الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى شباب محمد صلى الله عليه وسلم أيها الشباب الناهضون
! (1)
تعلم حق اليقين أن دين الإسلام منبع العزة في الدنيا، ومرقاة السعادة في الأخرى، يدري هذا من درس أصول الدين، واطلع على أسرار أحكامه وآدابه، ولا يزال المسلمون في سلامة وسيادة، حتى حادوا عن سبيله، ونكثوا أيديهم عن عروته الوثقى، وكان عاقبة ذلك: أن سقطت أوطانهم في أيدي أعدائهم، وأصبحوا لا يملكون لأنفسهم رأياً ولا نفاذاً.
وكان يهوّن هذا الخطب أن انحراف المسلمين عن شريعتهم الذي كان سبب ضعفهم، لم يكن إلا إهمال الواجبات العملية عن غفلة، أو تغلب شهوة، والغفلة تداوى بالتنبيه، والشهوات تقاوم بالموعظة الحسنة.
ولكن أمتنا بعد أن انحدرت بها الأهواء في تلك الحفرة من الذلة، أصيبت بعلة أخرى هي أسوأ أثراً، وأشأم عاقبة من علتهم الأولى، وهي ابتلاء كثير من أبنائنا بزيغ العقيدة، ومحاكاة المخالفين، حتى في الآراء المخالفة لجوهر الدين.
وإذا كان خسران العقيدة فيما سلف، قد يبتلى به أشخاص متفرقون، ويبالغون في كتمانه، وإنما يظهر في لحن خطابهم، أو ينقله عنهم بعض من
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثاني من المجلد الثالث عشر.
يسرون إليه به، فإنه في هذا العصر قد تفشى، حتى أصبح الملاحدة والاباحيون يصرخون في المجالس العامة، أو على صفحات المجلات أو الجرائد بما لا يختلف علماء الإسلام في أنه ردة وخروج على الدين إلى حد بعيد.
وليس من العجب أن يلحد أبناؤنا الذين نشؤوا في بيئات لا تعرف من الدين إلا اسمه، ولم يلاقوا إلا النفر الذين تصدوا لمحاربة الدين بجهالة أو بسوء قصد، وإنما العجب أن تجد الإلحاد والإباحية في نفر نشؤوا في معاهد إسلامية، ولكنهم يتسترون بتأويل القرآن المجيد، والحديث النبوي الشريف تأويلاً لو سلكناه في تأويل كلام أحدهم، لغضب منه، وعمّه رمياً له بالعيّ، أو العبث باوضاع اللغة العربية.
إذن فالزائغون عن الرشد في أوطاننا صنفان:
1 -
صنف نشؤوا في بيئات شأنها الطعن في الدين، ولا عمل لها إلا إيراد الشبه مجردة من الحجج التي تدفعها، وتقر الحقائق في مواضعها.
2 -
وصنف نشؤوا في معاهد إسلامية، ولكنهم لم يدرسوا الدين دراسة جد وتحقيق تجعلهم في حصانه من أن تأخذهم الشبه، وتخدعهم زخارف الحياة، ولم يملكوا من خشية الله تعالى ما يمنعهم أن يقولوا على الله غير الحق.
وتقويم الصنف الأول من الملاحدة أيسر من تقويم الصنف الثاني؛ إذ الصنف الأول قد يجلس إليك بصفتك داعياً إلى الإصلاح، فيصغي إليك عندما تتصدى لدفع شبهة، وإقامة حجة، فإذا بصر بالشبهة ذهبت، وبالحجة أضاءت، لم يلبث أن يجيب دعوتك متأسفاً عما سبق له من الغواية، مغتبطاً بما وفقه الله إليه من هداية.
أما الصنف الثاني، وهو الذين يلحدون بعد قطع مراحل من التعليم الديني، ففي دعوتهم من ظلمات الزيغ إلى نور الرشد عسرة إذ يخيل إليهم أنهم عرفوا ما يعرفه الدعاة، ولم يجدوه موصلاً إلى حق، وهذا التخيل يصدهم عن الإصغاء إلى الدعوة، وإذا أصغوا إليها، فإنما يقصدون في غالب أمرهم استكشاف موضع ضعف يهاجمونها منه.
وهذا الصنف أشد ضرراً على الأمة من الصنف الأول؛ إذ الصنف الأول قد يكون إلحاده مقصوراً عليه، وإن قام بدعاية إلى الإلحاد، فإن الناس لا يستمعون إليه؛ إذ هو محمول على الجهل بحقائق الدين وأصوله، أما ذلك الذي يخرج لهم في زي رجال الدين، أو يذكر أنه درس الدين حتى انتهى إلى غاية بعيدة، فكثيراً ما يغرّ الغافلين من الشباب أو العامة؛ إذ يسبق إلى أذهانهم أنه يتكلم على بينة، ولا ينتبهون لما يحمل في صدره من زيغ، ولا لما يضمر في نفسه من أغراض دنيئة.
أقول هذا - أيها الشباب الناهضون - لأذكركم بأنكم ستلاقون شباباً سرى إليهم وباء الإلحاد والإباحية من اتصالهم بنفر أعرفَ بطرق المكر، أو أبرعَ في صناعة البيان، فخذوهم بالحكمة والرفق وسعة الصدر عند المناقشة؛ فإنكم تدعون إلى الحق، وللحق ضياء ينكشف إزاءه كل باطل، وإن خرج في ثوب مستعار من الحق.
وأنكم ستلاقون فئة ممن يدّعون أنهم درسوا الدين وهم زائغون عن سبيله، وقد يجنحون بكم إلى طريقة التأويل الفاسد، فازدرُوا أقوالهم، وارموا في وجوههم بالحجة، ولا تهابوهم، ولو لبسوا العمائم؛ فإنها قد تنصب على رؤوس لا تفكر إلا في وسائل المكر بالدين الحنيف، وهذه الخيانة تكسبهم
ضعفاً، وتجعل مسالك القول أضيق عليهم من سم الخياط، فلا يقفون لجدالكم إلا بمقدار ما يعرفون قوة إيمانكم، وثبات أقدامكم.
وإنكم ستلاقون فئة باض اليأس من الإصلاح في قلوبهم وفرخ، ويصارحونكم بأن الدعوة إلى الحق في هذا العصر من قبيل النقش في الماء، أو الضرب في حديد بارد، فإن تعذر عليكم اقتلاع هذا اليأس من نفوسهم، فاعلموا أن خلف يأسهم جبناً، ولا خير لكم في محادثة الجبناء.
وإنكم ستمرون بأشخاص مردوا على التهكم والاستهزاء، فيهمسون في الآذان، ويتغامزون بالأعين، وكذلك كان أمثالهم يستهزئون بالدعاة إلى الخير، فيجدون من الدعاة إخلاصاً وثباتاً يذهب كل استهزاء من حولهما لاغية، فدعوا المتهكمين والمستهزئين في هزلهم، وامضوا في سبيل دعوتكم إلى الحق والفضيلة، فستجنون بتأييد الله تعالى ثمرتها، وتحمدون عاقبتها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.