المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ليس كل أحد من أهل النظر والاستدلال خبيرا بالمنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها وصوابها وخطئها] - منهاج السنة النبوية - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[البرهان الأول " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العاشر " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي عشر " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني عشر " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث عشر " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع عشر " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس عشر " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس عشر " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع عشر " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن عشر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع عشر " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العشرون " وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والعشرون " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والعشرون " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والعشرون " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والعشرون " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والعشرون " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والعشرون " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والعشرون " لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. . . " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والعشرون " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثلاثون " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والثلاثون " وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والثلاثون " يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والثلاثون " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والثلاثون " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والثلاثون " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والثلاثون " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والثلاثون " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والثلاثون " إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والثلاثون " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الأربعون " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[الأول لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[الثاني حديث الغدير]

- ‌[الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى]

- ‌[الرابع أَنَّ النَبَّي صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ]

- ‌[الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي]

- ‌[السادس حديث الْمُؤَاخَاة]

- ‌[السابع حديث الراية]

- ‌[الثامن حديث الطائر]

- ‌[التاسع مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح]

- ‌[الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته]

- ‌[الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها]

- ‌[فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا]

- ‌[فصل الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ]

- ‌[توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها]

- ‌[طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ]

- ‌[المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله]

- ‌[الأول أنه كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

الفصل: ‌[فصل ليس كل أحد من أهل النظر والاستدلال خبيرا بالمنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها وصوابها وخطئها]

غَيْرِ طُرُقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَبَيَّنَّا كَذِبَهُمْ: تَارَةً بِالْعَقْلِ، وَتَارَةً بِمَا عُلِمَ بِالْقُرْآنِ، وَتَارَةً بِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ، وَتَارَةً بِمَا أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُخَالِفَةَ لِلْقُرْآنِ وَالتَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْمُخَالِفَةَ لِلْعَقْلِ يُعْلَمُ بُطْلَانُهَا، وَهَذَا مِنْ (1) جُمْلَةِ الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا طُرُقُ مَا يُنَاقِضُونَ بِهِ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ فِي أَدِلَّتِهِمْ إِلَّا عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا نَقْلٌ كَاذِبٌ، وَإِمَّا دَلَالَةٌ مُجْمَلَةٌ مُشَبَّهَةٌ (2) ، وَإِمَّا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا حَالُ كُلِّ مَنِ احْتَجَّ بِحُجَّةٍ فَاسِدَةٍ نَسَبَهَا إِلَى الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ عُمْدَتَهُ إِمَّا نَصٌّ، وَإِمَّا قِيَاسٌ، وَالنَّصُّ يَحْتَاجُ إِلَى صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَدَلَالَةِ الْمَتْنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ ثَابِتًا عَنِ الرَّسُولِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَالًّا (3) عَلَى الْمَطْلُوبِ.

وَالْحُجَجُ الْبَاطِلَةُ السَّمْعِيَّةُ إِمَّا نَقْلٌ كَاذِبٌ، وَإِمَّا نَقْلٌ صَحِيحٌ لَا يَدُلُّ، وَإِمَّا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ لِلرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَقَوْلُنَا:" نَقْلٌ " يَدْخُلُ فِيهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَلَامُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا تَحْتَجُّ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْأَفْعَالُ وَالْإِقْرَارُ وَالْإِمْسَاكُ يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ.

[فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا]

فَصْلٌ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ

(1) ب: هَذَا وَمِنْ

(2)

مُشَبَّهَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)

ن، س: ثَابِتًا دَالًّا

ص: 419

وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا، وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا، فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْهُ صِدْقٌ وَمِنْهُ كَذِبٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ خِبْرَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إِلَى طُرُقٍ أُخْرَى.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، الَّذِي أَخْرَجَ النَّاسَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ (1) مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُبَيِّنُ لَهُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ.

كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ: " «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ» "(2) وَلِهَذَا تَنَوَّعَتِ الطُّرُقُ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ الصِّدْقُ مِنَ الْكَذِبِ حَتَّى فِي أَخْبَارِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ (3) رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ. فَالطُّرُقُ (4) الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ الصَّادِقِ، وَكَذِبُ الْمُتَنَبِّئِ الْكَذَّابِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ (5) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ الْمَنْقُولِ عَنِ الرَّسُولِ وَكَذِبُهُ يَتَعَدَّدُ وَيَتَنَوَّعُ، وَكَذَلِكَ مَا بِهِ يُعْلَمُ صِدْقُ الَّذِينَ حَمَلُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ صِدْقَ مِثْلِ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى

(1) ن: م، س: لَهُمْ

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/139 140.

(3)

س، ب: أَنَّهُ

(4)

ن، س، ب: فَالطَّرِيقُ

(5)

ب: عَلَيْهَا

ص: 420

بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ عِلْمًا يَقِينًا، يَجْزِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ فِي الْحَدِيثِ، وَيَعْلَمُونَ كَذِبَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ، وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ الْقَاضِي (1) ، وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوِيبَارِيِّ، وَعَتَّابِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَتَّابٍ، وَأَبِي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ، وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ (2) الْكَذِبَ.

وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَا يُعْصَمُ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ إِلَّا نَبِيٌّ، لَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ غَلَطًا فِي أَشْيَاءَ خَفِيفَةٍ لَا تَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْحَدِيثِ، وَيَعْرِفُونَ رِجَالًا دُونَ هَؤُلَاءِ يَغْلَطُونَ أَحْيَانًا، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمُ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ، وَلَهُمْ دَلَائِلُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى غَلَطِ الْغَالِطِ.

وَدُونَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَثِيرٌ غَلَطُهُمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِمْ إِذَا انْفَرَدُوا، لَكِنْ يَعْتَبِرُونَ بِحَدِيثِهِمْ وَيَسْتَشْهِدُونَ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ فِيمَا رَوَوْهُ: هَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ؟ فَإِذَا تَعَدَّدَتِ الطُّرُقُ وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَاطَئُوا، وَلَا يُمْكِنْ فِي الْعَادَةِ اتِّفَاقُ الْخَطَأِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مِمَّا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ الْحَدِيثِ.

وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِأَعْتَبِرَ بِهِ، مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَالِمًا دَيِّنًا قَاضِيًا لَكِنِ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ بَعْدَ

(1) ن، س: وَأَبِي الْبَحْرِيِّ (بِدُونِ نَقْطٍ) الْقَاضِي ; م: وَأَبِي الْآخَرِ الْقَاضِي. وَهُوَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَهْبُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 200، مُتَّهَمٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/231 ; مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/278، الْوَفِيَّاتِ 5/90 \ 94 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 13/451 457 ; الْأَعْلَامِ 9/150

(2)

م: أَنَّهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ

ص: 421

ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ دَخَلَ (1) فِيهَا غَلَطٌ لَكِنَّ أَكْثَرَ ذَلِكَ صَحِيحٌ يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا الثِّقَاتُ كَاللَّيْثِ وَأَمْثَالِهِ.

وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ صِدْقَ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ، وَيَعْلَمُونَ كَذِبَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَجْزِمُونَ بِأَنَّهَا كَذِبٌ بِأَسْبَابٍ عَرَفُوا بِهَا ذَلِكَ، مَنْ شَرِكَهُمْ فِيهَا عَلِمَ مَا عَلِمُوهُ، وَمَنْ لَمْ يَشْرَكْهُمْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الشَّهَادَةَ، وَيُؤَدُّونَهَا يَعْرِفُ مَنْ جَرَّبَهُمْ وَخَبَرَهُمْ (صِدْقَ) صَادِقِهِمْ وَ (كَذِبَ) كَاذِبِهِمْ (2) وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْمُعَامَلَاتِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ يَعْلَمُ مَنْ جَرَّبَهُمْ وَخَبَرَهُمْ صَادِقَهُمْ وَكَاذِبَهُمْ، وَأَمِينَهُمْ وَخَائِنَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ قَدْ يَعْلَمُ النَّاسُ صِدْقَ بَعْضِهَا، وَكَذِبَ بَعْضِهَا، وَيَشُكُّونَ فِي بَعْضِهَا.

وَبَابُ الْمَعْرِفَةِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْحِيدٍ، وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَفَضَائِلَ لِأَعْمَالٍ أَوْ لِأَقْوَامٍ (3) ، أَوْ أَمْكِنَةٍ أَوْ أَزْمِنَةٍ (4) ، وَمَثَالِبَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِحَدِيثِهِ الَّذِينَ اجْتَهَدُوا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَطَلَبِهِ مِنْ وُجُوهِهِ، وَعَلِمُوا أَحْوَالَ نَقَلَةِ ذَلِكَ، وَأَحْوَالَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَجَمَعُوا بَيْنَ رِوَايَةِ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، فَعَلِمُوا صِدْقَ الصَّادِقِ، وَغَلَطَ الْغَالِطِ، وَكَذِبَ الْكَاذِبِ.

وَهَذَا عِلْمٌ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ مَنْ حَفِظَ بِهِ (5) عَلَى الْأُمَّةِ مَا حَفِظَ مِنْ دِينِهَا، وَغَيْرُ

(1) س، ب: صَارَ

(2)

ن، م:. . وَخَبَرَهُمْ صَادِقَهُمْ وَكَاذِبَهُمْ.

(3)

م: الْأَعْمَالِ أَوِ الْأَقْوَامِ

(4)

ن، م: وَأَزْمِنَةٍ

(5)

م: مِنْ حَفَظَتِهِ

ص: 422

هَؤُلَاءِ لَهُمْ تَبَعٌ (1) فِيهِ: إِمَّا مُسْتَدِلٌّ بِهِمْ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُمْ. كَمَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي الْأَحْكَامِ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ رِجَالًا اجْتَهَدُوا فِيهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ بِهِمْ عَلَى الْأُمَّةِ مَا حَفِظَ مِنَ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمْ لَهُمْ (2) تَبَعٌ فِيهِ: إِمَّا مُسْتَدِلٌّ بِهِمْ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُمْ.

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ خَوَاصَّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ فِي الِاخْتِصَاصِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِلَالٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: هُمْ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِهِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَحْفَظَ وَأَفْقَهَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَطْوَلَ صُحْبَةً، وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا أَخَذَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ عَنْ غَيْرِهِ لِطُولِ عُمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَمَ مِنْهُ، كَمَا أُخِذَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا أُخِذَ عَمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ (3) ، كَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ (وَنَحْوِهِمْ)(4) وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ فَلَهُمْ فِي تَبْلِيغِ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ، وَنَشْرِ أُصُولِهِ، وَأَخْذِ النَّاسِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ يُرْوَى عَنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ

(1) ن: لَهُمْ بِيَعٌ ; م: لَمْ تَبِعْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)

م: لَمْ

(3)

س، ب: مِنْهُمْ أَفْضَلُ

(4)

وَنَحْوِهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (م.

ص: 423

مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُفْرَدَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرْوَى (1) عَنْ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ، فَالْخُلَفَاءُ لَهُمْ عُمُومُ التَّبْلِيغِ وَقُوَّتُهُ الَّتِي لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ، ثُمَّ لَمَّا قَامُوا بِتَبْلِيغِ ذَلِكَ شَارَكَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، فَصَارَ مُتَوَاتِرًا كَجَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ (2) ، ثُمَّ جَمْعِ عُثْمَانَ لَهُ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى الْأَمْصَارِ، فَكَانَ الِاهْتِمَامُ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، وَتَبْلِيغِهِ أَهَمَّ مِمَّا سِوَاهُ.

وَكَذَلِكَ تَبْلِيغُ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَمُقَاتَلَتُهُمْ (3) عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتِنَابَتُهُمْ (4) فِي ذَلِكَ الْأُمَرَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَصْدِيقُهُمْ لَهُمْ فِيمَا بَلَّغُوهُ عَنِ الرَّسُولِ، فَبَلَّغَ مَنْ أَقَامُوهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى صَارَ الدِّينُ مَنْقُولًا نَقْلًا عَامًّا مُتَوَاتِرًا ظَاهِرًا مَعْلُومًا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَوَضَحَتْ بِهِ الْمَحَجَّةُ، وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا خُلَفَاءَهُ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، الَّذِينَ خَلَفُوهُ فِي أُمَّتِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا.

وَهُوَ صلى الله عليه وسلم، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (سُورَةِ النَّجْمِ: 1 - 4) فَهُوَ مَا ضَلَّ وَمَا غَوَى، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ:" «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» "(5) فَإِنَّهُمْ خَلَفُوهُ فِي ذَلِكَ، فَانْتَفَى عَنْهُمْ بِالْهُدَى الضَّلَالُ، وَبِالرُّشْدِ الْغَيُّ.

(1) م: رُوِيَ

(2)

ن، م: فِي الْمُصْحَفِ

(3)

س، ب: وَمُقَابَلَتُهُمْ ; م: وَمُقَاتَلَةٌ (غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ)

(4)

م: وَاسْتِبَانَتُهُمْ

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164، 5/525

ص: 424

وَهَذَا هُوَ الْكَمَالُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَإِنَّ الضَّلَالَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْغَيَّ اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: 6، 7)، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» "(1) فَالْمُهْتَدِي الرَّاشِدُ الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ الْجُهَّالِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْغَيِّ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِالرَّسُولِ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ تَبْلِيغًا لِمَا عَلِمَهُ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْمَفْضُولِ عِلْمُ قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْهَا الْأَفْضَلُ فَيَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَعْلَمَ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَلَا أَنَّ هَذَا الْأَعْلَمَ يَتَعَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْضُولِ مَا امْتَازَ بِهِ.

وَلِهَذَا كَانَ الْخُلَفَاءُ يَسْتَفِيدُونَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ، كَمَا اسْتَفَادَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عِلْمَ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ (2) مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ (3) ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (4) وَاسْتَفَادَ عُمَرُ رضي الله عنه عِلْمَ دِيَةِ

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/11 \ 12

(2)

ب: الْجَدِّ

(3)

س، م: ب: سَلَمَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(4)

الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/909 910 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ) وَأَوَّلُهُ: عَنِ ابْنِ ذُؤَيْبٍ ; قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا. فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. فَسَأَلَ النَّاسَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ. . . الْحَدِيثَ،

ص: 425

الْجَنِينِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَتَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَفَادَ عُثْمَانُ رضي الله عنه حَدِيثَ مَقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَفَادَ عَلِيٌّ رضي الله عنه حَدِيثَ صَلَاةِ التَّوْبَةِ مِنْ غَيْرِهِ.

وَقَدْ يَخْفَى ذَلِكَ الْعِلْمُ عَنِ الْفَاضِلِ حَتَّى يَمُوتَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ، وَيُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ نُبَيِّنَ طُرُقَ الْعِلْمِ، فَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُمُ الْعِلْمَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ: مِثْلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ (بْنِ جَبَلٍ)(1) ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي مُوسَى وَسَلْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَمْثَالِهِمْ.

وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (2) ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ: مِثْلَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمِثْلَ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَمْثَالِهِمْ.

ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ

(1) بْنِ جَبَلٍ: (س) ، (ب)

(2)

وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

ص: 426

وَمَكْحُولٍ الشَّامِيِّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ.

ثُمَّ (مِنْ)(1) بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَزَائِدَةَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ.

ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ (2) وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ: الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ)(3) ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَبَقِيُّ (4) بْنُ مَخْلَدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ.

(1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأُصُولِ

(2)

م: وَهُشَيْمِ بْنِ عَبْدِ بْنِ بِشْرٍ ; س، ب: وَهِشَامِ بْنِ بِشْرٍ: وَهُوَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ، أَبُو مُعَاوِيَةَ. . تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/59 64، الْأَعْلَامِ 9/89، وَأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ن، س: وَابْنِ خَيْثَمَةَ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ الْحَرَشِيُّ النَّسَائِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 160 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 234 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/242 244.

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)

(4)

ن، س: وَتَقِيُّ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ

ص: 427

وَمِثْلَ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ.

ثُمَّ (مِنْ)(1) بَعْدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ: أَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ (2) ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ، وَأَبِي قَاسِمٍ الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الْعَسَّالِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ.

ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ مَنْدَهْ، وَالْحَاكِمِ (3) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهُمْ.

فَهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ (4) كَانَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ رِوَايَةً، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ مَعْرِفَةً بِصَحِيحِهِ مِنْ سَقِيمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حِفْظِهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: أَشْرَفُ الْعِلْمِ الْفِقْهُ فِي مُتُونِ (5) الْأَحَادِيثِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ، وَنَحْوَهَمَا أَعْرَفُ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ (6) مِنْ مِثْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ

(1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأُصُولِ

(2)

س، ب: النَّجَّارِ. وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْرَائِيلَ النَّجَّادُ، شَيْخُ الْعُلَمَاءِ بِبَغْدَادَ فِي عَصْرِهِ، مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ الْحَنَابِلَةِ، وُلِدَ سَنَةَ 253 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 348 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/101 ; الْأَعْلَامِ 1/127 128

(3)

ن، س، ب: وَابْنِ مَنْدَهْ الْحَاكِمِ، وَهُوَ خَطَأٌ

(4)

م: فَإِنْ

(5)

ن: فُنُونِ

(6)

م: مِنْ سَقِيمِهِ

ص: 428

وَنَحْوُهُمَا أَفْقَهُ مِنْ أُولَئِكَ، وَأَحْمَدُ كَانَ يُشَارِكُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.

وَكَانَ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، كَمَا كَانَ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَمَعَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْحَدِيثِ.

وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ لَهُ عِنَايَةٌ بِصَحِيحِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو دَاوُدَ لَهُ عِنَايَةٌ بِالْفِقْهِ أَكْثَرُ، وَالْبُخَارِيُّ لَهُ عِنَايَةٌ بِهَذَا وَهَذَا.

وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا تَوْسِعَةَ الْكَلَامِ فِي هَذَا، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَهُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَهُمْ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ صَادِقًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ فِيهِ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِنَايَةِ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ، فَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ نَقْلُهُ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ ضَابِطٌ، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ فَهَذَا عِلْمٌ آخَرُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ فَقِيهًا مُجْتَهِدًا، وَقَدْ يَكُونُ صَالِحًا مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَعْرِفَةٍ.

لَكِنَّ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْعِلْمِ، فَلَا يَرُوجُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكَذِبِ مَا يَرُوجُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمُهُمْ (1) ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالرَّسُولِ أَعْرَفَ كَانَ تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَتَمَّ، فَقَدْ يَرُوجُ عَلَى أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَالْفِقْهِ، وَالزُّهْدِ، وَالنَّظَرِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: إِمَّا يُصَدِّقُونَ بِهَا، وَإِمَّا يُجَوِّزُونَ بِصِدْقِهَا، وَتَكُونُ مَعْلُومَةَ الْكَذِبِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ.

وَقَدْ يُصَدِّقُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ بِمَا يَكُونُ كَذِبًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (2) " مِثْلَ مَا

(1) س، ب: عِلْمٌ

(2)

فِي هَامِشِ (س) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ: " الْأَحَادِيثَ الْمَكْذُوبَةَ

ص: 429

يَرْوِي طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ حَدِيثَ: " «لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» "، وَحَدِيثَ:" «زَكَاةُ الْأَرْضِ نَبْتُهَا» "، وَحَدِيثَ:" «نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَنُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ» "، وَحَدِيثَ:" «نُهِيَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» "، وَحَدِيثَ:" «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ عَلَى مُسْلِمٍ» "، وَحَدِيثَ:«ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» "، وَحَدِيثَ: "«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ يُتِمُّ وَيَقْصُرُ» "، وَحَدِيثَ: "«لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إِلَّا فِي عَشْرِ دَرَاهِمَ» "، وَحَدِيثَ: "«لَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» "، وَحَدِيثَ: "«الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ» "، وَحَدِيثَ: "«أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ» "، وَحَدِيثَ: "«نَهَى عَنِ الْبَتْرَاءِ» "، وَحَدِيثَ: «يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنَ الْمَنِيِّ وَالدَّمِ» "، وَحَدِيثَ:" «الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ لَا مِمَّا دَخَلَ» "، وَحَدِيثَ:" «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ» ".

إِلَى أَمْثَالِ (1) ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ (2) الَّتِي يُصَدِّقُ بَعْضَهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَيَبْنُونَ عَلَيْهَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْضُوعَةٌ (عَلَيْهِ)(3) ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ يَرْوِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النُّسَّاكِ، وَيَظُنُّهَا صِدْقًا، مِثْلَ قَوْلِهِمْ (4)

(1) ن، م: مِثَالِ

(2)

ن، م، س: الْحَدِيثِ

(3)

عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (م)

(4)

ن، م، س: قَوْلِهِ:

ص: 430

" إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا "، وَمِثْلَ قَوْلِهِمْ:" إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 52) ، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 28) (1) : نَزَلَ (2) فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَمِثْلَ حَدِيثِ: "«غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَحَدُ الْأَبْدَالِ الْأَرْبَعِينَ» "، وَكَذَلِكَ حَدِيثٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَبْدَالِ، وَالْأَقْطَابِ، وَالْأَغْوَاثِ، وَعَدَدِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَذِبٌ.

وَكَذَلِكَ أَمْثَالُ (3) . . هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَدْ تُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، مِثْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 52)، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 28) فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ (4) وَهُمَا سُورَتَانِ مَكِّيَّتَانِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالصُّفَّةُ إِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ (5) وَمِثْلَ مَا يَرْوُونَ فِي أَحَادِيثِ الْمِعْرَاجِ (6) : أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ كَذَا.

(1) آيَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي (ب) فَقَطْ

(2)

نَزَلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَفِي (ن)، (س) : نَزَلَتْ

(3)

ن، م: وَكَذِبُ أَمْثَالِ

(4)

ن، م: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ ; س: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ب) ،

(5)

الْمَقْصُودُ أَنَّ آيَةَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَآيَةَ سُورَةِ الْكَهْفِ لَمْ يَنْزِلَا فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ لِأَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِمَكَّةَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ.

(6)

م: حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ

ص: 431

وَأَحَادِيثُ الْمِعْرَاجِ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحَادِيثِ ذِكْرِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنَّمَا الرُّؤْيَةُ فِي أَحَادِيثَ مَدَنِيَّةٍ كَانَتْ فِي الْمَنَامِ كَحَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ:" «أَتَانِي الْبَارِحَةَ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» " إِلَى آخِرِهِ، فَهَذَا مَنَامٌ رَآهُ (1) فِي الْمَدِينَةِ، * وَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ كُلُّهَا كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ فِي الْمَنَامِ * (2) ، وَالْمِعْرَاجُ كَانَ بِمَكَّةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدْ يَرُوجُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ هَذَا، مِثْلَ تَوَاجُدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَقَطَتِ الْبُرْدَةُ عَنْهُ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَطَائِفَةٌ يَظُنُّونَ هَذَا صِدْقًا لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ فِي مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ لَكِنْ قَالَ:" يُخَالِجُ سِرِّي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ دُونَ اجْتِمَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ "، وَهَذَا الَّذِي ظَنَّهُ وَخَالَجَ سِرَّهُ هُوَ يَقِينٌ عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ خَالَطَ قَلْبَهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا ظَنُّ طَائِفَةٍ أَنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ قَاتَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَوْلِيَاءِ قِتَالُ الْأَنْبِيَاءِ، إِذَا كَانَ الْغَدْرُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ فَقَدْ رَاجَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْأَحْوَالِ وَالْمَعَارِفِ وَالْحَقَائِقِ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ، وَالشَّيَاطِينُ الَّتِي تَقْتَرِنُ بِهِمْ (3) بِهِمْ قَدْ تُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ الْغَائِبَاتِ، وَتَفْعَلُ بَعْضَ

(1) رَآهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)

ن: الَّتِي تُقْرَنُ بِهِمْ ; س: الَّتِي يَغْتَرُّونَ بِهِمْ ; ب: الَّذِينَ يَغْتَرُّونَ

ص: 432

أَغْرَاضِهِمْ، وَتَقْضِي (بَعْضَ)(1) حَوَائِجِهِمْ، وَيَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ.

وَكَذَلِكَ قَدْ يَرُوجُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ (2) إِلَى السُّنَّةِ أَحَادِيثُ يَظُنُّونَهَا مِنَ السُّنَّةِ وَهِيَ كَذِبٌ، كَالْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ - غَيْرَ الصَّوْمِ - وَفَضْلِ الْكُحْلِ فِيهِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحَدِيثِ (3) ، وَالْخِضَابِ، وَالْمُصَافَحَةِ، وَتَوْسِعَةِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ فِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي عَاشُورَاءَ (4) حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرَ الصَّوْمِ.

وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى فِي فَضْلِ صَلَوَاتٍ (5) مُعَيَّنَةٍ فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كُتُبِهِمْ.

وَلِهَذَا لَمَّا (6) سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى: " «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» " فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ.

وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِي فَضْلِ رَجَبٍ بِخُصُوصِهِ، أَوْ فَضْلِ صِيَامِهِ، أَوْ صِيَامِ شَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ فَضْلِ صَلَاةٍ مَخْصُوصَةٍ فِيهِ كَالرَّغَائِبِ، كُلُّهَا كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ.

وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى فِي صَلَاةِ الْأُسْبُوعِ كَصَلَاةِ يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ

(1) بَعْضَ: زِيَادَةٌ فِي (م)

(2)

س، ب: يُنْسَبُ

(3)

وَالْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

(4)

ن، س، ب: وَلَيْسَ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ

(5)

س، ب: صَلَاةٍ

(6)

لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

ص: 433

وَغَيْرِهِمَا كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى مِنَ الصَّلَاةِ الْمُقَدَّرَةِ لَيْلَةَ النِّصْفِ، وَأَوَّلَ لَيْلَةِ (1) جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كُلُّهَا كَذِبٌ.

وَكَذَلِكَ كَلُّ صَلَاةٍ فِيهَا الْأَمْرُ بِتَقْدِيرِ عَدَدِ الْآيَاتِ أَوِ السُّوَرِ أَوِ التَّسْبِيحِ، فَهِيَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، إِلَّا صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ لَهُمْ، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اعْتَقَدَ صِدْقَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْخُذْهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ كَرِهُوهَا وَطَعَنُوا فِي حَدِيثِهَا، وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنْ يَسْتَحِبُّهَا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُمْ، لَا نَقْلٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ.

وَأَمَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ فَلَمْ يَسْتَحِبَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ الْمَأْثُورَةَ الَّتِي فِيهَا التَّسْبِيحُ قَبْلَ الْقِيَامِ، بَلِ اسْتَحَبَّ صِفَةً أُخْرَى تُوَافِقُ الْمَشْرُوعَ؛ لِئَلَّا تَثْبُتَ سُنَّةٌ بِحَدِيثٍ لَا أَصْلَ لَهُ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَشْيَاءُ مَنْقُولَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهَا كَذِبٌ مِثْلَ حَدِيثِ فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَالْوَاحِدِيُّ فِي أَوَّلِ (2) كُلِّ سُورَةٍ، وَيَذْكُرُهُ (3) وَكَذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ.

وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصَحَّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي فَضَائِلَ السُّوَرِ أَحَادِيثُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَلِهَذَا رَوَاهَا أَهْلُ الصَّحِيحِ، فَأَفْرَدَ (4)

(1) س، ب: أَوْ لَيْلَةَ

(2)

س، ب: فِي أَوَائِلِ

(3)

ن: وَيَذْكُرُ ; م:

(4)

س، ب: فَأَوْرَدَ

ص: 434

الْحُفَّاظُ لَهَا مُصَنَّفَاتٍ كَالْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَغَيْرِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَأْثُورَةَ (1) فِي فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَخَوَاتِيمِ الْبَقَرَةِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ فَلَهُمْ فُرْقَانٌ يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ.

وَأَمَّا (أَحَادِيثُ)(2) سَبَبِ النُّزُولِ فَغَالِبُهَا مُرْسَلٌ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثَلَاثُ عُلُومٍ لَا إِسْنَادَ لَهَا - وَفِي لَفْظٍ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ -: التَّفْسِيرُ، وَالْمَغَازِي، وَالْمَلَاحِمُ، يَعْنِي أَنَّ أَحَادِيثَهَا مُرْسَلَةٌ.

وَالْمَرَاسِيلُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا، وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ مِنْهَا الْمَقْبُولَ، وَمِنْهَا الْمَرْدُودَ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفَ، فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ قُبِلَ مُرْسَلُهُ، وَمَنْ عُرِفَ أَنَّهُ يُرْسِلُ عَنِ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الثِّقَةِ كَانَ إِرْسَالُهُ رِوَايَةً عَمَّنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَهَذَا مَوْقُوفٌ، وَمَا كَانَ مِنَ الْمَرَاسِيلِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ كَانَ مَرْدُودًا.

وَإِذَا جَاءَ الْمُرْسَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ (3) : كُلٌّ مِنَ الرَّاوِيَيْنِ (4) أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ شُيُوخِ الْآخَرِ (5) ، فَهَذَا مِمَّا (6) يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ تَمَاثُلُ الْخَطَأِ فِيهِ وَتَعَمُّدُ الْكَذِبِ، كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ إِنَّمَا يُؤْتَى (7) مِنْ جِهَةِ (تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَمِنْ جِهَةِ)(8)

(1) ن، م، س: الْحَدِيثَ الْمَأْثُورَ

(2)

أَحَادِيثُ: فِي (ب) فَقَطْ

(3)

س، ب: وَإِذَا كَانَ الْمُرْسَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ ; م: وَآحَادُ الْمُرْسَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ

(4)

ن، س: الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(5)

ن: عَنْ آخِرِ شُيُوخِ الْآخَرِ

(6)

مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(7)

ن، م: إِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ

(8)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)

ص: 435

الْخَطَأِ، فَإِذَا كَانَتِ الْقِصَّةُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاطَأْ فِيهِ الْمُخْبِرَانِ، وَالْعَادَةُ (1) تَمْنَعُ تَمَاثُلَهُمَا فِي الْكَذِبِ عَمْدًا وَخَطَأً، مِثْلَ (2) أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ طَوِيلَةً فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ رَوَاهَا هَذَا مِثْلَ مَا رَوَاهَا هَذَا، فَهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ.

وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمُوسَى عليه السلام، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَخَلْقِهِ لِلْعَالَمِ (3) وَقِصَّةِ آدَمَ وَيُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْآخَرُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَفِدْ ذَلِكَ مِنَ الْآخَرِ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ تَمَاثُلُ الْخَبَرَيْنِ الْبَاطِلَيْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ مُفَصَّلَةٍ دَقِيقَةٍ عَنْ مُخْبَرٍ مُعَيَّنٍ، لَوْ كَانَ مُبْطِلًا فِي خَبَرِهِ لَاخْتَلَفَ خَبَرُهُ، لِامْتِنَاعِ أَنَّ مُبْطِلًا يَخْتَلِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ، لَا سِيَّمَا فِي أُمُورٍ لَا تَهْتَدِي الْعُقُولُ إِلَيْهَا، بَلْ ذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخْبَرَ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ.

وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ النَّاسُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ (4) وَأَخْبَرَ عَنْ حَوَادِثَ مُفَصَّلَةٍ حَدَثَتْ فِيهِ، تَنْتَطِمُ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا مُخْتَلِفَةً، وَجَاءَ مَنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُوَاطِئْهُ عَلَى الْكَذِبِ فَحَكَى مِثْلَ ذَلِكَ، عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاطَأَةِ وَتَلَقِّي بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، (كَمَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ الْبَاطِلِ الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةَ مِثْلَ مَقَالَةِ النَّصَارَى وَالْجَهْمَيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، لَكِنَّهَا تَلَقَّاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ،)(5)

(1) ب (فَقَطْ) : فَالْعَادَةُ

(2)

س، ب: وَمِثْلَ، وَهُوَ خَطَأٌ

(3)

ن، س: ب: لِلْعِلْمِ، وَهُوَ خَطَأٌ

(4)

إِلَى آخَرَ: فِي (ن) فَقَطْ

(5)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)

ص: 436