المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم] - منهاج السنة النبوية - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[البرهان الأول " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العاشر " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي عشر " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني عشر " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث عشر " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع عشر " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس عشر " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس عشر " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع عشر " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن عشر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع عشر " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العشرون " وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والعشرون " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والعشرون " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والعشرون " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والعشرون " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والعشرون " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والعشرون " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والعشرون " لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. . . " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والعشرون " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثلاثون " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والثلاثون " وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والثلاثون " يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والثلاثون " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والثلاثون " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والثلاثون " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والثلاثون " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والثلاثون " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والثلاثون " إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والثلاثون " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الأربعون " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[الأول لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[الثاني حديث الغدير]

- ‌[الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى]

- ‌[الرابع أَنَّ النَبَّي صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ]

- ‌[الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي]

- ‌[السادس حديث الْمُؤَاخَاة]

- ‌[السابع حديث الراية]

- ‌[الثامن حديث الطائر]

- ‌[التاسع مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح]

- ‌[الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته]

- ‌[الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها]

- ‌[فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا]

- ‌[فصل الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ]

- ‌[توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها]

- ‌[طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ]

- ‌[المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله]

- ‌[الأول أنه كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

الفصل: ‌[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

عَلَيْهِ: إِمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا أَبُوهُ، لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُنْفِقُ عَلَى غَيْرِهِ؟

فَإِنَّ دُخُولَهُ فِي الشِّعْبِ كَانَ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَبُو طَالِبٍ مَاتَ قَبْلَ ذَهَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِفِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَكَانَ مَوْتُهُ وَمَوْتُ خَدِيجَةَ مُتَقَارِبَيْنِ، فَدُخُولُهُ فِي الشِّعْبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ.

فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وُلِدَ وَهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَمَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَابْنُ عَبَّاسٍ مُرَاهِقٌ، وَعَلِيٌّ عَاشَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالْمَبْعَثُ قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَقْصَى مَا قِيلَ فِي مَوْتِهِ: إِنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ حِينَ الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ.

[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (1) : " الثَّالِثُ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "(2) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ، وَدَلَائِلُ

(1) فِي (ك) ص 177 (م)

(2)

لِابْنِ الْمُطَهَّرِ كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا، وَسَيَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ص: 500

ذَلِكَ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْضِي وَيَخْطُبُ وَيُفْتِي بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَلَمْ يَشْتَبِهْ عَلَى النَّاسِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ إِلَّا فَصَّلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّهُمْ شَكُّوا فِي مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَيَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ شَكُّوا فِي مَدْفَنِهِ فَبَيَّنَهُ، ثُمَّ شَكُّوا فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، فَبَيَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَبَيَّنَ لَهُمُ النَّصَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (سُورَةِ الْفَتْحِ: 27) ، وَبَيَّنَ لَهُمْ «أَنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ الْكَلَالَةَ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ.

وَكَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ يَرْوُونَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا فِي السُّنَنِ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ، فَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ (1) ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا غَفَرَ لَهُ» (2) .

(1) س، ب: أَسْتَحْلِفُهُ

(2)

الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/114 115 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي الِاسْتِغْفَارِ) وَأَوَّلُهُ عَنْ عَلِيٍّ: كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . . وَفِيهِ: وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي. . . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/296 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/446 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَفَّارَةٌ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/153 154، 178، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ:" إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . . وَقَالَ: أَطَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي التَّهْذِيبِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ 1: 267 268. . . وَقَالَ: " هَذَا الْحَدِيثُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ " وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ 2/1 \ 55 "

ص: 501

وَلَمْ يُحْفَظْ لِأَبِي بَكْرٍ فُتْيَا تُخَالِفُ نَصًّا، وَقَدْ وُجِدَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا فَتَاوَى كَثِيرَةٌ تُخَالِفُ النُّصُوصَ، حَتَّى جَمَعَ الشَّافِعِيُّ مُجَلَّدًا فِي خِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ كِتَابًا كَبِيرًا فِي ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفُوا الصِّدِّيقَ فِي الْجَدِّ، وَالصَّوَابُ فِي الْجَدِّ قَوْلُ الصِّدِّيقِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَذَكَرْنَا فِيهِ عَشَرَةَ وُجُوهٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ (1)، وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ مَعَهُ فِي الْجَدِّ: نَحْوُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ، وَالَّذِينَ (2) نُقِلَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ: كَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمُ اضْطِرَابًا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ الصَّوَابُ دُونَ قَوْلِهِمْ.

وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ " الْإِجْمَاعَ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، كَيْفَ وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُفْتِي وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيَخْطُبُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَإِيَّاهُ - يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا هَاجَرَا، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَهُوَ سَاكِتٌ يُقِرُّهُ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِغَيْرِهِ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مُشَاوَرَتِهِ لِأَهْلِ الْفِقْهِ وَالرَّأْيِ يُقَدِّمُ فِي الشُّورَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَهُمَا اللَّذَانِ يَتَكَلَّمَانِ فِي الْعِلْمِ، وَيَتَقَدَّمَانِ

(1) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 59 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَةَ: " وَلَهُ مَسْأَلَةٌ فِي أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ "

(2)

س، ب: وَالَّذِي

ص: 502

بِحَضْرَتِهِ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ، مِثْلَ مُشَاوَرَتِهِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ (1) :" إِذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى أَمْرٍ لَمْ أُخَالِفْكُمَا (2) ".

وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» "(3) .

وَلَمْ يَحْصُلْ هَذَا لِغَيْرِهِمَا، بَلْ قَالَ:" «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ» "(4) .

فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ (5) الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَخَصَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ، وَمَرْتَبَةُ الْمُقْتَدَى بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَفِيمَا سَنَّهُ (6) لِلْمُسْلِمِينَ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْمُتَّبَعِ فِيمَا سَنَّهُ فَقَطْ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرِهِ» ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:" «إِنْ يُطِعِ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا» ". (7)

وَثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِعُثْمَانَ وَلَا بِعَلِيٍّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ حَبْرُ (8) الْأُمَّةِ، وَأَعْلَمُ الصَّحَابَةِ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُقَدِّمًا لَهُمَا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» "(9) .

(1) س:. . . ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: ب: ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/129

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/489

(4)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164

(5)

س، ب: فَأَمَرَ بِسُنَّةِ

(6)

م: يَسُنُّهُ

(7)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/129

(8)

ن، م: خَيْرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(9)

جَاءَ الشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 1/41 (كِتَابُ الْوُضُوءِ، بَابُ وَضْعِ الْمَاءِ عِنْدَ الْخَلَاءِ) ; مُسْلِمٍ 4/1927 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. . . .) وَجَاءَ الْحَدِيثُ كَامِلًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/127 (رَقْمُ 2397) وَبِمَعْنَاهُ (رَقْمُ 2422) ثُمَّ جَاءَ كَامِلًا (رَقْمُ 2881، 3033، 3102)

ص: 503

وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَسْمُرُ عِنْدَهُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُحَدِّثُهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (1) : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ (2) ، «عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْأَمْرِ (3) مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ» (4) .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّةً: " «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ وَسَادِسٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَنَا (5) بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ. قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا

(1) فِي " الْكِتَابِ الْمُصَنَّفِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ " 2/280، تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْأَفْغَانِيِّ، ط. الثَّانِيَةِ، ط. الدَّارِ السَّلَفِيَّةِ، بُمْبَى، الْهِنْدِ، 1399، 1979

(2)

الْمُصَنِّفُ: عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ

(3)

س، ب: يُسْمِرُ فِي الْأَمْرِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ

(4)

الْمُصَنِّفُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْمِرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ

(5)

ن، م، س: فَجَاءَ

ص: 504

حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ؟ قَالَ: أَوَمَا عَشَّيْتَهُمْ (1) ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ: عَرَضُوا عَلَيْهِمُ الْعَشَاءَ فَغَلَبُوهُمْ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (2) .

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: " «كَانَ أَبِي يَتَحَدَّثُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ، وَفِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ لَمْ يَصْحَبْ غَيْرَ أَبِي (3) ، وَيَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ غَيْرُهُ» "(4) .

وَقَالَ: " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا (5) فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» ".

وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ فِي الصِّحَاحِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ (6) .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: " «كُنْتُ جَالِسًا

(1) ن، م، س: وَمَا وَفِي (ب) : أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "

(2)

الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 1/134 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالْأَهْلِ) \ 4/194 195 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 8/33 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ قَوْلِ الضَّيْفِ لِصَاحِبِهِ: لَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ) ; مُسْلِمٍ 3/1628 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَفَضْلِ إِيثَارِهِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/308 309 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابٌ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى طَعَامٍ لَا يَأْكُلُهُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/159 161 (رَقْمُ 1712) وَانْظُرْ رَقْمَ 1702، 1704، 1713

(3)

ن، م: غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ

(4)

لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مَعَ مُرَاجَعَتِي لِلْمَوَاضِعِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا. وَفِي مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ رَقْمِ 177 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: " نَزَلَ عَلَيْنَا أَضْيَافٌ. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَتَحَدَّثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ. .

(5)

س، ب: عَلَيَّ

(6)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 513

ص: 505

عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى مِنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ» ".

وَقَالَ: " «إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي أَتَيْتُكَ، فَقَالَ: " يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ " ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّرُ، وَغَضِبَ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ (1) ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ " فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: سَبَقَ بِالْخَيْرِ (2) .

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (3) ; لِعِلْمِهِ وَعِلْمِ سَائِرِ النَّاسِ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ رُءُوسُ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ قِيَامَهُ بِهِمْ.

وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ الرَّشِيدُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مَنْزِلَتِهِمَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" مَنْزِلَتُهُمَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ كَمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ فِي مَمَاتِهِ ".

فَقَالَ: " شَفَيْتَنِي يَا مَالِكُ شَفَيْتَنِي يَا مَالِكُ ".

(1) س، ب: صَدَقَ

(2)

جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ مُخْتَصَرًا، (ص 26) ثُمَّ جَاءَ مُطَوَّلًا، (ص 164 165) وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَذَكَرْتُ مَكَانَهُ فِي الْبُخَارِيِّ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/523

ص: 506

وَكَثْرَةُ الِاخْتِصَاصِ وَالصُّحْبَةِ، مَعَ كَمَالِ الْمَوَدَّةِ وَالِائْتِلَافِ (1) وَالْمَحَبَّةِ، وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ تَقْتَضِي أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لِمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ.

أَمَّا الصِّدِّيقُ فَإِنَّهُ مَعَ قِيَامِهِ بِأُمُورٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ عَجَزَ عَنْهُمَا غَيْرُهُ حَتَّى بَيَّنَهَا لَهُمْ (2) ، لَمْ يُحْفَظْ لَهُ قَوْلٌ يُخَالِفُ فِيهِ نَصًّا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْبَرَاعَةِ وَالْعِلْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَحُفِظَتْ لَهُ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ خَالَفَتِ النُّصُوصَ لِكَوْنِ النُّصُوصِ لَمْ تَبْلُغْهُ.

وَالَّذِي وُجِدَ لِعُمَرَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ (3) النُّصُوصَ أَكْثَرُ مِنْ مُوَافَقَةِ عَلِيٍّ، يَعْرِفُ هَذَا مَنْ عَرَفَ مَسَائِلَ الْعِلْمِ، وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَالْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَمَرَاتِبَهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِنَّ قَوْلَ عُمَرَ فِيهَا هُوَ الَّذِي وَافَقَ النَّصَّ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ: قَوْلُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِيهَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالنُّصُوصِ مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ الْمُخَيَّرَةُ الَّتِي خَيَّرَهَا زَوْجُهَا، وَالْمُفَوَّضَةُ لِلْمَهْرِ، وَمَسْأَلَةُ الْخَلِيَّةِ (4) ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنِ، وَالْبَتَّةِ (5) ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» "(6) ..

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ

(1) س، ب: وَالْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)

س، ب: عَجَزَ عَنْهَا عُمَرُ حَتَّى بَيَّنَهَا لَهُ

(3)

س، ب: مُوَافَقَةِ

(4)

م: الْحَلِيلَةِ

(5)

س: وَالْبَتَتَه

(6)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20

ص: 507

بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى أَنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظَافِرِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ "، قَالُوا: مَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْعِلْمَ» " (1) .

وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ» " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: " «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ» " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " حَدِيثٌ حَسَنٌ "(2) .

وَأَيْضًا فَإِنَّ الصِّدِّيقَ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّلَاةِ، الَّتِي هِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى إِقَامَةِ الْمَنَاسِكِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَنَادَى:" «أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ".

«وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ، فَقَالَ: أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ» (3) ، فَأَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ، فَكَانَ مِمَّنْ (4) أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ وَيُطِيعَ لِأَبِي بَكْرٍ.

وَهَذَا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ الَّتِي اسْتَخْلَفَ فِيهَا عَلِيًّا عَلَى الْمَدِينَةِ.

وَكِتَابُ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّدَقَاتِ أَصَحُّ الْكُتُبِ وَآخِرُهَا (5) ، وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ، وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِهِ مَا هُوَ مُتَقَدِّمٌ مَنْسُوخٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ النَّاسِخَةِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (6) .

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ.

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 335

(4)

م: فِيمَنْ

(5)

س، ب: وَأَحْرَاهَا

(6)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 1/100 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ) وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ وَأَوَّلُهُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْعَبْدَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. . الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 1/512 513

ص: 508

وَأَيْضًا فَالصَّحَابَةُ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَصَّلَهَا، وَارْتَفَعَ النِّزَاعُ، فَلَا يُعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي زَمَانِهِ مَسْأَلَةٌ تَنَازَعُوا فِيهَا إِلَّا ارْتَفَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِهِ، كَتَنَازُعِهِمْ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَدَفْنِهِ، وَمِيرَاثِهِ، وَتَجْهِيزِهِ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْكِبَارِ.

بَلْ كَانَ رضي الله عنه هُوَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ حَقًّا، يُعَلِّمُهُمْ، وَيُقَوِّمُهُمْ، وَيُشَجِّعُهُمْ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا تَزُولُ مَعَهُ الشُّبْهَةُ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَهُ يَخْتَلِفُونَ.

وَبَعْدَهُ فَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمُ أَحَدٍ وَكَمَالُهُ عِلْمَ أَبِي بَكْرٍ وَكَمَالَهُ، فَصَارُوا يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، كَمَا تَنَازَعُوا فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، وَفِي الْحَرَامِ، وَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَفِي مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَنَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ وَسُكْنَاهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ.

وَكَانُوا يُخَالِفُونَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا فِي كَثِيرٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُمْ خَالَفُوا الصِّدِّيقَ فِي شَيْءٍ مِمَّا كَانَ يُفْتِي بِهِ وَيَقْضِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْعِلْمِ،

ص: 509

وَقَامَ رضي الله عنه مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقَامَ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ، بَلْ أَدْخَلَ النَّاسَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، مَعَ كَثْرَةِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَثْرَةِ الْخَاذِلِينَ فَكَمُلَ بِهِ مِنْ عِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ مَا لَا يُقَاوِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ.

وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا الِاتِّصَالُ اللَّفْظِيُّ بِمَوْتِهِ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: ظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40) فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا بِمَوْتِهِ.

وَأَيْضًا فِعَلِيٌّ تَعَلَّمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْضَ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ الَّذِينَ صَحِبُوا عُمَرَ وَعَلِيًّا، كَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِمْ، كَانُوا يُرَجِّحُونَ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، وَأَمَّا تَابِعُو الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ فَهَذَا عِنْدَهُمْ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ (1) عِلْمُ عَلِيٍّ وَفِقْهُهُ فِي الْكُوفَةِ بِحَسَبِ مُقَامِهِ فِيهَا عِنْدَهُمْ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَكُلُّ شِيعَةِ عَلِيٍّ الَّذِينَ صَحِبُوهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا فِي فِقْهٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا دِينٍ، بَلْ كُلُّ شِيعَتِهِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ كَانُوا مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، إِلَّا مَنْ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيَذُمُّهُ، مَعَ قِلَّتِهِمْ وَحَقَارَتِهِمْ وَخُمُولِهِمْ.

وَهُمْ ثَلَاثُ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِ، وَادَّعَتْ فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَهَؤُلَاءِ حَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ.

(1) عِبَارَةُ: " وَإِنَّمَا ظَهَرَ سَاقِطَةٌ " مِنْ (م)

ص: 510

وَطَائِفَةٌ سَبَّتْ أَبَا بَكْرٍ رَأَسَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ، فَطَلَبَ عَلِيٌّ قَتْلَهُ حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ إِلَى الْمَدَائِنِ.

وَطَائِفَةٌ كَانَتْ تُفَضِّلُهُ حَتَّى قَالَ: لَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ فَضَّلَنِي (1) عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ جَلْدَ الْمُفْتَرِي (2) .

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "(3) .

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ رِجَالِ هَمْدَانَ خَاصَّتُهُ الَّتِي (4) يَقُولُ فِيهِمْ:

وَلَوْ كُنْتُ بَوَّابًا عَلَى بَابِ جَنَّةٍ لَقُلْتُ لِهَمْدَانَ ادْخُلِي بِسَلَامِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ سَأَلَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: يَا أَبَتِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ (5) عُمَرُ، قَالَ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أَبُوكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (6) .

قَالَ الْبُخَارِيُّ (7) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (8) ،

(1) يُفَضِّلُنِي

(2)

جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 1/83 (رَقْمُ 49) وَأَوَّلُهُ: " لَا يُفَضِّلُنِي. . . وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ "

(3)

سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/11 \ 12، 2/72

(4)

م: خَاصَّةُ الَّذِينَ

(5)

ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(6)

سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/12، وَأَوَّلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ.

(7)

فِي صَحِيحِهِ 5/7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . .، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .)

(8)

الْبُخَارِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ

ص: 511

حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ (1) ، حَدَّثَنَا أَبُو يُعْلَى مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ (3) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (4) ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَوَمَا تَعْرِفُ؟ فَقُلْتُ: لَا (5) ، فَقَالَ (6) أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ " (7) .

وَهَذَا يَقُولُهُ لِابْنِهِ الَّذِي لَا يَتَّقِيهِ، وَلِخَاصَّتِهِ، وَيَتَقَدَّمُ بِعُقُوبَةِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا، وَيَرَاهُ مُفْتَرِيًا. وَالْمُتَوَاضِعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا (8) ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَلَا يُسَمِّيهِ مُفْتَرِيًا.

وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ، وَرَأْسُ الْفَضَائِلِ الْعِلْمُ، قَالَ تَعَالَى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (سُورَةُ الزُّمَرِ: 9) ، وَالدَّلَائِلُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ (9) : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» ، وَالْقَضَاءُ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ وَالدِّينَ ".

(1) الْبُخَارِيِّ: جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ

(2)

مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَتْ فِي " الْبُخَارِيِّ "

(3)

الْبُخَارِيِّ. . . لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ. . .

(4)

لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ

(5)

لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ

(6)

الْبُخَارِيُّ: قَالَ

(7)

لَمْ أَجِدْ هَذَا الْأَثَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/288 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّفْضِيلِ) ; كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/153 154 (رَقْمُ 136) وَفِيهِمَا: جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، وَرِوَايَتُهُمَا مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَقْرِيبًا

(8)

عِبَارَةُ " يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا ": سَقَطَتْ مِنْ (م) ، وَسَقَطَتْ " عَلَيْهِمَا " مِنْ (س) ، (ب)

(9)

أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) ص 178 (م) وَهُوَ تَابِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ

ص: 512

فَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ (1) .

وَقَوْلُهُ: " «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» "(2) .

أَقْوَى إِسْنَادًا مِنْهُ. وَالْعِلْمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَنْتَظِمُ الْقَضَاءَ (3) أَعْظَمُ مِمَّا يَنْتَظِمُ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهَذَا الثَّانِي قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ فِي (4) السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا الْمَسَانِدِ الْمَعْرُوفَةِ، لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى مِنْ طَرِيقِ مَنْ (5) هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ.

وَقَوْلُ (6) عُمَرَ: " عَلِيٌّ أَقْضَانَا " إِنَّمَا هُوَ (فِي)(7) فَصْلِ الْخُصُومَاتِ فِي الظَّاهِرِ، مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ.

كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ،

(1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ

(2)

الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/330 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) وَنَصُّهُ: " أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. . . إِلَخْ ". وَهُوَ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/184، 281 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/55 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضَائِلِ خَبَّابٍ) . وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنِ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَالْأَلْبَانِيُّ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/308، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ كَلَامًا مُفَصَّلًا فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 3/223 225 (رَقْمُ 1224)

(3)

ب: لِلْقَضَاءِ

(4)

س: لَمْ يَرْوِهِ فِي. ; ب: لَمْ يَرِدْ فِي. .

(5)

س، ب: مَا

(6)

ن، م، س: وَقَالَ

(7)

فِي زِيَادَةٌ فِي (ب)

ص: 513

فَأَقْضِي لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» " (1) .

فَقَدْ أَخْبَرَ سَيِّدُ الْقُضَاةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ. وَعِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، فَكَانَ الْأَعْلَمُ بِهِ أَعْلَمَ بِالدِّينِ.

وَأَيْضًا فَالْقَضَاءُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْحُكْمُ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْخَصْمَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيُحْكَمُ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَنَحْوِهَا.

وَالثَّانِي: مَا لَا يَتَجَاحَدَانِ فِيهِ، بَلْ يَتَصَادَقَانِ لَكِنْ لَا يَعْلَمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، كَتَنَازُعِهِمَا فِي قِسْمَةِ فَرِيضَةٍ، أَوْ فِيمَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، أَوْ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَهَذَا الْبَابُ هُوَ مِنْ بَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِذَا أَفْتَاهُمَا مَنْ يَرْضِيَانِ بِقَوْلِهِ كَفَاهُمَا، وَلَمْ يَحْتَاجَا إِلَى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ، وَذَلِكَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْفُجُورِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ النِّسْيَانِ.

فَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ الْأَبْرَارِ فَأَمَّا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَلِهَذَا لَمَّا أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ مَكَثَ (2) سَنَةً لَمْ يَتَحَاكَمْ إِلَيْهِ اثْنَانِ.

وَلَوْ عُدَّ مَجْمُوعُ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ حُكُومَاتٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ دِينِ الْإِسْلَامِ؟

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/412

(2)

ن، س: فَمَكَثَ

ص: 514

وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ (1) : " «أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» " أَصَحَّ إِسْنَادًا وَأَظْهَرَ (2) دَلَالَةً، عُلِمَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَعْلَمُ (3) مِنْ مَعَاذٍ جَاهِلٌ، فَكَيْفَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ هُمَا أَعْلَمُ (4) مِنْ مُعَاذٍ؟ ! مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ مُعَاذٍ وَزَيْدٍ بَعْضُهُمْ يُضَعِّفُهُ، وَبَعْضُهُمْ يُحَسِّنُهُ، وَالَّذِي فِيهِ ذِكْرُ عَلِيٍّ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ.

وَحَدِيثُ: " «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا» أَضْعَفُ وَأَوْهَى "، وَلِهَذَا إِنَّمَا يُعَدُّ فِي (5) الْمَوْضُوعَاتِ، وَإِنْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَبَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ طُرُقِهِ مَوْضُوعَةٌ، وَالْكَذِبُ يُعْرَفُ مِنْ نَفْسِ مَتْنِهِ (6) ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ مَدِينَةَ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا بَابٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُبَلِّغْ عَنْهُ الْعِلْمَ إِلَّا وَاحِدٌ، فَسَدَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدًا (7) ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُونَ أَهْلَ التَّوَاتُرِ الَّذِينَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِلْغَائِبِ.

(1) ن، س: وَإِذَا قَالَ قَوْلَهُ ; م: وَإِذَا قَالَ. .

(2)

س، ب: وَأَعْظَمَ

(3)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَعْظَمُ: وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ

(4)

س، ب: أَعْظَمُ

(5)

م: مِنَ

(6)

ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " وَتَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَبَيَّنَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ 1/349 355 ; وَانْظُرِ: السُّيُوطِيَّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/328 336، الشَّوْكَانِيَّ فِي " الْفَوَائِدِ الْمَوْضُوعَةِ " ص 348 349 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ، هَامِشَ ص 389 353. وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ عَنِ الْحَدِيثِ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/13: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه 5/301 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ 87 مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ)، وَقَالَ:" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ. رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَرِيكٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثِّقَاتِ غَيْرَ شَرِيكٍ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "

(7)

س: عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدٌ ; ن، م: عَنْهُ الْعِلْمَ إِلَّا وَاحِدٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب)

ص: 515

وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ (1) إِلَّا بِقَرَائِنَ، وَتِلْكَ قَدْ تَكُونُ مُنْتَفِيَةً أَوْ خَفِيَّةً عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمُ (2) بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمَعْصُومُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ.

قِيلَ لَهُمْ: فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِعِصْمَتِهِ أَوَّلًا، وَعِصْمَتُهُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ (3) عِصْمَتُهُ، فَإِنَّهُ (4) دَوْرٌ، وَلَا تَثْبُتُ (5) بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً ; لِأَنَّ فِيهِمُ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى إِثْبَاتِ عِصْمَتِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّ عِصْمَتَهُ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَا بُدَّ أَنْ تُعْلَمَ بِطَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ خَبَرِهِ.

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَدِينَةِ الْعِلْمِ بَابٌ إِلَّا هُوَ، لَمْ يَثْبُتْ لَا عِصْمَتُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا افْتَرَاهُ زِنْدِيقٌ جَاهِلٌ ظَنَّهُ مَدْحًا، وَهُوَ مَطْرَقُ (6) الزَّنَادِقَةِ إِلَى الْقَدْحِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ إِذْ لَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَّا وَاحِدٌ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ ; فَإِنَّ جَمِيعَ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ بَلَغَهُمُ الْعِلْمُ عَنِ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، أَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الشَّامُ وَالْبَصْرَةُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا شَيْئًا قَلِيلًا، وَإِنَّمَا كَانَ غَالِبُ عِلْمِهِ فِي الْكُوفَةِ، وَمَعَ هَذَا فَأَهْلُ الْكُوفَةِ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى عُثْمَانُ فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ.

(1) سَاقِطٌ مِنْ (س)(ب)

(2)

سَاقِطٌ مِنْ (س)(ب)

(3)

س: يُعْرَفَ ; ب: تُعْرَفَ

(4)

س، ب: لِأَنَّهُ

(5)

ن، س: يَثْبُتُ

(6)

ب: يَطْرُقُ

ص: 516

وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَعَلَّمُوا الدِّينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَتَعْلِيمُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَمُقَامُهُ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ عَلِيٍّ، وَلِهَذَا رَوَى أَهْلُ الْيَمَنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَكْثَرَ مِمَّا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ إِنَّمَا تَفَقَّهُوا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ كَانَ شُرَيْحٌ فِيهَا قَاضِيًا، وَهُوَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ تَفَقَّهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَانْتَشَرَ عِلْمُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَدَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ (1) : " وَاحْتَجَّ مَنِ احْتَجَّ مِنَ الرَّافِضَةِ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْثَرَهُمْ عِلْمًا " قَالَ: " وَهَذَا كَذِبٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عِلْمُ الصَّحَابِيِّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ رِوَايَتِهِ وَفَتَاوِيهِ، وَالثَّانِي: كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، فَمِنَ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَهَذَا أَكْبَرُ شَهَادَةٍ عَلَى الْعِلْمِ وَسَعَتِهِ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ الصَّلَاةَ بِحَضْرَتِهِ طُولَ عِلَّتِهِ، وَجَمِيعُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ حُضُورٌ كَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ (2) ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيٍّ، وَغَيْرِهِمْ (3) ، وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِخْلَافِهِ عَلِيًّا إِذَا غَزَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى النِّسَاءِ (4) وَذَوِي الْأَعْذَارِ فَقَطْ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ وَشَرَائِعِهَا، وَأَعْلَمَ الْمَذْكُورِينَ بِهَا، وَهِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ (5) ، وَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ

(1) فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلِ " 4/212 214 مَعَ اخْتِلَافَاتٍ سَنَذْكُرُ أَهَمَّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(2)

الْفِصَلِ: كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ. .

(3)

الْفِصَلِ: وَغَيْرِهِمْ فَآثَرَهُ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ

(4)

الْفِصَلِ: لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فِي الْغَزْوَةِ لَمْ يُسْتَخْلَفْ إِلَّا عَلَى النِّسَاءِ

(5)

الْفِصَلِ: الدِّينِ

ص: 517

أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الصَّدَقَاتِ كَالَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، لَا أَقَلَّ وَرُبَّمَا (كَانَ)(1) أَكْثَرَ، إِذْ قَدِ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَسْتَعْمِلُ إِلَّا عَالِمًا بِمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ، وَالزَّكَاةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ بَعْدَ الصَّلَاةِ.

وَبُرْهَانُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَمَامِ عِلْمِ أَبِي بَكْرٍ بِالصَّدَقَاتِ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي الزَّكَاةِ أَصَحُّهَا، وَالَّذِي يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا (2) يَجُوزُ خِلَافُهُ فَهُوَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ (3) الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ، وَأَمَّا مِنْ (4) طَرِيقِ عَلِيٍّ فَمُضْطَرِبٌ، وَفِيهِ مَا قَدْ تَرَكَهُ الْفُقَهَاءُ جُمْلَةً، وَهُوَ أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ خَمْسًا مِنَ الشِّيَاهِ (5) .

وَأَيْضًا فَوَجَدْنَاهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ، فَصَحَّ ضَرُورَةُ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ بِالْحَجِّ، وَهَذِهِ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ.

ثُمَّ وَجَدْنَاهُ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبُعُوثِ فَصَحَّ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ مِثْلَ مَا عِنْدَ سَائِرِ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْبُعُوثِ، إِذْ لَا يَسْتَعْمِلُ إِلَّا عَالِمًا بِالْعَمَلِ، فَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ عِلْمِ الْجِهَادِ كَالَّذِي عِنْدَ عَلِيٍّ وَسَائِرِ أُمَرَاءِ الْبُعُوثِ لَا أَقَلَّ (6) .

وَإِذَا صَحَّ التَّقَدُّمُ لِأَبِي بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ فِي الْعِلْمِ بِالصَّلَاةِ (7)

(1) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (الْفِصَلِ)

(2)

ن، س، ب: فَلَا

(3)

ثُمَّ: لَيْسَتْ فِي " الْفِصَلِ "

(4)

ب (فَقَطْ) : وَأَمَّا الَّذِي مِنْ. .

(5)

ن، م، س: خَمْسٌ مِنَ الشِّيَاهِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَفِي " الْفِصَلِ ": خَمْسُ شِيَاهٍ

(6)

الْفِصَلِ: لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ

(7)

س، ب: فِي الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ ; الْفِصَلِ 4/213: فِي عِلْمِ الصَّلَاةِ

ص: 518

وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَسَاوَاهُ فِي الْجِهَادِ (1) فَهَذِهِ عُمْدَةٌ لِلْعِلْمِ.

ثُمَّ وَجَدْنَاهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ فِي جُلُوسِهِ وَمُسَامَرَتِهِ وَظَعْنِهِ وَإِقَامَتِهِ أَبَا بَكْرٍ، فَشَاهَدَ (2) أَحْكَامَهُ وَفَتَاوِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ مُشَاهَدَةِ عَلِيٍّ لَهَا، فَصَحَّ ضَرُورَةُ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، فَهَلْ بَقِيَتْ مِنَ الْعِلْمِ بَقِيَّةٌ (3) إِلَّا وَأَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمُ فِيهَا الَّذِي لَا يُلْحَقُ؟ أَوِ الْمُشَارِكُ الَّذِي لَا يُسْبَقُ؟ فَبَطَلَتْ دَعْوَاهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ وَالْفُتْيَا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمْ يَعِشْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا سَنَتَيْنِ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يُفَارِقِ الْمَدِينَةَ إِلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَلَمْ يَحْتَجِ النَّاسُ إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَوَالَيْهِ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ حَدِيثٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا مُسْنَدَةً، وَلَمْ يُرْوَ (4) عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا خَمْسُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا مُسْنَدَةً يَصِحُّ مِنْهَا نَحْوُ خَمْسِينَ حَدِيثًا، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَكَثُرَ لِقَاءُ النَّاسِ إِيَّاهُ، وَحَاجَتُهُمْ إِلَى مَا عِنْدَهُ لِذَهَابِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَكَثُرَ (5) سَمَاعُ أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْهُ مَرَّةً بِصِفِّينَ، وَأَعْوَامًا بِالْكُوفَةِ، وَمَرَّةً بِالْبَصْرَةِ، وَمَرَّةً

(1) الْفِصَلِ: فِي عِلْمِ الْجِهَادِ

(2)

س، ب: فَشَهِدَ

(3)

م، س، ب: بَقِيَّةٌ مِنَ الْعِلْمِ

(4)

الْفِصَلِ: وَلَمْ يَرِدْ

(5)

ب: وَكَثْرَةِ

ص: 519

بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا نَسَبْنَا مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ حَيَاتِهِ، وَأَضَفْنَا تَفَرِّي (1) عَلِيٍّ الْبِلَادَ بَلَدًا بَلَدًا، وَكَثْرَةَ سَمَاعِ النَّاسِ مِنْهُ إِلَى لُزُومٍ أَبِي بَكْرٍ مَوْطِنَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ تَكْثُرْ حَاجَةُ مَنْ حَوَالَيْهِ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ، ثُمَّ نَسَبْنَا عَدَدَ حَدِيثِهِ مِنْ عَدَدِ حَدِيثِهِ، وَفَتَاوِيهِ مِنْ فَتَاوِيهِ، عَلِمَ كُلُّ ذِي حَظٍّ مِنْ عِلْمٍ أَنَّ الَّذِي عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْعِلْمِ أَضْعَافُ مَا كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِنْهُ.

وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عُمِّرَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمْرًا قَلِيلًا قَلَّ النَّقْلُ عَنْهُ، وَمَنْ طَالَ عُمْرُهُ مِنْهُمْ كَثُرَ النَّقْلُ عَنْهُ (إِلَّا الْيَسِيرَ)(2) مِمَّنِ اكْتَفَى بِنِيَابَةِ (3) غَيْرِهِ عَنْهُ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ، وَقَدْ عَاشَ عَلِيٌّ بَعْدَ عُمَرَ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامًا غَيْرَ أَشْهُرٍ (4) ، وَمُسْنَدُ عُمَرَ خَمْسُمِائَةِ حَدِيثٍ وَسَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا، يَصِحُّ مِنْهَا نَحْوُ خَمْسِينَ، كَالَّذِي عَنْ عَلِيٍّ سَوَاءٌ (5) ، فَكُلُّ مَا زَادَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ (6) حَدِيثًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (7) ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا حَدِيثٌ أَوْ حَدِيثَانِ.

وَفَتَاوَى عُمَرَ مُوَازِيَةٌ لِفَتَاوَى عَلِيٍّ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ، فَإِذَا نَسَبْنَا مُدَّةً مِنْ مُدَّةٍ، وَضَرْبًا فِي الْبِلَادِ مِنْ ضَرْبٍ فِيهَا، وَأَضَفْنَا حَدِيثًا إِلَى حَدِيثٍ،

(1) س، ب، الْفَصْلِ: تَقَرِّي، ن، م: الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. فَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ "(مَادَّةِ: فَرَا) : " فَرَيْتُ الْأَرْضَ: إِذَا سِرْتَهَا وَقَطَعْتَهَا " وَهَذَا يُوَافِقُ عِبَارَةَ ابْنِ حَزْمٍ

(2)

عِبَارَةُ " إِلَّا الْيَسِيرَ " سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَزِدْتُهَا مِنَ " الْفِصَلِ "

(3)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: بِبَيَانِهِ غَيْرُهُ عَنْهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْفِصَلِ "

(4)

الْفِصَلِ: غَيْرَ شَهْرٍ

(5)

الْفِصَلِ: سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ

(6)

ن، س: بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ; م، الْفِصَلِ: تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ

(7)

الْفِصَلِ: الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ

ص: 520

وَفَتَاوَى إِلَى فَتَاوَى عَلِمَ (كُلُّ) ذِي حِسٍّ (1) عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ عُمَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَضْعَافُ مَا كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ عَائِشَةَ (2) أَلْفَيْ مُسْنَدٍ وَمِائَتَيْ مُسْنَدٍ وَعَشَرَةَ مَسَانِيدَ (3) ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ آلَافِ مُسْنَدٍ وَثَلَاثَمِائَةِ مُسْنَدٍ وَأَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ مُسْنَدًا، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ قَرِيبًا مِنْ مَسْنَدِ عَائِشَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِكُلٍّ وَاحِدٍ (4) مِنْهُمَا أَزْيَدُ (5) مِنْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَوَجَدْنَا لِابْنِ مَسْعُودٍ ثَمَانِمِائَةِ مُسْنَدٍ وَنَيِّفًا، وَلِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا حَاشَا أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ مِنَ الْفَتَاوَى أَكْثَرُ مِنْ فَتَاوَى عَلِيٍّ أَوْ نَحْوَهَا (6) ، فَبَطَلَ قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ (7) ".

إِلَى أَنْ قَالَ (8) : " فَإِنْ قَالُوا: قَدِ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [عَلِيًّا عَلَى الْأَخْمَاسِ وَعَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَمَنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّ مُشَاهَدَةَ أَبِي بَكْرٍ لِأَقْضِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم](9) أَقْوَى فِي الْعِلْمِ وَأَثْبَتُ مِمَّا عِنْدَ عَلِيٍّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1) س، ب: عَلِمَ ذَلِكَ ذَا حُسْنٍ، ن، م: عَلِمَ ذَلِكَ ذِي حُسْنٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْفِصَلِ " 4/213

(2)

الْفِصَلِ: عِنْدَ عَلِيٍّ: ثُمَّ وَجَدْنَا الْأَمْرَ كُلَّمَا طَالَ كَثُرَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الصَّحَابَةِ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، فَوَجَدْنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ

(3)

ب: مَسَانِدَ

(4)

وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(5)

م: أَكْثَرُ

(6)

س، ب: وَنَحْوَهَا

(7)

الْفِصَلِ: فَبَطَلَ هَذِهِ الْوَقَاحِ الْجُهَّالِ

(8)

بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ بِسَبْعَةِ أَسْطُرٍ، وَكَلَامُهُ فِي 4/214

(9)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) ، " الْفِصَلِ " وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

ص: 521

أَبَا بَكْرٍ عَلَى بُعُوثٍ فِيهَا الْأَخْمَاسُ، فَقَدْ سَاوَى عِلْمُهُ عِلْمَ عَلِيٍّ فِي حُكْمِهَا بِلَا شَكٍّ، إِذْ لَا يَسْتَعْمِلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا عَالِمًا بِمَا يَسْتَعْمِلُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانَا يُفْتِيَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَمُحَالٌ أَنْ يُبِيحَ لَهُمَا ذَلِكَ إِلَّا وَهُمَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمَا (1) ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا عَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَمَنِ مَعَ عَلِيٍّ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَلِعَلِيٍّ فِي هَذَا شُرَكَاءُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ انْفَرَدَ أَبُو بَكْرٍ بِالْجُمْهُورِ وَالْأَغْلَبِ مِنَ الْعِلْمِ ".

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (2) : " وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (سُورَةِ الْحَاقَّةِ: 12) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ (3) ، وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ لَا تَعِيَهَا إِلَّا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْآذَانِ، وَلَا أُذُنُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْعُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ أُذُنٍ وَاعِيَةٍ (4) .

(1) الْفِصَلِ: وَهُمْ أَعْلَمُ مِمَّنْ دُونَهُمَا. .

(2)

فِي (ك) ص 178 (م)

(3)

لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ

(4)

س، ب: وَاعِيَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 522

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (1) : " وَكَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ (2) ، شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى التَّعَلُّمِ، وَلَازَمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ مُلَازَمَةً لَيْلًا (3) وَنَهَارًا مِنْ صِغَرِهِ إِلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ أَذْكَى مِنْ عُمَرَ وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ أَوْ أَنَّهُ كَانَ أَرْغَبَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمَا؟ أَوْ أَنَّ اسْتِفَادَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ مِنْهُمَا؟

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» "(4)، وَالْمُحَدَّثُ: الْمُلْهَمُ يُلْهِمُهُ اللَّهُ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْبَشَرِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ بِلَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى رَأَيْتُ الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ " قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: " الْعِلْمَ» (5) ، وَلَمْ يُرْوَ مِثْلُ هَذَا لِعَلِيٍّ.

(1) فِي (ك) ص 178 (م)

(2)

ك: وَلِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ

(3)

ك: مُلَازَمَةً شَدِيدَةً لَيْلًا

(4)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21

ص: 523

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا (مَا) دُونَ ذَلِكَ (1) ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ - قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الدِّينَ» (2) .

فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَلَمْ يُرْوَ مِثْلُ هَذَا لِعَلِيٍّ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا مَاتَ عُمَرُ: " إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذَا قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَشَارَكَ النَّاسَ فِي الْعُشْرِ الْبَاقِي "(3) .

وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُلَازِمًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ وَمِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما أَكْثَرَ اجْتِمَاعًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَلِيٍّ بِكَثِيرٍ.

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: " وُضِعَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، وَتَرَحَّمَ (عَلِيٌّ)(4) عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عز وجل بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَلِكَ أَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ (5) صَلَّى

(1) ن، م: وَمِنْهَا دُونُ ذَلِكَ

(2)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21، 65

(3)

سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 6/59

(4)

عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س)(ب)

(5)

س، ب: مَعَ صَاحِبَيْكَ وَكَانَ النَّبِيُّ

ص: 524

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ": «جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» "، فَإِنَّ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ (1) .

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يُسَمِّرَانِ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِاللَّيْلِ.

وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ فِيهَا قَوْلُ عُمَرَ أَرْجَحَ، كَمَسْأَلَةِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهَؤُلَاءِ يَتَّبِعُونَ عُمَرَ وَزَيْدًا فِي الْغَالِبِ، وَأُولَئِكَ يَتَّبِعُونَ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ.

وَكَانَ مَا يَقُولُهُ عُمَرُ يُشَاوِرُ فِيهِ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمَا، وَعَلِيٌّ مَعَ هَؤُلَاءِ أَقْوَى مِنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ.

، كَمَا قَالَ لَهُ قَاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ:" رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ ".

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " كَانَ عُمَرُ إِذَا فَتَحَ لَنَا بَابًا دَخَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ سَهْلًا، أُتِيَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ، فَقَالَ: لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَزَيْدًا اتَّبَعُوهُ ".

وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ التَّابِعِينَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عُمْدَةُ فِقْهِهِ قَضَايَا عُمَرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 390 391

ص: 525

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ» ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " حَدِيثٌ حَسَنٌ "(1) .

وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَأَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَغَيْرِهِمْ هَؤُلَاءِ (2) كَانُوا يُفَضِّلُونَ عِلْمَ عُمَرَ وَعِلْمَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى عِلْمِ عَلِيٍّ، وَيَقْصِدُونَ فِي الْغَالِبِ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ دُونَ قَوْلِ عَلِيٍّ (3) .

فَصْلٌ.

قَالَ الرَّافِضِيُّ (4) : " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ» ، فَتَكُونُ عُلُومُهُ أَكْثَرَ مِنْ عُلُومِ غَيْرِهِ، لِحُصُولِ الْقَابِلِ الْكَامِلِ (5) ، وَالْفَاعِلِ التَّامِّ (6) ".

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ (عَدَمِ)(7) عِلْمِ الرَّافِضِيِّ بِالْحَدِيثِ ; فَإِنَّ هَذَا مَثَلٌ سَائِرٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَصْحَابُهُ أَيَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَعَلَّمُوا الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَنَ، وَيَسَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68

(2)

ن، م: وَهَؤُلَاءِ

(3)

س، ب: قَوْلِ عَلِيٍّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(4)

فِي (ك) ص 178 (م)

(5)

س: الْكُلِّ ; ب: الْكُلِّيِّ

(6)

ك: التَّمَامِ

(7)

عَدَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)

ص: 526

عَلِيٌّ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَكْمُلْ حَتَّى صَارَ لِعَلِيٍّ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنَّمَا حَفِظَ أَكْثَرَ ذَلِكَ فِي كِبَرِهِ لَا فِي صِغَرِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حِفْظِهِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَالْأَنْبِيَاءُ أَعْلَمُ الْخَلْقِ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ (1) ، إِلَّا عِيسَى صلى الله عليه وسلم، وَتَعْلِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ يَخُصُّ بِهِ أَحَدًا، وَلَكِنْ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ الطَّالِبِ، وَلِهَذَا حَفِظَ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَبَعْضِ أُخْرَى مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ اجْتِمَاعُ أَبِي بَكْرٍ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ (2) : " إِنَّ النَّاسَ مِنْهُ اسْتَفَادُوا الْعُلُومَ (3) ".

فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ - الَّتِي كَانَتْ دَارَهُ - كَانُوا قَدْ تَعَلَّمُوا الْإِيمَانَ، وَالْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَهُ، وَالْفِقْهَ، وَالسُّنَّةَ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ.

وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ (4) قَرَأَ عَلَيْهِ، فَمَعْنَاهُ: عَرَضَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ (5) قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ، وَهُوَ

(1) س، ب: أَرْبَعِينَ

(2)

فِي (ك) ص 178 (م) ، وَهُوَ تَابِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ

(3)

ك: وَمِنْهُ عليه السلام اسْتَفَادَ النَّاسُ الْعِلْمَ

(4)

الْأَرْجَحُ أَنَّهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَارِئُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (الطَّبَقَاتِ 6/172) : " رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعُثْمَانَ ". وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَتِهِ (تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 5/183 184) : " رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. . . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ زَمَنَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقِيلَ: مَاتَ 72، وَقِيلَ: سَبْعِينَ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ 90. . . وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ

(5)

كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) . (ب)

ص: 527

وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ: مِثْلُ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثِ التَّيْمِيِّ (1) ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ: أَخَذُوا الْقُرْآنَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَأْخُذُونَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ كَمَا أَخَذُوا عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ.

وَشُرَيْحٌ قَاضِيهِ إِنَّمَا تَفَقَّهَ عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يُنَاظِرُهُ فِي الْفِقْهِ، وَلَا يُقَلِّدُهُ، وَكَذَلِكَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ كَانَ لَا يُقَلِّدُهُ، بَلْ يَقُولُ لَهُ: رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فَعِلْمُهُمْ أَيْضًا لَيْسَ مَأْخُوذًا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ وَالْبَصْرَةِ فَهَذِهِ الْأَمْصَارُ الْخَمْسَةُ: الْحِجَازَانِ، وَالْعِرَاقَانِ، وَالشَّامُ، هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا عُلُومُ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعُلُومِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْقُرْآنِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ.

وَمَا أَخَذَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ (2) ، فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى كُلِّ مِصْرٍ مَنْ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَغَيْرَهُمَا، وَأَرْسَلَ إِلَى الْعِرَاقِ ابْنَ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَغَيْرَهُمَا.

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (3) : " وَأَمَّا النَّحْوُ فَهُوَ وَاضِعُهُ، قَالَ لِأَبِي

(1) س، ب: اللَّيْثِيِّ. وَهُوَ أَبُو عَائِشَةَ حَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/143) : " رَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَزْدِيِّ. . . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: أَرَّخَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. . . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ الْحَارِثُ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/176

(2)

م: مِنْهُ

(3)

فِي (ك) 178 (م)

ص: 528

الْأَسْوَدِ (1) : الْكَلَامُ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ، وَعَلَّمَهُ (2) وُجُوهَ الْإِعْرَابِ.

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: هَذَا لَيْسَ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِلْمٌ مُسْتَنْبَطٌ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ فِي حِفْظِ قَوَانِينِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ لَحْنٌ (3) ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَكَنَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ، وَبِهَا الْأَنْبَاطُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ:" الْكَلَامُ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ "، وَقَالَ:" انْحُ هَذَا النَّحْوَ "، فَفَعَلَ هَذَا لِلْحَاجَةِ، كَمَا أَنَّ مَنْ بَعْدَ عَلِيٍّ أَيْضًا اسْتَخْرَجَ لِلْخَطِّ النَّقْطَ وَالشَّكْلَ، وَعَلَامَةَ الْمَدِّ وَالشَّدِّ (4) ، وَنَحْوَهُ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَسَطَ النَّحْوَ نُحَاةُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَالْخَلِيلُ اسْتَخْرَجَ عِلْمَ الْعَرُوضِ.

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (5) : " وَفِي الْفِقْهِ الْفُقَهَاءُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ (6) ".

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ، فَلَيْسَ فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ (7) - مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي فِقْهِهِ، أَمَّا مَالِكٌ، فَإِنَّ عِلْمَهُ عَنْ

(1) ك: أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ

(2)

م: وَعَلَيْهِ

(3)

س، ب: نَحْوَهُ

(4)

م: وَالتَّشْدِيدِ

(5)

فِي (ك) ص 178 (م)

(6)

ك: وَأَمَّا الْفِقْهُ فَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ

(7)

م: الْفِقْهِ

ص: 529

أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَكَادُونَ يَأْخُذُونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، بَلْ أَخَذُوا فِقْهَهُمْ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ عَنْ زَيْدٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَحْوِهِمْ.

أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ تَفَقَّهَ أَوَّلًا عَلَى الْمَكِّيِّينَ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ، كَسَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ، وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ. وَابْنُ جُرَيْجٍ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ،، كَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ مُجْتَهِدًا مُسْتَقِلًّا، وَكَانَ إِذَا أَفْتَى بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَكَانَ يُنْكِرُ عَلَى عَلِيٍّ أَشْيَاءَ.

ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ كَتَبَ كُتُبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَخَذَ مَذَاهِبَ (1) أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَشَيْخُهُ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَعَلْقَمَةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، أَخَذَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَخَذَ عَنْ هِشَامِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهِشَامٌ عَنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَجَالَسَ الشَّافِعِيَّ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ قَوْلًا، وَكَذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ (2) وَنَحْوُهُمْ.

(1) س، ب: مَذْهَبَ

(2)

م: أَبُو عُبَيْدَةَ

ص: 530

وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ أَكْثَرُ فِقْهِهِمَا عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمْثَالِهِمْ، لَا عَنِ الْكُوفِيِّينَ.

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (1) : " أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَأَخَذُوا عِلْمَهُمْ عَنْهُ وَعَنْ أَوْلَادِهِ "(2) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، فَهَذَا مُوَطَّأُ مَالِكٍ لَيْسَ فِيهِ عَنْهُ وَلَا عَنْ (أَحَدِ)(3) أَوْلَادِهِ إِلَّا قَلِيلٌ جِدًّا، وَجُمْهُورُ مَا فِيهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فِيهِ عَنْ جَعْفَرٍ تِسْعَةُ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَرْوِ مَالِكٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَّا عَنْ جَعْفَرٍ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَسَانِدِ مِنْهَا قَلِيلٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَجُمْهُورُ مَا فِيهَا عَنْ غَيْرِهِمْ.

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (4) : " وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَرَأَ عَلَى الصَّادِقِ (5) ".

(1) فِي (ك) ص 178 (م)

(2)

ك: أَمَّا الْإِمَامِيَّةُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا عِلْمَهُمْ مِنْهُ وَمِنْ أَوْلَادِهِ عليه السلام، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ كَذَلِكَ. وَالصَّوَابُ مَا فِي (ك) لِأَنَّ الرَّافِضِيَّ سَيَتَكَلَّمُ فِي الْأَئِمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَلَامُهُ هُنَا عَلَى الْإِمَامِيَّةِ قَبْلَهُمْ

(3)

أَحَدِ: زِيَادَةٌ فِي (م)

(4)

فِي (ك) ص 179 (م)

(5)

اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا أَكْثَرَ كَلَامِ الرَّافِضِيِّ وَهُوَ: " أَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ قَرَأَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (سَتَرِدُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بَعْدَ قَلِيلٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) وَعَلَى مَالِكٍ، فَرَجَعَ فِقْهُهُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَرَأَ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَرَجَعَ فِقْهُهُ إِلَيْهِ، وَفِقْهُ الشَّافِعِيِّ رَاجِعٌ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ قَرَأَ عَلَى الصَّادِقِ عليه السلام، وَالصَّادِقُ عليه السلام قَرَأَ عَلَى الْبَاقِرِ عليه السلام، وَالْبَاقِرُ عليه السلام قَرَأَ عَلَى زَيْنِ الْعَابِدِينَ عليه السلام، وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ عليه السلام قَرَأَ عَلَى أَبِيهِ عليه السلام، وَأَبُوهُ عليه السلام قَرَأَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ وَآلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَالِكٌ. . . . "

ص: 531

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ (1) مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مِنْ أَقْرَانِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، تُوُفِّيَ الصَّادِقُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو حَنِيفَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُفْتِي فِي حَيَاةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِدِ الصَّادِقِ، وَمَا يُعْرَفُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخَذَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلَا عَنْ أَبِيهِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، بَلْ أَخَذَ عَمَّنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُمَا كَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَشَيْخِهِ الْأَصْلِيِّ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ (2) ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ (3) .

فَصْلٌ.

قَالَ الرَّافِضِيُّ (4) : " وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَرَأَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ".

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ جَالَسَهُ وَعَرَفَ طَرِيقَتَهُ (5) وَنَاظَرَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْخِلَافَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالرَّدَّ عَلَيْهِ (هُوَ) الشَّافِعِيُّ (6) ،

(1) م: الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ

(2)

ن، س: حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ

(3)

س، ب: بِالْمَدِينَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(4)

فِي (ك) ص 179 (م)

(5)

م: حَدِيثَهُ

(6)

ن، س، ب:. . . . الْحَسَنِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ

ص: 532

فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ أَظْهَرَ الرَّدَّ عَلَى مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ (1) رَدٌّ عَلَى مُخَالِفِيهِ (2) ، فَنَظَرَ (3) الشَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ، وَانْتَصَرَ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ انْتِصَارُهُ فِي الْغَالِبِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ.

ثُمَّ إِنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ صَنَّفَ كِتَابًا تَعَرَّضَ فِيهِ بِالرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَصَنَّفَ ابْنُ سُرَيْجٍ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى عِيسَى بْنِ أَبَانٍ.

وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنْ جَالَسَهُ، كَمَا جَالَسَ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَاسْتَفَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ.

وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَتَّفِقَانِ فِي أُصُولِهِمَا، أَكْثَرُ مِنَ اتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ أَسَنَّ مِنْ أَحْمَدَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.

وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَدِمَ بَغْدَادَ أَوَّلًا سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ قَدِمَهَا ثَانِيَةً سَنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ، وَفِي هَذِهِ الْقَدْمَةِ اجْتَمَعَ بِهِ أَحْمَدُ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ أَخَذَ عَنْ جَعْفَرٍ شَيْئًا مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ، لَكِنْ رَوَوْا عَنْهُ أَحَادِيثَ، كَمَا رَوَوْا عَنْ غَيْرِهِ، وَأَحَادِيثُ غَيْرِهِ أَضْعَافُ أَحَادِيثِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَحَدِيثِهِ نِسْبَةٌ، لَا فِي الْقُوَّةِ وَلَا فِي الْكَثْرَةِ.

وَقَدِ اسْتَرَابَ الْبُخَارِيُّ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ

(1) ب: عَنْهُ

(2)

م: رَدُّ عَلِيٍّ عَلَى مُخَالِفِيهِ، س: رَدٌّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ ; ب: رَدٌّ عَلَى مُخَالِفِهِ

(3)

م: فَنَاظَرَ

ص: 533

الْقَطَّانِ فِيهِ كَلَامٌ، فَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ. وَلَمْ يُكْذَبْ عَلَى أَحَدٍ مَا كُذِبَ عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - مَعَ بَرَاءَتِهِ - كَمَا كُذِبَ عَلَيْهِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ عِلْمُ الْبِطَاقَةِ، وَالْهَفْتِ، وَالْجَدْوَلِ، وَاخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ، وَمَنَافِعِ الْقُرْآنِ، وَالْكَلَامِ عَلَى الْحَوَادِثِ، وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْإِشَارَاتِ (1) فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْمَنَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ.

وَأَيْضًا فَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ أَخَذَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ غَيْرِهِ، كَمَا قَدَّمْنَا.

وَكَذَلِكَ أَبَوْهُ أَخَذَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (* أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ غَيْرِ الْحُسَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ عَنِ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّ الْحُسَيْنِ *)(2) قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَعَلِيٌّ صَغِيرٌ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَخَذَ عَنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَخَذَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَأَخَذَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ أَبِيهِ، وَغَيْرِهِ حَتَّى أَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ، وَهَذَا مِنْ عِلْمِهِ وَدِينِهِ رضي الله عنه.

وَأَمَّا ثَنَاءُ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنٍ وَمَنَاقِبِهِ فَكَثِيرَةٌ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ أُدْرِكْ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ هَاشِمِيٍّ رَأَيْتُهُ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - وَكَانَ أَفْضَلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ - يَقُولُ: " أَيُّهَا

(1) م: الْإِسْنَادَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

ص: 534

النَّاسُ أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ، فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُمْ حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَارًا ". ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " (1) .

أَنْبَأَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ (2) .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (3) : " قَالُوا: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا (4) ، وَرَوَى (5) " عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يُبَخَّلُ، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوهُ يَقُوتُ (6) أَهْلَ مِائَةِ بَيْتٍ (7) بِالْمَدِينَةِ فِي السِّرِّ ".

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (8) : " وَمَالِكٌ قَرَأَ عَلَى رَبِيعَةَ، وَرَبِيعَةُ عَلَى عِكْرِمَةَ، وَعِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ "(9) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ، فَإِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ عِكْرِمَةَ شَيْئًا،

(1) فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/214

(2)

هَذَا هُوَ سَنَدُ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَفِي الطَّبَقَاتِ:" أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ. . . . إِلَخْ "

(3)

فِي " الطَّبَقَاتِ " 5/222

(4)

الطَّبَقَاتِ:. . . . رَفِيعًا وَرِعًا

(5)

الْكَلَامُ التَّالِي سَابِقٌ عَلَى الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ فِي " الطَّبَقَاتِ "

(6)

س: يَقُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: يَعُولُ

(7)

ن: مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ، م: مِائَةَ بَيْتٍ

(8)

فِي (ك) ص 179 (م)

(9)

ك:. . . . . . . قَرَأَ عَلَى رَبِيعَةَ الرَّازِيِّ، وَقَرَأَ رَبِيعَةُ عَلَى عِكْرِمَةَ، وَعِكْرِمَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ

ص: 535

بَلْ وَلَا ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ (1) فِي كُتُبِهِ إِلَّا أَثَرًا أَوْ أَثَرَيْنِ، وَلَا ذَكَرَ اسْمَ عِكْرِمَةَ فِي كُتُبِهِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُمَا تَكَلَّمَا فِيهِ فَتَرَكَهُ لِذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ مُسْلِمٌ، وَلَكِنَّ رَبِيعَةَ أَخَذَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسَعِيدٌ كَانَ يُرْجِعُ عِلْمَهُ إِلَى عُمَرَ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَتَبَّعَ قَضَايَا عُمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا.

وَلِهَذَا يُقَالُ: إِنَّ مُوَطَّأَ مَالِكٍ أُخِذَتْ أُصُولُهُ (2) عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ الرَّشِيدُ لِمَالِكٍ: قَدْ أَكْثَرْتَ فِي مُوَطَّئِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَقْلَلْتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ:" كَانَ أَوْرَعَ الرَّجُلَيْنِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ " فَهَذَا مُوَطَّأُ مَالِكٍ يُبَيِّنُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ.

وَقَوْلُهُ: " ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ " كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَلِيلَةٌ، وَغَالِبُ أَخْذِهِ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَنَازَعَ عَلِيًّا فِي مَسَائِلَ، مِثْلَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ:" «أُتِيَ عَلِيٌّ بِقَوْمٍ زَنَادِقَةٍ فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ كُنْتُ لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (3) " فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا أَسْقَطَهُ عَلَى الْهِنَاتِ!»

(1) عَنْ عِكْرِمَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(2)

م: قِرَاءَتُهُ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/307

ص: 536