الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خواطر
(1)
- إن أكبر عقلك، فأصبح يعلّمك ما لم تعلم، واتسع خيالك، فبات يلقي عليك من الصور البديعة ما يلذه ذوقك، فأنت ما بين أستاذ يمحض نصيحته، ونديم لا تمل صحبته.
- يعلمك الأستاذ كيف تغوص في عميق البحار، ويريك نموذجاً من الدرّ يتميز بينه وبين الأحجار، وهمتك تخلد بك إلى الإِملاق، أو تجعلك المجلّي في حلبة السباق.
- سمَّيت الاستخفاف بالشرع حرية، فقلت: برع في فن المجاز، وتهكم بمن أصبح عبداً للهوى، وسمّيت النفاق كياسة، فقلت: خان الفضيلة في اسمها، أو خانه النظر في فهمها.
- تنظر النفس في سيرة الرجل العظيم كما تنظر العين في الزجاجة النقية، فتدرك مساويها، أفلا تصنع بمآثرك الحميدة مرآة يبصر بها الناشئ بعدك صورته الروحية فيصلحها؟
- سرتَ والنور أمامك، فانطلق ظلك على أثرك، ثم وليته قَفاك، فكان
(1) نشُرت الخواطر على حلقتين في مجلة "البدر" الصادرة باسم: "العرب" الجزء الرابع من المجلد الثالث في شهر ربيع الثاني 1342 هـ والجزء السابع من المجلد الثالث الصادر في شهر رجب 1343 هـ - تونس.
الظل يسعى وأنت على أثره، وهكذا العقل، يتقبل الحقيقة، فيتبعه الخيال، فإذا أدبر عنها، انقلب الخيال إلى الإمام، وقاده في شُعب الباطل بغير لجام.
- تبسط لسانك بالنكير على من يقلد في الدين، ولولا أنك تتلقى قول الفيلسوف على غير هدى، لقلت: هذه باكورة الاجتهاد قد أينعت.
- هذه الدنيا كالعدسة الزجاجية في الآلة المصورة، تضع الرأس بموطئ القدم، وترفع القدم إلى مكان الرأس، فزنوا الرجل بمآثره، لا بما يبدو لكم من مظاهره.
- يبسط الشجر ظله للمقيل، ويقف بعد موته بقناديل الكهرباء على سواء السبيل، أفأنت تجير من البؤس، وهو أحر من الرمضاء، وتوقد سراج حكمة يهدي بعد موتك إلى المحجة البيضاء؟.
- يصنع الصائغ الحلي، وتضع ما تتجمل به النفوس في محافل العلى، فإن ظلت تتهافت على صانع الخواتم والسلاسل، فاعلم أنها ما برحت لاهية عن هذه المحافل.
- حسبتَ العلم ضلالاً، فناديت إلى الجهل، وآخر يزعم التقوى بلهاً، فكان داعية الفجور. ولولا ما تلقيانه في سبيلنا من هذه الأرجاس، لكنا خير أمة أخرجت للناس.
- ربما كان صاح الأسنّة أرقَّ عاطفة من الطبيب، والسفيهُ أحفظَ للحكم البالغة من الأديب، ولكني أطلب نفس الرجل حثيثاً، وأناجيها، فلا تكتمني حديثاً.
- كان هذا الغصن رطيباً، وعيش البلبل به خصيباً، ولكنه سحب عليه ذيل الخيلاء، فأصبح يتقلب في ذلك البلاء، ويرتجف كما ترتجف اليد الشلّاء.
- كل جوهرة من عقد حياة محمد عليه السلام معجزة؛ فإن أساليب دعوته، ومظاهر حكمته لا يربطها بحال الأمية إلا قدرة تتصرف في الكائنات بحكمة أبلغَ مما تستدعيه طبائعها.
- العفاف نور تستمده النفس من مطلع العقل، فإن ضرب عليها الهوى بخيمته السوداء، خسفت كما يخسف القمر إذا حجزت الأرض بينه وبين الشمس.
- ينزوي البحر، فتضع السفينة صدرها على التراب، وينبسط، فتمر على الماء مرَّ السحاب، والعقل يظل في موقعه من النفس طريحاً، فإن فاضت عليه الحكمة، سار في سبيل النظر عَنَقاً فَسيحاً.
- إن تخبطك السَّفَه، أهانوك، وإن قعد بك البَلَه، أعانوك؛ لأنك تستطيع أن تكون تقياً، وليس في يدك أن تكون أَلمعِيّاً.
- تتجلى فضيلتك، فتنسج في هذه النفس عاطفة أرقَّ من النسيم، وتوقد في أخرى حسداً أحر من الجحيم، وكذلك المزن ينسكب على أرض، فتبتسم بثغر الأُقحوان، وينزل على أخرى، فتقطب بجبهة من حَسَك السَّعدان.
- جنيتُ وردة لأخلصها من الشوك الذي يساورها من كل جانب، فما لبثتْ أن طَفِئت بهجتُها، وسكنت أنفاسها، فعلمت أن النفوس الزاكية لا تتخلص من النوائب إلا يوم تموت.
- الشر نار كامنة في قلوب تحملها صدور المستبدين، فإن قدحتَها بنقد سياستهم، كنتَ لها قوتاً، إلا أن تكون بإخلاصك وحكمتك البالغة ياقوتاً.
- إذا قلت في السياسة ما لا تفعل، أو همت في واد لا تعرِّج فيه على
حقيقة، فانفض ثوبك من غبارها، فإنه ليس من الغبار الذي يصيبك في سبيل الله.
- إنما يقطف الفيلسوف من المنافع ما تتفتق عنه أكمام الحقيقة، ولا يعرِّج السياسي بنظره على الحقائق إلا إذا أطلَّت عليه المنفعةُ من ورائها.
- لا تجادل المعاند قبل أن يأخذ الاستهزاءُ به في نفسك مكان الغضب عليه، فالغضب دخان يتجهم به وجه الحجة المستنيرة، وابتسام التهكم برقُه يخطف البصر قبل أن تقع صاعقة البرهان على البصيرة.
- لا يمنعك من وضع المقال على محك النظر، أن تتلقاه ممن هو أصفى منك ذهناً، أو أرجح وزناً، فإن الورق لا يقبل ما يرتسم في الزجاجة من الصور إلا بعد إصلاح خطئها، وإعادته الألوان إلى مبدئها.
- أرى موقع الليل من هذه البسيطة لا يفوت مقدار نهارها، فرجوت أن لا يكون الباطل أوسع مجالاً من الحقيقة، ولكن الشمس ترمز بكسوفها، إلى أن أخطأتُ في القياس، وبنيتُ رجائي على غير أساس.
- العالم بستان، تجوَّل فيه الفيلسوف فقال: كيف نشأت هذه الأزهار والثمار؟ ولماذا اختلفت في النعوت والآثار؟ وطاف فيه السياسي فقال: متى يقطف هذا الثمر؟ وتؤتي تلك الشجرة أكلها؟
- سكبت ماء حاراً في زجاجة، فتأثر أحد شطريها بالحرارة، واستمر الآخر على طبيعة البرودة، فتصدع جدارها. وكذلك النفوس الناشئة على طبائع مختلفة لا يمكن التئامها.
- كان لسان الدين بن الخطيب جنة أدب تجري تحتها أنهار المعارف، فآتت أُكلها ضعفين، ولكن تنفست عليه السياسة ببخار سام، فخنقته، وشبت
نار الحسد في القلوب القاسية، فأحرقته.
- تلهج بأن الشيخ لا يسوس المصلحة بحزم، فإن بلي بُرد شبابك، ولم تُلق زمامها من تلقاء نفسك، فقد فَنَّدت رأيك، أو أضمرت العبث في السياسة.
- في الناس من لا يلاقيك بثغر باسم، إلا أن تدخل عليه من باب البَلَه، أو تلطخ لسانك بحمأة التملق. فاحتفظ بألمعيتك وطهارة منطقك، فإنما يأسف على طلاقة وجهه قوم لا يعقلون.
- بين جناحك قوة تجذب إلى جوارك العمل، وهي الإرادة، فاستعذ بالله أن تكون كالجاذبة الأرضية تستهوي الصخرةَ الصماء إلى النفس المطمئنة فتمحقها.
- شددت وصلك إلى سوق العرفان؛ ليقتني ما يلذ ذوقك من درر حسان، فإذا اغبرت لؤلؤة إيمانك بوسواس المفتون، فقد خسرت تجارتك ولو أصبحت تتهكم على آراء أفلاطون، وكشف لك من الكيمياء والزراعة عن كنوز قارون.
- لا ترسل فكرك وراء البحث عن حقيقة قبل أن ينفخ فيه روح الاستقلال، فإن التقليد موت، وما كان لجثث الموتى أن تغوص في بطون الأبحر العميقة.
- لا عجب أن يتفجر بين أيديهم ينبوع الآداب صافياً، وتهوى أنفسهم أن تغترف غرفة من مستنقعها الأقصى؛ فإن من الأبصار المعتلة ما لا يقع نظره إلا على شبح بعيد.
- النفس راحلة تحمل أثقالك إلى بلد السعادة، فإن لم تسر بها إثر
الشريعة القيمة، أولجتْ بك في مهامهَ مغبرة، وإن بلغت في الفلسفة ما بلغ شاعرُ المعرة.
- سيروا في تهذيب الفتاة على صراط الله المستقيم؛ فإن منزلتها من الفتى منزلة عجز البيت من صدره، ولا يحسن في البيت أن يكون أحد شطريه محكماً، والآخر متخاذلاً.
- لا يدرك أعشى البصيرة من الحدائق المتناسقة غير أشجار ذاتِ أفنان، وثمار ذاتِ ألوان، وإنما ينقب عن منابتها وأطوار نشأتها ذو فكرة متيقظة.
- لا تداهنوا المولع بقتل حريتكم، فأبخس الناس قيمة من تصرعه الخمر، كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ثم لا يلبث أن يُلبسها من تسبيح مدحه حللاً ضافية.
- إن من الجهّال من يرمي به الزمن على مقام وجيه، فعلمه بسير تلك القيمة أن الجهالة لا ترجح على العلم وزناً، وإن وضع بازائها السلطة الغالبة، أو الثروة الطائلة.
- بذرت أيام الشباب آمالاً لم تقطف ثمرها إلا حين أقبل المشيب، وهل يتمنى الحاصد للثمار أن يعود إلى أيام الحراثة والزراعة والانتظار؟!
- يكفي الذي يسير في سبيل مصلحة الأمة، وهو يرقب من ورائها منفعة لنفسه، أن يكون في حل من وخزات أقلامها، وإنما يُحمد الذي يجاهد لسعادتها، وهو لا يرجو نعماء ينفرد بها في هذه الحياة.
- لا تنقل حديث الذي يفضي به إليك عن ثقة بأمانتك، ويمكنك -متى كان يرمي إلى غاية سيئة- أن تجعل مساعيك عرضة في سبيله، فتحفظ للمروءة عهدها، وتقضي للمصلحة العامة حقها.
- لو فكرت في لسانك حين يتعرض لإطراء نفسك، لم تميزه عن ألسنة تقع في ذمها إلا بأنه يلصق بك نقيصة، لا يحتاج في إثباتها إلى بينة.
- ألا ترى الماء الذي تقع في مجاريه الأقذار، كيف يتجهم منظره، ويخبث طعمه، فاطرد عن قلبك خواطر السوء، فإنه المنبع الذي يصدر عنه عملك المشهود.
- قد يقف لك الأجنبي على طرف المساواة، حتى إذا حل وطنك متغلباً، طرحك في وهدة الاستعباد، واتخذ من عنقك الحر موطئاً.
- لا يحق للرجل أن يكاثر بمن يتقلد رأيه على غير بينة، إلا إذا وازنه وقارنه بالصحف المطوية على آثارهم في نسخ متعددة.
- إن هذا الزجاج يصنع كأساً
…
ليصير الحليم فينا سفيها
ويصوغ الدواة تلقاء هذا
…
ليرى خامل الشعور نبيها
مثل الفيلسوف ينفث غياً
…
ثم يأتي لما يروق الفقيها
- جَرَسٌ يصيح كحاجب
…
طلق اللسان معربدِ
حيناً ينوح كموجَع
…
من لطمة المتعمِّدِ
والآن رنّ كمِزهر
…
جسَّته أنملُ معبَد
زار الصديق فهزّه
…
من بعد ضغطة جلمَدِ
فحدا كما يحدوا لهزا
…
رُ على الغصون الُميَّدِ
والودُّ يسكن في الحشا
…
لكن يُحس من اليد