الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّصوف
(1)
اختلفوا في أصل كلمة الصوفية، وذهبوا فيه مذاهب أصحُّها: أنها مأخوذة من الصوف؛ لأن الزهَّاد كانوا يعمدون إلى لبس الصوف؛ بعدًا وتجنباً للبس الفاخر من الثياب.
وهناك آراء ضعيفة:
منها: أن الصوفية نسبة إلى صُفَّة؛ لشبه الزهاد بأهل الصفَّة، وهم جماعة من فقراء الصحابة كانوا يقيمون بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عابدين متفقهين، لا يفارقونه إلا لجهاد عدو. وهذا الوجه لا يوافق قاعدة النسب في اللغة، فإن القاعدة تقضي أن يقال في النسب إلى صفة: صُفِّيَّة، لا صوفية.
ومنها: أن الصوفية نسبة إلى آل صوفة؛ تشبيهاً لهؤلاء الزهاد بآل صوفة، وهم قوم كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية، ويتنسكون، ويبعد هذا الوجه: أن آل صوفة قد ذهبوا بذهاب عصر الجاهلية، وقد تسمَّى هؤلاء العباد والزهاد في الإسلام باسم الصوفية، وقبلوا هذا الاسم، ولا أحسبهم يرضون بنسبتهم - ولو على وجه التشبيه - إلى طائفة كانت في الجاهلية على غير هدى.
ومنها: أنها نسبة إلى الصوف على معنى: أنهم آثروا الانكسار، فكانوا
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزآن الرابع والخامس من المجلد الحادي عشر، شوال وذو القعدة - 1357 هـ.
كالصوفة المرمية. وهذا وجه سخيف لا يلتفت إليه.
ومنها: أن الصوفية نسبة إلى الصف؛ لأنهم في الصف الأول بين يدي الله تعالى. وقاعدة النسب لا تساعد على هذا الوجه، كما أنها لا تساعد على أن يكون مأخوذاً من الصفاءة لصفاء نفوسهم، وخلوص قلوبهم من شوائب الأهواء، وسيئات الأخلاق.
وهذا الاسم حدث بعد عهد السلف.
قال السهروردي في كتاب "عوارف المعارف": لم يعرف هذا الاسم إلى المئتين من الهجرة.
وذكر ابن تيمية جماعة من الزهاد منهم: الفضيل بن عياض المتوفى سنة 187 هـ، وقال: في عصرهم حدث اسم التصوف.
وقال القشيري في "الرسالة": واشتهر هذا الاسم - يعني: التصوف - قبل المئتين من الهجرة.
وذكر حسن صديق في كتاب (أبجد العلوم): أن أول من دعي بهذا الاسم: أبو هاشم الصوفي، وقد توفي أبو هاشم هذا سنة 150 هـ.
والتصوف رياضة النفس، ومجاهدة الطبع، برده عن الأخلاق الرذيلة، وحمله على الأخلاق الجميلة ابتغاء السعادة وهذه الرياضة والمجاهدة تكون بالعكوف على العبادة والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة مال أو جاه.
* التصوف قبل الإسلام:
متى أريد من التصوف: الزهد في الدنيا، والانقطاع إلى العبادة، ومجاهدة النفس بكفّها عن الشهوات، صح أن يبحث عن هذا المعنى في الأمم التي
وجدت قبل الإسلام.
وإذا بحثنا عن هذا المعنى مع قطع النظر عن اختلاف أوضاع العبادات، أو اختلاف الغرض من تلك المجاهدة، رأينا أن لحكماء اليونان في طلب الحقائق طريقتين:
طريقة أرسطاطاليس وأتباعه، وهي طريقة البحث والقياس العقلي أو الاستقراء، وتسمى بالحكمة المشائية (1).
وطريقة أفلاطون وأتباعه، وهي طريقة المكاشفة، وانقداح الحقائق في النفس، وتسمى: حكمة الإشراق؛ لأنها تعتمد على إشراق العقل بالارتياض والتجرد عن الرذائل. فالإشراقيون من الحكماء الإلهيين يشبهون الصوفية في مسلكهم، إلا ما يخالفون فيه هدي الإسلام.
قال السهروردي في "حكمة الإِشراق": "والإشراقيون لا ينتظم أمرهم دون سوانح نورية، حتى إن وقع لهم شك، يزول عنهم بالنفس المنخلعة عن البدن".
وفي البوذية ما يشبه الرهبانية؛ فإن مؤسس هذه النحلة دهري، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر (جوتما (2))، ومن مبادئه: أن الشقاوة في الدنيا ناشئة عن الشهوات، فيجب إطفاء هذه الشهوات؛ لينجو الإنسان من الشقاوة. ويرى هؤلاء: أن هناك محرمات على الرهبان والراهبات خاصة، وهي التزين بالزهور، والتطيب بالروائح الذكية، وسماع الغناء، والتفرج على الرقص، والجلوس
(1) سميت بالمشائية؛ لأن زعيم هذه الطريقة - وهو أرسطو - كان يعلم تلاميذه وهو يمشي معهم.
(2)
توفي سنة 480 قبل المسيح.
على الأسرة العالية، واقتناء الذهب والفضة والجواهر، ويقولون: إن (جوتما) كان من أبناء الملوك، وزهد في الدنيا؛ لما رأى فيها من شقاوة الشيخوخة، والأمراض، والموت، فهجر أهله وولايته، ودخل في جبل الثلج يتقشف ويتفكر.
ووجد ما يشبه التصوف - أعني: الزهد والانقطاع إلى العبادة - في الفرس، نرى ذلك منذ عهد زرادشت الذي ظهر في أيام الملك (كيستاسف)، فإن كيستاسف نفسه على ما ورد في التاريخ سار إلى جبل كرمان وسجستان، وانقطع به للعبادة، ودراسة دينهم، وسلم أمر الملك إلى ابنه إسفندار (1).
وورد في تاريخ الفرس: أن أزدشير بن بابك من أعاظم ملوكهم، تبين أن الدنيا غرّارة ضرّارة قاتلة، ما حلا منها لامرئ جانب، إلا تمرّر منها عليه جانب، فزهد في الدنيا، وآثر التفرد عن المملكة، وتركها والتحق ببيوت النيران للعبادة والأنس بالوحدة (2).
وفي النصرانية رهبانية تشبه التصوف؛ من حيث قيامها على الزهد، والانقطاع إلى العبادة، قال الله تعالى في شأن النصارى:{وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27]. ومن المعاني الظاهرة في الآية: أن قوماً من أتباع عيسى ابتدعوا رهبانية يبتغون بها رضوان الله، ولكنهم لم يرعوا هذه الرهبانية حق رعايتها؛ أي: لم يحافظوا عليها حق المحافظة.
(1)"تاريخ ابن خلدون".
(2)
"مروج الذهب" للمسعودي.
وجاء في بعض الأحاديث المتعلقة بفرق النصارى: "وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤازرة الملوك، ولا بالمقام معهم، فساحوا في الجبال وترهبوا فيها"(1).
* التصوف بعد الإسلام:
عني الإسلام بتصفية النفوس من طبائعها الرديئة، وتخليصها من شهواتها الطاغية، ثم عطف على الأجسام، فخلّى سبيلها لأن تتمتع من نعيم هذه الحياة وزهرتها باعتدال، فبقدر ما يدرك الإنسان من صفاء النفس، وسلامة الضمير، بقدر ما يكون له من السلطان على شهواته، فلا تتعدى حدود الاعتدال، يصعد في مراقي الفلاح، ويدنو من مقام الكرامة والوجاهة عند الله.
روي أن فريقاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا، وقرروا فيما بينهم أن يسردوا الصيام، ويعكفوا على العبادة، ولا يقربوا النساء والطيب، وأن يرفضوا الدنيا، ويسيحوا في الأرض، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، فنهاهم في خطبة جامعة، وأنزل الله تعالى:{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدّون في العمل ما استطاعوا، ويزهدون في الدنيا زهد من لا يتناول منها إلاّ حلالاً طيباً، وزهد من لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وهم في هذا السبيل يتسابقون ويتفاضلون، وقد اشتهر كثير منهم بالجد في العبادة، والبلوغ في الزهد مكانة فضلى. ومن هذه الطائفة: أبو ذرّ الغفاري، وسلمان الفارسي رضي الله عنه.
(1) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، والحاكم، وصححه.
أما أبو ذر، فكان يحض عمَّال عثمان رضي الله عنه حينما يراهم يتسعون في المراكب والملابس، فيتلو عليهم قوله تعالى: " {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]. وكان يملأ آذانهم تقريعاً، ويدعوهم، ويشتد في دعوته إلى أن ينفقوا ما زاد على حاجتهم في سبيل الخير، وهذا أمر يطيقه الخاصة، ولا يحتمله كل إنسان، فأنهى معاوية أمره إلى عثمان، فكتب عثمان يأمر أبا ذرّ بالقدوم إلى المدينة، فقدمها، واجتمع إليه الناس، فجعل يسلك بهم ما كان يسلك في الشام، فقال له عثمان: لو اعتزلت؟. ومعناه: أن من كان مثلك في هذه المكانة من الزهد، فحاله يقتضي أن ينفرد عن الناس، أو يخالطهم في رفق، ويخلي سبيلهم ما قضوا حقوق أموالهم، وأذوا فريضة الزكاة على وجهها. فخرج أبو ذر إلى الربذة زاهداً ورعًا، وترك من ورائه قوماً يضاهونه، أو يقاربونه زهداً وورعاً.
وأما سلمان الفارسي، فكان عطاؤه خمسة آلاف، فإذا خرج عطاؤه، تصدق به جميعاً، ولا يقتات إلا بما كسبت يده؛ تمسكاً بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري:"ما كل أحد طعامًا قط خيراً من أن يأكل من عمل يده".
ويدلكم على مكانته في الزهد والتقوى: كتابه الذي بعث به من العراق إلى أبي الدرداء، وهو يومئذ القاضي بدمشق، ومما يقول فيه:"أما بعد: فقد كتبت إلي: أن الله رزقك مالاً وولداً، اعلمْ أن الخير ليس في المال والولد، وإنما الخير أن يكثر حلمك، وينفعك علمك، وكتبت إلي: أنك نزلت في الأرض المقدسة، اعلم أن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله".
هكذا كانت سيرة الزهاد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت مواعظهم: أعمال مشروعة خالصة، وأقوال رشيدة واضحة.
وفي عهد التابعين أقبلت طائفة من فضلائهم يتحدثون في أحوال النفس من حيث صفاؤها وصلتها بالخالق - جل شأنه - ، وزهدها في زخرف هذه الحياة، واشتدت عنايتهم بالحديث في هذه الآداب، وكانوا يأخذون بها أنفسهم، ويرشدون إليها غيرهم، ويلقبون في ذلك العهد: الزهاد، والوعاظ.
ومن أشهر هذه الطائفة: الحسن البصري، وكان صاحب حديث وفقه، وبيان وعلم بالقرآن، فصحبه طوائف من الناس شتى، فمنهم من صحبه ليأخذ عنه الحديث والأخبار، ومنهم من صحبه ليستفيد منه البلاغة والبيان وعلم القرآن، ومنهم من صحبه ليتلقى عنه الفقه والأحكام، وهو مع هذا يتكلم في محاسبة النفس، والمراقبة والإخلاص، والمحبة واليقين، والشغف بذكر الله، وكان يعقد للحديث في هذا السبيل مجلساً في منزله، لا يشهده إلا طائفة يتوسم فيها الكفاية لأن يفهموا، والقوة لأن يعلموا، وكان لا يتحدث في هذا المجلس إلا في هذا الباب من العلم.
قال أبو سعيد بن الأعرابي: لم يبلغنا أن أحداً ممن تكلم في هذه المذاهب (يعني: أحوال النفس)، ودعا إليها، وزاد في بيانها وترتيبها وصفات أهلها؛ مثل: الحسن البصري.
كان هؤلاء الفضلاء يصرفون هممهم إلى تزكية النفوس من نقائصها، وإسلام القلوب إلى ربها، يشهد بهذا كلمهم الطيب، ومواعظهم الحسنة.
ومن مواعظ الحسن البصري: "حادثوا هذه القلوب بذكر الله؛ فإنها سريعة الدثور. واردعوا هذه النفوس؛ فإنها طلعة تنزع إلى الشر عادة".
وعلى هذا الطراز يقول عامر بن قيس أحد زهاد التابعين: "لقد أحببت الله حباً سهل عليّ كل مصيبة، ورضَّاني بكل قضية، فما أبالي - مع حبي له - ما أصبحت عليه، وما أمسيت".
وأخذ بعض الناس في عهد التابعين بنحو نحو الغلو في الزهد. وكان الحسن البصري نفسه ممن يحارب هذا الغلو الذي لا يرتضيه الإسلام. ومما نقرؤه في تاريخ هؤلاء: أن رجلاً قال: أنا لا آكل الخبيص؛ لأني لا أقوم بشكره، فقال الحسن البصري: هذا رجل أحمق، وهل يقوم بشكر الماء البارد؟!.
فزهدُ الحسن البصري وأمثاله من فضلاء التابعين لا يحيد عن منهج الشريعة يميناً ويساراً.
وتخرّج في مجلس الحسن البصري وغيره طبقة عالمة زاكية، منهم: مالك بن دينار، وحبيب العجمي، وعبد الواحد بن زيد. وبقي هؤلاء الذين يلقبون بالزهاد والوعاظ لا يمتازون عن جمهور الناس إلا بكثرة ما يعملون من صالح، وبشدة ما يحملون من خشية الله، والعزة به، والاعتماد عليه، وبانصراف هممهم عن التعلق بما في هذه الحياة من شهوات أو حطام.
وفي خلال القرن الثاني صار الزهاد والوعاظ يسمون بالصوفية حسبما تقدمت الإشارة إليه في صدر البحث.
أخذ الزهاد والوعاظ لقب الصوفية، وما برحت طريقتهم قائمة على قواعد الدين ورعاية آدابه، وممن استقاموا من رجال القرن الثاني: الفضيل ابن عياض، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وإبراهيم بن أدهم.
وظهر في عهد هؤلاء نفر كانوا يتشبَّهون بهم على جهالة، ويظهرون للناس بغير ما كانوا يُسرّون، وهم الذين يقول فيهم الإمام الشافعي:
وَدَعِ الذين إذا أتوكَ تنسَّكوا
…
وإذا خَلَوا فَهُم ذئابُ خفافُ
وجعل الصوفية يتحدثون عما يرد عليهم من الخواطر، وما يجدونه من الأذواق، ويعبرون عن هذه الخواطر والأذواق بكلمات إما مألوفة، وإما غير مألوفة، حتى أصبح التصوف في القرن الثالث مذهباً ذا قواعد واصطلاحات.
يصف لنا التاريخ صوفية القرن الثالث، فنرى كثيراً منهم على طريق سلمان الفارسي، والحسن البصري؛ مثل: أبي القاسم الجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، ويحيى بن معاذ الرازي، وذي النون المصري، وبشر الحافي، وسري السقطي وأبي يزيد البسطامي.
ونرى بجانبهم قوماً آخرين خلطوا التصوف بشيء من أصول الفلسفة الإشراقية، وشاع يومئذ الغلو في الزهد، وراج ما توهمه بعضهم من أن التوكل نزع اليد من الأسباب جملة.
وأخذ بعض المنتمين إلى التصوف في ذلك العهد ينطقون بعبارات خارجة عن حدود الشريعة، كالكلمات التي هي ظاهرة في معنى الحلول والاتحاد، مثل ما قال الحلاج (1):"أنا الحق"، وقال:"ما في الجبِّة إلا الله"، ويعبرون عن مثل هذه الأقوال في اصطلاحهم بالشطحات.
ودخل في التصوف من الباطل في ذلك العهد ما يزعمه بعضهم من أن المسالك للطريق تسقط عنه أحكام الشريعة من أوامر ونواه. ومن عبارات هؤلاء: "الاشتغال بالأوراد عن المورود انقطاع عن الغاية". وأنشد أحد شعرائهم:
(1) الحسين بن منصور الحلاج المقتول سنة 309.
يطالب بالأوراد من كان غافلاً
…
فكيف بقلب كل أوقاته وِرْدُ
ومنهم من يقول: تسقط الأوامر والنواهي عمن شهد الحقيقة، ووصل إلى مقام الفناء فيها، ويقول قائل من هؤلاء: العارف لا ينكر منكراً؛ لاستبصاره بسر الله في القدر. ويقولون: العارف لا يستقبح قبيحة، ولا يستحسن حسنة. وقد سئل الجنيد رحمه الله عن هذه الطائفة، فقال: الذي يسرق ويزني، أحسنُ حالاً ممن يزعم هذا!.
قال الغزالي: لو زعم زاعم أن بينه ويين الله حالاً أسقطت عنه الصلاة، وأحلت له شرب الخمر، وأكل مال السلطان؛ كما زعمه بعض من ادعى التصوف، فلا شك في وجوب قتله، وإن كان في خلوده في النار نظر، وقتلُ مثله أفضلُ من قتل مئة كافر؛ لأن ضرره أكثر! (1)
وشعر يومئذ بعض المستقيمين من الصوفية بنحو هذا الانحراف وما يماثله من الانسلاخ عن عقائد الدين أو أحكامه العملية، فقاوموه بالإنكار، والتنبيه على أنه ضلالة وجهالة.
قال الجنيد: مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.
ويقول: الطريق كلها مسدوة على الخلق إلا المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سهل التستري: أصول مذهبنا ثلاثة:
أولاً: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال
ثانياً: أكل الحلال.
ثالثاً: إخلاص النية في جميع الأعمال.
(1)"شرح الشيخ عبد القادر بن شقرون للربع الثاني من الأربعين".
وقال أبو عثمان الحيري: أسلم الطرق من الاغترار: طريق السلف، ولزوم الشريعة.
وفي ذلك العهد ظهر القول بأن العلوم لا تنال إلا من طريق مجاهدة النفس، وقطع العلائق بينها وبين البدن، والإقبال على الله بالكلية علماً دائماً، وعملاً مستمرًا، حتى تكشف له الغيوب، ويرى الملائكة، ويطلع على أرواح الأنبياء، ويسمع كلامهم، حتى ينتهي إلى مشاهدة الله جل جلاله.
ونسب أبو بكر بن العربي هذا القول إلى الحارث بن أسد المحاسبي، وإلى طائفة أتت بعده من الصوفية (1).
والحق أن المكلف لا يحتاج في إيمانه الصادق، ولا في إقامة الأعمال الصالحة إلى أن تنكشف له الغيوب، أو يطلع على العوالم الروحانية، فإن ما في عالم الشهادة، وما هدى إليه القرآن المجيد، كافيان في إشراق القلب بالإيمان الساطع، والسير على المنهج الموصل إلى السعادة في الدارين.
وكذلك استمر حال المنتمين إلى مذهب التصوف في القرن الرابع فما بعده، فمنهم المستقيمون على السنّة، ومنهم الظاهرون في ثوب الزهد، وهم يراؤون ويبتدعون.
ومما اتصل بالتصوف: مسألة الكرامات؛ فقد ذهب أهل السنّة - كما سبق الحديث عنها - إلى جوازها، بل إثباتها، ولكن الناس بالغوا، أو أكثروا من نسبتها إلى الشيوخ الصوفية، ولعل هذه المبالغة، والإكثار كانا سبب إثارة البحث عنها حوالي آخر القرن الرابع، فنرى أبا إسحاق الإسفراييني (2)
(1) كتاب "العواصم من القواصم".
(2)
توفي سنة 418.
يجعل للكرامة حداً، فيقول: غاية الكرامة: إجابة دعوة، أو شربة ماء في مفازة، أو كسرة في منقطعة.
ونرى أحد كبار الصوفية الأستاذ أبا القاسم القشيري (1) يقول: الكرامة لا تنتهي إلى وجود ولد من غير أبي، ولا إلى قلب جماد حيواناً.
ومن العلماء من يذكر سيرة الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنه، فإذا تحدث الناس بكرامات لبعض الشيوخ لم يقع مثلها من أولئك الذين هم خير القرون، لم يقبلها لمجرد تناقل بعض الألسنة لها.
قيل لأبي حيان: ماذا تقول في الشيخ أبي مدين؟ قال: هو رجل دين، وما كان يطير في الهواء، ولا يصلي الصلوات الخمس في مكة كما يدعي فيه بعض الناس (2).
* تعاليمه:
قد عرفت أن التصوف في الأصل: سلوك طريقة الزهد، والانقطاع إلى العبادة، ومحاسبة النفس على الأفعال والتروك، وليس لهذه المجاهدة في عهد السلف تعاليم خاصة؛ لأنها لا تزيد على العمل بما يرشد إليه الكتاب والسنّة من أحكام، ويدعوان إليه من مكارم الأخلاق، وسنيّ الآداب.
ثم إن الصوفية أخذوا يتحدثون بما يعرض لهم في أثناء المجاهدة من أحوال وخواطر، وبما ينتقلون فيه من مقامات، وصاروا يعبرون عن تلك المعاني بالفاظ جرت مجرى المصطلحات العلمية.
(1) المولود سنة 376.
(2)
"نفح الطيب" ترجمة ابن حيان، الجزء الأول.
ومن هذه الناحية وجد بعض الجاهلين أو المضلّين منفذاً لأن يضيفوا إلى التصوف معاني باطلة، وشروحاً لتلك المصطلحات غير صالحة؛ كالكلمات الظاهرة في الحلول والاتحاد.
قال الحافظ ولي الدين أبو زرعة العراقي في كتابه "الأجوبة المرضية في الأسئلة المكية": أما ابن عربي، فلا شك في اشتمال "الفصوص" المشهورة عنه على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذا "فتوحاته المكية"، ثم قال:"وينبغي عندي ألا يحكم على ابن العربي بشيء، فإني لست على يقين من صدور هذا الكلام منه، ولا من استمراره عليه إلى وفاته، ولكن نحكم على هذا الكلام أنه كفر"(1).
وحصل مما يتحدث به الصوفية من إلهام وأحوال ومنازل، معانٍ ومصطلحات مضافة إلى آداب القوم؛ من نحو: الزهد، والورع، والشكر، والذكر، والتوكل، والتواضع، والعزة، وأصبح مجموع ذلك علماً مستقلاً، يسمى:"علم التصوف".
* صلة التصوف بالفلسفة:
الصوفية المستقيمون الذين لم يدرسوا الفلسفة إنما يتكلمون بما يقتبسونه من حكمة الشريعة، أو بما يجيئهم من طريق الإلهام والوجدان بعد عرضه على أصول الدين، وأما من درسوا الفلسفة، ثم تكلموا بلسان الصوفية، فقد يُدخلون في هذا العلم بعض الآراء الفلسفية؛ كمسألة وحدة الوجود؛ فإنها دخلت في التصوف من ناحية الفلسفة، وقد يُدخل هؤلاء بعض الآراء الفلسفية بحسن نية؛ إذ يبدو لهم أنها من المذاهب التي يتقبلها الدين،
(1) نقله ابن ذكري في "شرحه للنصيحة".
ولا يأبى اتصالها بهدايته السماوية.
قال ابن تيمية في حديث له عن أبي حامد الغزالي: "وأما التي يسميها: علوم المكاشفة، ويرمز إليها في "الأحياء"، وغيرها، ففيها يستمد من كلام المتفلسفة، كما في "مشكاة الأنوار"، و"المضنون به على غير أهله"، وغير ذلك، وبسبب خلطه التصوف بالفلسفة، صار ينسب إلى التصوف من ليس موافقاً للمشايخ المقبولين الذين لهم في الأمة لسان صدق، بل يكون مبايناً لهم في أصول الإيمان؛ كالإيمان بالتوحيد، والرسالة، واليوم الآخر، ويجعلون هذه مذاهب الصوفية".
ودخول آراء غير إسلامية في التصوف دفع بعض المؤلفين في اعتقادات الفرق الإسلامية أن يعدوا الصوفية فرقة مستقلة؛ كما صنع الرازي في كتاب "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين"؛ إذ قال: " اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة، لم يذكر الصوفية، وذلك خطأ"، ثم ذكر فرق الصوفية حتى ذكر فرقة الحلولية منهم، وقال: "هم قوم ليس لهم من العلوم العقلية نصيب وافر، فيتوهمون أنه قد حصل لهم الحلول والاتحاد، فيدعون دعاوى عظيمة، وأول من أظهر هذه المقالة في الإسلام: الروافض؛ فإنهم ادعوا الحلول في حق أئمتهم.
أما التصوف الخالص، فإن السائرين فيه لا يخرجون عن مذهب السنّة قيد أنملة".
* أثر التصوف في الحباة الإسلامية:
قد أريناك أن التصوف في الأصل: زهد في الدنيا، ومحاسبة للنفس على كل ما تفعل أو تترك، وانقطاع إلى عبادة الله في إخلاص وعفاف وعزة،
واحتفاظ بحقوق العباد، وجهاد في سبيل الحق قدر المستطاع. وهو من هذا الوجه قد أتى بخير كثير، وأنبت رجالاً عرفوا بالتقوى والورع، والدعوة إلى الخير بمواعظهم أو أحوالهم، فكان لهم فضل كبير في هداية كعير من الغافلين، وتقويم كثير من المنحرفين، ولكن آراء وأعمالاً مبتدعة دخلت في التصوف على جهالة، أوسوء قصد، فكان لها في حياة المسلمين أثر سيئ؛ مثل: الغلو في الزهد، وترك الأخذ بالأسباب في طلب الرزق، ومثل: عبارات الحلول التي دسها فيه قوم ظهروا في ثوب التصوف، فأوقعت بعض الناس في فتنة.
وكان لإسراف بعض المتصوفة في الحديث عن المكاشفة والاطلاع على ما في العالم الروحاني، والتصرف الخفي في الكون، أثر في غلو بعض الناس في الاعتقاد بعلو منزلة من يعتقدون صلاحه، حتى ترى بعض العامة يمتنعون من أن يحلفوا بالرجل الصالح كذباً، ثم لا يبالون أن يحلفوا بالله، وهم يعلمون أنهم غير صادقين فيما يحلفون، والتوحيد الخالص: أن تكون خشيتك لله فوق كل خشية.
ومن أثر التصوف المنحرف عن السبيل: أنه أدخل في العبادات مقصداً يجعلها صوراً من غير روح، ذلك أن بعض الناس يتجردون للعبادة بقصد أن يصلوا بها إلى الاطلاع على عالم الأرواح، وغرائب العلوم، وأن تخرق لهم العادات، وتجري على أيديهم الكرامات.
يروى أن بعض الناس لما سمع حديث: "من أخلص لله أربعين صباحاً، ظهرت ينابيع الحكمة، من قلبه على لسانه"، تعرض للعبادة لينال الحكمة فلم يفتح له بابها، فبلغت القصة بعض أولي البصيرة، فقال: هذا أخلص
للحكمة، ولم يخلص لله. وقد عرفت أن العبادة بقصد إنكشاف الحقائق نزعة فلسفية، والعبادة الخالصة: ما يقصد بها امتثال أمر الله، والفوز بالسعادة في دار السلام. وما يزيد على هذا من خيرات شأنها أن تتبع الاستقامة وصفاء السريرة، فلا ينبغي الالتفات إليها عند أداء العبادة من فرائض أو نوافل.
وإليك جملة من أسماء أشهر من تدور أسماؤهم في كتب التصوف، سواء أكانوا ممن اتفق الناس على صلاحهم، أم ممن وقع الطعن فيهم، واخترنا أن نوردهم على حسب ترتيب وفياتهم. وإليك أسماءهم، مع التعرض لبعض النواحي من حياتهم، أو شيء من أقوالهم:
- أُويس القَرَني:
أويس بن عامر القرني: معدود من سادات التابعين، روى له مسلم أشياء من كلامه، وقد شهد صِفّين مع الإمام على، وقتل يومئذ.
- أبو مسلم الخراساني:
أبو مسلم عبد الله بن ثوب، وقيل: اسمه يعقوب بن عوف، يروي عن عمر بن الخطاب، ومعاذ. قال مالك بن دينار: أبو مسلم حكيم هذه الأمة. توفي سنة 62.
- الحسن البصري:
الحسن بن أبي الحسن يسار البصري: معدود من سادات التابعين، وهو الذي قال لابن هبيرة- عندما سألة عن الأمر يأتيه من يزيد، أفينفذوه، ويقلده ما تقلده من ذلك؟ -:"يا ابن هبيرة! خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، إن الله يمنعك من يزيد، وإن يزيد لا يمنعك من الله". ومن
كلامه: "ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبهَ بشك لا يقين فيه إلا الموت" توفي سنة 110 مئة وعشر.
- مالك بن دينار:
مالك بن دينار: روى عن أنس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وكان لا يأكل إلا من كسب يده، يكتب المصاحف بالأجرة. توفي سنة 130.
- رابعة العدوية:
رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية مولاة آل عتيك: توفيت سنة 135، ومن كلامها:"اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم"(1).
- إبراهيم بن أدهم:
إبراهيم بن أدهم بن منصور: صحب سفيان الثوري، وجمع بين الزهد ورواية الحديث، ويروي عنه: الثوري، والأوزاعي، وكان لا يأكل إلا من عمل يده؛ كالحصاد، وحراسة البساتين. توفي سنة 161.
ومن كلامه: "لو علم الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور وقلة التعب، لجالدونا عليه بالسيوف". ومن دعائه: "اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك".
- داود الطائي:
داود بن نصير أبو سليمان الطائي الكوفي: درس الفقه، وكان يختلف إلى الإمام أبي حنيفة، ثم اختار العزلة، وتخلى للعبادة. توفي سنة 165.
(1) ترجم لها ابن الجوزي في كتاب "صفوة الصفوة"، وابن خلكان في "تاريخه"، وقبرها بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمى: الطور.
ومن كلامه: "صُمْ عن الدنيا، واجعل إفطارك فيها الموت، وفر من الناس فرارك من السبع، وصاحب أهل التقوى إن صحبت؛ فإنهم أخف مؤونة، وأحسن معونة، ولا تدع الجماعة".
- الفضيل بن عياض:
الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي، ولد بخراسان، وقدم الكوفة، وسمع بها الحديث، ثم انتقل إلى مكة، وجاور بها إلى أن توفي سنة 187.
ومن كلامه: "ترك العمل لأجل الناس هو الرياء، والعمل لأجل الناس هو الشرك". وقال: "لو كانت في دعوة مستجابة، لم أجعلها إلا في إمام صالح؛ لأنه إذا صلح الامام، أمن العباد".
- معروف الكرخي:
معروف بن فيروز الكرخي: كان نصرانيًا، فأسلم على يد علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، ولهذا عدّ من مواليه، وهو أستاذ السرّي السقطي. توفي سنة 200، أو 201.
- أبو سليمان الداراني:
عبد الرحمن بن أحمد بن عطية الداراني (1)، توفي سنة 205، ومن كلامه:"تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياماً، فلا أقبلها إلّا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنّة".
- بشر الحافي:
بِشْرُ بن الحارث بن عبد الرحمن المعروف بالحافي. قال الحريري:
(1) نسبة إلى داريا: قرية من قرى دمشق بالغوطة.
ما أخرجت بغداد أتم عقلاً، ولا أحفظ للسان من بشر. روى بشر عن: مالك، والفضيل بن عياض، وتوفي سنة 227، ومن كلامه:"من طلب الدنيا، فليتهيأ للذل". وكان يقول لأصحاب الحديث: "أدّوا زكاة هذا الحديث، قالوا: وما زكاته؟ قال: اعملوا من كل مئتي حديث بخمسة أحاديث".
- المحاسبي:
الحارث بن أسد المحاسبي: روى عنه: الإمام الجنيد، وغيره، وله تصانيف في الرد على المعتزلة، والرافضة، وغيرهم. سئل عن العقل: ما هو؟ فقال: نور الغريزة مع التجارب، يزيد ويقوى بالعلم والحلم. توفي سنة 243، ومن كلامه:"فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن القول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء".
- ذو النون المصري:
ثوبان بن إبراهيم، وقيل: الفيض بن إبراهيم المصري المعروف بذي النون: معدود فيمن روى "الموطأ" عن مالك بن أنس، وسعي به لدى المتوكل، فاستحضره من مصر، فلما دخل عليه، وعظه، فَرَقّ لوعظه، وردّه مكرّماً، وعنه أخذ سهل بن عبد الله التستري. توفي سنة 245.
- سري السقطي:
سرّي بن المغلس السقطي: خال الإمام الجنيد، وأستاذه. توفي سنة 255، ومن كلامه:"المتصوف اسم لثلاث معان: هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله تعالى".
- يحيى بن معاذ:
أبو زكرياء يحمص بن معاذ الرازي: توفي بنيسابور سنة 258. ومن كلامه: "من خان الله في السر، هتكه في العلانية" وقال: "عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب؟! هيهات! أنت سكران بغير شراب. ما أكملك لو بادرت أملك! ما أجلّك لو بادرت أَجَلَك! ما أقواك لو خالفت هواك! ".
- أبو يزيد البسطامي:
طيفور بن عيسى البسطامي: توفي سنة 261، أو 264. ومن كلامه:"لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود والشريعة".
- أبو القاسم الجنيد:
هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد، أصله من نهاوند، مولده ومنشؤه العراق، تفقه على أبي ثور، وقيل: كان فقيهاً على مذهب سفيان الثوري، وصحب خاله السري السقطي، والحارث المحاسبي، وغيرهما. توفي سنة 297.
- الدقاق:
أبو بكر أحمد بن نصر الدقّاق، من أقران الجنيد، وكابر مشايخ مصر. ومن كلامه:"كل حقيقة لا تتبع الشريعة، فهي كفر" وأراد بالحقيقة: ما يسمّى: "المخاطر".
- أبو طالب المكي:
أبو طالب محمد بن عطية الحارثي: سكن مكة، فنسب إليها، وقدم
بغداد، فوعظ الناس، ونسبت إليه عبارات ينكرها الشرع، فبدَّعه الناس، وهجروه، وامتنع من الكلام، وهو صاحب كتاب "قوت القلوب ". توفي سنة 386.
- أبو القاسم القشيري:
أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري: تلقى العلوم عن أبي بكر بن فورك، وأبي إسحاق الإسفرائيني، وأبي علي الدقاق، وهو صاحب "الرسالة القشيرية في رجال الطريق". توفي سنة 465.
- ابن الفارض:
عمر بن علي بن المرشد الحموي الأصل، المصري المولد والدار، يقول الشعر الظاهر في الغزل، على أنه بنحو به نحو معان صوفية، وديوانه معروف، وقد أنكر عليه جماعة من علماء الشريعة هذا المسلك الذي لا يعرف في عهد السلف، وحكى المقريزي: أن الشيخ محصي الدين بعث إلى ابن الفارض يستأذنه في شرح التائية، فقال له: كتابك المسمى بالفتوحات المكية شرح لها. توفي سنة 632.
- محي الدين بن عربي:
قرأ القرآن على أبي بكر بن خلف بإشبيلية (من بلاد الأندلس)، وتلقى العلم، ومال إلى الأدب، وتولى الكتابة لبعض ولاة الأندلس، ثم رحل إلى المشرق حاجًا، فأدى الفريضة، ولم يعد إلى الأندلس، وأخذ الحديث عن شيوخ، منهم: أبو طاهر السلفي، وأبو الحسن بن نصر، وممن أجازه: ابن عساكر، وأبو الفرج بن الجوزي، ودخل مصر، وأقام بالحجاز مدة، ودخل بغداد والموصل وبلاد الروم، وصحب جماعة من الصوفية، وتوفي بدمشق
سنة 656، أو سنة 658.
وكان الشيخ على مذهب الظاهرية في العبادات، وقد اختلف الناس فيه، فمنهم من يشهد له بالمنزلة الكبرى في الصلاح والولاية، ومنهم من ينسبه إلى الإلحاد، ذلك أن بعض مؤلفاته - كما أشرنا قبل - تشتمل على عبارات إذا عرضت على أصول الشريعة، لم تلتق معها بوجه من وجوه الدلالات المعروفة في العربية، وقد سلك مريدوه بهذه العبارات مسلك التاويل، ولو على وجوه فيها غموض، ولم ير آخرون للشيخ عذراً في هذا المسلك، فحكموا عليه بما يجب أن يحكموا به على غيره ممن لم ينسب إلى صلاح، وقد سقنا إليك آنفاً رأي الإمام العراقي في هذا، وهو أنه لا يحكم على ابن العربي بشيء، ولكنه يضع يده على العبارات المنكرة في "الفصوص"، أو "الفتوحات"، ويقول: هذا كفر. وهؤلاء لا يؤولون المتشابه إلا إذا ورد في كلام الشارع.
- أحمد زروق:
أحمد بن أحمد بن محمد البرنسي الشهير بزروق: قرأ الفقه قراءة بحث وتحقيق، ودرس الحديث والتوحيد والتصوف، ومن شيوخه: الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، والشيخ السنوسي، وله مؤلفات في التصوف، منها: كتاب "القواعد في التصوف"، وهو من رجال التصوف القائم على السنّة، الخالص من البدعة. توفي بتكرين من عمل طرابلس الغرب.