المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في حديث السحر - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٤/ ١

[محمد الخضر حسين]

الفصل: ‌باب في حديث السحر

‌باب في حديث السحر

(1)

باب السحر من كتاب الطب من "الجامع الصحيح" للإمام البخاري رضي الله عنه، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى بن يونس عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم، دعا، ودعا، ثم قال:"يا عائشة! أشعرت أن الله أفتاني فيما إستفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما على رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب (2)، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجفّ (3) طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان"، فاتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال:"يا عائشة! كأن ماءها نقاعة (4) الحنّاء، وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين"، قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: "قد عافاني الله، فكرهت أن أثور على

(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء العاشر من المجلد الثالث عشر، ربيع الثاني 1360 هـ.

(2)

مسحور.

(3)

وعاء طلع النخل.

(4)

النقاعة: الماء الذي ينقع فيه الحناء.

ص: 181

الناس فيه شراً"، فأمر بها فدفنت.

السحر في أصل اللغة: الصرف (1)، وشاع استعماله في كل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته، وورد في كلام الشارع، فاتفق علماء الإِسلام على أن هناك شيئاً يسمى: سحراً، واختلفوا في تصويره، فذهب جمهور أهل العلم إلى أن للسحر آثاراً حقيقية، وقالوا: هو مزاولة النفوس الخبيثة لأفعال وأحوال يترتب عليها أمور خارقة للعادة. وقالوا: هو خارق للعادة يظهر في نفس شريرة بمباشرة أعمال مخصوصة. والساحر عند هؤلاء قد يبلغ أن يطير في الهواء، ويمشي في الماء.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن السحر لا يبلغ أن يغير الحقائق في نفسها، وإنما هو تخييل وتمويه، وقالوا: لا يفعل الإنسان في غيره فعلاً من غير مماسة ولا ملامسة. وينسب هذا الرأي إلى المعتزلة، وجرى عليه أبو جعفر الاسترابادي، وأبو بكر الجصّاص.

وإذا كان السحر لا يتجاوز التخييل والتمويه، استبان الفرق بينه وبين المعجزة جليًا، فالمعجزات على حقائقها، وبواطنها كظواهرها، ولو اجتهد الخلق كلهم على مضاهاتها ومقابلتها بمثلها، لظهر عجزهم عنها، وأما السحر، فإنما هو ضرب من الحيلة والتلطف لإظهار أمور لا حقيقة لها، ومن شاء أن يتعلم ذلك، بلغ فيه مبلغ غيره.

ويتلخص مما سبق: أن السحر نوعان:

أولهما: قلب حقيقة شيء إلى حقيقة شيءآخر على وجه خرق العادة

(1) حكاه الأزهري عن الفرّاء وغيره.

ص: 182

في الواقع؛ كقلب جماد إلى حيوان، أو حيوان إلى جماد.

ثانيهما: مزاولة نفس شخص أفعالاً يكون لها أثر في شخص آخر من غير اتصال به، ولا مماسة؛ كأن يزاول فعلاً يكون من أثره تغيير حب شخص لشخص إلى بغضه إيّاه.

ونحن لم يقع بأيدينا دليل على أن النوع الأول قد وقع.

ولإيضاح الفرق بين المعجزة والسحر فرقاً ذاتياً، نقول: إن الساحر لا يبلغ أن يقلب العصا ثعباناً، ولا أن يفلق البحر فتمر منه الجيوش، ولا أن يبرئ الاكمه، أو يحيى الموتى، ولا يبلغ أن يجعل الماء ينبع من بين الأصابع، فتروى منه العشرات أو المئات من الناس؛ أي: إنه لا يجري على يده من خوارق العادة ما يجري مثله على أيدي الأنبياء عليهم السلام.

أما النوع الثاني، وهو أن يزاول بعض النفوس الخبيثة أفعالاً يظهر أثرها في شخص آخر من غير اتصال ولا مماسة، فقد دلت ظواهر الشريعة على صحته؛ لقوله تعالى:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]، وقوله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]، والنفاثات وصف للنفوس؛ لأن تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة، والأرواح الشريرة، وهذا وجه ذكر الوصف بصيغة التأنيث، وإذا دلت على صحته ظواهر الشريعة، ولم يقم دليل قاطع على نفيه، وكانت قدرة الله صالحة لأن تجعل للنفوس أثراً في شخص آخر من غير مماسة، لم يكن هناك داع إلى تأويل الظواهر.

ونتخلص من هذا إلى أن الذين ينكرون السحر بنوعيه: قلب الحقائق، وتأثير النفوس من غير مماسة، ينكرون حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث

ص: 183

يتضمن أن لبيد بن الأعصم قد فعل فعلاً كان له أثر في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بعيد عنه.

ورأى المنكرون للحديث: أن هناك ما ينفي بوجه خاص أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر، وأوردوا ثلاثة وجوه:

أحدها: أن الاعتقاد بثبوت سحر النبي صلى الله عليه وسلم يكون تصديقًا لقول الكفّار فيما حكاه الله عنهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: 47]، وهذا كما قال فرعون لموسى عليه السلام فيما قصه الله عنهما:{إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: 101].

ثانيها: أن سحر الأنبياء، وتمكّن الساحر من أن يفعل فعلاً يكون له أثر في قوة تفكيرهم يحط من منصب نبوتهم.

ثالثها: أن تجويز السحر عليهم يشكك في نبوتهم، ويعدم الثقة بما شرّعوه من الشرائع؛ إذ يكون من المحتمل على هذا التجويز أن يخيل إلى النبي أنه يرى جبريل عليه السلام، ولم يكن هناك جبريل، وأنه يوحى إليه بشيء، ولم يوح إليه به.

ونحن ننظر في سند الحديث، ثم ننظر فيما استند إليه المنكرون من الوجوه التي رأوها قاضية عليه بالوضع:

الطرق التي روي بها هذا الحديث في "الصحيحين" كلها ترجع إلى هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها، وعروة أحد الفقهاء السبعة، لم يطعن فيه أحد بكلمة، ومن رووه عن هشام بن عروة - مع كونهم كثيرين - هم من الرجال الموثوق بروايتهم، فقد رواه عن هشام: عيسى بن يونس، وأبو أسامة حمّاد بن أسامة، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وابن جريج، وابن أبي الزناد، وابن نمير.

ص: 184

وبقي هشام بن عروة الذي تدور عليه رواية الحديث في "الصحيحين"، وهو معدود من ثقات الرجال، وأئمة الحديث، وإنما تعرض له أبو الحسن ابن القطان، ومسّه من جهة الضبط، فقال: إنه اختلط في آخر حياته، وتصدى للرد على ابن القطان الحافظ الذهبي في كتاب "الميزان"، واشتد في الإنكار عليه، وقال: إن عروة لم يختلط، وإنما تناقض حفظه في الكبر، فنسي بعض محفوظه، أو وَهِمَ، وقال عبد الرحمن بن خراش: كان مالك لا يرضى هشام ابن عروة، نقم عليه حديثه لأهل العراق، وقدم الكوفة ثلاث مرات: قدمه كان يقول: حدثني أبي، قال: سمعت عائشة، والثانية كان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة، فكان يقول: أبي عن عائشة؛ (يعني: أنه كان يرسل عن أبيه).

ولو روى هذا الحديث عن عائشة هشام وحده، لحام حوله شيء من الوهن، ولكن رواه البيهقي في "الدلائل" عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، ولم تنفرد برواية هذا الحديث عائشة، بل رواه ابن سعد عن ابن عباس، ورواه ابن سعد، وأبو بكر بن شيبة عن زيد بن أرقم، وصححه الحاكم.

فرواية الحديث في "الصحيحين"، ثم رواية غير عروة له عن عائشة، ورواية غير عائشة له من الصحابة، يجعله في مأمن من أن يحكم عليه بوضع، أو ضعف من جهة سنده.

وننظر بعدُ هذا الحديثَ من جهة المتن؛ لعلّنا نجد في رواياته اضطراباً واختلافاً يقضي بعدم التمسك به:

اختلفت الروايات في بعض ألفاظ الحديث اختلافاً لا يزيد على الاختلاف الذي ينشأ من رواية الحديث بالمعنى، كما جاء في بعض الروايات: "جف

ص: 185

طلع نخلة" - بالفاء - وفي بعضها: "جب" - بالباء - وفي بعض الروايات: "ومشاطة" - بالطاء -، وفي بعضها: "ومشاقة"- بالقاف -.

واختلفت الروايات من جهة العموم والخصوص، كما جاء في بعض الروايات "يخيل إليه أنه يفعل الشيء، ولا يفعله"، وجاء في رواية أخرى:"يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن"، وهذا الاختلاف أيضاً لا يقضي بضعف الحديث أو وضعه، فمن المحتمل أن يكون الراوي قد عبر في الرواية الأولى بلفظ عام، والمراد: ما دلت عليه الرواية الثانية من مباشرة النساء.

واختلفت الروايات اختلافاً يجعل بينها - فيما يظهر - تعارضاً؛ كما جاء في بعض الروايات: قلت: يا رسول الله! أفلا استخرجته؟ قال: "قد عافاني الله صلى الله عليه وسلم"، وظاهر هذه الرواية: أنه لم يخرج ما وقع به السحر من جف الطلعة، وما حواه الجف، وجاء في رواية أخرى:"فاستخرج"، وهذا ظاهر في أنه أخرج، وهذا الاختلاف لا يبلغ بالحديث حد الوضع أو الضعف؛ إذ شأن المحدثين هنا أن يرجحوا إحدى الروايتين بأحد الوجوه المعروفة من الترجيح، كأن ترجح رواية:"فاستخرج"؛ لأن راويها سفيان بن عيينة، وهو أضبط من عيسى بن يونس، ويجمع بين الروايتين؛ بأن يحمل قولها:"فاستخرج" على معنى إخراجه من بئر ذروان حتى رآه وعلمه، ويحمل قولها:"فهلا استخرجته" على معنى: هلّا أخرجته للناس، وأريته إياهم حتى يعاينوه، فأخبرها بأن الذي منعه من إظهاره للناس هو أن المسلمين إذا رأوه، لا يسكتون، وقد يتعرضون للساحر بالأذى، فيغضب للساحر قومه، فتحدث فتنة، ولا داعي إليها بعد أن حصل الشفاء والعافية، فالاستخراج الذي وقع غير الاستخراج الذي سألته عائشة رضي الله عنها.

ص: 186

واختلفت الروايات في شيء آخر قد يلوح أن يجعل بينها تعارضاً: هو أن رواية الحديث الذي سقناه تقول: إنه صلى الله عليه وسلم أتى البئر في ناس من أصحابه، ورواية زيد بن أرقم للحديث تقول: إنه أرسل علياً، فاستخرجها، فجاء بها، ورواية ابن عباس عند ابن سعد: فبعث إلى عليّ وعمّار، فأمرهما أن يأتيا البئر، ورواية غيره عن عائشة: فنزل رجل فاستخرجه.

والجمع بين هذه الروايات: أنه بعث علياً وعماراً إلى البئر لاستخراج ما فيها، ثم أدركهما في ناس من أصحابه، وقد نزل أحدهما إلى البئر، فاستخرج ما صنعه اليهودي، وكان الذي قدمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فمتن الحديث سالم من الاضطراب، وعلى فرض أن يعدّ شيء من ذلك الاختلاف اضطرابًا، فقاعدة الأئمة أن يترك ما وقع فيه الاضطراب من ألفاظ الحديث، ويؤخذ بما اتفقت عليه الروايات منه، فإذا عدّ من الاضطراب اختلاف الروايات في تصريح بعضها بأنه عليه الصلاة والسلام استخرج ما وقع به السحر، ودلالة أخرى على أنه لم يستخرجه، وفي قول بعضها: إنه ذهب إلى البئر بنفسه، وقول أخرى: إنه أرسل علياً رضي الله عنه، صرف النظر عن هذا الذي وقع فيه الاختلاف، وبقي أصل السحر ثابتاً من الروايات التي اتفقت عليه.

ولم يرد - فيما رأينا من الروايات - رواية تنسب التخييل إلى قوله صلى الله عليه وسلم، فتقول: يخيل إليه أنه كان يقول الشيء ولم يقله، كما أنا لم نقف على رواية تذكر التخييل الذي أحدثه السحر على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وأخبر به، وقد وقع في تفسير أبي بكر الجصّاص - في سياق إنكار الحديث - هذان الزعمان، فقال: وزعموا أنه قال: يخيل إليّ أني أقول الشيء وأفعله،

ص: 187

ولم أقله ولم أفعله.

ونوجه النظر بعد هذا إلى ما أورده منكرو الحديث من الوجوه القاضية في رأيهم بوضعه، فنقول: أما ما قالوه من أن الحديث يقتضي تصديق الكفار في قولهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: 47]، فيرد بأن الكفار لا يريدون من قولهم:{مَسْحُورً} : أن بعض الساحرين زاول فعلاً كان له أثر في اختلال عقله عليه الصلاة والسلام، وإنما يريدون: أنه زائل العقل؛ أي: إنه لا يعقل ما يقول؛ كما قص الله تعالى عنهم في آية أخرى أنهم قالوا: {مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان: 14]، وقالوا:{يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]، وصح إطلاق المسحور على المجنون؛ لأن السحر عند المعتقدين بحقيقته، قد يقصد به التأثير في الفكر، فيبلغ المسحور حد الجنون.

وأما قولهم: إن سحر الأنبياء يحط من مناصبهم، فمسلم متى قيل: إن السحر قد أثر في قوتهم الفكرية، أما إذا قيل: إن السحر كان له أثر في جسده صلى الله عليه وسلم دون عقله، وكان هذا الأثر ما عرض له من عدم القدرة على مباشرة أزواجه، فإنه لا يحط شيئاً من منصبه الشريف، ويحمل قول عائشة رضي الله عنها في رواية سفيان بن عيينة:"حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن"(1) على معنى: أنه كان يظهر له من نشاطه القدرة على مباشرة نسائه حسب العادة، فإذا دنا منهن، لم يقدر على إتيانهن، ورواية:"يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله" نرجع بها إلى رواية سفيان: "كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن"، ونحملها على أنها من تصرف بعض الرواة؛ إذ أتى بدل قولها: "يرى أنه

(1)"صحيح البخاري" في باب: هل يستخرج السحر؟.

ص: 188

يأتي النساء" بقوله: "كان يفعل الشيء"، وبدل قولها: "ولا يأتيهن" بقوله: "ولا يفعله"، فهذه الرواية عبّر فيها عن إتيان النساء وعدم إتيانهن بلفظ عام هو الفعل وعدم الفعل، وجاءت على خلاف قولها: "كان يرى أنه يأتي النساء"، فجاءت كلمة "كان" بعد كلمة "يخيل"، فقالت: "يخيل إليه أنه كان يفعل".

وأما رواية: "يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله" وهي التي تشعر بأن السحر أثر في قوته الفكرية، ومثلها رواية:"يخيل إليه أنه صنع شيئاً، ولم يصنعه"، فنحملها أيضاً على أنها من تصرف الرواة الذي يقع بهم في غلط، وقد ينسب بعض المحققين من أهل العلم الغلط في بعض ألفاظ الحديث الوارد في "الصحيحين" إلى الراوي متى رأوا اللفظ صريحًا في معنى يخالف ما عرف من معقول أو منقول، ويبقى ما عدا اللفظ الذي هو موضع الغلط ثابت الرواية.

وملخص ما نرى في هذا الحديث: أن أصله ثابت، ويحمل السحر على أنه أثّر في قوته الجسمية، دون أن يمس قوته العقلية بشيء، ومما يدل له: حديث ابن عباس عند ابن سعد: "مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان" الحديث، ونجعل قول عائشة رضي الله عنها في رواية سفيان بن عيينة:"كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن " هو أصل الرواية، وما عداه من الروايات إما أن نرجع بتأويله إلى هذا الأصل، أو نحمله على أنه جرى على وجه الغلط من تصرف بعض الرواة.

وهذا ما نراه في شرح الحديث. وأراني بعد هذا لا أنسب من ينكر

ص: 189

هذا الحديث إلى ضلال، أو سوء قصد؛ لأن الشبه التي أوردها المنكرون ليست بهينة، وقصارى ما أقول فيه: إنه لم ينظر في الحديث نظراً يجمع بين ما تقتضيه قوانين علم الحديث، وما يقتضيه منصب النبوة من سمو مقام النبي من أن يكون للسحر أثر في عقله.

ص: 190