تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُ بِهَا الْعَدُوَّ، وَلِهَذَا لَمْ يَدَعِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ عَلِيٍّ أَحَدًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَمَا كَانَ يَدَعُ بِهَا فِي سَائِرِ الْغَزَوَاتِ، بَلْ أَخَذَ الْمُقَاتِلَةَ كُلَّهُمْ مَعَهُ.
وَتَخْصِيصُهُ لِعَلِيٍّ بِالذِّكْرِ هُنَا هُوَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: لَقَبٌ هُوَ جِنْسٌ، وَلَقَبٌ يَجْرِي مَجْرَى الْعِلْمِ، مِثْلَ زَيْدٍ، وَأَنْتَ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ
(1) ن، م: فَأَقَامَ عَامَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
أَضْعَفُ الْمَفَاهِيمِ، وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فَإِذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَفْيًا لِلرِّسَالَةِ عَنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.
كَقَوْلِهِ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} (سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 79)، وَقَوْلُهُ:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 15) .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْصِيصُ لِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ، فَلَا يُحْتَجَّ بِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ فَهَذَا (1) مِنْ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ عَلِيًّا بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ يَبْكِي، وَيَشْتَكِي (2) تَخْلِيفَهُ مَعَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ.
وَمَنِ اسْتَخْلَفَهُ سِوَى عَلِيٍّ، لَمَّا لَمْ يَتَوَهَّمُوا أَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ نَقْصًا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ إِذَا كَانَ لِسَبَبٍ يَقْتَضِي ذَاكَ لَمْ يَقْتَضِ الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِلْمَضْرُوبِ الَّذِي نَهَى عَنْ لَعْنِهِ:" «دَعْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» "(3) ، لَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، بَلْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِيَنْهَى بِذَلِكَ عَنْ لَعْنِهِ.
وَلَمَّا «اسْتَأْذَنَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فِي قَتْلِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: " دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» " (4) ، وَلَمْ يَدُلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، بَلْ ذَكَرَ الْمُقْتَضِي لِمَغْفِرَةِ ذَنْبِهِ.
(1) م: وَهَذَا.
(2)
م: وَشَكَى، س، ب: وَيَشْكِي.
(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/458
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/331
وَكَذَلِكَ لَمَّا شَهِدَ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ لِلْحَسَنِ وَأُسَامَةَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» "(1) ، لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحِبُّ غَيْرَهُمَا، بَلْ كَانَ يُحِبُّ غَيْرَهُمَا أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّتِهِمَا.
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ: " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» "(2) لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ يَدْخُلُهَا.
وَكَذَلِكَ لَمَّا شَبَّهَ أَبَا بَكْرٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى *، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ (3) يَكُونَ فِي أُمَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ (4) مَنْ يُشْبِهُ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى * (5) ، وَكَذَلِكَ لَمَّا شَبَّهَ عُمَرَ بِنُوحٍ وَمُوسَى لَمْ يَمْتَنِعْ (6) أَنْ يَكُونَ فِي أُمَّتِهِ مَنْ يُشْبِهُ نُوحًا، وَمُوسَى.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذَيْنِ أَفْضَلُ مَنْ يُشْبِهُهُمْ مِنْ أَمَّتِهِ.
قِيلَ: الِاخْتِصَاصُ بِالْكَمَالِ لَا يَمْنَعُ الْمُشَارَكَةَ (7) فِي أَصْلِ التَّشْبِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: " «إِنَّهُ مِثْلُ صَاحِبِ يَاسِينَ» "(8) .
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/39
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 2/28
(3)
ب: لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ.
(4)
وَأَصْحَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(5)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) .
(6)
م: لَمْ يَمْنَعْ.
(7)
م: الشَّرِكَةَ.
(8)
هُوَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنُ مُتْعِبِ بْنِ مَالِكٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 2/470 " وَثَبَتَ ذِكْرُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ فِي تَقْرِيرِ الصُّلْحِ " ثُمَّ قَالَ:" وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ اتَّبَعَ أَثَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الطَّائِفِ فَأَسْلَمَ وَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: " إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوكَ ". قَالَ: لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي. فَأَذِنَ لَهُ. فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَصَحَ لَهُمْ، فَعَصَوْهُ وَأَسْمَعُوهُ مِنَ الْأَذَى، فَلَمَّا كَانَ مِنَ السَّحَرِ قَامَ عَلَى غُرْفَةٍ لَهُ فَأَذَّنَ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَثَلُ عُرْوَةَ مَثَلُ صَاحِبِ يَاسِينَ، دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ ". وَالْخَبَرُ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/182 زَادِ الْمَعَادِ 3/498، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ ص 489 - 490
، وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ لِلْأَشْعَرِيِّينَ:" «هُمْ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُمْ» "(1) لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِهِمْ، بَلْ قَالَ لِعَلِيٍّ:" «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ» "، وَقَالَ لِزَيْدٍ:" «أَنْتَ أَخُونَا، وَمَوْلَانَا» "(2) وَذَلِكَ لَا يُخْتَصُّ بِزَيْدٍ، بَلْ أُسَامَةُ أَخُوهُمْ وَمَوْلَاهُمْ.
وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمْثَالُ وَالتَّشْبِيهَاتُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ لَا تُوجِبُ (3) التَّمَاثُلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ فِيمَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ، وَلَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْمُشَبَّهِ بِالتَّشْبِيهِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ لَهُ (4) فِي ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 261) .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} (سُورَةُ يس: 13) .
وَقَالَ: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 117) .
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ فِي الْقُرْآنِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَثَلًا.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ إِلَّا فِي النُّبُوَّةِ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ؟ "
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/35
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/34
(3)
ن، س: تُشْبِهُ، ب: تُثْبِتُ.
(4)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرْضِيهِ بِذَلِكَ، وَيُطَيِّبُ قَلْبَهُ لَمَّا تَوَهَّمَ مِنْ وَهَنِ الِاسْتِخْلَافِ، وَنَقْصِ دَرَجَتِهِ فَقَالَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْجَبْرِ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: " «بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ، أَيْ مِثْلُ مَنْزِلَةِ هَارُونَ، فَإِنَّ (1) نَفْسَ مَنْزِلَتِهِ مِنْ مُوسَى بِعَيْنِهَا لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ مَا يُشَابِهُهَا (2) فَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ هَذَا مِثْلُ هَذَا، وَقَوْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: مَثَلُهُ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى، وَعُمَرَ: مَثَلُهُ مَثَلُ نُوحٍ وَمُوسَى.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا (3) كَانَ عَامَ تَبُوكَ، ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ، وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ فَقَالَ [لِعَلِيٍّ] (4) : أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ [فَقَالَ:، بَلْ مَأْمُورٌ] (5) فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَيْهِ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ كَالْمَأْمُورِ مَعَ أَمِيرِهِ: يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيُطِيعُ أَمْرَهُ (6) ، وَيُنَادِي خَلْفَهُ (7) مَعَ النَّاسِ بِالْمَوْسِمِ: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» (8) .
(1) ن، س، ب: وَإِنَّ.
(2)
م: مَا يُشَاكِلُهَا بَعْضُهَا.
(3)
ن، س، ب: ذَلِكَ.
(4)
لَعَلِيٍّ: زِيَادَةٌ فِي (م) .
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (م) .
(6)
عِبَارَةُ " وَيُطِيعُ أَمْرَهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(7)
خَلْفَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، وَسَقَطَتْ وَيُنَادِي مِنْ (س) .
(8)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 1/78 - 79 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُسْتَرُ مِنَ الْعَوْرَةِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: (بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمِنِ (بْنِ عَوْفٍ) : ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ عَنَّا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ " وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ 2/153 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَلَا يَحُجُّ مُشْرِكٌ) ، 5/167 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَجِّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ) 6/64 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ) ، 4/102 (كِتَابُ الْجَزْءَةِ، بَابُ كَيْفَ يُنْبَذُ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/264 - 265 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ بَابُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/186 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ: بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/237 (كِتَابُ السِّيَرِ بَابٌ فِي الْوَفَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْعَهْدِ) ، الْمُسْنَدِ " ط. الْمَعَارِفِ " 15/133 - 134 وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي نَفْسِ الْمَوْضُوعِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَشَارَ إِلَى بَعْضِهَا ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الشُّعَبِ) 4/44، 53 وَإِلَى بَعْضِهَا الطَّبَرِيُّ، انْظُرْ تَفْسِيرَهُ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/98 وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/156، 2/32
وَإِنَّمَا أَرْدَفَهُ بِهِ لِيَنْبُذَ الْعَهْدَ إِلَى الْعَرَبِ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ لَا يَعْقِدَ الْعُقُودَ وَيَنْبُذَهَا إِلَّا السَّيِّدُ الْمُطَاعُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ نَقْضَ الْعُهُودِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً عَلَى أُمَّتِهِ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا خِطَابًا بَيْنَهُمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا كَانَ أَخَّرَهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَيَشْتَكِيَ، بَلْ كَانَ هَذَا مِنَ الْحُكْمِ الَّذِي يَجِبُ بَيَانُهُ، وَتَبْلِيغُهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ بِلَفْظٍ يُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ.
، ثُمَّ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُخَاطِبْ عَلِيًّا بِهَذَا الْخِطَابِ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ الْمُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِهِ - كَمَا رَوَوْا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ - لَكَانَ عَلِيٌّ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ أَنَّهُ مِثْلُ هَارُونَ بَعْدَهُ وَفِي حَيَاتِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ يَبْكِي (1)، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟
وَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مُطْلَقًا لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَقَدْ كَانَ
(1) عِبَارَةُ " وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ يَبْكِي "، سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَهُ وَهُوَ فِيهَا، كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَامَ خَيْبَرَ غَيْرَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلِيٌّ بِهَا أَرْمَدَ حَتَّى لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ حِينَ قَدِمَ، وَكَانَ قَدْ أَعْطَى الرَّايَةَ رَجُلًا فَقَالَ (1) :" «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» "(2) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ (3) مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ مُدَّةً يَسِيرَةً، فَبَعْدَ (4) مَوْتِهِ وَطُولِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ (5) أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ (6) .
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ قَدِ اسْتَخْلَفَ غَيْرَ عَلِيٍّ اسْتِخْلَافًا أَعْظَمَ مِنِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، وَاسْتَخْلَفَ (7) أُولَئِكَ عَلَى أَفْضَلَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ تَبُوكَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ عَلِيٍّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَلَيْسَ جَعْلُ عَلِيٍّ هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَوْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَهُمْ عَلَى الْمَدِينَةِ كَمَا اسْتَخْلَفَهُ، وَأَعْظَمَ مِمَّا اسْتَخْلَفَهُ، وَآخِرُ الِاسْتِخْلَافِ كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ كَانَ (8) عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ (9) عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْمَوْسِمَ لَكِنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ غَيْرَ عَلِيٍّ.
(1) م: وَكَانَ قَدْ قَالَ.
(2)
سَبَقَ الْحَدِيثُ: 4/289
(3)
ن، م، س: الْخَلِيفَةُ. ب: خَلِيفَةٌ، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ وُرُودُهُ فِي (ك) .
(4)
ن، س، ب: فَعِنْدَ.
(5)
ن، م، س، ب: تَطُولُ الْغَيْبَةُ يَكُونُ أَوْلَى، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ أَنْ أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ك) .
(6)
ن، م، س، ب: خَلِيفَةً، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) .
(7)
م: وَاسْتِخْلَافُ.
(8)
كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(9)
ن، م: كَانَ.
فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الِاسْتِخْلَافِ، فَبَقَاءُ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ (1) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ اسْتِخْلَافِ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِخْلَافَاتُ عَلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَلَا عَلَى الْإِمَامَةِ، بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَدَدًا غَيْرَهُ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ جُهَّالٌ يَجْعَلُونَ الْفَضَائِلَ الْعَامَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ خَاصَّةً بِعَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْمَلَ مِنْهُ فِيهَا كَمَا فَعَلُوا فِي النُّصُوصِ وَالْوَقَائِعِ.
وَهَكَذَا فَعَلَتِ النَّصَارَى جَعَلُوا مَا أَتَى بِهِ الْمَسِيحُ مِنَ الْآيَاتِ دَالًّا عَلَى شَيْءٍ يَخْتَصُّ بِهِ (2) مِنَ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَقَدْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا أَتَى بِهِ، وَكَانَ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ أَعْظَمَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ فَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمَسِيحِ دُونَ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى لَا بِحُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ (3) ، بَلْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُمْتَنِعًا، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كُلُّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُمْكِنٍ، كَحُصُولِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْأَنْوَارِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَأَمْرٌ (4) مُمْكِنٌ.
وَهَكَذَا الْأَمْرُ مَعَ الشِّيعَةِ: يَجْعَلُونَ الْأُمُورَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، الَّتِي تَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ، مُخْتَصَّةً بِهِ حَتَّى رَتَّبُوا (5) عَلَيْهِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الْعِصْمَةِ، وَالْإِمَامَةِ، وَالْأَفْضَلِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُنْتَفٍ
(1) م: يَسْتَخْلِفُهُ.
(2)
م: مُخْتَصٌّ بِهِ.
(3)
م: وَلَا بِاتِّخَاذٍ.
(4)
ن، س، ب: بِأَمْرٍ.
(5)
ن، م: يُرَتِّبُوا.
فَمَنْ عَرَفَ سِيرَةَ الرَّسُولِ، وَأَحْوَالَ الصَّحَابَةِ، وَمَعَانِيَ الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ اخْتِصَاصٌ بِمَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ، وَلَا إِمَامَتَهُ، بَلْ فَضَائِلُهُ مُشْتَرَكَةٌ، وَفِيهَا مِنَ الْفَائِدَةِ إِثْبَاتُ إِيمَانِ عَلِيٍّ، وَوِلَايَتِهِ، وَالرَّدُّ عَلَى النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يَسُبُّونَهُ، أَوْ يُفَسِّقُونَهُ، أَوْ يُكَفِّرُونَهُ (1) ، وَيَقُولُونَ فِيهِ مِنْ جِنْسِ مَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ فِي الثَّلَاثَةِ.
فَفِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ الثَّابِتَةِ رَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ، كَمَا أَنَّ فِي فَضَائِلِ الثَّلَاثَةِ رَدًّا عَلَى الرَّوَافِضِ.
وَعُثْمَانُ رضي الله عنه تَقْدَحُ فِيهِ الرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ، وَلَكِنَّ شِيعَتَهُ يَعْتَقِدُونَ إِمَامَتَهُ، وَيَقْدَحُونَ (2) فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ خَيْرٌ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ الَّذِينَ يَقْدَحُونَ فِي غَيْرِهِ، وَالزَّيْدِيَّةُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مُضْطَرِبُونَ فِيهِ.
وَأَيْضًا فَالِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ نَوْعُ نِيَابَةٍ، لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ، وَلَيْسَ كُلُّ (مَنْ)(3) يَصْلُحُ لِلِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ عَلَى بَعْضِ الْأُمَّةِ يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ كَبَشِيرِ بْنِ (عَبْدِ) الْمُنْذِرِ (4) ، وَغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ فِي حَيَاتِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّاسِ
(1) س، ب: وَيُفَسِّقُونَهُ وَيُكَفِّرُونَهُ.
(2)
م: أَوْ يَقْدَحُونَ.
(3)
مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ن، م، س: وَكَذَلِكَ بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ب: وَذَلِكَ كَبِشْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَسَبَقَ تَصْحِيحُ الِاسْمِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ.
كَمَا يُطَالَبُ بِذَلِكَ وُلَاةُ الْأُمُورِ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ، فَفِي حَيَاتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ جِهَادُ الْأَعْدَاءِ، وَقَسْمُ الْفَيْءِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ، وَاسْتِعْمَالُ الْعُمَّالِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ بَعْدَهُ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَيْسَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ كَالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فِي حَيَاتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الْبَرِّ كَانَ * الْمُسْتَخْلَفُ وَكِيلًا مَحْضًا (1) يَفْعَلُ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكَّلُ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَانَ * (2) وَلِيًّا مُسْتَقِلًّا يَعْمَلُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (3) ، وَلَمْ يَكُنْ * وَكِيلًا لِلْمَيِّتِ.
وَهَكَذَا أُولُو الْأَمْرِ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدُهُمْ شَخْصًا فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ فِي الْقَضَايَا الْمُعَيَّنَةِ، وَأَمَّا إِذَا اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَتِهِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّ * (4) هَذَا التَّصَرُّفَ مُضَافٌ إِلَيْهِ لَا إِلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَيَاةِ بِأَمْرِ مُسْتَخْلِفِهِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إِلَى مَنِ اسْتَخْلَفَهُ لَا إِلَيْهِ فَأَيْنَ (5) هَذَا مِنْ هَذَا! ؟
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ: إِنَّ مَنِ اسْتَخْلَفَ شَخَّصَا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ، وَانْقَضَى ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ: إِنَّهُ يَكُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى
(1) س: مُخْتَصٌّ، ب: مُخْتَصًّا.
(2)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(3)
س، ب: اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.
(4)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(5)
ن، م، س: فَإِنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.