المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل البرهان الخامس والعشرون " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " والجواب عليه] - منهاج السنة النبوية - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[البرهان الأول " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العاشر " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي عشر " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني عشر " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث عشر " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع عشر " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس عشر " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس عشر " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع عشر " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن عشر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع عشر " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العشرون " وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والعشرون " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والعشرون " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والعشرون " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والعشرون " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والعشرون " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والعشرون " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والعشرون " لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. . . " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والعشرون " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثلاثون " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والثلاثون " وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والثلاثون " يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والثلاثون " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والثلاثون " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والثلاثون " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والثلاثون " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والثلاثون " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والثلاثون " إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والثلاثون " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الأربعون " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[الأول لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[الثاني حديث الغدير]

- ‌[الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى]

- ‌[الرابع أَنَّ النَبَّي صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ]

- ‌[الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي]

- ‌[السادس حديث الْمُؤَاخَاة]

- ‌[السابع حديث الراية]

- ‌[الثامن حديث الطائر]

- ‌[التاسع مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح]

- ‌[الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته]

- ‌[الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها]

- ‌[فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا]

- ‌[فصل الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ]

- ‌[توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها]

- ‌[طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ]

- ‌[المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله]

- ‌[الأول أنه كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

الفصل: ‌[فصل البرهان الخامس والعشرون " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " والجواب عليه]

وَهَكَذَا غَيَّرَ الرَّافِضَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، تَجِدُهُمْ فِي نَوْعٍ مِنَ الضَّلَالِ وَنَوْعٍ مِنَ الْغَيِّ، فِيهِمْ شِرْكٌ وَكِبَرٌ.

لَكِنَّ الرَّافِضَةَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ تَعْطِيلًا لِبُيُوتِ اللَّهِ وَمَسَاجِدِهِ مِنَ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، الَّتِي هِيَ أَحَبُّ الِاجْتِمَاعَاتِ إِلَى اللَّهِ. وَهُمْ أَيْضًا لَا يُجَاهِدُونَ الْكُفَّارَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، بَلْ كَثِيرًا مَا يُوَالُونَهُمْ وَيَسْتَعِينُونَ بِهِمْ (1) عَلَى عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ يُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُوَالُونَ أَعْدَاءَهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ، كَمَا يُعَادُونَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ [مِنَ] الْمُهَاجِرِينَ (2) وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَيُوَالُونَ أَكْفَرَ الْخَلْقِ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنَّصِيرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ: هُمْ كُفَّارٌ، فَقُلُوبُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ إِلَيْهِمْ أَمْيَلُ مِنْهَا إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ.

وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، حَتَّى الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ (3) وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ إِلَّا وَفِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا يُوجَدُ أَيْضًا شُعْبَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ أَتْبَاعِ الْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْكُتَّابِ وَالتُّجَّارِ، لَكِنَّ الرَّافِضَةَ أَبْلَغُ فِي الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ.

[فصل البرهان الخامس والعشرون " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " والجواب عليه]

فَصْلٌ

قَالَ الرَّافِضِيُّ (4) : " الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى:

(1) ن، س: وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ.

(2)

س: بِالْمُهَاجِرِينَ، ب: كَالْمُهَاجِرِينَ. وَسَقَطَتْ " مِنْ " مِنْ (ن) .

(3)

وَالْكَلَامِ: لَيْسَتْ فِي (م) .

(4)

فِي (ك) ص 161 (م) .

ص: 211

{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: إِنَّمَا (1) نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ، وَهَذَا يَدُلُّ (2) عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ".

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ [فِي] هَذِهِ الْآيَةِ (3) :" قَالَ عَلِيٌّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: إِنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ (4) أَهْلُ الْيَمَنِ ". وَذَكَرَ حَدِيثَ عِيَاضِ بْنِ غُنْمٍ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ:" «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ» ". فَقَدْ نَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ عَلِيًّا فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ بِأَنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ.

وَأَمَّا أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ، فَرَوَى الطَّبَرِيُّ (5) عَنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ (6) ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، [عَنِ الضَّحَّاكِ](7) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ [فِي قَوْلِهِ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54](8) قَالَ: عَلِمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَقَعَ (9) مَعْنَى (10) السُّوءِ

(1) ك: إِنَّهَا.

(2)

س، ب: دَلِيلٌ.

(3)

ن، س، ب: وَأَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الْآيَةَ.

(4)

هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(5)

فِي تَفْسِيرِهِ " ط. الْمَعَارِفِ " 10/413 - 414.

(6)

الطَّبَرِيُّ: الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ.

(7)

عَنِ الضَّحَّاكِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)

(8)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)

(9)

ب: وَأَوْقَعَ.

(10)

) ن، م، س: يَعْنِي.

ص: 212

عَلَى الْحَشْوِ الَّذِي (1) فِيهِمْ [مِنَ] الْمُنَافِقِينَ (2) وَمَنْ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَرْتَدُّوا (3)، فَقَالَ:{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ} (4) : الْمُرْتَدَّةُ فِي دُورِهِمْ (5)، {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} : بِأَبِي بَكْرٍ وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم.

وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالضِّحَّاكِ وَابْنِ جُرَيْجٍ (6) ، وَذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّهُمُ الْأَنْصَارُ (7) ، وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ (8) ، وَرَجَّحَ هَذَا الْآخَرُ وَأَنَّهُمْ رَهْطُ أَبِي مُوسَى (9)، قَالَ (10) :" وَلَوْلَا صِحَّةُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ الْقَوْلُ عِنْدِي [فِي ذَلِكَ] إِلَّا قَوْلَ (11) مَنْ قَالَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ "(12) قَالَ: " لَمَّا ارْتَدَّ الْمُرْتَدُّونَ جَاءَ اللَّهُ بِهَؤُلَاءِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه (13) .

(1) م: ب: الَّذِينَ.

(2)

ن، م، س: فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ.

(3)

ن، م، س: أَنْ يَرْتَدَّ.

(4)

تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ.

(5)

ب: فِي دِينِهِمْ.

(6)

انْظُرْ: تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/411 - 413

(7)

انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/417 - 418.

(8)

انْظُرْ: تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/416 - 417

(9)

تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 10/419

(10)

تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 10 ت 419

(11)

ن، م، س: مَا كَانَ عِنْدِي الْقَوْلُ إِلَّا قَوْلَ.

(12)

تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/419 " وَلَوْلَا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ: مَا كَانَ الْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ ".

(13)

تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 10/420 " وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ لَمْ يَعِدِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُبَدِّلَهُمْ بِالْمُرْتَدِّينَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا مِنَ الْمُرْتَدِّينَ لِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِمْ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْهُمْ، فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ قَرِيبًا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَجَاءَ بِهِمْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ. . . س، ب: لَمَّا.

ص: 213

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ، فَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا (1) هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ، وَهُوَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَأَصْحَابِهِ، الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ أَهْلَ الرِّدَّةِ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ [عِنْدَ النَّاسِ](2) كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْكَذَّابُونَ أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الْفَضَائِلَ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ يَجْعَلُونَهَا (3) لِعَلِيٍّ، وَهَذَا مِنَ الْمَكْرِ السَّيِّئِ الَّذِي لَا يَحِيقُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.

وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِشَيْخٍ أَعْرِفُهُ، وَكَانَ فِيهِ دِينٌ وَزُهْدٌ وَأَحْوَالٌ مَعْرُوفَةٌ لَكِنْ كَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ. قَالَ: وَكَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ يُعَظِّمُهُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ مِنَ الْأَسْرَارِ، وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ خَزَائِنِ الْخُلَفَاءِ، وَبَالَغَ فِي وَصْفِهِ. فَلَمَّا أَحْضَرَهُ، فَإِذَا بِهِ كِتَابٌ (4) قَدْ كُتِبَ بِخَطٍّ حَسَنٍ، وَقَدْ عَمَدُوا إِلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعِهَا فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوِهِمَا جَعَلُوهَا لِعَلِيٍّ. وَلَعَلَّ هَذَا الْكِتَابَ كَانَ مِنْ خَزَائِنِ بَنِي عُبَيْدٍ الْمِصْرِيِّينَ، فَإِنَّ خَوَاصَّهُمْ كَانُوا مَلَاحِدَةً زَنَادِقَةً غَرَضُهُمْ قَلْبُ الْإِسْلَامِ، وَكَانُوا قَدْ وَضَعُوا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُفْتَرَاةِ الَّتِي يُنَاقِضُونَ بِهَا الدِّينَ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.

وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إِنَّمَا أُخِذَتْ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، كَمَا يَظُنُّ مِثْلُ ابْنِ الْخَطِيبِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَأَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا كَانَ الْغَلَطُ يَرُوجُ عَلَيْهِمَا، أَوْ

(1) س، ب: لِمَا.

(2)

عِنْدَ النَّاسِ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(3)

يَجْعَلُونَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(4)

م: وَإِذَا الْكِتَابُ، س، ب: وَإِذَا بِهِ كِتَابٌ.

ص: 214

كَانَا يَتَعَمَّدَانِ (1) الْكَذِبَ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ قَوْلَنَا: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَامَةٌ لَنَا عَلَى [ثُبُوتِ](2) صِحَّتِهِ، لَا أَنَّهُ (3) كَانَ صَحِيحًا بِمُجَرَّدِ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، بَلْ أَحَادِيثُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَوَاهَا غَيْرُهُمَا (4) مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِحَدِيثٍ، بَلْ مَا مِنْ حَدِيثٍ إِلَّا وَقَدْ رَوَاهُ قَبْلَ زَمَانِهِ وَفِي زَمَانِهِ وَبَعْدَ زَمَانِهِ طَوَائِفُ، وَلَوْ لَمْ يُخْلَقِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الدِّينِ شَيْءٌ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مَوْجُودَةً بِأَسَانِيدَ يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ وَفَوْقَ الْمَقْصُودِ.

وَإِنَّمَا قَوْلُنَا: رَوَاهُ (5) الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَقَوْلِنَا: قَرَأَهُ (6) الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ. وَالْقُرْآنُ مَنْقُولٌ بِالتَّوَاتُرِ، لَمْ يَخْتَصَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ بِنَقْلِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ التَّصْحِيحُ لَمْ يُقَلِّدْ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِيهِ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا، بَلْ جُمْهُورُ مَا صَحَّحَاهُ كَانَ قَبْلَهُمَا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ صَحِيحًا مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ، وَكَذَلِكَ فِي عَصْرِهِمَا وَكَذَلِكَ بَعْدَهُمَا قَدْ نَظَرَ (7) أَئِمَّةُ هَذَا الْفَنِّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَوَافَقُوهُمَا (8) عَلَى تَصْحِيحِ (9) مَا صَحَّحَاهُ، إِلَّا مَوَاضِعَ يَسِيرَةً، نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا، غَالِبُهَا فِي مُسْلِمٍ، انْتَقَدَهَا عَلَيْهِمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَهَذِهِ

(1) ن، س، ب: يَعْتَمِدَانِ.

(2)

ثُبُوتِ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(3)

م: لِأَنَّهُ وَهُوَ خَطَأٌ.

(4)

ن، م، س: غَيْرُهُمْ.

(5)

م: رِوَايَةُ.

(6)

م: قِرَاءَةُ.

(7)

ن، م، س: قَدْ يَظُنُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(8)

م: وَوَقَفُوا.

(9)

س، ب: صِحَّةِ.

ص: 215

الْمَوَاضِعُ الْمُنْتَقَدَةُ غَالِبُهَا فِي مُسْلِمٍ، وَقَدِ انْتَصَرَ طَائِفَةٌ لَهُمَا فِيهَا، وَطَائِفَةٌ قَرَّرَتْ قَوْلَ الْمُنْتَقِدَةِ (1) .

وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ ; فَإِنَّ فِيهَا مَوَاضِعَ مُنْتَقَدَةً بِلَا رَيْبٍ، مِثْلَ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَحَدِيثِ خَلْقِ اللَّهِ الْبَرِيَّةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَحَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ وَأَكْثَرَ.

وَفِيهَا مَوَاضِعُ لَا انْتِقَادَ فِيهَا فِي الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ أَبْعَدُ الْكِتَابَيْنِ عَنِ الِانْتِقَادِ، وَلَا يَكَادُ يَرْوِي لَفْظًا فِيهِ انْتِقَادٌ، إِلَّا وَيَرْوِي اللَّفْظَ الْآخَرَ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُنْتَقَدٌ، فَمَا فِي كِتَابِهِ لَفْظٌ مُنْتَقَدٌ، إِلَّا وَفِي كِتَابِهِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُنْتَقَدٌ.

وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ نَقَدَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَرُجْ عَلَيْهِ (2) فِيهَا إِلَّا دَرَاهِمُ يَسِيرَةٌ، وَمَعَ هَذَا فَهِيَ مُغَيَّرَةٌ لَيْسَتْ مَغْشُوشَةً مَحْضَةً، فَهَذَا إِمَامٌ فِي صَنْعَتِهِ. وَالْكِتَابَانِ سَبْعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ وَكَسْرٌ (3) .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَحَادِيثَهُمَا انْتَقَدَهَا (4) الْأَئِمَّةُ الْجَهَابِذَةُ قَبْلَهُمْ وَبَعْدَهُمْ، وَرَوَاهَا خَلَائِقُ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمْ يَنْفَرِدَا لَا بِرِوَايَةٍ وَلَا بِتَصْحِيحٍ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى هُوَ الْكَفِيلُ بِحِفْظِ (5) هَذَا الدِّينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 9] .

وَهَذَا مِثْلُ غَالِبِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي مَذَاهِبِ (6) الْأَئِمَّةِ مِثْلِ الْقُدُورِيِّ وَالتَّنْبِيهِ وَالْخِرَقِيِّ (7) وَالْجَلَّابِ، غَالِبُ مَا فِيهَا إِذَا

(1) ن، ب: قَرَّرَتْ قَوْلَ الْمُنْتَقِدِ، م: قَرَّرَتِ الْمُنْتَقِدَةَ.

(2)

عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س)

(3)

م: وَكَثِيرٌ.

(4)

س: انْقُدْهَا، ب: نَقَدَهَا.

(5)

س، ب: الْحَفِيظُ يَحْفَظُ.

(6)

ن، س، ب: مَذْهَبِ.

(7)

م: وَالْحَرْبِيِّ، س، ب: وَالْحَوْفِيِّ.

ص: 216

قِيلَ: ذَكَرَهُ فُلَانٌ، عُلِمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ ذَلِكَ الْإِمَامِ، وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ سَائِرُ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ يَنْقُلُونَ مَذْهَبَهُ بِالتَّوَاتُرِ.

وَهَذِهِ الْكُتُبُ فِيهَا مَسَائِلُ انْفَرَدَ بِهَا بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَفِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَهُمْ، لَكِنْ غَالِبًا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَجُمْهُورُ مَا فِيهِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ عِنَايَةً بِأَلْفَاظِ الرَّسُولِ وَضَبْطًا لَهَا وَمَعْرِفَةً بِهَا مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ لِأَلْفَاظِ أَئِمَّتِهِمْ، وَعُلَمَاءُ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِمَقَاصِدِ الرَّسُولِ [فِي أَلْفَاظِهِ](1) مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ بِمَقَاصِدِ أَئِمَّتِهِمْ، وَالنِّزَاعُ بَيْنَهُمْ (2) فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ تَنَازُعِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ فِي مَذَاهِبِ أَئِمَّتِهِمْ.

وَالرَّافِضَةُ - لِجَهْلِهِمْ - يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا قَبِلُوا مَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَجَعَلُوا فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ لِعَلِيٍّ، أَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، الَّذِينَ حَفِظَ اللَّهُ بِهِمُ الذِّكْرَ.

الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَوَاتَرَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ الَّذِي قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه الَّذِي قَاتَلَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ الْمُدَّعِيَ لِلنُّبُوَّةِ وَأَتْبَاعَهُ بَنِي حَنِيفَةَ وَأَهْلَ الْيَمَامَةِ. قَدْ قِيلَ: كَانُوا نَحْوَ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ (3) ، وَقَاتَلَ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّ، وَكَانَ قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِنَجْدٍ، وَاتَّبَعَهُ مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَغَطَفَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ادَّعَتِ النُّبُوَّةَ سَجَاحٌ، امْرَأَةٌ تَزَوَّجَهَا مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَتَزَوَّجَ الْكَذَّابُ بِالْكَذَّابَةِ.

(1) فِي أَلْفَاظِهِ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(2)

بَيْنَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(3)

ن، م: وَأَكْثَرَ.

ص: 217

وَأَيْضًا فَكَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَتَّبِعْ مُتَنَبِّئًا كَذَّابًا.

وَمِنْهُمْ قَوْمٌ أَقَرُّوا بِالشَّهَادَتَيْنِ، لَكِنِ امْتَنَعُوا مِنْ أَحْكَامِهِمَا كَمَانِعِي الزَّكَاةِ. وَقِصَصُ هَؤُلَاءِ مَشْهُورَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ يَعْرِفُهَا كُلُّ مَنْ لَهُ بِهَذَا الْبَابِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ.

وَالْمُقَاتِلُونَ لِلْمُرْتَدِّينَ [هُمْ مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُحِبُّونَهُ](1) ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَاتَلُوا سَائِرَ الْكُفَّارِ مِنَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ. وَهَؤُلَاءِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَؤُلَاءِ، فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَقَالَ:" هُمْ قَوْمُ هَذَا "(2) .

فَهَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِالتَّوَاتُرِ وَالضَّرُورَةِ: أَنَّ الَّذِينَ أَقَامُوا الْإِسْلَامَ وَثَبَتُوا عَلَيْهِ حِينَ الرِّدَّةِ، وَقَاتَلُوا الْمُرْتَدِّينَ وَالْكُفَّارَ، هُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] .

وَأَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِمَّنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ، لَكِنْ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَا * كَانَ جِهَادُهُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ أَعْظَمَ مِنْ جِهَادِ هَؤُلَاءِ، وَلَا حَصَلَ بِهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِلدِّينِ أَعْظَمُ * (3) مِمَّا حَصَلَ بِهَؤُلَاءِ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ سَعْيٌ مَشْكُورٌ وَعَمَلٌ مَبْرُورٌ وَآثَارٌ صَالِحَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ يَجْزِيهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ خَيْرَ جَزَاءٍ، فَهُمُ

(1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَمِنَ الْمُقَاتِلِينَ لِلْمُرْتَدِّينَ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ، إِلَخْ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ تَسْتَقِيمُ بِهِ الْعِبَارَةُ.

(2)

ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ 10/414 - 415 " وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ ".

(3)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

ص: 218

الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ، الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ، وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ.

وَأَمَّا أَنْ يَأْتِيَ إِلَى أَئِمَّةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ كَانَ نَفْعُهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا أَعْظَمَ، فَيَجْعَلَهُمْ كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا (1) ظَلَمَةً، وَيَأْتِيَ إِلَى مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلُ مَا جَرَى عَلَى يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، * فَيَجْعَلَهُ اللَّهَ أَوْ شَرِيكًا لِلَّهِ، أَوْ شَرِيكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوِ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ إِلَّا مَنْ * (2) جَعَلَهُ مَعْصُومًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَيَجْعَلَ الْكُفَّارَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِي قَاتَلَهُمْ أُولَئِكَ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَيَجْعَلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ يَجْعَلُهُمْ (3) كُفَّارًا لِأَجْلِ قِتَالِ هَؤُلَاءِ.

فَهَذَا عَمَلُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالْإِلْحَادِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، عَمَلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا دِينَ وَلَا إِيمَانَ.

وَالْعُلَمَاءُ دَائِمًا يَذْكُرُونَ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ زِنْدِيقًا مُلْحِدًا، مَقْصُودُهُ إِفْسَادُ [دِينِ](4) الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا [صَارَ](5) الرَّفْضُ مَأْوَى الزَّنَادِقَةِ الْمُلْحِدِينَ مِنَ الْغَالِيَةِ وَالْمُعَطِّلَةِ (6) ، كَالنَّصِيرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ.

وَأَوَّلُ الْفِكْرَةِ (7) آخِرُ الْعَمَلِ، فَالَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ مَقْصُودُهُ إِفْسَادَ (8)

(1)، ب: وَفُسَّاقًا، م: أَوْ فَسَقَةً.

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (ن)، (س) : إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعْصُومًا) إِلَخْ.

(3)

يَجْعَلُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(4)

دِينِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(5)

صَارَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

(6)

م: وَالْمُبْطِلَةِ.

(7)

م: الْكَفَرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(8)

م: إِفْسَادَهُ.

ص: 219

دِينِ الْإِسْلَامِ، وَنَقْضَ عُرَاهُ، وَقَلْعَهُ بِعُرُوشِهِ آخِرًا، لَكِنْ صَارَ يَظْهَرُ مِنْهُ مَا يُكِنُّهُ (1) مِنْ ذَلِكَ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنِ (2) ابْنِ سَبَأٍ وَأَتْبَاعِهِ (3) ، وَهُوَ الَّذِي ابْتَدَعَ النَّصَّ فِي عَلِيٍّ، وَابْتَدَعَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ. فَالرَّافِضَةُ (4) الْإِمَامِيَّةُ هُمْ أَتْبَاعُ الْمُرْتَدِّينَ، وَغِلْمَانُ الْمُلْحِدِينَ، وَوَرَثَةُ الْمُنَافِقِينَ، لَمْ يَكُونُوا أَعْيَانَ الْمُرْتَدِّينَ الْمُلْحِدِينَ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ، أَيَقُولُ الْقَائِلُ: أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَلَفْظُهَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ؟ قَالَ تَعَالَى:{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] إِلَى قَوْلِهِ: {لَوْمَةَ لَائِمٍ} . أَفَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا رَجُلًا، فَإِنَّ الرَّجُلَ (5) لَا يُسَمَّى قَوْمًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.

وَلَوْ قَالَ: الْمُرَادُ هُوَ وَشِيعَتُهُ.

لَقِيلَ: إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ أَدْخَلَتْ مَعَ عَلِيٍّ غَيْرَهُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْكُفَّارَ وَالْمُرْتَدِّينَ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِيهَا مِمَّنْ لَمْ يُقَاتِلْ إِلَّا أَهْلَ الْقِبْلَةِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ، الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِيهَا مِنَ الرَّافِضَةِ، الَّذِينَ يُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ، وَيُعَادُونَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ عَلِيٍّ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ.

قِيلَ: وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ أَيْضًا كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. فَكِلَا

(1) ن، م، س: مَا يُمْكِنُهُ.

(2)

س، ب: عِنْدَ.

(3)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.

(4)

م: وَالرَّافِضَةُ.

(5)

ن، س، ب: فَإِنَّ الْوَاحِدَ.

ص: 220

الْعَسْكَرَيْنِ كَانَتِ الْيَمَانِيَّةُ وَالْقَيْسِيَّةُ فِيهِمْ كَثِيرَةً (1) جِدًّا، وَأَكْثَرُ أَذْوَاءِ الْيَمَنِ كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ، كَذِي كُلَاعٍ (2) وَذِي عَمْرٍو، وَذِي رُعَيْنٍ، وَنَحْوِهِمْ. وَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ: الذَّوِينُ.

كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَا أَعْنِي بِذَلِكَ أَصْغَرَيْهِمْ

وَلَكِنِّي أُرِيدُ بِهِ الذَّوِينَا.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} لَفْظٌ مُطْلَقٌ، لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ. وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِمَنْ قَامَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كَائِنًا مَا كَانَ، لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَلَا بِعَلِيٍّ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِإِحْدَاهُمَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِيهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِذَلِكَ الْإِمَامَةَ.

بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ أَحَدٌ [عَنِ الدِّينِ](3) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَقَامَ اللَّهُ قُوْمًا يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ، يُجَاهِدُونَ هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ.

وَالرِّدَّةُ قَدْ تَكُونُ عَنْ أَصْلِ الْإِسْلَامِ، كَالْغَالِيَةِ مِنَ النَّصِيرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، فَهَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَالْعَبَّاسِيَّةِ (4) .

(1) م: كَثْرَةً.

(2)

م: كَذِي الْكُلَاعِ.

(3)

عَنِ الدِّينِ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(4)

ن، م، س: كَالْعَبَّاسِيَّةِ، وَيَقْصِدُ بِهِمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا الرَّاوَنْدِيَّةَ، وَهُمْ كَمَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَا (1/14) أَتْبَاعُ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ الَّذِينَ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ وَهَاجَمَ مَذْهَبَهُمْ وَصَارَ مُلْحِدًا زِنْدِيقًا، وَالرَّاوَنْدِيَّةُ فِرَقٌ مِنْ فِرَقِ الْكَيْسَانِيَّةِ، وَيَقُولُ ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ فِي كِتَابِهِ " فِرَقِ الشِّيعَةِ " ص 57:" فَالْكَيْسَانِيَّةُ كُلُّهَا لَا إِمَامَ لَهَا وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَى إِلَّا " الْعَبَّاسِيَّةَ " فَإِنَّهَا تُثْبِتُ الْإِمَامَةَ فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ وَقَادُوهَا فِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ ". وَقَالَ ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ قَبْلَ ذَلِكَ (ص 54)" وَفِرْقَةٌ قَالَتْ أَوْصَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّهُ مَاتَ عِنْدَهُمْ بِأَرْضِ الشَّرَاةِ بِالشَّامِ، وَأَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصِيَّةَ إِلَى أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ صَغِيرًا عِنْدَ وَفَاةِ أَبِي هَاشِمٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ إِذَا بَلَغَ دَفْعَهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ الْإِمَامُ، وَهُوَ اللَّهُ عز وجل، وَهُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ عَرَفَهُ فَلْيَصْنَعْ مَا شَاءَ، وَهَؤُلَاءِ غُلَاةُ الرَّاوَنْدِيَّةِ "، انْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ عَنِ الرَّاوَنْدِيَّةِ 1/14، 500: وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ حَزْمٍ فِي " الْفِصَلِ " 4/154 حَيْثُ قَالَ: " وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إِلَّا فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمُ الرَّاوَنْدِيَّةُ ". وَقَدْ نَقَلْتُ كَلَامَهُ فِيمَا سَبَقَ 1/500 - 503 وَانْظُرْ أَيْضًا 1، 546 وَانْظُرْ كِتَابَ " أُصُولِ الدِّينِ " ص 281.

ص: 221