المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على المدينة مع قصر مدة الغيبة] - منهاج السنة النبوية - جـ ٧

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[البرهان الأول " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العاشر " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي عشر " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني عشر " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث عشر " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع عشر " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس عشر " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس عشر " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع عشر " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن عشر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع عشر " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان العشرون " وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والعشرون " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والعشرون " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والعشرون " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والعشرون " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والعشرون " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والعشرون " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والعشرون " لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. . . " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والعشرون " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثلاثون " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الحادي والثلاثون " وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثاني والثلاثون " يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثالث والثلاثون " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الرابع والثلاثون " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الخامس والثلاثون " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السادس والثلاثون " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان السابع والثلاثون " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الثامن والثلاثون " إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان التاسع والثلاثون " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه]

- ‌[فصل البرهان الأربعون " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه]

- ‌[المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[الأول لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌[الثاني حديث الغدير]

- ‌[الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى]

- ‌[الرابع أَنَّ النَبَّي صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ]

- ‌[الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي]

- ‌[السادس حديث الْمُؤَاخَاة]

- ‌[السابع حديث الراية]

- ‌[الثامن حديث الطائر]

- ‌[التاسع مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح]

- ‌[الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته]

- ‌[الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه]

- ‌[قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها]

- ‌[فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا]

- ‌[فصل الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ]

- ‌[توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها]

- ‌[طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ]

- ‌[المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله]

- ‌[الأول أنه كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه]

- ‌[قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم]

الفصل: ‌[الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على المدينة مع قصر مدة الغيبة]

شَيْءٍ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْمَعْقُولِ، وَالْمَنْقُولِ (1) .

[الرابع أَنَّ النَبَّي صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ]

فَصْلٌ.

قَالَ الرَّافِضِيُّ: (2) : " الرَّابِعُ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ (3) فَيَجِبُ أَنْ (4) يَكُونَ خَلِيفَةً لَهُ بَعْدَ (5) مَوْتِهِ، وَلَيْسَ غَيْرُ عَلِيٍّ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ (6) لَمْ يَعْزِلْهُ عَنِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ خَلِيفَةً (لَهُ) (7) بَعْدَ مَوْتِهِ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ خَلِيفَةً فِيهَا (8) كَانَ خَلِيفَةً فِي غَيْرِهَا إِجْمَاعًا ".

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ وَأَمْثَالَهَا مِنَ الْحُجَجِ الدَّاحِضَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ بَيْتِ (9) الْعَنْكَبُوتِ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ نَقُولَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إِنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا قَالَتِ الرَّافِضَةُ: بَلِ اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، قِيلَ: الرَّاوِنْدِيَّةُ مِنْ جِنْسِكُمْ قَالُوا: اسْتَخْلَفَ الْعَبَّاسَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِالْمَنْقُولَاتِ الثَّابِتَةِ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِنَّمَا تَدُلُّ

(1) س، ب: وَالْمَنْقُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(2)

فِي (ك) ص 169 (م) .

(3)

ن، م، س، ب: مَعَ قُصُورِ هَذِهِ الْغَيْبَةِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) .

(4)

ك: فَيَجِبُ لَهُ أَنْ.

(5)

ك: خَلِيفَتَهُ بَعْدَ.

(6)

ن، س، ب: وَأَنَّهُ.

(7)

لَهُ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) .

(8)

ك: فِي الْمَدِينَةِ.

(9)

بَيْتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، ب.

ص: 341

عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، وَلَا الْعَبَّاسِ، بَلْ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا فَلَا هَذَا، وَلَا هَذَا.

فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِخْلَافِ وَاجِبًا عَلَى الرَّسُولِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ قِسْتُمُ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْمَمَاتِ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ فِي الْمَغِيبِ، وَأَمَّا نَحْنُ إِذَا فَرَضْنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي اسْتِخْلَافِ عُمَرَ فِي حَيَاتِهِ، وَتَوَقُّفِهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ مَوْتِهِ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ فِي حَيَاتِهِ شَاهِدٌ عَلَى الْأُمَّةِ (1) مَأْمُورٌ بِسِيَاسَتِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ.

كَمَا قَالَ الْمَسِيحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 117) الْآيَةَ، لَمْ يَقُلْ: كَانَ خَلِيفَتِي الشَّهِيدَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " فَأَقُولُ كَمَا قَالَ

(1) م: عَلَى الْإِمَامَةِ.

ص: 342

الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 117)(1) .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144) .

فَالرَّسُولُ بِمَوْتِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ، وَهُوَ لَوِ اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، بَلْ كَانَ يُوَلِّي الرَّجُلَ وِلَايَةً، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ كَذِبَهُ فَيَعْزِلُهُ، كَمَا وَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُوَ لَوِ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، وَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ شَهِيدًا عَلَيْهِ، وَلَا مُكَلَّفًا بِرَدِّهِ عَمَّا يَفْعَلُهُ، بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ، فَإِنَّ كُلَّ وَلِيِّ أَمْرٍ - رَسُولًا كَانَ أَوْ إِمَامًا - عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيمَا غَابَ عَنْهُ مِنَ الْأُمُورِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِقَامَةِ الْأَمْرِ: إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِنَائِبِهِ. فَمَا شَهِدَهُ مِنَ الْأَمْرِ أَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا غَابَ عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إِقَامَتُهُ إِلَّا بِخَلِيفَةٍ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْهِ فَيُوَلِّي عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ مَنْ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمُ الْحُقُوقَ، وَيُقِيمُ فِيهِمْ (2)

(1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فِي الْبُخَارِيِّ 4/168 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ)، وَأَوَّلُهُ: تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا. .، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/55 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمَائِدَةِ) 6/97، (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/4 - 5 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) .

(2)

س، ب: عَلَيْهِمْ.

ص: 343

الْحُدُودَ، وَيَعْدِلُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَخْلِفُ فِي حَيَاتِهِ عَلَى كُلِّ مَا غَابَ عَنْهُ، فَيُوَلِّي (1) الْأُمَرَاءَ عَلَى السَّرَايَا يُصَلُّونَ بِهِمْ (2) ، وَيُجَاهِدُونَ بِهِمْ، وَيَسُوسُونَهُمْ، وَيُؤَمِّرُ أُمَرَاءَ عَلَى (3) الْأَمْصَارِ، كَمَا أَمَّرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَأَمَّرَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَمُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى عَلَى قُرَى عُرَيْنَةَ، وَعَلَى نَجْرَانَ، وَعَلَى الْيَمَنِ، وَكَمَا كَانَ يَسْتَعْمِلُ عُمَّالًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَيَقْبِضُونَهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُعْطُونَهَا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ، كَمَا اسْتَعْمَلَ غَيْرَ وَاحِدٍ.

وَكَانَ يَسْتَخْلِفُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، كَمَا قَالَ لِأُنَيْسٍ:" «يَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» "(4) فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.

وَكَانَ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْحَجِّ، كَمَا اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى إِقَامَةِ الْحَجِّ عَامَ تِسْعٍ بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ عَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ، وَذَلِكَ (5) بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ.

وَكَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فَإِنَّهُ كَانَ كُلَّمَا خَرَجَ فِي غَزَاةٍ

(1) : فَوَلَّى

(2)

: بِالصَّلَاةِ بِهِمْ

(3)

عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

(4)

لِحَدِيثٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 3/102 (كِتَابُ الْوِكَالَةِ، بَابُ الْوِكَالَةِ فِي الْحُدُودِ) ، 8/167 ـ 168 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا) 8/172 ـ 173 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ وَامْرَأَةَ غَيْرِهِ بِالزِّنَا. . .) ، 8/176 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ هَلْ يُأَمِّرُ الْإِمَامُ رَجُلًا. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/441، 443 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ)

(5)

ن، م، س: وَكَذَلِكَ

ص: 344

اسْتَخْلَفَ، وَلَمَّا حَجَّ وَاعْتَمَرَ اسْتَخْلَفَ فَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَبَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَغَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي غَزْوَةِ الْقَضَاءِ، وَحَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبًا عَلَى مُتَوَلِّي الْأَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ * مَوْتِهِ لِكَوْنِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ أَمْرًا ضَرُورِيًّا لَا يُؤَدَّى الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ * (1) الْمَوْتِ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الْأُمَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيُمْكِنُهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوا مَنْ يُؤَمِّرُونَهُ عَلَيْهِمْ، كَمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي كُلِّ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ - عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ وُجُوبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبٌ فِي أَصْنَافِ الْوِلَايَاتِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَخْلِفُ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُمْ (2) مَنْ يُقِيمُ فِيهِمُ الْوَاجِبَ، وَيَسْتَخْلِفُ فِي الْحَجِّ، وَفِي قَبْضِ الصَّدَقَاتِ، وَحِفْظِ مَالِ الْفَيْءِ، وَفِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَفِي الْغَزْوِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الِاسْتِخْلَافَ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ وَلَا يُمْكِنُ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَيَّنَ لِلْأُمَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْ يَتَوَلَّى كُلَّ أَمْرٍ جُزْئِيٍّ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَتَعْيِينُ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ وَاحِدًا فَقَدْ يَخْتَلِفُ حَالُهُ وَيَجِبُ عَزْلُهُ، فَقَدْ كَانَ يُوَلِّي فِي حَيَاتِهِ مَنْ يَشْكِي (3) إِلَيْهِ فَيَعْزِلُهُ، كَمَا عَزَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَعَزَلَ سَعْدَ (4) بْنَ عُبَادَةَ

(1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

(2)

ن، م: عَنْهُ

(3)

ن، س، ب: مَنْ يَشْتَكِي

(4)

م: سَعِيدَ، وَهُوَ خَطَأٌ

ص: 345

عَامَ الْفَتْحِ، وَوَلَّى ابْنَهُ قَيْسًا، وَعَزَلَ إِمَامًا كَانَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ لَمَّا بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَوَلَّى مَرَّةً (1) رَجُلًا فَلَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ، فَقَالَ:" «أَعَجِزْتُمْ إِذَا وَلَّيْتُ مَنْ لَا يَقُومُ بِأَمْرِي أَنْ تُوَلُّوا رَجُلًا يَقُومُ بِأَمْرِي» "(2) فَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ عَزْلَ مَنْ لَا يَقُومُ بِالْوَاجِبِ مِنْ وُلَاتِهِ، فَكَيْفَ لَا يُفَوِّضُ (3) إِلَيْهِمِ ابْتِدَاءَ تَوْلِيَةِ مَنْ يَقُومُ بِالْوَاجِبِ.

وَإِذَا (4) كَانَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ يُوَلِّيهِ، وَلَا يَقُومُ بِالْوَاجِبِ فَيَعْزِلُهُ، أَوْ يَأْمُرُ بِعَزْلِهِ، كَانَ لَوْ وَلَّى وَاحِدًا بَعْدَ مَوْتِهِ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ لَا يَقُومَ بِالْوَاجِبِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى عَزْلِهِ فَإِذَا وَلَّتْهُ الْأُمَّةُ وَعَزَلَتْهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْزِلُوا مَنْ وَلَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ بِهِ حِكْمَةُ تَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ، وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ فِي:

الْوَجْهِ الْخَامِسِ: إِنَّ تَرْكَ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِخْلَافِ (5) ، كَمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْتَارُ لَهُ إِلَّا أَفْضَلَ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ لَيْسَ

(1) م: أَمْرَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)

لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا بِمَعْنَاهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/56 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الطَّاعَةِ) وَنَصُّهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه. . قَالَ: " بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَسَلَّحَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ سَيْفًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: " أَعَجِزْتُمْ إِذَا بَعَثْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي، أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي؟ " وَالْحَدِيثُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 4/160

(3)

ن، س: فَكَيْفَ لَا يُفَوِّضُ، وَهُوَ خَطَأٌ

(4)

س، ب: وَإِنْ

(5)

ن، س، ب: بِالِاسْتِخْلَافِ، وَهُوَ خَطَأٌ

ص: 346

بِمَعْصُومٍ، وَكَانَ يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ نُوَّابِهِ أُمُورٌ مُنْكَرَةٌ فَيُنْكِرُهَا عَلَيْهِمْ، وَيَعْزِلُ مَنْ يَعْزِلُ مِنْهُمْ، كَمَا اسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى قِتَالِ بَنِي جُذَيْمَةَ فَقَتَلَهُمْ، فَوَدَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنِصْفِ دِيَّاتِهِمْ، وَأَرْسَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَضَمِنَ لَهُمْ حَتَّى مَيْلَغَةَ الْكَلْبِ (1) ، وَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ (2) إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ:" «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» ". (3)

وَاخْتَصَمَ خَالِدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ حَتَّى قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ (4) مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» "(5) ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يَعْزِلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدًا.

وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ عَلَى صَدَقَاتِ قَوْمٍ فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْقَوْمَ امْتَنَعُوا، وَحَارَبُوا فَأَرَادَ غَزْوَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6) .

وَوَلَّى سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدًا قَالَ:

الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمُ تُسْتَبَاحُ الْحُرْمَةُ عَزَلَهُ، وَوَلَّى ابْنَهُ قَيْسًا، وَأَرْسَلَ بِعِمَامَتِهِ عَلَامَةً عَلَى عَزْلِهِ لِيَعْلَمَ سَعْدٌ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَكَانَ يُشْتَكَى إِلَيْهِ بَعْضُ نُوَّابِهِ فَيَأْمُرُهُ بِمَا أَمَرَ (6) اللَّهُ بِهِ، كَمَا اشْتَكَى أَهْلُ

(1) م: حَتَّى يَبْلُغَهُ الْكِتَابُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)

س، ب: يَدَهُ

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/486 ـ 487

(4)

س، ب: لَمَا بَلَغَ

(5)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21

(6)

س، ب: بِمَا أَمَرَهُ

ص: 347

قُبَاءَ مُعَاذًا لِتَطْوِيلِهِ الصَّلَاةَ بِهِمْ، لَمَّا قَرَأَ الْبَقَرَةَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَقَالَ:" «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ اقْرَأْ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَنَحْوِهَا» "(1) .

وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي أَتَخَلَّفُ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ "(2) .

وَرَأَى إِمَامًا قَدْ بَصَقَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَعَزَلَهُ عَنِ الْإِمَامَةِ، وَقَالَ إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (3) .

(1) الْحَدِيثُ ـ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ ـ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 8/26 ـ 27 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا) وَأَوَّلَهُ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً. . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/339 ـ 340 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعَشَاءِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/292 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/76 ـ 77 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ خُرُوجِ الرَّجُلِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 3/124، 229، 300، 308، 369

(2)

الْحَدِيثُ ـ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 1/138 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَيُطَوِّلُ مَا شَاءَ) وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/341 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ أَمْرِ الْأَئِمَّةِ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ فِي التَّمَامِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/150 ـ 151 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/201، (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/502، 537، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَدِيثِ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَمَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي وَاقَدٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبِي مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ "

(3)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَهْلَةَ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/189 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي كَرَاهَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَغَ:" لَا يُصَلِّي لَكُمْ " فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ، فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" نَعَمْ " وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ)

ص: 348

وَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْ خُلَفَائِهِ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ (1) عَنْهُ.

فَكَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ يُعَلِّمُ خُلَفَاءَهُ مَا جَهِلُوا، وَيُقَوِّمُهُمْ إِذَا زَاغُوا، وَيَعْزِلُهُمْ إِذَا لَمْ يَسْتَقِيمُوا، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ ذَلِكَ مَعْصُومِينَ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَلِّيَ الْمَعْصُومَ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُمْكِنُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَحَدًا مَعْصُومًا غَيْرَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَلَوْ كُلِّفَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَعْصُومًا لَكُلِّفَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَفَاتَ مَقْصُودُ الْوِلَايَاتِ، وَفَسَدَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا.

وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ - بَلْ يَجِبُ - أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ فَلَوِ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ فِي حَيَاتِهِ لَاسْتَخْلَفَ (2) أَيْضًا غَيْرَ مَعْصُومٍ، وَكَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلِّمَهُ، وَيُقَوِّمَهُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي حَيَاتِهِ فَكَانَ أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَسْتَخْلِفَ (3) .

وَالْأُمَّةُ قَدْ بَلَغَهَا أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ، وَعَلِمُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَهُمْ يَسْتَخْلِفُونَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُعَاوِنُونَهُ عَلَى إِتْمَامِهِمِ الْقِيَامَ

(1) س، ب: سَأَلَهُ

(2)

: سَاقِطٌ مِنْ (م)

(3)

: سَاقِطٌ مِنْ (م)

ص: 349

بِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْوَاحِدُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِذَلِكَ، فَمَا فَاتَهُ مِنَ الْعِلْمِ بَيَّنَهُ لَهُ مَنْ يَعْلَمُهُ، وَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنَ الْقُدْرَةِ عَاوَنَهُ عَلَيْهِ مَنْ يُمْكِنُهُ الْإِعَانَةُ، وَمَا خَرَجَ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ أَعَادُوهُ إِلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِقَوْلِهِمْ وَعَمَلِهِمْ (1) ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ مَا حُمِّلُوهُ، كَمَا أَنَّهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلَ.

فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِخْلَافِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْمَوْتِ أَكْمَلُ فِي حَقِّ الرَّسُولِ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ، وَأَنَّ مَنْ قَاسَ وُجُوبَ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ الْمَمَاتِ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الْحَيَاةِ كَانَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ.

وَإِذَا عَلِمَ الرَّسُولُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْأُمَّةِ هُوَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ، كَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ فِي دَلَالَتِهِ لِلْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُوَلُّونَهُ مَا يُغْنِيهِ عَنِ اسْتِخْلَافِهِ لِتَكُونَ الْأُمَّةُ هِيَ الْقَائِمَةَ بِالْوَاجِبِ، وَيَكُونَ ثَوَابُهَا عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِ الرَّسُولِ.

وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مِثْلُ عُمَرَ، وَخَافَ أَنْ لَا يُوَلُّوهُ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ (2) لِشِدَّتِهِ، فَوَلَّاهُ هُوَ - كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمَصْلَحَةَ لِلْأُمَّةِ.

فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ يُوَلُّونَ أَبَا بَكْرٍ، فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ تَوْلِيَتِهِ، مَعَ دَلَالَتِهِ لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِالتَّوْلِيَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْأُمَّةَ يُوَلُّونَ عُمَرَ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ اللَّائِقَ بِهِ لِفَضْلِ عِلْمِهِ، وَمَا فَعَلَهُ صِدِّيقُ الْأَمَةِ هُوَ اللَّائِقُ بِهِ إِذْ لَمْ (3) يَعْلَمْ مَا عَلِمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(1) م: وَعِلْمِهِمْ

(2)

م: إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ

(3)

إِذَا لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .، فِي (م) : إِذَا لَمْ

ص: 350

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ " هَبْ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ وَاجِبٌ (1)، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ، وَدَلَّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ.

وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ لَمْ يَعْزِلْهُ عَنِ الْمَدِينَةِ ".

قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْعَزَلَ عَلِيٌّ بِنَفْسِ رُجُوعِهِ، كَمَا كَانَ غَيْرُهُ يَنْعَزِلُ إِذَا رَجَعَ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ بَعْدَ هَذَا إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى وَافَاهُ بِالْمَوْسِمِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ غَيْرَهُ.

أَفَتَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا مُقِيمًا وَعَلِيٌّ بِالْيَمَنِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ بِالْمَدِينَةِ؟ !

وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ كَلَامُ جَاهِلٍ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ عَلِيًّا مَا زَالَ خَلِيفَةً عَلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ (2) أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ تِسْعٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِنَبْذِ الْعُهُودِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ، كَمَا أَرْسَلَ مُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى.

، ثُمَّ لَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ عَلِيٍّ، وَوَافَاهُ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ، وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ بَدَنَةٍ نَحَرَ بِيَدِهِ ثُلُثَيْهَا، وَنَحَرَ عَلِيٌّ ثُلُثَهَا.

وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ

(1) م: وَجَبَ

(2)

س، ب: وَلَمْ يَعْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ عَلِيًّا

ص: 351

الْأَخْبَارُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنَايَةٌ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ.

وَالْخَلِيفَةُ لَا يَكُونُ خَلِيفَةً إِلَّا مَعَ مَغِيبِ الْمُسْتَخْلِفِ، أَوْ مَوْتِهِ (1) ، فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلِيفَةٌ فِيهَا، كَمَا أَنَّ سَائِرَ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ انْقَضَتْ خِلَافَتُهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ وُلَاةِ الْأُمُورِ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدُهُمْ عَلَى مِصْرِهِ فِي مَغِيبِهِ بَطَلَ اسْتِخْلَافُهُ ذَلِكَ إِذَا حَضَرَ الْمُسْتَخْلِفُ.

وَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْلِفُ أَحَدًا عَنْهُ، فَإِنَّهُ حَيٌّ قَيُّومٌ شَهِيدٌ (2) مُدَبِّرٌ لِعِبَادِهِ مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَوْتِ، وَالنَّوْمِ، وَالْغَيْبَةِ.

وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ. قَالَ: لَسْتُ خَلِيفَةَ اللَّهِ، بَلْ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَحَسْبِي ذَلِكَ (3) .

وَاللَّهُ تَعَالَى يُوصَفُ بِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْعَبْدَ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:" «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ» "(4)، وَقَالَ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ:" «وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» "(5) .

(1) س، ب: وَمَوْتِهِ

(2)

شَهِيدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)

ن، م، س: ذَاكَ

(4)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/508

(5)

هَذِهِ الْعِبَارَةُ جَاءَتْ ضِمْنَ حَدِيثِ الدَّجَّالِ الَّذِي رَوَاهُ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 4/2250 ـ 2251 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ) الْحَدِيثُ رَقْمُ 110 وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي ص 2251، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/166 (كِتَابُ الْمَلَاحِمِ، بَابُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/346 ـ 349 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1356 ـ 1359 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/181 ـ 182

ص: 352