المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الثامن حديث الطائر] - منهاج السنة النبوية - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[البرهان الأول " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العاشر " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي عشر " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني عشر " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث عشر " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع عشر " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس عشر " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس عشر " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع عشر " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن عشر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع عشر " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العشرون " وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والعشرون " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والعشرون " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والعشرون " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والعشرون " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والعشرون " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والعشرون " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والعشرون " لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. . . " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والعشرون " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثلاثون " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والثلاثون " وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والثلاثون " يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والثلاثون " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والثلاثون " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والثلاثون " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والثلاثون " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والثلاثون " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والثلاثون " إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والثلاثون " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الأربعون " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[الأول لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[الثاني حديث الغدير]

- ‌[الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى]

- ‌[الرابع أَنَّ النَبَّي صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ]

- ‌[الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي]

- ‌[السادس حديث الْمُؤَاخَاة]

- ‌[السابع حديث الراية]

- ‌[الثامن حديث الطائر]

- ‌[التاسع مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح]

- ‌[الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته]

- ‌[الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها]

- ‌[فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا]

- ‌[فصل الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ]

- ‌[توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها]

- ‌[طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ]

- ‌[المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله]

- ‌[الأول أنه كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

الفصل: ‌[الثامن حديث الطائر]

اخْتَلَفَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ". (1)

وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَقُولُ: خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ (2) .

وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ هَذَا الْكَلَامَ (3) .

وَالشِّيعَةُ الَّذِينَ صَحِبُوا عَلِيًّا كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا، وَهَذَا مِمَّا يَقْطَعُ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَ عَارِفًا بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ وَالْخُلَفَاءِ.

[الثامن حديث الطائر]

فَصْلٌ.

قَالَ الرَّافِضِيُّ: (4) " الثَّامِنُ: خَبَرُ الطَّائِرِ (5) ، رَوَى الْجُمْهُورُ كَافَّةً أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِطَائِرٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ائْتِنِي

(1) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي كِتَابِ " مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ " لِأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيِّ، تَحْقِيق الْأُسْتَاذِ السَّيِّدِ أَحْمَد صَقْر (ط. دَارِ التُّرَاثِ، الْقَاهِرَةِ، 1391 1971) 1/434 وَجَاءَ بَعْدَهَا: " إِنَّمَا اخْتَلَفَ مَنِ اخْتَلَفَ مِنْهُمْ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ: مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ. وَنَحْنُ لَا نُخَطِّئُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا فَعَلُوا "

(2)

سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِيمَا مَضَى 6/153. وَانْظُرْ أَيْضًا كِتَابَ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 1/92 ـ 93 (رَقْمُ 62)

(3)

سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/12، 2/72

(4)

فِي (ك) ص 171 (م)

(5)

م: الطَّيْرِ

ص: 369

بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ، وَإِلَيَّ يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الطَّائِرِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ، فَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَ أَنَسٌ (1) : إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَاجَةٍ (2) فَرَجَعَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ أَوَّلًا، فَدَقَّ الْبَابَ (3) فَقَالَ أَنَسٌ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ عَلِيٌّ (4) حَاجَةٍ (5) ؟ فَانْصَرَفَ (6) ، فَعَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ عَلِيٌّ فَدَقَّ الْبَابَ (7) أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلَيْنِ (8) ، فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ (9) لَهُ بِالدُّخُولِ، وَقَالَ: مَا أَبْطَأَكَ (10) عَنِّي؟ قَالَ: جِئْتُ فَرَدَّنِي أَنَسٌ، ثُمَّ جِئْتُ فَرَدَّنِي (أَنَسٌ)(11) ، ثُمَّ جِئْتُ فَرَدَّنِي الثَّالِثَةَ (12)، فَقَالَ يَا أَنَسُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (13)، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَوَ فِي الْأَنْصَارِ

(1) ك: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ

(2)

ب: عَلَى حَاجَتِهِ

(3)

ك: فَدَقَّ عَلِيٌّ عليه السلام الْبَابَ

(4)

ك: أَوْ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ عَلَى. .

(5)

ب: حَاجَتِهِ

(6)

ك: فَانْصَرَفَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلَيْنِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ عليه السلام

(7)

فَدَقَّ الْبَابَ

(8)

ن، س، ب: الْأُوْلَتَيْنِ

(9)

ك: فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ أَنَسٌ: إِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ، فَأَذِنَ. .

(10)

ك: فَقَالَ: يَا عَلِيٌّ مَا أَبْطَأَكَ.

(11)

أَنَسٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

(12)

ك: ثُمَّ جِئْتُ الثَّالِثَةَ فَرَدَّنِي

(13)

ك: لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ; ب: لِلْأَنْصَارِ

ص: 370

خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، أَوَ فِي الْأَنْصَارِ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ فَإِذَا كَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ (1) ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ» (2) .

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ النَّقْلِ، وَقَوْلُهُ رَوَى الْجُمْهُورُ كَافَّةً: كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَدِيثَ الطَّيْرِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ، وَلَا صَحَّحَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ هُوَ مِمَّا رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ، كَمَا رَوَوْا أَمْثَالَهُ فِي فَضْلِ غَيْرِ عَلِيٍّ، بَلْ قَدْ رُوِيَ (3) فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَصُنِّفَ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يُصَحِّحُونَ لَا هَذَا، وَلَا هَذَا.

الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ الطَّائِرِ (4) مِنَ الْمَكْذُوبَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِحَقَائِقِ النَّقْلِ (5)، قَالَ: أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: " قَدْ جَمَعَ غَيْرُ

(1)(1) ك: وَإِذَا كَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى

(2)

(2) ك: أَنْ يَكُونَ الْإِمَامَ

(3)

(3) ن، م: رَوَوْا

(4)

(4) م: الطَّيْرِ

(5)

(5) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي سُنَنِهِ 5/300 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، عَلَى. . .، بَابُ 86 حَدِيثِ رَقْمُ 3805) وَنَصُّهُ: " كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَيْرٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّيْرَ، فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ السُّدِّيِّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَنَسٍ " وَالْحَدِيثُ فِي " الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ " لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 382 ـ 383 وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: " قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ، كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَأَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَنْ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ الْبَحْثِ فَلْيَنْظُرْ تَرْجَمَةَ الْحَاكِمِ فِي " النُّبَلَاءِ " وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا آخَرَ يُقَارِبُهُ فِي الْمَعْنَى 1/376 ـ 377 وَنَصُّهُ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَا أَنَسُ اسْكُبْ لِي وَضُوءًا " ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:" يَا أَنَسُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَخَاتَمُ الْوَصِيِّينَ " قَالَ أَنَسُ: فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ عَلِيٌّ عليه السلام. قَالَ:" مَنْ هَذَا يَا أَنَسُ؟ فَقُلْتُ: عَلِيٌّ، فَقَالَ مُسْتَبْشِرًا فَاعْتَنَقَهُ ". قَالَ: ابْنُ الْجَوْزِيِّ: " هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ زَائِدَةُ: كَانَ جَابِرٌ كَذَّابًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا لَقِيتُ أَكْذَبَ مِنْهُ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ مِنَ السُّيُوطِيَّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/359 وَزَادَ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ: " قُلْتُ: قَالَ فِي الْمِيزَانِ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ مِنْ جِلَادِ الشِّيعَةِ. زَادَ فِي اللِّسَانِ وَذَكَرَهُ الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَقَالَ إِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ ابْنِ الْفَضْلِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ. أهـ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَيْضًا بِرِوَايَةٍ مُقَارِبَةٍ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ابْنُ عِرَاقٍ الْكِنَانِيُّ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/357 وَذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 9/125 الْحَدِيثَ وَفِيهِ " يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الْفَرْخِ " ثُمَّ قَالَ: " وَفِي رِوَايَةٍ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ وَقَدْ أُتِيَ بِطَائِرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَهَدَتْ أُمُّ أَيْمَنَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَائِرًا بَيْنَ رَغِيفَيْنِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " فَجَاءَتْهُ بِالطَّائِرِ " قَلْتُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ طَرَفٌ مِنْهُ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " وَ " الْكَبِيرِ " بِاخْتِصَارٍ، وَأَبُو يَعْلَى بِاخْتِصَارٍ كَثِيرٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ " فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَرَدَّهُ. ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ، فَأَذِنَ لَهُ " وَفِي إِسْنَادِ الْكَبِيرِ " حَمَّادُ بْنُ الْمُخْتَارِ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَرِجَالُ أَبِي يَعْلَى ثِقَاتٌ، وَفِي بَعْضِهِمْ ضَعْفٌ. ثُمَّ ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ 9/126 رِوَايَةً أُخْرَى مُقَارِبَةً وَقَالَ فِي آخِرِهَا: " رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ سَلْمَانَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ". وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ 9/126 عَنْ سَفِينَةَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ أَنَّ فِيهِمَا ضَعْفًا.

ص: 371

وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ طُرُقَ أَحَادِيثِ الطَّيْرِ لِلِاعْتِبَارِ وَالْمَعْرِفَةِ، كَالْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَسُئِلَ الْحَاكِمُ عَنْ حَدِيثِ الطَّيْرِ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ " (1) .

(1) ذَكَرْتُ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ كَلَامَ الشَّوْكَانِيِّ وَقَوْلَهُ إِنَّ الْحَاكِمَ صَحَّحَ الْحَدِيثَ. . . إِلَخْ وَالْحَدِيثُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " لِلْحَاكِمِ 3/130 ـ 131 عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ: " فَقُدِّمَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْخٌ مَشْوِيٌّ. . . إِلَخْ ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثِينَ نَفْسًا، ثُمَّ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ وَسَفِينَةَ، وَفِي حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي زِيَادَةَ أَلْفَاظٌ، كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَلِيَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّكُونِيُّ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ. . . إِلَخْ وَعَلَّقَ الذَّهَبِيُّ عَلَى كَلَامِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ:" قُلْتُ: ابْنُ عِيَاضٍ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ زَمَانًا طَوِيلًا أَظُنُّ أَنَّ حَدِيثَ الطَّيْرِ لَمْ يَجْسُرِ الْحَاكِمُ أَنْ يُودِعَهُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " فَلَمَّا عَلِقْتُ هَذَا الْكِتَابَ رَأَيْتُ الْهَوْلَ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي فِيهِ، فَإِذَا حَدِيثُ الطَّيْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا سَمَاءٌ.

ص: 372

هَذَا مَعَ أَنَّ الْحَاكِمَ مَنْسُوبٌ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَقَدْ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيثًا فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَا يَجِيءُ مِنْ قَلْبِي مَا يَجِيءُ مِنْ قَلْبِي، وَقَدْ ضَرَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَهُوَ يَرْوِي فِي الْأَرْبَعِينَ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً، بَلْ مَوْضُوعَةً عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، كَقَوْلِهِ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ، وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمَارِقِينَ لَكِنَّ تَشَيُّعَهُ، وَتَشَيُّعَ أَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ كَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَمْثَالِهِمَا لَا يَبْلُغُ إِلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَا يُعْرَفُ فِي عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا (1) ، بَلْ غَايَةُ الْمُتَشَيِّعِ مِنْهُمْ أَنْ يُفَضِّلَهُ عَلَى عُثْمَانَ، أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُ كَلَامٌ، أَوْ إِعْرَاضٌ عَنْ ذِكْرِ مَحَاسِنَ مِنْ قَائِلِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْحَدِيثِ قَدْ عَصَمَهُمْ، وَقَيَّدَهُمْ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ (2) الشَّيْخَيْنِ، وَمَنْ تَرَفَّضَ مِمَّنْ لَهُ نَوْعُ اشْتِغَالٍ بِالْحَدِيثِ كَابْنِ عُقْدَةَ، وَأَمْثَالِهِ فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَجْمَعَ مَا يُرْوَى فِي فَضَائِلِهِ مِنَ الْمَكْذُوبَاتِ، وَالْمَوْضُوعَاتِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ مَا تَوَاتَرَ مِنْ فَضَائِلِ الشَّيْخَيْنِ

(1) ن، م، س: غَيْرُهُمَا

(2)

ن، م: فَضِيلَةِ

ص: 373

فَإِنَّهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا صَحَّ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ وَأَصَحُّ وَأَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ.

وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ صَحَّ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَمْ يَصِحَّ لِغَيْرِهِ، بَلْ أَحْمَدُ أَجَلٌّ مِنْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَذِبِ، بَلْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ لَهُ مَا لَمْ يُرْوَ لِغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ فِي نَقْلِ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ أَكْلَ الطَّيْرِ لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُنَاسِبُ أَنْ يَجِيءَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ، فَإِنَّ إِطْعَامَ الطَّعَامِ مَشْرُوعٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ وَقُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ لِهَذَا الْآكِلِ، وَلَا مَعُونَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ دِينٍ، وَلَا دُنْيَا فَأَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ هُنَا يُنَاسِبُ جَعْلَ أَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ يَفْعَلُهُ؟ !

الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُنَاقِضُ مَذْهَبَ (1) الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَعَلَهُ خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْرِفُ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ.

الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ، أَوْ مَا كَانَ يَعْرِفُ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْسِلَ يَطْلُبُهُ، كَمَا كَانَ يَطْلُبُ الْوَاحِدَ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِعَلِيٍّ، فَإِنَّهُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى الدُّعَاءِ وَالْإِبْهَامِ فِي ذَلِكَ؟ ! وَلَوْ سَمَّى عَلِيًّا لَاسْتَرَاحَ أَنَسٌ مِنَ الرَّجَاءِ الْبَاطِلِ، وَلَمْ يُغْلِقِ الْبَابَ فِي وَجْهِ عَلِيٍّ.

(1) م: مَذَاهِبَ

ص: 374

وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ بَطَلَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ كَوْنِهِ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ فِي لَفْظِهِ:" «أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ وَإِلَيَّ» " فَكَيْفَ لَا يَعْرِفُ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ؟ !

السَّادِسُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ فِي الصِّحَاحِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهَا، وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ تُنَاقِضُ هَذَا فَكَيْفَ تُعَارَضُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَكْذُوبِ الْمَوْضُوعِ الَّذِي لَمْ يُصَحِّحُوهُ؟ !

يُبَيِّنُ (1) هَذَا لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (2) ، وَمُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ فَضَائِلِ الْقَوْمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ:" «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» "، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَفِيضٌ، بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ (3) ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ الْخُلَّةُ هِيَ كَمَالُ الْحُبِّ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ (4) ، فَإِذَا كَانَتْ مُمْكِنَةً، وَلَمْ يَصْلُحْ لَهَا إِلَّا أَبُو بَكْرٍ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَمَّا سُئِلَ: " «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " عَائِشَةُ " قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ قَالَ: " أَبُوهَا» " (5) .

وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ: " أَنْتَ خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

(1) م: فَيُبَيِّنُ

(2)

م: لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ فِي الصَّحِيحِ لِلْبُخَارِيِّ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى

(4)

م: إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/303

ص: 375

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) يَقُولُهُ عُمَرُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مُنْكِرٌ.

وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّتُهُ تَابِعَةٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَحَبُّهُمْ إِلَى رَسُولِهِ.

وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَتْقَاهُمْ (وَأَكْرَمُهُمْ)(2) وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى (3) اللَّهِ تَعَالَى أَتْقَاهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَتْقَاهُمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 18 - 21) .

وَأَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ (4) يَقُولُونَ: إِنَّهُ أَبُو بَكْرٍ (5) .

وَنَحْنُ نُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِهِمْ بِالدَّلِيلِ فَنَقُولُ الْأَتْقَى قَدْ يَكُونُ نَوْعًا، وَقَدْ يَكُونُ شَخْصًا، وَإِذَا كَانَ نَوْعًا فَهُوَ يَجْمَعُ أَشْخَاصًا، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ لَيْسَ فِيهِمْ شَخْصٌ هُوَ أَتْقَى كَانَ هَذَا بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَتْقَى مِنْ بَعْضٍ، مَعَ أَنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَتْقَى الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: هُوَ عَلِيٌّ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هُوَ عُمَرُ، وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَمَنْ تَوَقَّفَ أَوْ شَكَّ لَمْ يَقُلْ:

(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/518

(2)

وَأَكْرَمُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(3)

م: إِلَى

(4)

ن: وَأَئِمَّةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ

(5)

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ: وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: حَتَّى إِنْ بَعْضَهُمْ حَكَى الْإِجْمَاعَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ

ص: 376

إِنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي التَّقْوَى، فَإِذَا قَالَ: إِنَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي الْفَضْلِ، فَقَدْ خَالَفَ إِجْمَاعَ الطَّوَائِفِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا (1) أَتْقَى.

وَإِنْ كَانَ الْأَتْقَى شَخْصًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ مَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَهُوَ (2) النَّوْعُ، وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، أَوْ مُعَيَّنًا (3) غَيْرُهُمَا، وَهَذَا الْقِسْمُ مُنْتَفٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَوْنُهُ عَلِيًّا بَاطِلٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ قَالَ:{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 18 - 21) .

وَهَذَا الْوَصْفُ مُنْتَفٍ فِي عَلِيٍّ لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَانَ عَلِيٌّ فَقِيرًا بِمَكَّةَ فِي عَيَّالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ (4) ، بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ضَمَّهُ إِلَى عِيَالِهِ لَمَّا أَصَابَتْ أَهْلَ مَكَّةَ سَنَةٌ.

الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 19) ، وَعَلِيٌّ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى، وَهُوَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ لَمَّا ضَمَّهُ إِلَى عِيَالِهِ بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ (5) عِنْدَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لَكِنْ كَانَ (6) لَهُ عِنْدَهُ نِعْمَةُ الدِّينِ، وَتِلْكَ لَا تُجْزَى، فَإِنَّ أَجْرَ النَّبِيِّ

(1) ن، س، ب: هُنَا

(2)

ب: فَهُوَ

(3)

ن، س: أَوْ مُعَيَّنٌ ; م: وَمُعَيَّنٌ

(4)

ن، م، س: عَلَيْهِ

(5)

لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(6)

كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

ص: 377

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عَلَى اللَّهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ يَجْزِيهِ، فَنِعْمَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ دِينِيَّةٌ لَا تُجْزَى، وَنِعْمَتُهُ عِنْدَ عَلِيٍّ دُنْيَوِيَّةٌ تُجْزَى، وَدِينِيَّةٌ.

وَهَذَا الْأَتْقَى لَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى، وَهَذَا الْوَصْفُ لِأَبِي بَكْرٍ ثَابِتٌ دُونَ عَلِيٍّ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ (1) أَنَّهُ أَنْفَقَ مَالَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا جَزَاءً لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ شَخْصًا أَعْطَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ أَجْرًا (2) ، وَأَعْطَى شَيْئًا آخَرَ لِوَجْهِ اللَّهِ، كَانَ هَذَا مِمَّا لَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى.

قِيلَ: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ عَلِيًّا لَوْ أَنْفَقَ لَمْ يُنْفِقْ إِلَّا فِيمَا يَأْمُرُهُ (3) بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيُّ لَهُ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى فَلَا يَخْلُصُ إِنْفَاقُهُ عَنِ الْمُجَازَاةِ، كَمَا يَخْلُصُ إِنْفَاقُ أَبِي بَكْرٍ.

وَعَلِيٌّ أَتْقَى مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ (4) أَبَا بَكْرٍ أَكْمَلُ فِي وَصْفِ التَّقْوَى، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ قَطُّ لِمَخْلُوقٍ نِعْمَةٌ تُجْزَى، وَهَذَا وَصَفُ مَنْ يُجَازِي النَّاسَ عَلَى إِحْسَانِهِمْ إِلَيْهِ فَلَا يَبْقَى لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ مِنَّةٌ، وَهَذَا الْوَصْفُ مُنْطَبِقٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ انْطِبَاقًا لَا يُسَاوِيهِ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُهَاجِرِينَ - عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمْ - رَجُلٌ (5) أَكْثَرُ إِحْسَانًا إِلَى النَّاسِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَهُ بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ كَانَ

(1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(2)

ن، س، ب: جَزَاءً

(3)

م، س، ب: يَأْمُرُ

(4)

س، ب: وَلَكِنَّ

(5)

رَجُلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

ص: 378

مُؤَلَّفًا مُحَبَّبًا يُعَاوِنُ النَّاسَ عَلَى مَصَالِحِهِمْ، كَمَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الدَّغِنَةِ سَيِّدُ الْقَارَّةِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ:" مِثْلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ وَلَا يَخْرُجُ، فَإِنَّكَ تَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبَ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ". (1)

وَفِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا قَالَ «لِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: " امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحَنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ» " (2) .

وَمَا عُرِفَ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا كَانَتْ لَهُ يَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الدُّنْيَا لَا قَبْلَ

(1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي: الْبُخَارِيِّ 5/58 (هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي ص [0 - 9] 8)(كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) . وَانْظُرِ الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/11 ـ 13. وَفِي تَعْلِيقِ الْمُحَقِّقِينَ: " وَاسْمِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، مَالِكٌ. وَقَدْ ضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِفَتْحِ الدَّالِّ وَكَسْرِ الْغَيْنِ وَفَتْحِ النُّونِ مُخَفَّفَةً، وَبِضَمِّ الدَّالِّ وَفَتْحِ النُّونِ مُشَدَّدَةً

(2)

الْحَدِيثُ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْبُخَارِيِّ: 3/193 ـ 198 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي ص 194 ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/323 ـ 326، 328 ـ 331. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 5/340:" قَوْلُهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ زَادَ ابْنُ عَائِذٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ـ وَهِيَ ـ أَيِ اللَّاتُ ـ طَاغِيَتُهُ الَّتِي يَعْبُدُ. أَيْ طَاغِيَةُ عُرْوَةَ وَقَوْلُهُ: امْصُصْ، بِأَلِفِ وَصْلٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ، بِصِيغَةِ الْأَمْرِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ: بِضَمِّ الصَّادِ الْأُولَى، وَخَطَّأَهَا، وَالْبَظْرُ: بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: قِطْعَةٌ تَبْقَى بَعْدَ الْخِتَانِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ. وَاللَّاتُ: اسْمُ أَحَدِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ وَثَقِيفٌ يَعْبُدُونَهَا، وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ الشَّتْمَ بِذَلِكَ، لَكِنْ بِلَفْظِ الْأُمِّ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ الْمُبَالَغَةَ فِي سَبِّ عُرْوَةَ بِإِقَامَةِ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَقَامَ أُمِّهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَغْضَبَهُ بِهِ مِنْ نِسْبَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْفِرَارِ، وَفِيهِ جَوَازُ النُّطْقِ بِمَا يُسْتَبْشَعُ مِنَ الْأَلْفَاظِ لِإِرَادَةِ زَجْرِ مَنْ بَدَا مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ "

ص: 379

الْإِسْلَامِ، وَلَا بَعْدَهُ فَهُوَ أَحَقُّ الصَّحَابَةِ:{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} فَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي الْآيَةِ.

وَأَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَفِي الْمُسْنَدِ لِأَحْمَدَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَانَ يَسْقُطُ السَّوْطُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ: نَاوِلْنِي إِيَّاهُ، وَيَقُولُ: إِنَّ خَلِيلِي أَمَرَنِي أَنْ لَا أَسَالَ النَّاسَ شَيْئًا (1) .

وَفِي الْمُسْنَدِ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ حَدِيثُ عُمَرَ، قَالَ عُمَرُ:" أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ (2) ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ، إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ "، فَقُلْتُ: مِثْلُهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ "، قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا "(3) .

فَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه جَاءَ بِمَالِهِ كُلِّهُ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ مِنْ أَحَدٍ لَا صَدَقَةً، وَلَا صِلَةً، وَلَا نَذْرًا، بَلْ كَانَ يَتَّجِرُ، وَيَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ (4) ، وَلَمَّا

(1) الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/180 ـ 181 (رَقْمُ 65) عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَانَ رُبَّمَا سَقَطَ الْخِطَامُ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: فَيَضْرِبُ بِذَارِعِ نَاقَتِهِ فَيُنِيخُهَا، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: أَفَلَا أَمَرْتَنَا نُنَاوِلُكَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا. قَالَ الْمُحَقِّقُ رحمه الله: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ ". وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا أَمْرٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، انْظُرْ: مُسْلِمًا 2/721 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ كَرَاهَةِ الْمَسْأَلَةِ لِلنَّاسِ) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/181

(2)

ن، م، س: وَوَافَقَ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/52

(4)

م: مَكْسَبِهِ

ص: 380

وَلِيَ النَّاسَ، وَاشْتَغَلَ عَنِ التِّجَارَةِ بِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ أَكَلَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ مَنْ مَالِ مَخْلُوقٍ.

وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا يَخُصُّهُ بِهِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَغَازِي كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا عَرَفَ أَنَّهُ (1) أَعْطَاهُ عِمَالَةً، وَقَدْ أَعْطَى (2) عُمَرَ عِمَالَةً، وَأَعْطَى (3) عَلِيًّا مِنَ الْفَيْءِ، وَكَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مِنَ الطُّلَقَاءِ، وَأَهْلِ نَجْدٍ، وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُعْطِيهِمْ، كَمَا فَعَلَ فِي غَنَائِمِ حُنَيْنٍ وَغَيْرِهَا، وَيَقُولُ:" «إِنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا، وَأَدَعُ رِجَالًا، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي (4) أُعْطِي. أُعْطِي رِجَالًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ رِجَالًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنِ الْغِنَى وَالْخَيْرِ» ". (5)

وَلَمَّا بَلَغَهُ عَنِ الْأَنْصَارِ كَلَامٌ سَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا ذَوُو الرَّأْيِ مِنَّا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأْلَّفُهُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ

(1) س، ب: وَمَا عَرَفَ لَهُ أَنَّهُ

(2)

: سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)

: سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

(4)

ن: مِنَ الَّذِينَ

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/64

ص: 381

اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، قَالَ:" فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى الْحَوْضِ " قَالُوا: سَنَصْبِرُ» " (1) .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 17 - 21) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى: لَا يَقْتَصِرُ فِي الْعَطَاءِ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ يَدٌ يُكَافِئُهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ لِلنَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَالْمُؤَاجَرَةِ.

وَهَذَا وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ (2) نِعْمَةٌ تُجْزَى لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ، فَيَكُونَ عَطَاؤُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ نِعْمَةٌ (3)(4) يَحْتَاجُ أَنْ يَجْزِيَهُ لَهَا (5) ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْطِيَهُ مُجَازَاةً (6) لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي مَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِذَا أَعْطَى مَالَهُ يَتَزَكَّى، (7) فَإِنَّهُ فِي مُعَامَلَتِهِ لِلنَّاسِ يُكَافِئُهُمْ دَائِمًا، وَيُعَاوِنُهُمْ، وَيُجَازِيهِمْ، فَحِينَ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالَهُ يَتَزَكَّى (8) لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى.

(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 4/94 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ. . .) ; مُسْلِمٌ 2/733 ـ 734 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. . .) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/165 ـ 166، 375

(2)

ن، م: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لِأَحَدٍ

(3)

ن، م، س: بِمَنْزِلَةٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(4)

سَاقِطٌ مِنْ (ب) .، فِي (م) :. . . يَجْزِيهِ بِهِ لَهَا

(5)

سَاقِطٌ مِنْ (ب) .، فِي (م) :. . . يَجْزِيهِ بِهِ لَهَا

(6)

م: مُكَافَأَةً

(7)

سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

(8)

سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

ص: 382

وَفِيهِ أَيْضًا مَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّفْضِيلَ بِالصَّدَقَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ مِنَ الْمُعَاوَضَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 219) ، وَمَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَفُرُوضٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ أَدَّاهَا، وَلَا يُقَدِّمُ الصَّدَقَةَ عَلَى قَضَاءِ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهَلْ (1) تُرَدُّ صَدَقَتُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِلْفُقَهَاءِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ تُرَدُّ (2) صَدَقَتُهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَثْنَى عَلَى مَنْ آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَهَا قَبْلَ أَنْ يُؤْتِيَ مَالَهُ يَتَزَكَّى، فَإِمَّا إِذَا آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى قَبْلَ أَنْ يَجْزِيَهَا لَمْ يَكُنْ مَمْدُوحًا فَيَكُونُ عَمَلُهُ مَرْدُودًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» "(3) .

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ» "(4) .

وَقَالَ: " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ» (5) ".

بِخِلَافِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ النَّبِيُّ

(1) س، ب: هَلْ

(2)

ب: بِرَدِّ

(3)

ن: مَرْدُودٌ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِلَفْظِ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ". انْظُرِ الْبُخَارِيَّ 3/69 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ النَّجَشِ) ، 3/184 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ) ، 9/107 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ أَوِ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ. . . .) ; مُسْلِمٌ 3/1343 ـ 1344 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ نَقْضِ الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ، وَرَدِّ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ) ; سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/280 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي لُزُومٍ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ

(4)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512

ص: 383

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ إِنْفَاقِ الْمَالِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اشْتَرَى سَبْعَةً مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى لَمْ (1) يَفْعَلْ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَهُ أَبُو طَالِبٍ الَّذِي أَعَانَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِأَجْلِ نَسَبِهِ وَقَرَابَتِهِ لَا لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَقَرُّبًا إِلَيْهِ.

وَإِنْ كَانَ " الْأَتْقَى " اسْمَ جِنْسٍ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ (2) أَتْقَى الْأُمَّةِ، وَالصَّحَابَةُ خَيْرُ الْقُرُونِ، فَأَتْقَاهَا أَتْقَى الْأُمَّةِ، وَأَتْقَى الْأُمَّةِ (إِمَّا)(3) أَبُو بَكْرٍ، وَإِمَّا عَلِيٌّ، وَإِمَّا غَيْرُهُمَا، وَالثَّالِثُ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلِيٌّ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ لَهُ مَالٌ آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى، فَيُقَالُ: أَبُو بَكْرٍ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ أَكْمَلَ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ هُوَ الْأَتْقَى.

وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ يُقَدِّمُ الصِّدِّيقَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ كَاسْتِخْلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ، وَمُصَاحَبَتِهِ وَحْدَهُ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ (4) ، وَمُخَاطَبَتِهِ، وَتَمْكِينِهِ (5) مِنِ الْخِطَابِ، وَالْحُكْمِ، وَالْإِفْتَاءِ بِحَضْرَتِهِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ (6) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي يَطُولُ وَصْفُهَا.

(1) س، ب: فَلَمْ

(2)

س، ب: فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ

(3)

إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)

(4)

س: فِي سَفَرِهِ الْهِجْرَةِ ; ب: فِي سَفَرِهِ لِلْهِجْرَةِ

(5)

ن، م، س: وَتَمَكُّنِهِ

(6)

وَرِضَاهُ بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَسَقَطَتْ " وَرِضَاهُ " مِنْ (س)

ص: 384