المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العناية بالتعليم الديني - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٥/ ٢

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(9)«الدَّعْوَةُ إلى الإِصْلاحِ»

- ‌المقدمة

- ‌مقدمة الإمام محمّد الخضر حسين

- ‌الحاجة إلى الدعوة

- ‌الدعوة في نظر الإسلام

- ‌المبادرة إلى الدعوة

- ‌التعاضد على الدعوة

- ‌من الذي يقوم بالدعوة

- ‌الإخلاص في الدعوة

- ‌طرق الدعوة

- ‌أدب الدعوة

- ‌سياسة الدعوة

- ‌الإذن في السكوت عن الدعوة

- ‌علل إهمال الدعوة

- ‌آثار السكوت عن الدعوة

- ‌ما يدعى إلى إصلاحه

- ‌أثر الدين في إصلاح المجتمع

- ‌أثر أدب اللغة في نجاح الدعوة إلى الإصلاح

- ‌حريّة الدعوة فى دليل على رقي الأمة وعظمة الدولة

- ‌أصول الإصلاح الاجتماعي

- ‌من هو الواعظ بحق

- ‌الإسلام والعلم

- ‌التربية الدينية والشباب

- ‌التعليم الديني في مدارس الحكومة

- ‌العلماء وأولو الأمر

- ‌تعاون الدولة والأمّة على انتظام الأمن

- ‌من هو الشاب المسلم

- ‌إلى شباب محمد صلى الله عليه وسلم أيها الشباب الناهضون

- ‌مقاصد الاسلام في إصلاح العالم

- ‌انتشار الإسلام في العالم وعوامل ذلك

- ‌ عوامل انتشار الإسلام:

- ‌ ما يثار حول انتشار الإسلام من شبه:

- ‌نهوض الشباب بعظائِم الأمُور

- ‌جيل يؤمن بالأخلاق

- ‌مثل أعلى لشجاعة العلماء واستهانتهم بالموت في سبيل الحق

- ‌شجاعة العلماء وإنصاف الأمراء

- ‌محاربوا الأديان ونموذج من سلاحهم

- ‌العلماء وحياتهم الاجتماعية

- ‌العناية بالتعليم الديني

- ‌العناية بالتعليم الديني

- ‌مناهج الشرف

الفصل: ‌العناية بالتعليم الديني

‌العناية بالتعليم الديني

(1)

حضرة صاحب. . . .

في هذا العهد السعيد من عهود مصر ترفع "جمعية الهداية الإِسلامية" إلى مقامكم الكريم هذه المذكرة الخطيرة، حاملة أبلغ آيات التحية، وأليق مظاهر الإجلال، راجية أن تتقبلوها بقبول حسن، متمنية على الله تعالى أن يبارك في جهودكم الموفقة، حتى يؤتي الاستقلال والدستور ثمارهما الغالية المنشودة.

* التعليم في مصر:

تفتتح مصر الآن صفحة جديدة من كتاب الاستقلال بعد إبرام المعاهدة، ولهذا الاستقلال تبعات جسام تضع البلاد بين حاضر ترهقه التجارب الثقيلة، ومستقبل تنتظره النتائج الخطيرة. ولا ريب أن أهم هذه التبعات، وأولاها بالعناية: هي مسألة التربية والتعليم، ولكن تربية رشيدة وتعليماً صالحاً، يفي

(1) المذكرة الثالثة المرفوعة من الإمام إلى الحكومة المصرية في طلب العناية بالتعليم الديني والتربية الدينية. وقد نشرت في مجلة "الهداية الإِسلامية" - الجزء الحادي عشر من المجلد العاشر. وهذه المذكرة قد ضمت جميع فقرات المذكرة الثانية المنشورة في الجزء الثاني عشر من المجلد السابع لمجلة "الهداية الإِسلامية"، لذا اكتفينا بنشر المذكرة الثالثة فقط.

ص: 196

بحاجات البلد، ويربي لأبنائها كواهل قوية، وعوائق صُلبة، تستطيع أن تضطلع يحمل تلك الأعباء الضخمة، التي يفرضها عهد إلاستقلال السعيد.

ونحن في هذه المذكرة لا نحاول علاج مشكلة التربية والتعليم من جميع وجوهها، فتلك مجالات واسعة نترك الحديث في كل مجال منها للمتوفرين على دراسته من ذوي التخصص والامتياز.

ونقتصر نحن هنا على الجانب الأهم من تلك الجوانب جميعاً، وهو التعليم الديني والتربية الإِسلامية، أو الإسراع بوضع سياسة التعليم في مصر على أساس العناية بالدين الإِسلامي تربية وتعليماً، حتى ينطبع النشء بشريف طابعه، وحتى تظهر آثاره الجليلة في اعتدال أفكارهم، وسمو أخلاقهم، ومتانة رجولتهم، وحسن انتفاعهم بالحياة ونفعهم إياها.

* الغرض من التعليم:

يقول سعادة وزير المعارف الأسبق في تقريره عن التعليم الثانوي نقلاً عن المؤتمر الدولي للتعليم الثانوي، يقول:"إن الغرض من التعليم هو تكوين الشخصية، وتقويم الخُلق".

ونحن أمام هذا البيان الرائع، نرى من واجبنا أن نمدّ يد المعونة للوزارة في هذه المهمة السامية، وأن ندلها في هذه المحاولات الجليلة الشأن على أن أهم عامل من عوامل تحقيق هذه الغايات العليا: هو الاعتصام بالدين الإِسلامي الذي شرعه الله لمثل هذه الأغراض نفسها، من إيجاد شخصيات عظيمة، وأمم قوية ممتازة، عن طريق بث روح الإيمان بالحق، وتوجيه البشر إلى اعتناق العقائد الراشدة، والمبادئ السليمة، والأعمال الصالحة المثمرة، وتقويم الأخلاق، وتزكية النفوس.

ص: 197

* الإِسلام كفيل بذلك الغرض:

ولسنا نحاول في هذه الكلمة أن نقيم الأدلة النظرية على أن الحنيفية السمْحة هي الأساس النافع لبناء الأفراد والأمم، ولكن حسبنا أن نلفت النظر إلى شيء واحد فيه غناء عن كل دليل: ذلك أن التربية الإِسلامية جُربت، وأعيدت تجربتها مراراً، فنجحت في كل مرة أكبر نجاح، وانتفع بها كل من صدق في تجربتها من الأمم المتبدِّية والمتحضرة على سواء. وكان لهذا النجاح دويّ هائل في التاريخ، وروعة أخاذة في الوجود، وتحول مدهش في العالم، وانتقال سريع في حدود الممالك، وحياة جديدة صالحة لبني الإنسان في كل زمان ومكان! وكان فيها - فوق ذلك - تحقيق واسع لأمنية الجامعة الإنسانية التي تحلم بها الشعوب المتزعمة لحضارة الوجود في هذا الزمن.

وما ظنك بدين جمع تحت رايته نصف الكرة الأرضية في أقل من خمسين ومئة سنة، جمعها ولكن على مبدأ المساواة والعدل، وعلى قاعدة الحرية والرحمة.

هذا إذا نظرنا إلى الإِسلام من ناحية تأثيره في المجموع. أما تأثيره في الفرد، فإنه يتجلى لنا فيما تركه من السمو المدهش بعقل المسلم الصادق، وضميره، وعاطفته وخلقه، وعمله، وسلوكه مع الله ومع الناس، حتى لقد جعل من رعاء الشاء رعاة للأمم، وأخرج من البادين في الأعراب مضارب الأمثال في الحضارة "الصحيحة" والمدنية الراقية، وحوّل أشباه الشياطين في جزيرة العرب وغيرها إلى أشباه ملائكة يمشون على الأرض، ملؤوها بالهداية والنور، وفتحوها بالعلم والخلق، ذلك لأن الإِسلام تناول بالإصلاح كل ناحية من نواحي الإنسانية، فوفق بين مطالب الروح والجسد، وحدَّ

ص: 198

للإنسان حدودًا في عقيدته، وعبادته، وأخلاقه، ومعاملاته، ووضع أسس الإصلاح المالي والاجتماعي والسياسي، وهذّب الحرب والسلم، وأنصف النساء، ووضع قواعد تحرير الرقيق، وحافظ على كل عزيزة لدى الإنسان؛ من عقله وعرضه، وصحته وماله، وحريته وحياته، وأهله ووطنه، ومستقبله العاجل والآجل!! وبهذا الإصلاح الشامل طبع الإِسلام شخصية الفرد وشخصية الأمة بأعلى طابع عُرف منذ خلق الإنسان الأول إلى يوم الناس هذا.

ولقد بهر هذا الإصلاح الإِسلامي أمم الغرب، فمدوا أيديهم يقتبسون من هدايته، وراحوا يغترفون من مناهله العذبة في جامعات الأندلس أيام عزّ الإِسلام هناك، وكذلك فتحوا عيونهم على تعاليمه منذ الحروب الصليبية واتصالهم بالشرق وبلاد الإِسلام. ومن أجل ذلك اعتبرت المدنية الغربية مدينة إلى حد بعيد لمدنية الإِسلام وعلوم الإِسلام، ثم لا يزال دعاة الإصلاح في هذا العصر من الغربيين ينادون: أن هلمّوا إلى الإِسلام في آدابه وأحكامه، وهاهي مؤتمراتهم الدولية تعجب بالتشريع الإِسلامي، وتقرر دراسة الشريعة الإِسلامية، وهاهي بعض دولهم الفتية ترجع إلى مقررات الإِسلام في بعض أحكامها وتقاليدها. وينتهي الأمر إلى هذه النتيجة الرائعة التي يعلنها الكاتب الذائع الصيت (برناردشو) إذ يقول:

"إن أوربة لا تتماثل من علتها التي تكاد تؤدي بها إلا إذا أخذت بأصول الإِسلام، وعملت بها"!.

* الحاجة الملحة إلى تعليم الدين:

فما لنا نحن لا نهتم بهذا الروح الإلهي ننفخه في الناشئة، ونحيي به

ص: 199

ما رمَّ من الأخلاق، ونبني به ما تهدم من الشخصيات، خصوصاً في هذا العصر الذي أصبحت فيه مدارسنا المصرية لا تعتبر إلا معسكرات علمية - على حد تعبير سعادة وزير المعارف في مذكرته عن التعليم الثانوي (ص 29) -، أجل: إنها معسكرات، ولكن لا تخرج - بالأسف - إلا جيوشاً جرّارة أكثرها عاطل لا يجد عملاً، وزاد الطين بلة: أن هذه الجيوش الجرّارة تعوزها القوة المعنوية أشد مما تعوزها القوة المادية، ويصيبها خراب نفوسها، وإفلاس أخلاقها بأفظع مما يصيبها خراب بيوتها، وإفلاس أيديها، ولم يقف المرض- واأسفاه- في منطقة معينة، بل تفشى وسمم الجو كله، فإذا مخازي الأخلاق تفضح مصر، وتسود وجهها كل وقت، وإذا كثير من أولادنا وفلذات أكبادنا نرى مصارعهم اللاطمة على قارعة كل طريق، فمنهم ضحايا التضليل والتبشير، ومنهم حطب الزندقة والإلحاد، ومنهم ذبائح الانتحار وصرعى الخمور، ومنهم فرائس التخنث والبغاء، ومنهم خراب الدور وسوس الأموال، ومنهم نكد الآباء والأمهات، وداء المعلمين والمعلمات.

هذا شأنهم في عهد الثقافة والتعلم، فإذا تخرجوا، ونزلوا ميدان الحياة العملية، نزلوها بأسلحة مفلولة لا تأتي إلا بالهزيمة؛ لأن عواتقهم رخوة لم تربها المدرسة لتحمل أعباء العمل، ولم يصنعها منهج التعليم للكفاح والنضال. فأنت تراهم إذا دعاهم الواجب، يولون الأدبار، ويأبى عليهم جبنهم وتردّدهم إلا أن يتقهقروا سراعاً إلى الوراء، بينما القافلة العالمية تسير طيرانًا إلى الأمام.

أجل: هذا شبابنا الذي يتسكّع في الشوارع، ويطارد الفتيات فيها من غير حياء ولا خجل، وليتسابق إلى الملاهي والمساخر، ويتنافس في التخنث

ص: 200

والتهتك، ثم ليعبث بعد ذلك بكل مقدس، ويحتقر تاريخه وتاريخ أمجاده، بل وينكر من شاء من آبائه وأجداده. بينما شباب الأجانب أعد إعداداً جعله يتغنى بمجد أمته، ويعتز بدينه، ويفاخر بقومه، ويعمل ليله ونهاره في إنهاض نفسه وإسعاد بلده بالجد والسعي، والعلم والتحصيل، والكشف والاختراع، والدفاع والكفاح.

ونحن إذا أنعمنا النظر، نجد أن العامل الأهم في هذا الانحدار الذي تتردى فيه إنما يرجع إلى قبض روح الإِسلام من هيكل التعليم، وحرمان أولادنا من تنسم هذه الحياة الراقية التي رحم الله بها الوجود الإنساني، وبدون هذه الروح لا حظّ له في الرحمة، ولا نصيب له إلا اللعنة!

* التعليم الديني واجب سياسي أيضاً:

على أن السواد الأعظم من دافعي الضرائب في مصر مسلمون معتزون بإسلامهم، وهم متألمون متململون من عدم تنشئ الحكومة لأولادهم على هدايته في مدارسها. ولا ريب أن الحكومة الحكيمة الراشدة هي التي تجامل الأمة المحكومة، فترعى حرمة دينها فيها وفي أولادها، وتشبع حاجتها في نوع تربيتها وتعليمها، حتى ولو كانت الحكومة لا تدين بدين الأمة، ولا تشعر بالحاجة الجدية إليه. فما بالك والحكومة المصرية دينها هو دين الأمة، وشعورها بالحاجة هو شعور الأمة، بل ومصر تفتخر بأنها حاملة مشعل الإِسلام، وبأنها منهل الثقافة الإِسلامية لجميع أقطار الإِسلام. إذن فإهمال التعليم الإِسلامي يعتبر - بلا شك - امتهاناً لشعور الأكثرية الساحقة من الأمة، هذه واحدة، وهناك ناحية أخطر من تلك، وهي أن عدم العناية بهداية الإِسلام في المدارس يصدع وحدة الأمة، ويفرّق بين أبنائها تفريقًا يفتت كتلتها، ويهدد سلامتها. ذلك

ص: 201

أن بعض أبناء هذه الأمة يتربون تربية دينية في الأزهر والمعاهد الدينية، أو على أيدي المتخرجين في الأزهر والمعاهد الدينية، فينطبعون بطابع الإِسلام، وتتأثر حياتهم ومشاعرهم به. بينما البعض الآخر من أبناء الأمة، وهم الأكثرون، يتربون تربية مدنية فقط في المدارس الأميرية، أو غير الأميرية، فينطبعون بطابع يجافي الدين، وتتأثر بهذا الطابع المجافي حياتهُم ومشاعرهم أيضاً.

من هذا الاختلاف بين الثقافتين - في المبدأ والغاية والأثر - ساء التفاهم، واشتدّ التناكر بين طائفة المتعلمين تعلماً دينياً، والمتعلمين تعلماً مدنياً، وكاد الشر يتفاقم، والخرق يتسع، لولا أن تنبه المصلحون إلى ضرورة التقريب بين الثقافتين، والربط بينهما برباط وثيق، فأدخلوا العلوم المدنية في الأزهر والمعاهد الدينية بمقدار مناسب؛ "أي: لا يطغى على العلوم الدينية"، ثم بات هؤلاء المصلحون يرتقبون بفارغ الصبر من وزارة المعارف أن تخطو هي أيضاً خطوة التقرب الواجبة عليها بإدخال العلوم الدينية في مدارسها بمقدار مناسب؛ "أي: لا يطغى على العلوم المدنية". وبهذا وحده تتوثق عرا الوحدة بين أبناء الأمة، وتلك سياسة لا بد منها في حفظ كيان الدولة؛ لأن الدولة لا تسلم كتلتها إلا إذا اتحدت مشاعرها ومطامحها، ولن توجد في الدنيا صلة أوثق في توحيد المشاعر والمطامح من الدين والتثقيف، وذلك أمر يكاد يكون ظاهراً للعيان، لا يحتاج إلى دليل ولا إلى برهان.

فالكلمة إذن لوزارة المعارف، وخطوة التقرب التي تربط بين الثقافتين منتظرة من جانبها هي بعد أن خطت المعاهد خطوتها الواسعة في هذا السبيل.

* عيوب الثقافة الدينية الحاضرة بالمدارس:

ونحن لا ننكر أن وزارة المعارف قررت منذ زمن تدريس الدين الإِسلامي

ص: 202

بالمدارس، ولكنا نلاحظ أن هذا التقرير أشبه بالهزل منه بالجد، لأنه اعتبر الدين مادة إضافية؛ أي: غير مهمة، أمرها موكول إلى رحمة الطالب، إن شاء أقبل عليها، وإن شاء أعرض عنها، ثم هي لا يتوقف عليها نجاح، ولا أثر لها في نتيجة، ومع ذلك، فإن تقرير الديانة بهذه الصفة مقصور على القسم الابتدائي والقسم الثانوي، أما العالي كله، والمدارس الفنية، فلا نصيب لكل ذلك في هداية الإِسلام. ومن الغريب: أن التاريخ الإِسلامي لا يدرس إلا عرضًا في ضمن التاريخ العام! وأغرب من هذا: أن دراسته قد تستند إلى أساتذة لا يؤمنون بعظمة الإِسلام، ولا بأبطال الإِسلام! وإن تعجب، فعجب إهمال التربية الإِسلامية في جميع المدارس دون استثناء، على حين أن التربية أهم من التعليم؛ لأنها هي التطبيق العملي الذي يربي النفس بالتمرّن، ويقوِّم الأخلاق بالتعود!

* الوسائل إلى إصلاح تلك العيوب:

لهذا كله: نطلب في إلحاف أن يُعنى بالثقافة الإِسلامية والتربية الإِسلامية كلتيهما عناية تفيد وتثمر، وتحقق الغاية المرجوة من إعداد جيل ينهض بنفسه وبأمته. وعقيدتنا أن تلك الغاية لن تتحقق إلا بالوسائل الآتية:

- الوسيلة الأولى:

وهي أهم الوسائل: أن يقرر تعليم الإِسلام في المدارس على أنه مادة أساسية مهمة، بمعنى: أن يكون داخل الجدول لا خارجه، وأن يتوقف عليه نجاح الطالب لا ترتيبه، وأن يفرض لنهايته الصغرى في النجاح درجة كبيرة تشعر التلميذ خطورة هذه المادة دائماً، وتحرك عزمه إلى العناية بها طول أيام دراسته.

ص: 203

وإنما اعتبرنا هذه الوسيلة أهم الوسائل؛ لأنه ثبت بالتجربة الطويلة الصادقة: أن الطلاب لا يعيرون المواد الإضافية أهمية، ولا يلتفتون إليها إلا بمقدار ما فيها من لهو أو متعة؛ كالألعاب الرياضية. أما الدين، فإنه يكلف الإنسان ضبط نفسه، وقمع هواه، وتهذيب غرائزه، ويقيم على عرش قلبه حكومة إلهية ذات رقابة دقيقة. والنفوس البشرية التي لم تتشرف بهدايته تعمل على أن تفر منه تهربًا من المسؤولية في زعمها، وانطلاقاً إلى الإباحة التي أصيبت بها. وتلبث كذلك حتى تنساق إلى عرفانه بأي عامل من العوامل المؤثرة، فإذا عرفته، ألفته، وعشقته، وهنالك تحيا به، ويحيا هو بها، ويهون عليها أن تفديه بكل نفس ونفيس. فالخطوة الأولى إذن: هي أن ندفع التلميذ دفعاً إلى أن ينهل من مناهل الإِسلام. والوسيلة الوحيدة إلى ذلك: هي أن تفرض مادته عليه فرضًا يترتب عليه نجاحه إن أقبل، ورسوبه إن أهمل.

وإلا، فكيف يهتم التلميذ بمادة يعتقد أنها في نظره ونظر رياسته ليست ذات أهمية، لا تشعره المدرسة نحوها بمسؤولية، ولا تحاسبه عليها ولا مرة واحدة في حياته الدراسية؟

وهل ترضى وزارة مصرية دينها الرسمي هو الإِسلام، ودين جلالة مليكها هو الإِسلام، ودين الكثرة الغامرة من رعاياها هو الإِسلام، ولديها الأزهر قبلة الأقطار الإِسلامية كافة في علوم الإِسلام. نقول: هل ترضى وزارة هذا شأنها أن يكون الدين الإِسلامي في مدارسها مادة إضافية، مثله مثل الألعاب الرياضية؟!.

ثم هل ترضى هذه الوزارة أن يفهم عنها أن مادة الدين في نظرها ليست مهمة، وأنه لا قيمة لها في نجاح، ولا وزن لها في نتيجة؟!

ص: 204

ألا إن هذه وصمة تسوئ سمعة الأمة، وتجرح كرامة الحكومة، وتصيبنا في الصميم من بناء أخلاقنا، وإعداد أولادنا للحياة الفاضلة. وقد كان السكوت عليها هينًا في نظر بعض الناس يوم كانت المدارس محدودة، وكانت سياسة التعليم فيها ترمي إلى غرض واحد، هو تخريج موظفين على نمط خاص. أما الآن، وقد ضاقت الوظائف بأصحابها، وماجت مصر بمدارسها، وأتخمت المدارس من كثرة الإقبال عليها، وفشا الإلحاد والتضليل، وكثرت حوادث الاختلاس في الموظفين، وكاد حبل الأمن العام يضطرب من كثرة الجرائم لضعف الوازع المديني؛ فقد وجب أن تعدل سياسة التعليم، وأن تتجه إلى غرض سام شريف هو: إعداد شبان نافعين يواجهون الحياة العملية بضمير وصبر، ويحلون مشاكل الوجود بحكمة وشجاعة، ويصلحون لأن تتكئ الأمة عليهم في المهمات والنوازل. ولن يكون شيء من هذا إلا بتربية النفوس على آداب الإِسلام، وإشرابها من عهد الصغر ثقافة الإِسلام، كما بيّنا.

وهناك ناحية جديرة بالنظر، وهي أن وزارة المعارف قد شغلت وقت الطالب ببعض مواد أساسية، لا تمت بسبب وثيق إلى حياة الطالب العملية، فهل يصح في الأذهان أن تكون هذه مواد أساسية، ويكون الدين بجانبها مادة إضافية، على حين أن الطالب لا يمكن أن يستغني عن هداية الإِسلام لحظة واحدة إذا أراد أن يعمل لحياته العاجلة والآجلة؟! وإذا كان بعض العلوم قد اعتبر من المواد الأساسية؛ لمكان تأثيره في نضوج عقل التلميذ، فإن التعاليم الإِسلامية أولى أن تعتبر كذلك من المواد الأساسية؛ لمكان تأثيرها هي أيضاً لا في عقل التلميذ وحده، بل في عقله، وخلقه، وسلوكه جميعاً.

وفيما قدمناه من التدليل غناء عن الإعادة والتطويل.

ص: 205

ولا يغيب عن الأذهان في هذا المقام: أن كثيراً من المدارس التي تديرها وزارة المعارف الآن نشأ بمال أوقاف إسلامية، وجرت عليه الأرزاق من غلة تلك الأوقاف الإِسلامية، ثم حول إلى وزارة المعارف بأرزاقه ملاحظاً فيها ذلك الاعتبار. ومعنى هذا: أن الناحية الإِسلامية مقصودة للواقف على هذه المدارس، ومعلوم أن شرط الواقف كنص الشارع، فلا بد إذن من رعاية الإِسلام تعليماً وتربية، حتى نبرأ إلى الله تعالى من إهمال تلك المقاصد العالية التي طمح إليها الواقفون، ثم حبسوا من أجلها عزيز أموالهم، ونفيس عقارهم وأطيانهم. ويتصل بذلك: أنه لا يجوز أن يدرس دين غير الإِسلام في مدارسنا الحكومية، وإلا انعكست الآية، فضلاً عن الإغفال لروح الدستور ونصوصه في أن دين الدولة الرسمي هو الإِسلام.

ويزداد هذا الأمر وضوحاً إذا نظرنا إلى ما تقوم به كثير من كبريات الدول الأجنبية في مصر وفي غير مصر، فإنها تفرض تعليم دينها الرسمي في مدارسها كمادة أساسية من غير أن يدرس بجانبه دين آخر، ولا دين البلد الذي تقطنه، وتعلم أولاده، وتعيش من خيراته، وما أمر هذه المدارس في مصر ببعيد. وحسبنا أن نلفت النظر إلى أن انجلترا نفسها لا تسمح أن يدرس في مدارسها إلا مذهبها البروتستانتي وحده، دون أي مذهب آخر غير مذهب الدولة الرسمي، على حين أنه توجد أقليات مختلفة الأديان والمذاهب في مملكتها المتحدة.

فأي الفريقين أحق أن يعني بعد ذلك بدراسة دينه في مدارسه دراسة أساسية موحدة: أنحن، أم هم؟ "لقد أسفر الصبح لذي عينين"! ثم ما بالنا نذهب بعيداً، وهذه وزارة المعارف عينها قد اعتبرت الدين الإِسلامي مادة

ص: 206

أساسية في مدارس المعلمات، ولم تقرر بجانبه دراسة دين آخر، ولم يترتب على هذا ولا ذاك خطر ولا شبه خطر. وإذن، فالأحرى بالوزارة الرشيدة بعد هذه التجربة الناجحة أن تفرضها في سائر المدارس؛ تعميما للنفع، وتحقيقًا لرغبة الأمة، وليس بعد التجربة برهان، ولا بعد العيان بيان.

فإن زعموا أن هناك مانعاً من تحقيق هذه الرغبة، وهو وجود تلاميذ غير مسلمين بجوار التلاميذ المسلمين، قلنا: هذا ليس بمانع؛ لأننا لا نطلب أن يفرض تعلم الإِسلام في المدارس على غير المسلمين، فإن كتاب الإِسلام يقول:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، بل نطلب فوق هذا ألا تعتبر درجات الدين في ترتيب الطلاب، إنما تعتبر في نجاحهم فحسب؛ حفظاً للنظام، وتوخيًا لتوزيع العدالة بين طوائف التلاميذ بقدر الإمكان، لا فرق بين مسلمين وغير مسلمين.

- الوسيلة الثانية:

أن يقرن التعليم الديني بالتربية الدينية؛ فإن منزلة التربية من التعليم منزلة الثمرة من الشجرة، وحشو أذهان التلاميذ بالمعلومات لا يغنيهم غناء إلا إذا ذاقوا فائدتها بالتطبيق. فتحديثهم عن مزايا الصدق في الإِسلام- مثلاً - لا يرسخ فيهم كخلق، ولا يثمر بهم كفضيلة، إلا إذا روّضناهم عليه بوسائل الترغيب والترهيب. وكذلك إذا حدثناهم عن مضار التهتك والتبرج في الإِسلام لا يكون هذا الحديث ناجعًا إلا إذا ضربنا على أيدي المتهتكين والمتهتكات، والمتبرجين والمتبرجات، من التلامذة والتلميذات، وإلا، إذا قامت المدرسة من جانبها بملاحظة أزياء الطلاب والطالبات، وبفرض عقوبات رادعة على كل من يخرج من الجنسين عن أدب الحشمة والوقار في مظهره أو ملبسه أو

ص: 207

سلوكه، سواء في ذلك داخل المدرسة وخارجها.

* استياء واستنكار!!

ونعلن لهذه المناسبة استياءنا واستنكارنا لتلك المظاهر الخليعة، والأزياء الماجنة، التي تظهر بها بناتنا ومعلماتنا في المدارس، وفي حفلات الكشافة والرياضة والتمثيل؛ فإن هذا لا يتفق وما عرف عن الإِسلام والمسلمات من أدب الحشمة والتصون. وحرام على وزارة المعارف أن تربي أمهات المستقبل على هذا التبذل المنافي للَاداب العالية الدينية، والتقاليد الصالحة القومية؛ فإن ذلك جناية على فلذات الأمة، يهوِّن عليهن السقوط في مهاوي الرذيلة، ويعرض سمعتهن للتسويء والتهمة، ويصيب الفتاة في الصميم من عفافها وحيائها، ثم يزعزع الثقة بها، ومن هنا تنتشر العزوبة، ويندر الزواج، ويظهر الفساد في البر والبحر، وتصاب الأمة بالعقم وقلة النسل، وتفشو الأمراض السرية والحوادث الإجرامية على نحو ما نرى ونسمع، ويا لهول ما نرى ونسمع!! فنحن نهيب بوزارة التربية والتعليم أن تقضي على هذه الفوضى الضاربة أطنابها في أزياء التلميذات والمعلمات، ونرجو منها في لهفة أن تنهاهن عن اتخاذ المساحيق والأدهان والأصباغ، وأن تحتم عليهن تغطية رؤوسهن، وستر أيديهن وأرجلهن ونحورهن، وأن تأمرهن بتوسيع ملابسهن، وإسباغها عليهن؛ حتى يكن عند أدب الإِسلام في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].

* اختلاط الجنسين:

ونوجه نظر وزارة المعارف أيضاً إلى أن اختلاط الجنسين في مرحلة

ص: 208

التعليم العالي مناف لآداب الإِسلام وتقاليده من ناحية، ومؤدّ إلى الخطر من ناحية أخرى. وإذا كان التعليم الثانوي قد فصل فيه الجنسان، فأحرِ بالتعليم العالي أن يُفصل فيه الجنسان كذلك؛ لأن العواطف الجنسية في هذه المرحلة تكون أشد ثوراناً.

* إقامة الصلاة بالمدارس:

ويتصل بالتربية الإِسلامية: أن يؤدي الجنسان ما يدركهما من الصلوات كل يوم بالمدرسة في جماعة، وأن تهيأ الوسائل اللازمة لإقامة هذا الشعار الإِسلامي الفخم الذي هو أول أركان الإِسلام بعد الشهادتين؛ فإن الصلاة درس عملي يتلقاه العبد عن مولاه، ومتى أداه على وجهه، تأثر به كل التأثر في إيمانه وايقانه، وفي أخلاقه وأمياله، وفي استقامته وسلوكه. ويظهر هذا الأثر في حياته العملية واضحًا لا يحتاج إلى برهان:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 19 - 23].

ولا يصح أن تكون منزلة الصلاة في المدرسة بأقل من منزلة تصفيف التلاميذ كل يوم فيها لدخول حجرات الدراسة، أو الألعاب الرياضية؛ فإن الآثار المترتبة على هذا التصفيف تجدها بصورة رائعة في صفوف الصلاة، وتجد فيها فوق هذه التربية الجسمية تربية أخرى روحية، فيها إيقاظ للضمير الإنساني، وتقوية للوازع الأدبي، واتصال بقيوم الوجود يملأ القلب بالخشية والهيبة، ويسلح النفس بالشجاعة والعزة، ويدفع المرء إلى الفضائل، وينأى به عن الرذائل.

ص: 209

وها هي المدارس الأجنبية في مصر تقيم صلواتها لتلاميذها وتلميذاتها في مدارسها باهتمام وعناية، دون تفرقة بين من كان من المسلمين أو غير المسلمين. فمن أشنعِ العار أن تكون الصلاة الإِسلامية أقل اعتباراً في مدارسنا، وأهون علينا من الطقوس الدينية في مدراس غير المسلمين!

- الوسيلة الثالثة:

أن تتوجه هذه العناية بالدين إلى جميع المدارس المصرية في كافة مراحل التعليم؛ لأن الإِسلام حاجة كل نفس، فيجب أن يتزود الجميع من ثقافته علماً، وأن يعتصموا بهدايته عملاً، ويجب توجيه عناية ممتازة إلى الطلاب والطالبات في سن المراهقة؛ لأن هذا الدور هو أخطر الأدوار في حياة الناشئين والناشئات، بشهادة رجال التربية وعلماء النفس؛ إذ هو دور الانتقال في حياة الإنسان، وأدوار الانتقال هي أخطر ما يكون في حياة الأفراد والأمم، والمرء في سن المراهقة وبدء الشباب تتنبه فيه الغرائز الجنسية؛ وتتيقظ فيه الشهوات الجامحة، ويكون مستعدًا لاستجابات الطبيعة النازلة، فإهماله في هذه الحال من تقوية الوازع الديني والأدبي لا يفسر إلا بأنه جناية عليه، وإذن، لا يجوز بحال أن يبقى ما نراه من إهمال الديانة بعد القسم الثانوي؛ وكان الواجب أن تزداد العناية حينئذ، لأن هذا الحين هو أوان عصوف المراهقة وجنون الشباب. وإن نظرة واحدة إلى سلوك التلاميذ والتلميذات عند هذه المرحلة ينطق نطقاً صارخاً بما نقوله من وجوب مضاعفة المجهود الديني لهم ولهن، فقل لي - بربك - كيف استساغت الوزارة ترك هذه العناية في مرحلة الخطر التي يجب أن تتضاعف فيها العناية؟!

ثم أليست لنا أسوة حسنة بالأمم القابضة على ناصية العالم في هذا

ص: 210

الزمن، وهي تعنى بدور المراهقة وثورة الشباب عناية خاصة، ولا تجرد مرحلة من مراحل التعليم عن روح الدين؟!

- الوسيلة الرابعة:

أن يعني بمنهج التعليم الديني فتتسع أبوابه حتى يشمل كل ما يحتاج إليه التلميذ والتلميذة في العقيدة، والخلق، والعبادة، والحياة العملية، ويجب أن يعني بتدعيم العقائد الإِسلامية في نفوس الناشئة بالأدلة التي تناسب عقولهم، والتي تترقى معهم في مراحل تعليمهم مسايرة لرقيهم. ومن الواجب أيضاً أن يكون في كتاب الديانة باب واسمع لعلاج الشبهات التي تطرأ على التلاميذ في دينهم، وباب آخر لبيان البدع والخرافات التي يتوهم أنها من الإِسلام، حتى يعلموا أن الإِسلام بريء من كل بدعة، عدو لكل خرافة، حرب على كل تضليل.

ويتصل بهذا: أن يعني بدراسة تاريخ عظماء الإِسلام وعظيماته، ولا يجوز الإبقاء على ما نراه في المنهج من التوسع في دراسة مشاهير الغرب وشهيراته؛ لأن ذلك يفقد الطالب المسلم روح الاعتزاز بدينه وأبطال ملته، ويربيه تربية مذبذبة لا شرقية ولا غربية، ويطبعه على الاستخفاف بالإِسلام وأمجاد الإِسلام، فتكون النتيجة أن تخسر الأمة شبابها، ويخسر الشبان أنفسهم، في الوقت الذي تعمل فيه كل دولة على إعداد شباب ناهض يضطلع بأعباء المسؤوليات الخاصة والعامة، ويسعف بلاده إذا ما جدّ الجد، ودعا الواجب للكفاح والنضال.

إن مؤلفات التاريخ في المدارس تقدم إلى أولادنا سيرة المشهورين من الأجانب في أسلوب فياض رائع، وبلغة جذابة ممتعة، تملا النفس إعجاباً

ص: 211

وإكباراً، بينما هي لا تتكلم عن عظماء الإِسلام إلا لمامًا في ثنايا التاريخ العام، وبلغة قاصرة جافة، لا تستهوي الشخص، ولا تمتع النفس، ولا تثير في الطالب ما تستحقه من الإعجاب والإكبار. وازن إذا شئت بين الصفحات التي تدرس في تاريخ نابليون- مثلاً -، والصفحات التي تدرس في تاريخ نبي الإِسلام ومنقذ البشرية الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإنك - لا محالة - تذرف الدمع معنا دماً على هذه الهاوية السحيقة التي تنحدر فيها الشبيبة المسلمة، ومن ورائها الأمة الإِسلامية الكريمة!

ألا فلتتدارك الوزارة الصالحة هذه الطامة، ولتعمل من الآن على العناية بدراسة العظماء والعظيمات في الإِسلام، ولتهتم اهتمامًا ممتازًا بسيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم؛ فإن الحياة الفاضلة الشريفة، والأخلاق العالية المشرقة، والآمال القومية العزيزة، كل أولئك لا يمكن أن ندركه إلا من وراء هذه الدراسات الخصبة العليا التي ملأ أصحابها آفاق العالم بالهدى والرحمة، والعلم والحكمة، والسلام والإِسلام!

- الوسيلة الخامسة:

أن تسند دراسة الإِسلام وتاريخه وأبطاله إلى أساتذة مسلمين أخصائيين مؤمنين بعظمة الإِسلام. ومن العبث والعار أن تسند دراسة شيء من هذا - ولو في ثنايا التاريخ العام - إلى أساتذة لا يدينون بعظمته؛ لأن ذلك مؤذ لشعور المسلمين، وجارح لكرامتهم، ثم إن فاقد الشيء لا يعطيه. ولهذا المعنى أيضاً نطلب ألا تسند نظارة المدارس إلى غير المسلمين؛ فإن ناظر المدرسة هو الرأس المدبر لها، وليس بمعقول أن يخلص في رعاية تعليم دين لا يدين به.

ص: 212

فالمخرج الوحيد هو اصطفاء نظار المدارس ممن يتشرفون بهداية الإِسلام، وليس ذلك بدعًا في التاريخ، ولا دعوة إلى عصبية؛ فإن دولة إنجلترا لا يمكن أن تعين ناظر مدرسة إلا إذا كان متمذهبًا بمذهب الدولة، وهو المذهب البرتستانتي، وتأبى عليها تقاليدها تعيين غير البرتستانتي، ولو كان مسيحيًا. بل إنهم يشترطون في مليكهم أن يكون متمذهبًا بهذا المذهب، وأن يحلف على احترامه إياه. فكيف نرضى نحن بتعيين نظار غير مسلمين يديرون دراسة الإِسلام فيما يديرون؟ ألا إن هذا بعيد كل البعد عن مصلحة التعليم نفسه، كما أنه مناف لروح الدستور الذي ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإِسلام.

* رأينا في الشكوك والشبهات:

بقيت لنا كلمة لا بد منها: وهي أن بعض الناس يلقون حبالاً وعصياً من الشكوك والشبهات في سبيل هذه المطالب العادلة. وقد كان أمر هذه الأوهام جليًا قبل أن تلمس الأمة بيدها خطر إهمال التعليم الديني في المدارس. أما الآن، فلا يمكن أن تروج أمثال هذه المزاعم إلا على السذج والبسطاء. فقد انكشف الغطاء، وضجت الأمة حكومة وشعباً من فساد التعليم، وانحلال أخلاق الشبيبة، وبأن للجميع سوء المصير الذي تستهدف له الدولة لو دامت هذه الحال، ولذلك بدأت الحكومات المصرية في العهد الأخير تعير الدين جانباً من الالتفات، وإن كان قليلاً، فمن الحكمة إذن أن نضرب صفحاً عن تسويد الصحيفة بإيراد تلك الشبهات، وتطويل المسافة على القارئ الكريم في علاجها، على أننا قد بسطنا هذه المزاعم وعالجناها في مذكرتنا الأولى والثانية. ثم عالجنا المهم منها في ثنايا هذه المذكرة.

ص: 213

* لا بدّ من سياسة إسلامية واضحة:

على أن مركز مصر الحاضر يرفعها إلى مقام الزعامة للأمم الإِسلامية جمعاء، وذلك لمواهب ممتازة فيها، أهمها: وجود الأزهر الشريف بها، وهو المنهل الأعلى للثقافة الإِسلامية تؤمه الشعوب المسلمة من كافة أقطار الأرض.

ومنها: موقع مصر الطبيعي الذي يجعل منها نقطة اتصال بين الشرق والغرب من ناحية، وبين الشعوب العربية من ناحية أخرى.

ومنها: تفوق مصر في مجالات النهضات العلمية والأدبية، والزراعية والصناعية، إلى غير ذلك مما جعل الشعوب الإِسلامية تنظر إليهانظرة الزعامة، وتقدمها إلى محراب الإمامة، وتعلق كبر الآمال عليها في تحقيق الوحدة الإسلامية.

ولا ريب أن كل أولئك يفرض على مصر أن تكون لها سياسة إسلامية واضحة.

ص: 214