المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النسخ في الشريعة الإسلامية - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٤/ ١

[محمد الخضر حسين]

الفصل: ‌النسخ في الشريعة الإسلامية

‌النسخ في الشريعة الإسلامية

(1)

النسخ في اللغة: الإزالة، ويقال نسخت الشمس الظلّ، والنقل والتحويل، ومنه: تناسخ المواريث؛ أي: تحويل الميراث من واحد إلى آخر.

أما النسخ في الشريعة، فهو: بيان انتهاء الحكم الشرعي المقدر في أوهام المكلفين دوامه، ويكون بيان انتهاء الحكم بخطاب.

فالحكم المشروع ابتداء، وإن بيّن انتهاء حكم البراءة الأصلية، لا يسمَّى نسخًا؛ لأن البراءة الأصلية ليست عندهم بحكم شرعي، ولو كان رفعُ حكم البراءة الأصلية نسخاً، لزم أن يكون كل حكم شرعي ناسخاً؛ لأنه رافع لحكم البراءة الأصلية. وإنما أخذنا في حقيقة النسخ إمّا يكون المبيِّن لانتهاء الحكم خطاب من الشارع؛ لنحترز عن رفع الحكم بالدليل العقلي؛ كأن يكون المكلف نائماً، أو مصاباً بجنون؛ فإن حكم الصلاة - مثلاً - يرتفع عنه، وارتفاعه إنما يكون بدليل عقلي، لا بخطاب شرعي.

ولم نقيد المبيّن لانتهاء الحكم بالتراخي كما ورد في بعض تعريفات النسخ؛ لأن التراخي إنما يذكر على أنه شرط، وقد جرى الخلاف في شرطيته.

(1) محاضرة الإِمام في قسم التخصص بكلية أصول الدين إحدى كليات الأزهر، ونشرت في مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء الخامس من المجلد الرابع عشر، شوال 1358 هـ.

ص: 103

وسمي رفع الحكم نسخاً؛ لأن الحكم الرافع قد أزال الحكم السابق.

ويظهر من كلام المتقدمين: أن النسخ في عرفهم أهمّ منه في كلام الأصوليين؛ فقد يطلقون النسخ على تخصيص العام، وتقييد المطلق، كما يطلقونه على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي، ومن شواهد هذا التعميم: قول ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:

{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224]، هو منسوخ بقوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء: 227].

وجرى الخلاف في جواز النسخ ووقوعه.

أما الخلاف في جوازه، فيحكي بعض الأصوليين أن بعض اليهود قد أنكروا النسخ، وقالوا بامتناعه عقلاً؛ بدعوى أنه منافٍ للحكمة؛ لأن النهي يعتمد المفسدة الخالصة أو الراجحة، فلو جاز نسخه بعد ذلك، لزم تجويز أن يأمر الله تعالى ويأذن في فعل المفاسد الخالصة أو الراجحة، وذلك محال على الله تعالى.

ثم إن النسخ يتضمن الإذن فيما نهى عنه، أو النهي بما أذن فيه، والفعل إما أن يكون حسناً، أو قبيحاً، فإن كان حسناً، استحال النهي عنه، وإن كان قبيحاً، استحال الإِذن فيه، فالنسخ محال عليه تعالى على كلا التقديرين.

وذهب أهل العلم في رفع هذه الشبهة مذهبين:

فالذين ينكرون تعليل الأحكام يقولون: إنها مسندة إلى محض إرادة الله تعالى من غير باعث، فالله تعالى هو الحاكم المطلق الفعّال لما يريد، فيجوز في حقه أن يضع حكماً، ويرفع حكماً، لا لغرض، ولا لباعث، ومن هؤلاء: ابن حزم، إذ قال في كتاب "الأحكام": "إن الله تعالى أراد أن يحرّم علينا بعض

ص: 104

ما خلق مدة، ثم أراد تعالى أن يحرمه علينا، ولا علّة لشيء من ذلك".

وأما المحققون الذين يقولون: إن أحكام الله تعالى مراعىً فيها مصالح العباد، واللطف بهم، فيجيبون عن هذه الشبهة؛ بأن المصالح تختلف بحسب اختلاف الأوقات، فقد يكون الفعل مفسدة في وقت، ومصلحة في وقت آخر؛ كوجوب وقوف الواحد من المسلمين للعشرة من الكفار حيث اقتضته قلة المسلمين، ورفع هذا الوجوب حيث استغني عنه بكثرتهم.

وإذا قالوا: إن النسخ من قبيل البداء، وهو مستحيل عليه تعالى، قلنا: بين النسخ والبداء فرق أجلى من الشمس، والفارق هو أن البداء يكون في الأمر بالشيء مع عدم العلم بما تؤول إليه حاله، وهذا هو المحال عليه تعالى، وأما النسخ (1)، فيكون الآمر عند شرعه الحكمَ الأول عالماً بأنه سيرفعه بعد مدة معلومة، وهذا يصح أن يكون من صفاته تعالى.

وأما الخلاف في وقوعه:

فقد قال أبو مسلم الأصفهاني (2) بجوازه عقلاً، وأنكر وقوعه، ونسب أبو بكر الجصّاص في كتاب "الأحكام" إنكار وقوعه في شريعتنا إلى بعض معاصريه، فقال:"وزعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقه: أنه لا نسخ في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ فإنما المراد منه نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين؛ كالسبت، والصلاة إلى المشرق والمغرب".

(1) وقد أخطأ بعض الشيعة إذ جوزوا على الله البداء، وادعوا أن علياً رضي الله عنه كان لا يخبر عن الغيب؛ مخافة أن يبدو لله فيه فيغيره، وزعموا أن محمد بن جعفر قال: ما بدا لله في كل شيء كما بدا له في إسماعيل؛ حيث أمر بذبحه، ثم فداه بذبح عظيم.

(2)

هو محمد بن محمد من شيوخ المعتزلة المتوفى سنة 322.

ص: 105

ثم قال الجصّاص: "وكان هذا الرجل ذا حظ عظيم من البلاغة، وكثير من علم اللغة، غير محظوظ من علم الفقه وأصوله، وكان سليم الاعتقاد، غير مظنون به غير ظاهر أمره، ولكنه بَعُدَ من التوفيق بإظهار هذه المقالة؛ إذ لم يسبقه إليها أحد، بل عقلت الأمة سلفُها وخلفُها من دين الله وشريعته نسخَ كثير من شرائعه، ونقل إلينا ذلك نقلًا لا يرتابون فيه، ولا يجيزون فيه التأويل".

ثم قال: "فارتكب هذا الرجل في الآية المنسوخة والناسخة وفي أحكامها أموراً أخرج بها عن أقاويل الأمة، مع تعسف المعاني واستكراهها، وما أدري ما الذي ألجأه إلى ذلك، وأكثر ظني فيه أنه إنما أتي من قلة علمه بنقل الناقلين لذلك، واستعمال رأيه فيه من غير معرفة منه بما قال السلف فيه، ونقلته الأمة، والله يغفر لنا وله"(1).

وذهب جمهور أهل العلم ومحققوهم إلى أن النسخ واقع في الشريعة.

وشبهة المنكرين لوقوع النسخ: أن اللفظ الدال على الحكم الأول إما أن يدل على الدوام، فإذا جاء الناسخ، كان متناقضاً، وإما أن لا يدل على الدوام، فيكون مطلقاً، ويكفي للعمل به مرة واحدة، وينقضي بذاته، فلا يحتاج إلى النسخ.

والجواب عن هذه الشبهة: أنه تعالى يأمرنا بالشيء، ولا ينص على دوام، ولا على عدم الدوام، وإنما يأتي الأمر بصيغة يفهم منها تكرار العمل، فنمتثل مقدرين استمراره، فهذا جاء الناسخ، نعلم أنه تعالى أمرنا بالأمر، وهو يريد العمل به إلى هذا الوقت المعين في علمه، وهذا الوقت لا يلزم

(1) تفسير آية: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106].

ص: 106

أن يكون معلومًا لنا؛ إذ لا يترتب على هذا العلم فائدة.

ولما استدل الجمهور على النسخ بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 156] قال المنكرون للنسخ: إن الآية المراد منها: المعجزة؛ بدليل قوله تعالى بعد: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106]؛ فإن وصف القدرة إنما يناسب الإِتيان بخير من الآية المتلوة، والإتيان بمثلها.

ورد هذا؛ بأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أعرف الناس بفهم القرآن، كانوا يفهمون الآية على نسخ الآيات المتلوة في القرآن، ففي "صحيح البخاري" عن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا علي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبيّ، وذاك أن أبيًّا يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} ، يريد: أن أبيًّا ربما قرأ ما نسخت تلاوته؛ لكونه لم يبلغه النسخ.

وقال المنكرون للنسخ أيضاً: نسلم أن قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مراد منه: نسخ الآية المتلوة، لا المعجزة، ولكن الآية وردت شرطية، والقضية الشرطية لا تستلزم الوقوع.

ويجاب عن هذا: بأن الآية - وإن كانت شرطية - قد وقعت في سياق الامتنان، والشرطية إذا وقعت في سياق الامتنان من الله تعالى، دلّت على وقوع فعل الشرط وجزائه.

وقد عمد منكرو النسخ لآيات وأحاديث متعددة ظاهرة في النسخ،

(1) يريد: أن ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمه من طريق قطعي، وأما ما يخبره به غيره عنه، فلا يقبله، ويترك ما سمعه، إلا إذا بلغ مبلغ القطع.

ص: 107

فتأولوها على وجوه يريدون بها الجمع بين ما قيل فيه: إنه من قبيل الناسخ والمنسوخ.

وربما تعسف هؤلاء في التأويل، وأتوا بما لا يقع لدى العارف بحكمة التشريع ويلاغة القرآن موقع القبول.

كما أن بعض القائلين بالنسخ قد يتسرعون إلى تخريج آيات وأحاديث على باب النسخ، ويكون وجه إبقائها في الآيات المحكمة قريباً، وقد أسقط أبو بكر بن العربي كثيراً مما عد في الناسخ والمنسوخ بطريقة الجمع بينهما على وجه مقبول. "والنسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، بل ولا شطرها"(1).

ولا يكفي في تخريج كلام الشارع على النسخ مجرد التنافي بين ظاهري النصين، بل لا بد من قيام شاهد على النسخ، وأقوى شواهده: نص الشارع على ذلك؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها"، وقوله:"كنت نهيتكم عن ادخار لحم الأضاحي، فادخروها"، وقوله:"كنت نهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا".

والنسح يقع في الشريعة لِحِكَم:

منها: اختلاف المصلحة باختلاف الزمان؛ كنسخ وجوب وقوف المسلم للعشرة من العدو للقتال بوجوب وقوفه للاثنين منهم.

ومنها: أخذ الناس إلى بعض الأحكام على وجه التدريج؛ حتى يسهل عليهم الامتثال؛ كما وقع تحريم الخمر، وتحريم الكلام في الصلاة بعد أن

(1)"أعلام الموقعين"(ج 3 ص 458).

ص: 108

كان مباحاً.

ووقع في شريعة موسى عليه السلام نسخ الأخف بما هو أثقل منه؛ عقوبة على بعض المعاصي، قال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 160 - ا 16]، ولا نعلم مثالاً لهذا في شريعتنا.

المعروف أن النسخ ثلاثة أقسام:

أولها: ما نسخ حكمه وتلاوته، ويسوقون في أمثلته: نسخ تحريم عشر رضعات بتحريم خمس رضعات، المشار إليه في حديث مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان فيما نزل من القرآن عشر: رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات (1)، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن" أي: يقرؤها من لم يبلغه نسخها.

ثانيها: ما نسخ حكمه، وبقي لفظه؛ كآية:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65]؛ إذ نسخ حكمها بقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66].

ثالثها: ما نسخ لفظه، وبقي حكمه، ومثاله: نسخ آية رجم الزاني المحصن مع بقاء الحكم، وشاهدهم على هذا: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قد

(1) النسخ في الواقع متوجه إلى قصر التحريم على العشر الرضعات، وجعلها أدنى ما يقع به التحريم، وإلا، عشر رضعات لم ينسخ، لأن تحريم الخمس الرضعات يقتضي تحريم العشر الرضعات بالأولى.

ص: 109

بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه آية الرجم، قرأناها، ورويناها، ونقلناها، فرجم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده".

هذه رواية مسلم في "صحيحه"، وروى مالك في "موطئه"، قال:"قدم عمر بن الخطاب المدينة، فخطب الناس، ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم بقول قائل: لا نجد حدّين في كتاب الله، فقد رجم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورجمتُ، والذي نفسي بيده! لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله (1) تعالى، لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة، فإنا قد قرأناها".

خشي عمر رضي الله عنه أن ينكر عليه كتابة آية الرجم في المصحف قوم، ويقولوا: قد زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله، وهؤلاء الذين خشي عمر إنكارهم إما أناس يخالفونه في أن آية الرجم هذه نزلت في القرآن، وإما أناس يقولون إن هذه الآية غير مجمع عليها، وغير منقولة بالتواتر ولا يكتب في المصحف إلا ما نقل بالتواتر على أنه قرآن، وإما أناس يقرون بأنها نزلت قرآناً، ولكنهم يرون أنها نسخت تلاوتها، وبقي حكمها، فلا يجوز إثباتها في المصحف.

والظاهر من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه يرى أن آية الرجم لم تنسخ تلاوتها؛ إذ لو كان يعلم أنها نسخت تلاوة، لما خطر له أن يكتبها في المصحف، وكان المانع له من كتابتها نسخ تلاوتها، لا الخوف من قول الناس: زاد عمر في كتاب الله.

وقد يقال: إن عمر كان عالماً بنسخها، ولم يرد كتابتها في المصحف

(1) في "سنن أبي داود""لولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله، لكتبته في المصحف".

ص: 110

داخلة بعض سوره، متصلة ببعض آياته، بل أراد بقوله:"لكتبتها": كتابتها في حواشي المصاحف، مع بيان أنها نسخت، حتى يطلع عليها كل من يقرأ المصحف، والذي منعه من كتابتها في المصحف على هذا الوجه؛ مخافة أن ينكر الناس عليه ذلك، ويسموه: زيادة في القرآن.

وجاء في رواية أبي داود في "سننه": "ولولا أني كره أن أزيد في كتاب الله، لكتبتبه"، فجعل علة عدم الكتابة كراهته لأن يزيد في كتاب الله؛ أي: إنه كره أن يكتب آية الرجم، ولو في حاشية المصحف؛ لأنها زائدة على القرآن، وقد أمروا بتجريد القرآن عن كل ما ليس بقرآن يتلى؛ حذرًا من أن يتجه الناس - ولو بعد حين - إلى اعتقاد أنه من القرآن المتعبد بتلاوته.

وليس فيما روي عن عمر بن الخطاب تصريح بأن ما نزل من الرجم قد نسخ، وإنما فهم النسخ من تسميتها آية، وقوله: قرأناها، مع عدم وجودها مكتوبة بين دفتي المصحف، ومن المحتمل أن يكون ما نزل في الرجم، لم ينزل على أنه قرآن يتعبد بتلاوته، ويأخذ مكاناً في المصحف، وإنما نزل بوحي؛ ليحفظ، ويعمل به.

قال ابن حزم في كتاب "الأحكام": "ونحن لا نقطع أنها كانت قرآناً يتلى في الصلوات، ولكن نقول: إنها كانت وحيًا أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مع ما أوحي إليه من القرآن، فقرئ المتلو مثبوتاً في المصاحف والصلوات، وقرئ سائر الوحي منقولاً محفوظاً معمولاً به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط".

وكان تسميتها آية على هذا الوجه مبنية على تفسير الآية بما نزل بوحي مطلقاً، ولا يختص بما نزل على أنه قرآن يتهجد به، ويتلى في الصلوات،

ص: 111

وأما قوله: "قرأناها"، فغير صريح أيضاً في أنها قرآن؛ إذ القراءة تكون لغير القرآن. ومما يدل على أن آية الرجم كانت تعد من قبيل الأحاديث، لا أنها قرآن: ما رواه الطبراني عن العجماء، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة بما قضياه من اللذة". ورجاله رجال الصحيح (1).

(1)"مجمع الزوائد"(ج 6 ص 26).

ص: 112