الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ضَعِيفَةً وَمَوْضُوعَةً، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الرَّقَائِقِ وَالرَّأْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
[الثاني حديث الغدير]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ: (1) : الثَّانِي الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67)«خَطَبَ النَّاسَ فِي غَدِيرِ خُمٍّ، وَقَالَ لِلْجَمْعِ كُلِّهِ: يَا (2) أَيُّهَا النَّاسُ أَلَسْتُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ (3) ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» ، فَقَالَ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ (4) ، أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْلَى هُنَا الْأَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ لِتَقَدُّمِ التَّقْرِيرِ (5) مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ (6) : أَلَسْتُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ (7) ؟
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَدْ تَقَدَّمَ (8) ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا
(1) فِي (ك) ص 168 (م) .
(2)
يَا: لَيْسَتْ فِي (ك) .
(3)
ك: فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ.
(4)
ك: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا عَلِيُّ.
(5)
س، ب: التَّقْوَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
ك: مِنْهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ.
(7)
م: أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ.
(8)
انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/501 (ت [0 - 9]
كَذِبٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ:{بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) نَزَلَ قَبْلَ حَجَّةِ (الْوَدَاعِ)(1) بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ.
وَيَوْمُ الْغَدِيرِ إِنَّمَا كَانَ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْحَجِّ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ (2) آخِرَ الْمَائِدَةِ نُزُولًا قَوْلُهُ تَعَالَى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3) ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِعَرَفَةَ تَاسِعِ ذِي الْحَجَّةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ، وَكَمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ.
وَغَدِيرُ خُمٍّ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحَجَّةِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ:{بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) نَزَلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهِيَ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ كَمَا أَنَّ فِيهَا تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، وَالْخَمْرُ حُرِّمَتْ فِي أَوَائِلِ الْأَمْرِ عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ فِيهَا الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 42) ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ إِمَّا فِي الْحَدِّ (3) لَمَّا رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ (4) ، وَإِمَّا فِي الْحُكْمِ بَيْنَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَمَّا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فِي الدِّمَاءِ، وَرَجْمُ الْيَهُودِيَّيْنِ كَانَ أَوَّلَ مَا
(1) ن، س، ب: قَبْلَ حَجِّهِ.
(2)
أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(3)
س، ب: إِمَّا نَزَلَتْ فِي الْحَدِّ.
(4)
ن، م، س: الْيَهُودِيَّ.
فَعَلَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَيْنَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَإِنَّ بَنِي النَّضِيرِ أَجْلَاهُمْ قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ قَتَلَهُمْ عَقِبَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ.
وَالْخَنْدَقُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَغَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُطْبَةِ الْغَدِيرِ.
فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَدِيرِ خُمٍّ (1) فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67)(2) فَضَمِنَ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَعْصِمُهُ مِنَ النَّاسِ إِذَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ لِيُؤَمِّنَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْأَعْدَاءِ ; وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يُحْرَسُ (3) ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكَ ذَلِكَ (4) .
(1) س، ب: بَعْدَ غَدِيرِ خُمٍّ.
(2)
ن، م: فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ.
(3)
ن، س، ب: يَحْتَرِسُ.
(4)
الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/317 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، بَابُ سُورَةِ الْمَائِدَةِ)، وَنَصُّهُ:" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ)) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ "، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ "، وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ لَهُ ثُمَّ قَالَ:" وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ أَبِي قُدَامَةَ الْإِيَادِيِّ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ "، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله فِي " عُمْدَةِ التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ " 4/193 " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ 4: 96 وَالطَّبَرِيِّ 76: 122 وَالْحَاكِمِ 2: 313 وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا، عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى ذَلِكَ، وَمَا هَذِهِ بِعِلَّةٍ تَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْمَوْصُولِ ".
وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ تَمَامِ التَّبْلِيغِ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ تَمَّ التَّبْلِيغُ.
«وَقَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ "، وَقَالَ لَهُمْ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَجَعَلَ يَرْفَعُ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُبُهَا (1) إِلَى الْأَرْضِ (2) ، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» "، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (3) .
وَقَالَ: " «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» "(4) .
فَتَكُونُ الْعِصْمَةُ الْمَضْمُونَةُ مَوْجُودَةً وَقْتَ (5) التَّبْلِيغِ الْمُتَقَدِّمِ، فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ خَائِفًا مِنْ أَحَدٍ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْصَمَ مِنْهُ (6) ، بَلْ بَعْدَ (7) حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ (8) وَالْمَدِينَةِ، وَمَا حَوْلَهُمَا كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ مُنْقَادِينَ لَهُ (9) لَيْسَ فِيهِمْ
(1) ن: وَيَنْكُتُهَا.
(2)
ب: إِلَى النَّاسِ.
(3)
الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 2/890 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/367
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/83
(5)
س، ب: قَبْلَ.
(6)
ن، س، ب: يَعْتَصِمَ بِهِ.
(7)
بَعْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(8)
ب: كَانَتْ وَأَهْلُ مَكَّةَ.
(9)
ب: مُسْلِمُونَ مُنْقَادُونَ لَهُ.
كَافِرٌ، وَالْمُنَافِقُونَ مَقْمُوعُونَ مُسِرُّونَ لِلنِّفَاقِ (1) ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُحَارِبُهُ، وَلَا مَنْ يَخَافُ الرَّسُولُ مِنْهُ فَلَا يُقَالُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ:{بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) .
وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي جَرَى يَوْمَ الْغَدِيرِ لَمْ يَكُنْ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، كَالَّذِي بَلَّغَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لَمْ يَرْجِعُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، بَلْ رَجَعَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَهْلُ الطَّائِفِ إِلَى الطَّائِفِ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَهْلُ الْبَوَادِي الْقَرِيبَةِ مِنْ ذَاكَ إِلَى بَوَادِيهِمْ، وَإِنَّمَا رَجَعَ (مَعَهُ)(2) . أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا.
فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ يَوْمَ الْغَدِيرِ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ كَالَّذِي بَلَّغَهُ فِي الْحَجِّ، لَبَلَّغَهُ (3) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا بَلَّغَ غَيْرَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ (4) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِمَامَةً وَلَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامَةِ أَصْلًا، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ذَكَرَ إِمَامَةَ عَلِيٍّ، بَلْ وَلَا ذَكَرَ عَلِيًّا فِي شَيْءٍ مِنْ خُطْبَتِهِ (5) ، وَهُوَ الْمَجْمَعُ الْعَامُّ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ بِالتَّبْلِيغِ الْعَامِّ - عُلِمَ أَنَّ إِمَامَةَ عَلِيٍّ لَمْ تَكُنْ مِنَ الدِّينِ الَّذِي أَمَرَ بِتَبْلِيغِهِ (6) ، بَلْ وَلَا حَدِيثُ الْمُوَالَاةِ (7) ، وَحَدِيثُ الثَّقَلَيْنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي إِمَامَتِهِ (8) .
(1) م: يُسِرُّونَ النِّفَاقَ.
(2)
مَعَهُ: فِي (ب) فَقَطْ
(3)
ن، س: لِيُبَلِّغَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
س: فَلَمْ يَذْكُرْ، ب: وَلَمْ يَذْكُرْ.
(5)
م: مِنْ خُطَبِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
م: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ آمِرٌ بِتَبْلِيغِهِ.
(7)
س، ب: الْمُؤَاخَاةِ.
(8)
ن، س، ب: مِمَّا يُذْكَرُ فِي إِمَامَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ (1) . بِغَدِيرِ خُمٍّ قَالَ: " «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ» " فَذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ (فِي أَهْلِ بَيْتِي» ) (2) ثَلَاثًا، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ:" «وَإِنَّهُمَا لَنْ (3) يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» "(4) .
وَقَدْ طَعَنَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنِ الْحُفَّاظِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحَدِيثِ. وَالَّذِينَ اعْتَقَدُوا صِحَّتَهَا قَالُوا: إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ الْعِتْرَةِ الَّذِينَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَهَذَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَجْوِبَةِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَهُ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْوَصِيَّةُ بِاتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ (5) بِاتِّبَاعِ الْعِتْرَةِ، وَلَكِنْ قَالَ:" «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» "، وَتَذْكِيرُ الْأُمَّةِ بِهِمْ (6) يَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرُوا مَا تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ إِعْطَائِهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ ظُلْمِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ.
(1) ن، س، ب: بِأَنَّهُ
(2)
فِي أَهْلِ بَيْتِي: فِي (م) فَقَطْ.
(3)
س، ب: لَمْ.
(4)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4، 240 - 241 وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 4/1873 - 1874 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه .
(5)
ن، س: يُؤْمَرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
س: وَيَذْكُرُ الْأُمَّةَ لَهُمْ، ب: وَتَذَكُّرُ الْأُمَّةِ لَهُمْ.
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي غَدِيرِ خُمٍّ أَمْرٌ يُشْرَعُ نَزَلَ إِذْ ذَاكَ، لَا فِي حَقِّ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ (1) لَا إِمَامَتِهِ، وَلَا غَيْرِهَا.
لَكِنَّ حَدِيثَ الْمُوَالَاةِ (2) قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» "(3)، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَهِيَ (4) قَوْلُهُ:" «اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . . . " إِلَخْ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كَذِبٌ.
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَهُ عَنْ حُسَيْنٍ الْأَشْقَرِ، وَأَنَّهُ حَدَّثَ (5) بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا (6) : قَوْلُهُ (7)«لَعَلِيٍّ: إِنَّكَ سَتُعْرَضُ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي فَلَا تَبْرَأُ، وَالْآخَرُ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . فَأَنْكَرَهُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ جِدًّا لَمْ يَشُكَّ أَنَّ هَذَيْنِ كَذِبٌ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَنْتَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ» ، كَذِبٌ أَيْضًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» " فَلَيْسَ هُوَ فِي الصِّحَاحِ (8) لَكِنْ هُوَ مِمَّا رَوَاهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي صِحَّتِهِ فَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُمْ طَعَنُوا فِيهِ
(1) س، ب: وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
(2)
س، ب: الْمُؤَاخَاةِ.
(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501 (ت [0 - 9] ) وَأَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ.
(4)
ن، س: هِيَ.
(5)
س، ب: حَدَّثَهُ.
(6)
أَحَدُهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(7)
س: فَقَوْلُهُ.
(8)
م: فِي الصَّحِيحِ.
وَضَعَّفُوهُ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ حَسَّنَهُ كَمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ مُصَنَّفًا فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ (2) : الَّذِي صَحَّ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ فَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» "(3)، وَقَوْلُهُ (4) :" «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» "(5) وَهَذِهِ صِفَةٌ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَمُؤْمِنٍ وَفَاضِلٍ (6) ، وَعَهْدُهُ صلى الله عليه وسلم (7) أَنَّ عَلِيًّا " «لَا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَبْغُضُهُ إِلَّا مُنَافِقٌ» "(8) ، وَقَدْ صَحَّ مِثْلُ هَذَا فِي الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ (9)" «لَا يَبْغُضُهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» "(10) .
قَالَ (11) : " وَأَمَّا "«مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» فَلَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ (12)
(1) أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ وُلِدَ سَنَةَ: 249 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ: 333 كَانَ يَمِيلُ إِلَى رَأْيِ الشِّيعَةِ وَكَانَ يُمْلِي فِي " مَثَالِبِ الصَّحَابَةِ " وَلَمْ يَذْكُرْ سِزْكِينُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثُ، انْظُرْ:" لِسَانَ الْمِيزَانِ " 1/263 - 266، مُعْجَمُ الْمُؤَلِّفِينَ 2/106، الْأَعْلَامُ 1/198، سِزْكِين م [0 - 9] ح [0 - 9] ، ص 361
(2)
فِي " الْفِصَلِ فِي الْمِلَلِ وَالْأَهْوَاءِ وَالنِّحَلِ " 4/224
(3)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501 ت [0 - 9]
(4)
الْفِصَلُ: وَقَوْلُهُ عليه السلام.
(5)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/289
(6)
م: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٍ وَفَاضِلٍ، الْفِصَلُ: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَفَاضِلٍ.
(7)
الْفِصَلُ: وَعَهْدُهُ عليه السلام.
(8)
سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/296
(9)
الْفِصَلُ: مِثْلُ هَذِهِ فِي الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم أَنَّهُ.
(10)
) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ 4/297
(11)
11) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشِرٌ
(12)
12) س، ب: مِنْ طُرُقِ.
الثِّقَاتِ أَصْلًا، وَأَمَّا سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الرَّوَافِضُ (1) فَمَوْضُوعَةٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ (2) بِالْأَخْبَارِ وَنَقْلِهَا (3) ".
فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ حَزْمٍ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ» " (4) ، وَحَدِيثَ الْمُبَاهَلَةِ (5) ، وَالْكِسَاءِ (6) .
قِيلَ: مَقْصُودُ ابْنِ حَزْمٍ: الَّذِي فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ فِيهِ إِلَّا عَلِيٌّ، وَأَمَّا تِلْكَ فَفِيهَا ذِكْرُ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ (7) لِجَعْفَرٍ:«أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» " (8) ، «وَقَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» " (9) ، وَحَدِيثُ الْمُبَاهَلَةِ، وَالْكِسَاءِ فِيهِمَا (10) ذِكْرُ عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ، وَحَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ رضي الله عنهم فَلَا يُرَدُّ هَذَا عَلَى ابْنِ حَزْمٍ.
وَنَحْنُ نَجِيبُ بِالْجَوَابِ الْمُرَكَّبِ فَنَقُولُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ (11) فَلَمْ يُرِدْ بِهِ قَطْعًا الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ ; إِذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ يَجِبُ أَنْ يُبَلَّغَ بَلَاغًا مُبِينًا.
(1)) الْفِصَلُ: الرَّافِضَةُ.
(2)
) س، ب: إِلْمَامٍ.
(3)
) الْفِصَلُ: وَنَقَلَتِهَا.
(4)
) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34
(5)
) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ. ص 123
(6)
) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/22
(7)
) م: وَبِهِ قَالَ.
(8)
) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34
(9)
) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ.
(10)
10) ن، م: فِيهِ، س: فِيهَا.
(11)
11) س، ب: فَإِنَّهُ قَالَهُ.
وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخِلَافَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلَى كَالْوَلِيِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55)، وَقَالَ:{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4) * فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّسُولَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ أَيْضًا، كَمَا بَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ، وَأَنَّ * (1) الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.
فَالْمُوَالَاةُ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ، وَهِيَ تَثْبُتُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ (2) ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَوَالِيَيْنِ أَعْظَمَ قَدْرًا وَوِلَايَتُهُ إِحْسَانٌ وَتَفَضُّلٌ، وَوِلَايَةُ الْآخَرِ طَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنُونَ يُحِبُّونَهُ، فَإِنَّ الْمُوَالَاةَ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ وَالْمُحَارَبَةِ وَالْمُخَادَعَةِ، وَالْكُفَّارُ لَا يُحِبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحَادُّونَ (3) اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُعَادُونَهُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 1)، وَهُوَ يُجَازِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 279) .
وَهُوَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مَوْلَاهُمْ (4) يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْنَى كَوْنِ اللَّهِ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاهُمْ، وَكَوْنِ الرَّسُولِ وَلِيَّهُمْ وَمَوْلَاهُمْ، وَكَوْنِ عَلِيٍّ مَوْلَاهُمْ هِيَ (5) الْمُوَالَاةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ.
(1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(2)
م: مِنَ الطَّرِيقَيْنِ.
(3)
م: وَيُخَادِعُونَ.
(4)
ن، م، س: هُوَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مَوْلَاهُمْ، ب: وَهُوَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاهُمْ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.
(5)
ن، م: هُوَ، س: هُمْ.
وَالْمُؤْمِنُونَ يَتَوَلَّوْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْمُوَالَاةَ (1) الْمُضَادَّةَ لِلْمُعَادَاةِ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فَعَلِيٌّ رضي الله عنه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَتَوَلَّوْنَهُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ إِيمَانِ عَلِيٍّ فِي الْبَاطِنِ، وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُوَالَاةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَذَلِكَ يَرُدُّ (2) مَا يَقُولُهُ (3) فِيهِ أَعْدَاؤُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَوْلًى غَيْرُهُ فَكَيْفَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ مَوَالِي (4) ، وَهُمْ صَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ فَعَلِيٌّ أَيْضًا لَهُ مَوْلًى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: * " «إِنَّ أَسْلَمَ، وَغِفَارًا، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَقُرَيْشًا، وَالْأَنْصَارَ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» "(5) ، وَجَعَلَهُمْ مَوَالِيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم * (6) كَمَا جَعَلَ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ مَوَالِيَهُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ.
(1) ن، م، س: وَالْمُوَالَاةُ.
(2)
س، ب: وَظَاهِرًا وَيَرُدُّ.
(3)
م: مَا قَالَهُ.
(4)
س، ب: مَوَالٍ.
(5)
الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 4/179 - 180، 181، (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ، بَابُ ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ) ، مُسْلِمٍ 4/1954 - 1955 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ غِفَارَ وَأَسْلَمَ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/385 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي غِفَارَ وَأَسْلَمَ وَجُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ) ، (ط. الْمَعَارِفِ) 15/28 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/388، 467 - 468، 481، 5/194 (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه .
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
وَفِي الْجُمْلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ، وَالْمَوْلَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبَيْنَ الْوَالِي فَبَابُ الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ (1) الْعَدَاوَةِ - شَيْءٌ، وَبَابُ الْوِلَايَةِ - الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ - شَيْءٌ.
وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ: مَنْ كُنْتُ وَالِيَهُ فَعَلِيٌّ وَالِيهِ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ:" «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» "(2) .
وَأَمَّا كَوْنُ الْمَوْلَى (3) بِمَعْنَى الْوَالِي فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ (4) أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَهُوَ مَوْلَاهُمْ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا مِنْ طَرَفِهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَوْنُهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ خَصَائِصِ نَبُوَّتِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى خَلِيفَةٍ مِنْ بَعْدِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتِهِمْ، وَلَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ، وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ كَوْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ، وَخِلَافَةُ عَلِيٍّ - لَوْ قُدِّرَ وَجُودُهَا - لَمْ تَكُنْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ تَكُنْ فِي حَيَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ خَلِيفَةً فِي زَمَنِهِ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ (5) ، بَلْ وَلَا يَكُونُ مَوْلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أُرِيدَ (بِهِ)(6) الْخِلَافَةُ.
(1) ن: حَدُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 501 (ت [0 - 9]
(3)
س: الْمُوَالِي، وَهُوَ خَطَأٌ.
(4)
عِبَارَةُ " فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .
(5)
ن، م: فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .