المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسائل إخوان الصفا - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٢/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(23)«هُدى وَنورٌ»

- ‌المقدمة

- ‌خواطر

- ‌الحكمة العربية

- ‌التعاون في الإسلام

- ‌الرحلة والتعارف في الإسلام

- ‌الشعور السياسي في الإسلام

- ‌العاطفة والتسامح في الإسلام

- ‌الشورى في الإسلام

- ‌الدعوة الشاملة الخالدة

- ‌طرق الصوفية والإصلاح

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الإسلام والفلسفة

- ‌التراويح

- ‌رسائل إخوان الصَّفا

- ‌الجمعيات الإصلاحية

- ‌العرب والسياسة

- ‌لهجة بلاد الجزائر

- ‌إلى كل مسلم يحب العمل في سبيل الله

- ‌تعقيب على حديث

- ‌مناظرة البطريرك الماروني

- ‌طريق الشباب

- ‌الحكمة وأثرها في النفوس

- ‌العمل للكمال

- ‌أسباب سقوط الأندلس

- ‌الجزائر واستبداد فرنسا

- ‌مكانة الأزهر وأثره في حفظ الدين ورقي الشرق

- ‌من لم ير مصر، لم ير عزّ الإسلام

- ‌تكريم جمعية الهداية الإسلامية لرجل من عظماء الإسلام

- ‌تأسيس جمعية الشبان المسلمين

- ‌الشعر - حقيقته - وسائل البراعة فيه الارتياح له - تحلي العلماء به - التجديد فيه

- ‌قوة التخيل وأثرها في العلم والشعر والصناعة والتربية

- ‌البراعة في الشعر مظاهرها - مهيئاتها - آثارها

- ‌كتّاب الأدب التونسي في القرن الرابع عشر

- ‌رثاء عمر بن الشيخ

الفصل: ‌رسائل إخوان الصفا

‌رسائل إخوان الصَّفا

(1)

سأل سائل فقال: لعلكم اطلعتم على رسائل إخوان الصفاء، وعرفتم وجهتها، فما رأيكم فيها؟

فأجبت: بأني اطلعت على هذه الرسائل، وقرأت شيئاً مما كتب حولها، فتجمع عندي ما يأتي:

في المئة الرابعة من الهجرة ظهر كتاب يسمّى: "رسائل إخوان الصفاء"، ولم يكتب مؤلفه اسمه عليه، فاختلف الناس في مؤلفه، فالإسماعيلية من الشيعة ينسبونه إلى أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل، من عقب الإمام جعفر. وأبو حيان التوحيدي، ينسبها في كتابه "الإمتاع والمؤانسة" إلى زيد بن رفاعة وصحبه؛ حيث مسألة وزير (2) صمصامِ الدولة بن عضد الدولة البويهي في حدود سنة 373 هـ عن زيد بن رفاعة، فقال: قلت: إن زيداً أقام بالبصرة زمناً طويلاً، وصادف جماعة، منهم: أبو سليمان محمد بن نصر البستي، ويعرف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المهرجاني، وغيرهم، فوضعوا بينهم مذهباً زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله،

(1) مجلة "لواء الإسلام" -العدد السابع من السنة الثامنة- الصادر في شهر ربيع الأول سنة 1374 هـ الموافق شهر نوفمبر تشرين الثاني سنة 1954 م - القاهرة.

(2)

الوزير هو الحسين بن سعدان.

ص: 73

وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية، فقد حصل الكمال. ووضعوا اثنتين وخمسين رسالة، وسموها:"رسائل إخوان الصفاء"، وبثوها في الوراقين.

ولا عجب أن يقوم جماعة في البصرة بمزج الشريعة بالفلسف؛ فقد كانت البصرة لذلك العهد مظهر الآراء البعيدة، أو الخارجة عن الشريعة؛ كالاعتزال، والباطنية، كما أنها مظهر الآراء السليمة، فكان هناك المعترك بين الحقائق والمكايد.

وصف أبو حيان التوحيدي في حديثه هذا زيدَ بن رفاعة بالذكاء. والذكاء منه ما يتجه إلى الخير، فيأتي بثمر طيب، ومنه ما يتجه إلى الكيد والمكر، فيكون عدمه خيراً من الاتصاف به.

وقال أبو حيان التوحيدي: "إن هؤلاء الجماعة اجتمعوا على القدس والطهارة". ولما قرأنا الرسائل، وجدناهم اجتمعوا على أن يسلكوا بالمسلمين طريقة لا يستقيمون بها، ولا يسعدون. والفلسفة مطروحة بين أيدي المسلمين قبل أن يوجد هؤلاء الجماعة، فيستحسنون ما كان منها صواباً؛ كالهندسة، والحساب، والمنطق، والطب، وأحكام النجوم المعروفة بالتجارب، ويرفضون ما كان خطأً، كبعض النظريات الإِلهية، والاجتماعية، وفيما وراء الطبيعة.

وحكى أبو حيان في حديثه: أن مؤلفي "رسائل إخوان الصفاء" قالوا: "إن الشريعة قد في نست بالجهالة، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة".

والواقع أن الشريعة كما أنزلت، ليلها كنهارها، وإذا اختلف الأئمة المجتهدون في بعض الأحكام، فلأدلة من الكتاب، أو السنّة، أو الأصول

ص: 74

المستمدة منهما، فما يكون أرجح من جهة الدليل، فذلك حكم الشارع. وإذا أراد: الأقوال التي تصدر من غير المجتهد، فتلك الأقوال لا تعد في الشريعة، حتى يقال: دنست بالجهالة، واختلطت بالضلالات.

ولو كانت الأقوال الخارجة عن الشريعة إذا ذكرت في كتبها تعد جهالة مدنسة للشريعة، وضلالات مختلطة بها، لوجب علينا أن نطهر جانب الشريعة من كتاب "إخوان الصفاء"؛ لأنه جهالة وضلالات، من حيث يريد مزجها بالفلسفة وإخراجهما مذهباً واحداً.

وينسب آخرون هذه الرسائل إلى مسلمة بن أحمد بن قاسم المجريطي.

قال صاحب "تاج العروس شرح القاموس" في مادة مرجطة: والصواب المشهور عنها: "مجريطة" -بتقديم الجيم على الراء وكسر الميم-، ومن هذا البلد الفيلسوف الماهر المجريطي مؤلف "إخوان الصفاء" وغيرها، واسمه أبو القاسم مسلمة بن أحمد بن القاسم بن عبد الله، وتوفي سنة 335 هـ.

وفي "كشف الظنون": "رسائل إخوان الصفاء أملاها أبو سليمان محمد ابن نصر البستي المعروف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد الشهرجوري، والعوفي، وزيد بن رفاعة، كلهم حكماء، اجتمعوا وصنفوا إحدى وخمسين رسالة

ثم قال: رسائل الصفاء للحكيم المجريطي القرطبي المتوفى سنة 395 هـ، وهذه نسخة مغايرة على نمط رسائل إخوان الصفاء".

ومن لا يريد تخطئة صاحب "كشف الظنون" يقول: الحكيم المجريطي لما بلغته "رسائل إخوان الصفاء"، ومؤرخو الأندلس عرّفوا بمسلمة المجريطي، ولم يذكروا أن من مؤلفاته ما يسمى:"رسائل إخوان الصفاء"، وما ذكروا

ص: 75

أنه رحل إلى المشرق، ورحلة العالم إلى المشرق لا تخفى على المؤرخين. وعرف القفطي من تاريخ الحكماء بأبي الحكم عمر الكرماني من أهل قرطبة، وقال: إنه رحل إلى المشرق، وهو أول من جلب "رسائل إخوان الصفاء" إلى الأندلس، ولم يعلم أن أحداً أدخل الرسائل قبله. وعمر الكرماني توفي سنة 458 هـ.

وقال مؤلفون: اثنتين وخمسين رسالة. ويعد أن عدوها، وذكروا موضوع كل رسالة، قالوا: "والرسالة الجامعة لما في هذه الرسائل المتقدمة كلها، المشتملة على حقائقها

"، وطبعت هذه الرسائل، ولم تطبع الرسالة الجامعة معها. والدليل على أن مؤلفها هو من ألف هذه الرسائل: قولهم عندما تكلموا على إدريس عليه السلام: "وقد ذكرناه في رسالتنا الجامعة، وأشرنا إليه في رسائلنا". وطبعت الرسالة الجامعة في المجمع العلمي العربي بدمشق منسوبة إلى الحكيم المجريطي. ولم تثبت نسبتها إلى المجريطي تاريخيًا، وإنما كتب على بعض النسخ المخطوطة اسم الحكيم المجريطي. ثم إن الرسالة الجامعة مؤلفة على نمط "رسائل إخوان الصفاء"، ومكتوبة بلسانهم، فأسلوبها يدل على أن من ألف رسائل إخوان الصفاء هو نفسُه الذي ألف الرسالة الجامعة.

ولا يهمنا كثيراً في هذا المقال تحقيق نسبة هذه الرسائل إلى مؤلفيها، وإنما يهمنا الغرض الذي صنعت من أجله، وما اشتملت عليه، أحق هو أم باطل؟.

قال أبو سليمان المنطقي -فيما حكاه أبو حيان التوحيدي في حديثه مع الوزير ابن سعدان- عن رسائل الصفاء: " قد تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجدوا،

ص: 76

وحاموا وما وردوا، وغَنَّوا وما أطربوا، ونسجوا فهلهلوا

وظنوا أنه يمكنهم أن يدسوا الفلسفة في الشريعة، وقد تورك على هذا قبل هؤلاء قوم كانوا أحدَّ أنيابًا، وأحضر أسباباً، وأعلى أقدارًا، وأرفع أخطاراً، وأوسع قوى، وأوثق عرا، فلم يتم لهم ما أرادوا، ولا بلغوا منه ما أملوا، وحصلوا على لوثات قبيحة، ولطخات واضحة موحشة، وعواقب مخزية".

وقال أبو حيان التوحيدي في وصف هذه الرسائل: "وهي مبثوثة من كل فن بلا إشباع ولا كفاية، وفيها خرافات وكنايات، وتلفيقات وتلزيقات".

وقال الإِمام الغزالي في كتاب "المنقذ من الضلال": "ولو تطرقنا إلى أن نهجر كل حق سبقنا له خاطر مبطل، للزمنا أن نهجر كثيراً من الحق، ولزمنا أن نهجر آيات من آيات القرآن، وحكايات السلف، وكلام الحكماء الصوفية، لأن صاحب كتاب "إخوان الصفا" يوردها في كتابه، ويستشهد بها، ويستدرج بها قلوب الحمقى إلى باطله".

وقال: "من نظر في كتبهم -يعني: أهل الباطل-؛ كإخوان الصفاء وغيرهم، فرأى ما مزجوه في كلامهم من الحكم النبوية، والكلمات الصوفية، ربما استحسنها، وقبلها، وحسن اعتقاده فيها، فسارع إلى قبول باطلها؛ لحسن ظن حصل فيما رآه واستحسنه، وذلك نوع استدراج".

ومما يدل على أن هذه الرسائل كانت معروفة لذلك العهد بإفساد العقيدة: ما حكاه ابن تيمية في "شرح العقيدة الأصفهانية" من أن الإمام المازري أنكر على الإِمام الغزالي لما بلغه أنه عاكف على قراءة "رسائل إخوان الصفاء".

وتبين أن الإِمام الغزالي كان عاكفاً على قراءة الرسائل؛ ليعلم ما فيها

ص: 77

من باطل؛ حتى يحذر المسلمين من الانخداع بها.

وعدّهم الشيخ ابن تيمية من الفرق الضالة، فقال في "العقيدة الأصفهانية": ولهؤلاء القرامطة صنعت "رسائل إخوان الصفاء"، وهم الذي يقال لهم: الإِسماعيلية.

وقال في "بغية المرتاد": وكذلك سلك الإِسماعيلية الباطنية في رسائلهم الملقبة برسائل إخوان الصفاء.

ويدلك على أن مؤلفيها من الشيعة الباطنية: كثرة تملقهم لقارئ رسائلهم بمدحه، والدعاء له، وتظاهرهم بشدة الخضوع لله، والتقوى، ويدمجون في أثناء ذلك الاستشهاد بالآيات على ما يشاؤون، ويحرفونها تارة عن مواضعها؛ كتأويلهم في الجزء الأول من "الرسالة الجامعة" لقوله تعالى:{فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]، يعني: عذاب الشك في الدين. فأظهروا بهذا التأويل أنهم على اعتقاد في الدين متين، ولم ينظروا إلى ما يقتضيه لفظ القرآن من أن المراد من عذاب النار: عذاب الحريق. ولهذه التأويلات لهم لم تَرُج بضاعتهم عند من يؤمن بأن القرآن من عند الله العزيز الحكيم.

ص: 78