المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجزائر واستبداد فرنسا - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٢/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(23)«هُدى وَنورٌ»

- ‌المقدمة

- ‌خواطر

- ‌الحكمة العربية

- ‌التعاون في الإسلام

- ‌الرحلة والتعارف في الإسلام

- ‌الشعور السياسي في الإسلام

- ‌العاطفة والتسامح في الإسلام

- ‌الشورى في الإسلام

- ‌الدعوة الشاملة الخالدة

- ‌طرق الصوفية والإصلاح

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الإسلام والفلسفة

- ‌التراويح

- ‌رسائل إخوان الصَّفا

- ‌الجمعيات الإصلاحية

- ‌العرب والسياسة

- ‌لهجة بلاد الجزائر

- ‌إلى كل مسلم يحب العمل في سبيل الله

- ‌تعقيب على حديث

- ‌مناظرة البطريرك الماروني

- ‌طريق الشباب

- ‌الحكمة وأثرها في النفوس

- ‌العمل للكمال

- ‌أسباب سقوط الأندلس

- ‌الجزائر واستبداد فرنسا

- ‌مكانة الأزهر وأثره في حفظ الدين ورقي الشرق

- ‌من لم ير مصر، لم ير عزّ الإسلام

- ‌تكريم جمعية الهداية الإسلامية لرجل من عظماء الإسلام

- ‌تأسيس جمعية الشبان المسلمين

- ‌الشعر - حقيقته - وسائل البراعة فيه الارتياح له - تحلي العلماء به - التجديد فيه

- ‌قوة التخيل وأثرها في العلم والشعر والصناعة والتربية

- ‌البراعة في الشعر مظاهرها - مهيئاتها - آثارها

- ‌كتّاب الأدب التونسي في القرن الرابع عشر

- ‌رثاء عمر بن الشيخ

الفصل: ‌الجزائر واستبداد فرنسا

‌الجزائر واستبداد فرنسا

(1)

الجزائر مملكة في أفريقيا الشمالية، وموضعها بين تونس والغرب الأقصى (مراكش)، تارة تكون تابعة للمغرب الأقصى، ومرة تستقل بنفسها، وهي ثلاث ولايات: ولاية العاصمة، وولاية وهران، وولاية قسنطينة، وأرضها واسعة المناكب، ويعد سكانها الآن بتسعة ملايين.

وفيها ضريح الفاتح الأعظم عقبةَ بن نافع؛ فإنه دفن في الموضع الذي اغتاله فيه البربر عند رجوعه من المغرب الأقصى بعد فتحه كله، وفيها من الحفّاظ: علي بن جبارة أبو القاسم الهذلي، ومن كبار العلماء: أبناء الإمام، وهم: أبو زيد، وأبو موسى التلمساني، وابن مرزوق، والشيخ عبد الرحمن الثعالبي، والشيخ المقري جه، صاحب "نفح الطيب"، وغيرهم من علماء دولة بني حماد، وعلماء دولة بني زياد، ومن أدبائها الكبار: محمد بن خميس التلمساني، الذي بهر الشيخ ابن دقيق العيد بإحدى قصائده، وصار يقرؤها مرة بعد أخرى، وله ديوان ألّفه القاضي أبو عبد الله الحفدني، وسماه:"الدر النفيس في شعر ابن خميس".

(1) مجلة "لواء الإسلام" - العدد السادس من السنة الحادية عشرة الصادر في شهر صفر 1377 هـ الموافق شهر أغسطس آب 1957 م - القاهرة.

ص: 115

وأرسلت فرنسا أسطولاً إلى عاصمة الجزائر، واستولت عليها سنة 1246 هـ، وآل حسين باشا حاكمها إلى الإسكندرية، وتوفي هناك.

وقد أعد سلطان المغرب الأقصى مولاي عبد الرحمن بن هشام جيشاً لجهاد فرنسا، والدفاع عن الجزائر، ولكن الجيوش التي أرسلها لم تستقم على أمره كما قال صاحب "تاريخ الاستقصاء"، فاضطر السلطان إلى مهادنة فرنسا.

وأقام الوطنيون بالجزائر في وجه فرنسا عدة محاربات، وأشهرها محاربة الأمير عبد القادر بن محيي الدين الحسني، فقد استمر على محاربتها نحو خمس عشرة سنة، وانتصر في مواقع كثيرة، ولكن فرنسا تغلبت بجندها وسلاحها على هذه المحاربات، واستولت على ولايات الجزائر الثلاث: العاصمة، ووهران، وقسنطينة.

واختار الأمير عبد القادر -حسب المعاهدة التي وقعت بينه وبين فرنسا- السكن بدمشق، واستقر بها إلى أن توفي، ودفن في ضريح الشيخ محصي الدين ابن عربي.

وأخبرني من أثق بروايته: أن قنصل فرنسا طلب من ملك تونسى أن يكتب إلى سلطان المغرب كتاباً يحذره فيه من الانضمام إلى الأمير عبد القادر، ولا أدري هل كتب ملك تونس بذلك إلى سلطان مراكش، أم لا؟ وإذا كتب ملك تونس إلى مولاي عبد الرحمن بن هشام، فإن السلطان عبد الرحمن ابن هشام لا يترك محاربة فرنسا إلا لضرر يحصل بالمغرب الأقصى؛ كما قال صاحب "الاستقصاء".

وسبب حرب الزعاطشة التي رأينا أثره: أن الحاكم الفرنساوي أهان

ص: 116

رئيس القبيلة بعبارات سيئة أدت إلى أن هاجت الحرب مدة بين فرنسا وقبيلة الزعاطشة، ولما تغلبت فرنسا، دخل الحاكم الفرنسي إلى غرفة الشيخ، وضربه بسلاح على عنقه، فقتله.

وقد دخلتُ بلدة الزعاطشة، ووجدت ديارهم خاوية على عروشها، ومنعت فرنسا من بنائها. ولم تسمح للجزائر بحكومة وطنية، والحاكم العام في الجزائر هو الوالي العام الفرنساوي، ويقيم بالعاصمة، وكان الفرنسي يعتبر في الجزائر كملك، والوطني في منزلة دونها بمراحل.

وقلبت بعض المساجد كنائسَ وثكناتٍ لعساكرها، ورأيت بعيني مسجد أحمد باي في قسنطينة جعل كنيسة، ورأيت بعيني أيضاً مسجداً بعنابة جعل ثكنة لعسكرها، وألحقت الأوقافَ كلَّها بأموال الدولة. وقررت فرنسا سنة 1848 م أن الجزائر أرض فرنسية.

وقال بعض الفرنسيين: كما صارت أرض الجزائر قطعة من أرض فرنسا يصير الجزائريون فرنسيين، فقال بعض من فيه شيء من الإِنصاف من الفرنسيين: احرصوا أنتم على ألا تكونوا كمسلمي الجزائر، وأما أن يكون الجزائريون كالفرنسيين ديانة، فمستحيل أن يكون.

وألزمت فرنسا مسلمي الجزائر بالخدمة العسكرية، كما ألزمتهم أن يعترفوا بأنهم يقومون بالخدمة العسكرية تطوعاً، وهذا من أسباب مهاجرة عائلات كثيرة من الجزائر إلى الشرق الشامي وغيره.

وكانت الزوايا -أي: الطرق الصوفية- تنشر التعليم الديني؛ من تفسير، وحديث، وفقه، وتوحيد، والعلوم العربية، وقد رأت فرنسا أنها لا تؤلف الجزائريين إلا إذا فتحت لهم محاكم شرعية، فأنشأت المدرسة الثعالبية

ص: 117

بقصد تعليم القضاء في الأحوال الشخصية، ولكن استئناف الحكم يكون لمحكمة فرنسية.

ولما أخذت فرنسا الجزائر من يد الأتراك، ألزمت بعض الأشخاص بكتابة خطابات يمدحون فيها سياسة فرنسا، ويذمون سياسة الأتراك، وطبعته فرنسا، وسمته:"شواهد الإِخلاص".

واطلعتُ في بعض رحلاتي إلى الجزائر على خطاب نسبته فرنسا إلى الأمير عبد القادر يأمر فيه بمسالمة فرنسا، ويمدح سياستها، ولعل هذا الكتاب مزوّر على الأمير.

ويسيء فرنسا جداً أن يتصل الجزائريون بالتونسيين، ولما جئت من الشرق سنة 1330 هـ، وجدت كتاباً أرسلته الحكومة الفرنسية إلى العمال في تونس تقول فيه: إن جماعة يسعون لاتصال الجزائريين بالتونسيين، فأخبرونا بأسمائهم.

وأهل الجزائر بقُوا محافظين على عقيدتهم السليمة، وأخلاقهم الرضية، كنت زرت العاصمة في رمضان سنة 1318 هـ، فوجدتهم يقرؤون في المساجد كتب التوحيد عقب صلاة التراويح، وقد حضرت بعض هذه الدروس؛ كدرس الشيخ سعيد الزواوي مفتي العاصمة، ودرس الشيخ عبد الحليم بن سماية، ودرس الشيخ عبد القادر المغربي الذي تخرج من درسه بقسنطينة كثير من القضاة الشرعيين.

وفي الجزائر نهضة جديدة، فقد عرفوا أن شيخ الطريقة الصوفية إنما يكون مستقيماً إذا اقتدى بسيرة السلف الصالح، فإذا خرج عنها، فقد خرج عن الطريقة التي هدى إليها الإسلام، ووجد في الجزائر مدارس أنشئت لتحفيظ

ص: 118

القرآن الكريم، وما يتبعه من آداب ورياضيات. ووجد فيها معهدان على نسق جامع الزيتونة في تونس: أحدهما معهد أنشأه أبناء سيدي الحسين في قسنطينة، والفضل فيهما لمن أسسهما، لا إلى الحكومة. ومن نهضة الجزائر الجديدة مطالبتها لفرنسا بحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى حد المحاربة على ذلك.

والجزائريون لهم مجد قديم شامخ، فقد عرفت أنه تخرج فيها كبار العلماء والمؤلفين والأدباء والملوك، وكل ما تفتخر به الأمم، فلا يرضون أن يتصرف أجنبي كفرنسا في شأنهم، وقد عرفوا أن غيرهم من الأمم وصلوا إلى حقوقهم، واستقلوا بشأنهم، والحروب هي التي يتبين بها رفيع الهمة من سافلها، وناهض العزيمة من خاملها.

ص: 119