المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العمل للكمال (1) ما أشبهَ اليومَ بالأمس! وإنما تتفاضل الأيام بقدر - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٢/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(23)«هُدى وَنورٌ»

- ‌المقدمة

- ‌خواطر

- ‌الحكمة العربية

- ‌التعاون في الإسلام

- ‌الرحلة والتعارف في الإسلام

- ‌الشعور السياسي في الإسلام

- ‌العاطفة والتسامح في الإسلام

- ‌الشورى في الإسلام

- ‌الدعوة الشاملة الخالدة

- ‌طرق الصوفية والإصلاح

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الإسلام والفلسفة

- ‌التراويح

- ‌رسائل إخوان الصَّفا

- ‌الجمعيات الإصلاحية

- ‌العرب والسياسة

- ‌لهجة بلاد الجزائر

- ‌إلى كل مسلم يحب العمل في سبيل الله

- ‌تعقيب على حديث

- ‌مناظرة البطريرك الماروني

- ‌طريق الشباب

- ‌الحكمة وأثرها في النفوس

- ‌العمل للكمال

- ‌أسباب سقوط الأندلس

- ‌الجزائر واستبداد فرنسا

- ‌مكانة الأزهر وأثره في حفظ الدين ورقي الشرق

- ‌من لم ير مصر، لم ير عزّ الإسلام

- ‌تكريم جمعية الهداية الإسلامية لرجل من عظماء الإسلام

- ‌تأسيس جمعية الشبان المسلمين

- ‌الشعر - حقيقته - وسائل البراعة فيه الارتياح له - تحلي العلماء به - التجديد فيه

- ‌قوة التخيل وأثرها في العلم والشعر والصناعة والتربية

- ‌البراعة في الشعر مظاهرها - مهيئاتها - آثارها

- ‌كتّاب الأدب التونسي في القرن الرابع عشر

- ‌رثاء عمر بن الشيخ

الفصل: ‌ ‌العمل للكمال (1) ما أشبهَ اليومَ بالأمس! وإنما تتفاضل الأيام بقدر

‌العمل للكمال

(1)

ما أشبهَ اليومَ بالأمس! وإنما تتفاضل الأيام بقدر ما يظهر فيها من الخير، أو بقدر ما يزل فيها من الشر.

وما فاقت الأيامُ أخرى بنفسها

ولكنَّ أيام الملاح ملاحُ

ولشهر رمضان مزايا أحرزَ بها فضلاً، واكتسى بها ملاحة، فهو الشهر الذي نزل فيه الكتاب المشهود له بالأثر البالغ في تهذيب النفوس، وإصلاح الاجتماع، وهو الشهر الذي وقعت فيه واقعة بدر التي هي فاتحة ظهور التوحيد على الشرك، وهو الشهر الذي فتحت فيه مكة، وانكسرت بهذا الفتح شوكة عبّاد الأوثان؛ حتى تسنّى لدعوة الحق أن تأخذ جزيرة العرب من أطرافها في وقت قريب، وهو الشهر الذي قدم فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وفدُ ثقيف طائعين بالإِسلام، وانهالت عقبهم وفودُ العرب يَرِدون من كل وجه، ويدخلون في دين الإِسلام أفواجاً، وهو الشهر الذي استحب الشارع للناس أن يحسنوا فيه إلى البائسين فوقَ ما كانوا يحسنون، وثبت في الصحيح: أنه عليه الصلاة والسلام كان أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون في رمضان.

(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزآن الحادي عشر والثاني عشر -جمادى الأول والثاني 1365 هـ - القاهرة.

ص: 108

وهو الشهر الذي جعل مظهراً لأحد أركان الإسلام الخمسة -أعني: الصيام -، وللصيام آثار مشهودة في ارتياض النفوس الجامحة، وتمرينها على الخلق العظيم؛ كالصبر، والعفاف، والسخاء، على ما هو مبسوط في الكتب التي عُنيت بالبحث عن أسرار التشريع.

وهو الشهر الذي تزداد فيه الأرصل صفاء من كثرة الإِقبال على الطاعات، وكذلك كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الصادقون.

وهذه المعاني السامية -التي حاز بها رمضان فضلاً وملاحةً- جديرة بأن يكون لنا فيها مأخذ عبرة، وموضع قدوة، فنتجه بعزيمة نافذة إلى الدعوة إلى الخير، والذود عن الحق، ومكافحة الباطل والبغي، والطموح إلى العزة، والرسوخ في الأخلاق السنية، والأخذ بوسائل المنعة، والعيش في حرية وطمأنينة، والتنافس في حسن الطاعة للخالق -جلّ شأنه-.

وغفل بعض الناس عن هذه المعاني المنبئة أن رمضان شهر العمل لكمال الإنسانية، وحسبوه شهر عبادة لا تتجاوز الإِمساك عن الأكل والشرب بياضَ النهار، فلم يبالوا بعدَ هذا الإِمساك أن يشغلوا أوقاتهم النفيسة بما لا يقربهم من الفلاح شبراً، ولا يرفع لأمتهم ذكراً:

شهرُ صومٍ وجهادٍ والفتى

إن رمى عن قوس رشد لا يُبارى

أنِّب النفسَ إذا هَمَّتْ بأن

تقضيَ اليوم كما يقضي السُّكارى

إنما الحازمُ من صام ولو

لمح العزةَ في النجم لطارا

هممٌ يختطّها الفكر دُجىً

ويدُ الإصلاحِ تَبنيها نهارا (1)

(1) هذه الأبيات للإمام - ديوانه "خواطر الحياة".

ص: 109