الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْوَصَايَا أَخَّرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا وَرَدَّهَا وَمَعْرِفَةَ قَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ وَمَنْ يَكُونُ وَارِثًا مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَوْتِ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَنْسَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ ثُمَّ تُقَسَّمُ تَرِكَتُهُ، وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ أَرَادَ بِهِ شُمُولَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ مَعْقُودَةٌ لَهُمَا، وَالْإِيصَاءُ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْوِصَايَةَ لُغَةً، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةُ بِالْعَهْدِ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَالْوَصِيَّةُ لُغَةً: الْإِيصَالُ مِنْ وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ. وَشَرْعًا: لَا بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ، وَإِنْ اُلْتُحِقَا بِهَا حُكْمًا، كَالتَّبَرُّعِ الْمُنْجَزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ.
وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِصِحَّةٍ أَفْضَلَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْفَلَ عَنْهَا سَاعَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ إلَى الصَّحِيحِ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْوَصَايَا (قَوْلُهُ: مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَوْتِ) قَدْ يُقَالُ مُجَرَّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْمَوْتِ لَا يَسْتَدْعِي تَأْخِيرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَصِيَّةِ وَقِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ أَخَّرَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ ثَابِتَةٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا تَصَرُّفَ لِلْمَيِّتِ فِيهَا، وَهَذِهِ عَارِضَةٌ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا، وَفِي حَجّ: وَيُرَدُّ أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّ تَقْدِيمَهَا أَنْسَبُ بِأَنَّ عِلْمَ قِسْمَةِ الْوَصَايَا وَدَوْرِيَّاتِهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ عِلْمِ الْفَرَائِضِ وَتَابِعٌ لَهُ، فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْفَرَائِضِ كَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ اكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ كَافٍ فِي رَدِّ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ الْفَرَائِضِ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ الدَّمِيرِيِّ: رَأَيْت بِخَطِّ ابْنِ الصَّلَاحِ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ لَا يَتَكَلَّمُ فِي مُدَّةِ الْبَرْزَخِ، وَأَنَّ الْأَمْوَاتَ يَتَزَاوَرُونَ سِوَاهُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا بَالُ هَذَا؟ فَيُقَالُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ. انْتَهَى مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الشَّنَوَانِيِّ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ. اهـ هَكَذَا بِهَامِشِ صَحِيحٍ.
وَسَيَأْتِي أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ حَيْثُ قَامَ بِهِ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ، وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ بِمَرَضٍ خَفِيفٍ لَا يُخْشَى مِنْهُ هَلَاكٌ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ شُمُولَ ذَلِكَ) أَيْ الْوَصِيَّةِ الَّتِي هِيَ مُفْرَدُ الْوَصَايَا (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلْإِيصَاءِ بِمَعْنَى الْعَهْدِ عَلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى أَوْلَادِهِ بَعْدَهُ وَلَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى التَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَيْرِ دُنْيَاهُ الْخَيْرُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَعْمَالِ الطَّاعَةِ، وَبِخَيْرِ عُقْبَاهُ الْخَيْرُ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبَبِ حُصُولِ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، فَهُوَ بِإِيصَائِهِ حَصَلَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ خَيْرٌ وَقَدْ صَدَرَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ خَيْرٌ فَقَدْ وَصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَأَمَّلْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ: أَيْ نَفْعَهُ فِي دُنْيَاهُ بِالْمَالِ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ: أَيْ انْتِفَاعِهِ بِالثَّوَابِ الْحَاصِلِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقْدِيرًا) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لِفُلَانٍ بَعْدَ مَوْتِي كَذَا (قَوْلُهُ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» )
ــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْوَصَايَا وَالْوَدِيعَة]
كِتَابُ الْوَصَايَا
يُوصَى بِهِ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» أَيْ مَا الْحَزْمُ أَوْ الْمَعْرُوفُ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ، وَقَدْ تُبَاحُ كَمَا يَأْتِي. وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهَا لَيْسَتْ عَقْدُ قُرْبَةٍ: أَيْ دَائِمًا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ. وَتَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِهِ نَحْوُ مَرَضٍ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لَكِنْ يَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَطَلْقُ حَامِلٍ مَا يُصَرِّحُ بِتَقْيِيدِ الْوُجُوبِ بِالْمَخُوفِ وَنَحْوِهِ بِحَضْرَةِ مَنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا ضَيَاعُ حَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِعِلْمِ الْوَرَثَةِ أَوْ ضَيَاعُ نَحْوِ أَطْفَالِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الْإِيصَاءِ، وَتَحْرُمُ لِمَنْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ لَهُ شَيْءٌ فِي تَرِكَتِهِ أَفْسَدَهَا وَتُكْرَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا يَأْتِي.
وَأَرْكَانُهَا: مُوصِي وَمُوصَى لَهُ وَبِهِ وَصِيغَةٌ، وَذَكَرَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَقَالَ (تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ مُخْتَارٍ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَهَا، وَمَالُهُ عِنْدَنَا بِالْأَمَانِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ: أَيْ وَعَتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا يَصِحُّ سَائِرُ عُقُودِهِ وَمَا نُظِرَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا زِيَادَةُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِيهَا بِطَرِيقِ الذَّاتِ كَوْنُهَا عَقْدًا مَالِيًّا لَا خُصُوصَ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ صَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ وَيَأْتِي فِي الرِّدَّةِ أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ، وَشَمِلَ الْحَدُّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ لِبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي لَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْمَحْجُورِ، وَإِنْ أَتَى فِيهِ خِلَافٌ آخَرُ مُخَرَّجٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَعُودُ الْحَجْرُ بِطُرُوِّ السَّفَهِ مِنْ غَيْرِ حَجْرِ حَاكِمٍ أَوْ لَا؟ . فَقَالَ (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ إقْرَارُهُ بِالْعُقُوبَةِ وَالطَّلَاقِ نَافِذًا وَلِاحْتِيَاجِهِ لِلثَّوَابِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَالسَّفِيهُ بِلَا حَجْرٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهِمَا (لَا)(مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ) أَيْ لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَالَ الطِّيبِيِّ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: مَا بِمَعْنَى لَيْسَ، وَقَوْلُهُ: يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِامْرِئٍ وَيُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرُهُ.
قَالَ الْمَظْهَرِيُّ: قَيْدُ لَيْلَتَيْنِ تَأْكِيدٌ وَلَيْسَ بِتَحْدِيدٍ: يَعْنِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ. أَقُولُ: فِي تَخْصِيصِ لَيْلَتَيْنِ تَسَامُحٌ فِي إرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ: أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً، وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تُبَاحُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي فَكِّ أَسْرَى الْكُفَّارِ، وَلَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ إسْلَامِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ: مَا يُصَرَّحُ بِتَقْيِيدِ الْوُجُوبِ) إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: نَحْوُ أَطْفَالِهِ) كَالْمَجَانِينِ (قَوْلُهُ: وَتَحْرُمُ) أَيْ وَتَصِحُّ (قَوْلُهُ: أَفْسَدَهَا) أَيْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَصْرِفُ الْمُوصَى بِهِ فِي مَعْصِيَةٍ فَتَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ وَتَصِحُّ.
(قَوْلُهُ: مُخْتَارٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ) قَيْدٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ مُكَلَّفٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَالُهُ) أَيْ وَالْحَالُّ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَنَا بِالْأَمَانِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ عِنْدَنَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ صَارَ مَالُهُ عِنْدَنَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ أَسْلَمَ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا احْتَرَزُوا بِهِ لَوْ كَانَ مَالُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبَقِيَ فِيهَا (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا عَمَلَ لَهُ) أَيْ الْكَافِرُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ) عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: هَلْ يَعُودُ الْحَجْرُ بِطُرُوِّ السَّفَهِ إلَخْ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ بِدُونِ حَجْرِ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا) دَعْوَى الْجَزْمِ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَتَى فِيهِ خِلَافٌ إلَخْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ: فَالسَّفِيهُ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ الطَّرِيقِ الثَّانِي لِلْحَجَرِ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِحَضْرَةِ مَنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَعْنَى التَّبَرُّعِ
(قَوْلُهُ: وَشَمِلَ الْحَدُّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَاحْتَرَزَ عَنْ السَّفِيهِ الَّذِي لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، إلَّا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْحَجْرَ يَعُودُ بِنَفْسِ التَّبْذِيرِ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمٍ فَيَكُونُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ، إذْ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَمْيِيزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ (وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ حَالًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِذَلِكَ مَعَ فَسَادِ عِبَارَتِهِ حَتَّى فِي غَيْرِ الْمَالِ (وَلَا رَقِيقٍ) كُلِّهِ عِنْدَهَا وَلَوْ مُكَاتَبًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ أَوْ أَهْلِيَّتِهِ.
أَمَّا إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ فِيهَا فَتَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ. وَالْمُبَعَّضُ تَصِحُّ مِنْهُ بِمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَلَوْ عِتْقًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ لِوُجُودِ أَهْلِيَّتِهِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَقَدْ زَالَ رِقُّهُ بِمَوْتِهِ، وَسَيَأْتِي فِي نُفُوذِ إيلَادِهِ مَا يُؤَيِّدُهُ (وَقِيلَ إنْ عَتَقَ) بَعْدَهَا (ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ) مِنْهُ، وَيُرَدُّ بِنَظِيرِ مَا مَرَّ فِي الْمُمَيِّزِ.
(وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ فَالشَّرْطُ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْصِيَةً) وَلَا مَكْرُوهًا: أَيْ لِذَاتِهِ لَا لِعَارِضٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي النَّذْرِ فِيهِمَا، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِغَيْرِ جِهَةٍ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ وَالْكَرَاهَةِ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَتْ لِكَافِرٍ بِنَحْوِ مُسْلِمٍ أَوْ مُصْحَفٍ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى؛ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا أَوْ قَصْدِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْجِهَةِ، وَشَمِلَ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ الْقُرْبَةَ كَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ وَقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ، وَأَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْإِحْيَاءِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ، وَكَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ يُشِيرُ إلَيْهِ أَنْ تُبْنَى عَلَى قُبُورِهِمْ الْقِبَابُ وَالْقَنَاطِرُ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْمُشَاهَدِ إذَا كَانَ الدَّفْنُ فِي مَوَاضِعَ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ أَوْ لِمَنْ دَفَنَهُمْ فِيهَا لَا بِنَاءُ الْقُبُورِ نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَلَا فِعْلُهُ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا لِمَا اسْتَوْجَهَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِعِمَارَتِهَا رَدَّ التُّرَابِ فِيهَا وَمُلَازَمَتَهَا خَوْفًا مِنْ الْوَحْشِ وَالْقِرَاءَةَ عِنْدَهَا، وَإِعْلَامَ الزَّائِرِينَ بِهَا لِئَلَّا تَنْدَرِسَ.
وَفِي زِيَادَاتِ الْعَبَّادِيِّ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي بَيْتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَنْ أَنَّ الدَّفْنَ فِي الْبَيْتِ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْمُبَاحَةُ كَفَكِّ أُسَارَى كُفَّارٍ مِنَّا، وَإِنْ كَانَ الْمُوصِي ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ لِلْمُعَيَّنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَالْأُسَارَى أَوْلَى وَبِنَاءُ رِبَاطٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ سُكْنَاهُمْ بِهِ، وَإِنْ سُمِّيَتْ كَنِيسَةً خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّ فِيهِ خِلَافًا مُفَرَّعًا عَلَى مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ السَّكْرَانِ) أَيْ الْمُتَعَدِّي فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا رَقِيقٍ كُلِّهِ) أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً، وَقَوْلُهُ: فِيهَا أَيْ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِتْقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُبَعَّضُ عِتْقًا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْمُبَعَّضُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ أَيْ الْوَلَاءِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ عَتَقَ) أَيْ الرَّقِيقُ (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ بِنَظِيرِ مَا مَرَّ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِرِقِّهِ؛ لِأَنَّ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لِلْوَلَاءِ حَالَ الْعِتْقِ عِنْدَ صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِذَلِكَ مَعَ فَسَادِ عِبَارَتِهِ حَتَّى إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مَكْرُوهًا) أَيْ لِذَاتِهِ: أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَالْكَرَاهَةِ كَبَيْعِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ اتِّخَاذُهُ خَمْرًا، وَمَكْرُوهٌ حَيْثُ تَوَهَّمَهُ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ مُسْلِمٍ إلَخْ) أَيْ مِمَّا يَحْرُمُ بَيْعُهُ لَهُ كَالْمُرْتَدِّ وَكُتُبِ عِلْمٍ فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُصْحَفٍ) أَيْ إذَا بَقِيَ عَلَى الْكُفْرِ لِمَوْتِ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ: وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ إلَخْ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِغَيْرِ جِهَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ) أَيْ عِمَارَةِ الْقُبُورِ (قَوْلُهُ: أَنْ تُبْنَى عَلَى قُبُورِهِمْ الْقِبَابُ) جَعَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْجَنَائِزِ مُؤَيِّدًا لِعَدَمِ جَوَازِ حَفْرِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فِي الْمُسَبَّلَةِ، وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ قُبَيْلَ الزَّكَاةِ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمُوَفَّقُ بْنُ حَمْزَةَ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُونُ صَحَابِيًّا أَوْ مِمَّنْ اُشْتُهِرَتْ وِلَايَتُهُ وَإِلَّا امْتَنَعَ نَبْشُهُ عِنْدَ الِانْمِحَاقِ، وَأَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ. إذْ قَضِيَّتُهُ جَوَازُ عِمَارَةِ قُبُورِهِمْ مَعَ الْجَزْمِ هُنَا بِمَا مَرَّ مِنْ حُرْمَةِ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَعِمَارَتِهِ فِي الْمُسَبَّلَةِ. اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَاحَةُ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْقُرْبَةُ (قَوْلُهُ: فَالْأُسَارَى أَوْلَى) قَضِيَّةُ ذَلِكَ تَخْصِيصُهُ بِمَا لَوْ أَوْصَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَا لَمْ يَأْتِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّعَبُّدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ عَلَى أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. أَمَّا إذَا كَانَتْ مَعْصِيَةً فَلَا تَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ (كَعِمَارَةِ) أَوْ تَرْمِيمِ (كَنِيسَةٍ) لِلتَّعَبُّدِ أَوْ إسْرَاجِهَا تَعْظِيمًا أَوْ بِكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا أَوْ أَحْكَامِ شَرِيعَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكُتُبِ النُّجُومِ وَالْفَلْسَفَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِعْطَاءِ أَهْلِ رِدَّةٍ أَوْ حَرْبٍ وَشَمِلَ وَقُودَهَا مَا لَوْ انْتَفَعَ بِهِ مُقِيمٌ أَوْ مُجَاوِرٌ بِهَا بِضَوْئِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى تَعَبُّدِهِمْ وَتَعْظِيمِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ بِذَلِكَ لَا تَعْظِيمَهَا صَحَّتْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ.
(أَوْ) أَوْصَى (لِشَخْصٍ) وَاحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ (فَالشَّرْطُ أَنْ) يَكُونَ مُعَيَّنًا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ: أَيْ وَلَوْ بِوَجْهٍ لِمَا يَأْتِي فِي إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ. وَاكْتَفَى عَنْهُ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ لِلْمُبْهَمِ كَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ مَا دَامَ عَلَى إبْهَامِهِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِعَقْدٍ مَالِيٍّ. وَإِنَّمَا صَحَّ أَعْطُوا هَذَا أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ إنَّمَا يُعْطِي مُعَيَّنًا، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ قَوْلُهُ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِهِمَا وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ (يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ) وَقْتَ الْوَصِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَمْلِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ حَدَثَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ، وَتَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ، وَأَنَّهُ لَا مُتَعَلَّقَ لِلْعَقْدِ فِي الْحَالِ فَأَشْبَهَ الْوَقْفَ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: لَوْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى بَطَلَ: أَيْ وَإِنْ بُنِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَوْلُ جَمْعٍ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي فِيهِ إبْهَامٌ فَخَرَجَ الْمَعْدُومُ وَالْمَيِّتُ وَالْبَهِيمَةُ فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي.
نَعَمْ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ الْمَعْدُومُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ زَيْدٍ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ صَحَّتْ تَبَعًا لَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ: الْأَوْلَادُ وَالذُّرِّيَّةُ وَالنَّسْلُ وَالْعَقِبُ وَالْعِتْرَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَقْفِ، وَاعْتَمَدَ جَمْعٌ الْفَرْقَ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يُقْصَدَ مَعَهَا مُعَيَّنٌ مَوْجُودٌ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ لِلدَّوَامِ الْمُقْتَضِي لِشُمُولِهِ لِلْمَعْدُومِ ابْتِدَاءً، وَقَالَ إنَّهَا لِلتَّمْلِيكِ وَتَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَعْلِيلًا لِلْمَذْهَبِ مِنْ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِمَا سَتَحْمِلُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ. وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ صِحَّتُهَا مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ جِهَةٍ وَلَا شَخْصٍ كَأَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، أَوْ بِثُلُثِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِفَكِّ أُسَارَى مُعَيَّنِينَ، وَنَقَلَهُ حَجّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْكَلَامُ فِي الْمُعَيَّنِينَ فَلَا يَصِحُّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ. اهـ: أَيْ بِفَكِّ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَأْتِ بِمَا يَدُلُّ إلَخْ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ) وَمِنْهُ الْكَنَائِسُ الَّتِي فِي جِهَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّتِي يَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِبِنَائِهَا التَّعَبُّدُ وَنُزُولُ الْمَارَّةِ طَارِئٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَتْ مَعْصِيَةً إلَخْ) أَيْ أَوْ مُكْرَهَةً كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَالْكَرَاهَةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ تَرْمِيمُ كَنِيسَةٍ) هَذَا فِي الْكَنَائِسِ الَّذِي حَدَثَتْ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم. أَمَّا مَا وُقِفَ مِنْهَا قَبْلَ نَسْخِ شَرِيعَةِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَسَاجِدِنَا، وَلَا تُمَكَّنُ النَّصَارَى مِنْ دُخُولِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ كَمَسَاجِدِنَا، كَذَا نُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ السُّبْكِيّ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعَبُّدِ؛ لِأَنَّ، الَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِهَا الْآنَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِنْ سُمِّيَتْ كَنِيسَةً (قَوْلُهُ: أَوْ بِكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُبَدَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَصَدَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ) أَيْ الْمُجَاوِرِينَ لَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ) أَيْ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ شَيْءٌ عُمِلَ بِالْقَرَائِنِ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قَرِينَةٌ بَطَلَتْ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا لِتَعْظِيمِهَا.
(قَوْلُهُ: وَاكْتَفَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ: صَحَّتْ تَبَعًا لَهُمْ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَقْفِ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوْلَادُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ جَمْعٌ إلَخْ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: كَأَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي) أَيْ فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِعَقْدٍ مَالِيٍّ) أَيْ الْمِلْكُ (قَوْلُهُ: فِيهِ إيهَامٌ) أَيْ إيهَامُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ) هَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الشَّامِلِ الصَّغِيرِ
لِلَّهِ وَيُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبَرِّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا أُولَئِكَ مَكَانُ إطْلَاقِهَا بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِهِمْ فَفِيهِ ذِكْرُ جِهَةٍ ضِمْنًا وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْوَقْفَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَصْرِفِ، وَسَيَأْتِي صِحَّتُهَا بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ.
وَلَوْ أَشَارَ لِمَمْلُوكٍ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ أَوْصَيْت بِهَذَا ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ تَصِحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْبُلْقِينِيُّ، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّ قِيَاسَ الْبَابِ الصِّحَّةُ أَنْ يَصِيرَ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (فَتَصِحُّ لِحَمْلٍ) حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (وَتَنْفُذُ) بِالْمُعْجَمَةِ (إنْ انْفَصَلَ حَيًّا) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْإِرْثِ (وَعُلِمَ) أَوْ ظُنَّ (وُجُودُهُ عِنْدَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْهَا (فَإِنْ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ) مِنْهَا (وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ) وَأَمْكَنَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ ذَلِكَ الْفِرَاشِ (لَمْ يُسْتَحَقَّ) الْمُوصَى بِهِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ مِنْ ذَلِكَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَالْوَضْعِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ كَانَ مَمْسُوحًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ ظُهُورُ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا بُدَّ أَنْ يُمْكِنَ غَشَيَانُ ذِي الْفِرَاشِ لَهَا: أَيْ عَادَةً فَإِنْ أَحَالَتْهُ الْعَادَةُ فَلَا اسْتِحْقَاقَ.
(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ كَانَتْ (وَانْفَصَلَ) لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ وَ (لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ) مِنْ الْوَصِيَّةِ (فَكَذَلِكَ) لَا يُسْتَحَقُّ لِلْعِلْمِ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ (أَوْ لِدُونِهِ) أَيْ دُونَ الْأَكْثَرِ (اُسْتُحِقَّ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ. وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَقُّ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا وَاعْتِبَارُ هَذَا الِاحْتِمَالِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إلْحَاقِ الْأَرْبَعِ بِمَا دُونَهَا وَالسِّتَّةِ بِمَا فَوْقَهَا هُوَ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلْحَاقَهَا بِمَا دُونَهَا إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسَعُ الْوَطْءَ وَالْوَضْعَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعِدَدِ فِي مَحَالٍّ أُخَرَ. وَرَدَّهُ الشَّيْخُ بِأَنَّ لَحْظَةَ الْوَطْءِ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ أَوَّلَ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْمُقَارَنَةِ، فَالسِّتَّةُ عَلَى هَذَا مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا كَمَا قَالُوهُ هُنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دُونَهَا كَمَا قَالُوهُ فِي الْمَحَالِّ الْأُخَرِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ وَأَنَّ التَّصْوِيبَ سَهْوٌ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ ثَمَّ وَعَدَمَهُ هُنَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ، وَالْكَلَامُ كُلُّهُ حَيْثُ عُرِفَ لَهَا فِرَاشٌ سَابِقٌ ثُمَّ انْقَطَعَ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا فِرَاشٌ أَصْلًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَصِحُّ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ مَصْرِفٍ وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ) أَيْ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ بِهَا أُولَئِكَ) أَيْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ فَحُمِلَ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي صِحَّتُهَا) ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَلَوْ أَشَارَ فَإِنَّهُ مُوصَى بِهِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إلَى الْمُوصَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْوَصِيَّةِ بِوَقْتِ الْمَوْتِ قَبُولًا وَرَدًّا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ) أَيْ الْفِرَاشِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْفِرَاشُ كَالْمَعْلُومِ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ كَانَ مَمْسُوحًا (قَوْلُهُ: لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ) أَيْ بِلَا مُعَارِضٍ، وَعِبَارَةُ ع يُرِيدُ الْأَصْلَ الَّذِي لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ عُرِفَ لَهَا) أَيْ لِمَنْ أَوْصَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَعِبَارَةُ: لَا لِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ: أَيْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَمَنْ سَيُوجَدُ (قَوْلُهُ: وَسَتَأْتِي صِحَّتُهَا بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ) كَأَنَّهُ دَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَالْوَضْعِ) صَوَابُهُ أَمَّا لَوْ كَانَ إلَخْ، إذْ هُوَ مَفْهُومُ مَا زَادَهْ بِقَوْلِهِ وَأَمْكَنَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ ذَلِكَ الْفِرَاشِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ وَانْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَنَازَعَ فِيهِ الشِّهَابُ سم ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الِانْفِصَالُ لِأَقَلَّ (قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا) يَعْنِي مَا بَعْدَ وَإِلَّا وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَعْنِي مَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ لَا يُوَافِقُ
فَلَا اسْتِحْقَاقَ قَطْعًا، وَإِنْ انْفَصَلَ لِأَرْبَعَ فَأَقَلَّ لِانْحِصَارِ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوْ الزِّنَا كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مَا يَدُلُّ لَهُ، وَسَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ قُبَيْلَ الْعِدَدِ أَنَّ التَّوْأَمَيْنِ حَمْلٌ وَاحِدٌ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ، وَهُوَ مَا لَوْ انْفَصَلَ أَحَدُ تَوْأَمَيْنِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ انْفَصَلَ تَوْأَمٌ آخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَقُّ، وَإِنْ انْفَصَلَ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَتُقْبَلُ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَلَوْ قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْإِقْرَارِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
(وَإِنْ)(وَصَّى لِعَبْدٍ) أَوْ أَمَةٍ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ الْمُكَاتَبُ وَغَيْرُهُ (فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ) إلَى مَوْتِ الْمُوصِي (فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ) عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: أَيْ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ لِتَصِحَّ، وَمَحِلُّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ إذْ لَمْ يَقْصِدْ تَمْلِيكَهُ فَإِنْ قَصَدَهُ لَمْ تَصِحَّ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَقْتِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يَعْتِقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونُ لَهُ أَوَّلًا فَلِسَيِّدِهِ. انْتَهَى.
لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَبْدِ فُلَانٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهُ صَحَّ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُنْتَظَرٌ، وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُمْ بِالْوَقْفِ عَلَى الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ وَيَقْبَلُهَا هُوَ لَا السَّيِّدُ، وَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَهُ لَا مَعَ سَيِّدِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَتَأَهَّلْ الْقِنُّ لِعَجْزٍ أَوْ جُنُونٍ فَيُقْبَلُ هُوَ كَمَا اسْتَوْجَهَهُ شَيْخٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ أَجْبَرَهُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْضُ اكْتِسَابٍ كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَهُ وَأَنَّهُ لَوْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ يَأْتِي فِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِحَمْلِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ انْفَصَلَ لِأَرْبَعٍ فَأَقَلَّ) أَيْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، أَمَّا لَوْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ اُسْتُحِقَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ وَقْتِهَا، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَقَدْ تَقَدَّمَ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ الْوَصِيَّةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ وَالْقَابِلُ لَهَا الْوَلِيُّ عَلَيْهِ بِتَقْدِيرِ انْفِصَالِهِ حَيًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الَّذِي يَقْبَلُ لَهُ الْحَاكِمُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ الْجَزْمَ بِمَا اسْتَظْهَرْنَاهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ أَيْضًا: وَيَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَلِيُّهُ وَلَوْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَقْصِدْ) أَيْ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَصَدَهُ لَمْ تَصِحَّ) أَيْ بَطَلَتْ، فَكَلَامُ السُّبْكِيّ بِشِقَّيْهِ ضَعِيفٌ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَصِحَّ: أَيْ الْآنَ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ، لَكِنْ فِي الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: أَيْ يُحْمَلُ عَلَيْهَا لِتَصِحَّ: أَيْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ بَطَلَتْ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرَّقَ بَيْنَ الْإِطْلَاقِ وَقَصْدِ التَّمْلِيكِ. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلْيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا) أَيْ فِيمَا لَوْ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَا يَعْتِقُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ) هُوَ قَوْلُهُ: أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَقَصَدَ تَمْلِيكَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ) مِنْ كَلَامِ م ر لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَانَ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ مَا فِي الْوَقْفِ بِمَا إذَا اسْتَمَرَّ رِقُّهُ (قَوْلُهُ: لِعَجْزٍ أَوْ جُنُونٍ) عِبَارَةُ حَجّ: لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ. (قَوْلُهُ: فَيَقْبَلُ هُوَ) أَيْ السَّيِّدُ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُتَأَهِّلًا وَقَبِلَ السَّيِّدِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ، (قَوْلُهُ: يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ) أَيْ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ خَيَّرَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَا حَلَّ بِهِ الْمَتْنَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ انْفَصَلَ لِأَرْبَعٍ فَأَقَلَّ) أَيْ وَفَوْقَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِعَدَمِ فِرَاشٍ حِينَئِذٍ يُحَالُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْحَمْلَ يَسْتَحِقُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ الْوَصِيَّةُ لَهُ) يَعْنِي مُطْلَقَ الْحَمْلِ
(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ
وَلَا نَظَرَ هُنَا إلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ مُخَاطَبًا لَا غَيْرُ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْمِلْكِ يَقَعُ لِلسَّيِّدِ (فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ حُرٌّ حِينَئِذٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ بِوُجُودِ صِفَةٍ قَارَنَتْ مَوْتَ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُوصِيَ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ.
وَكَذَا لَوْ قَارَنَ عِتْقُهُ مَوْتَ الْمُوصِي إذَا كَانَ غَيْرَهُ، وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهُ فَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِي الْوَصِيَّةِ لِمُبَعَّضٍ وَلَا مُهَايَأَةَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ هُنَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ وَالْبَاقِي لِلسَّيِّدِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ وُجُودِ مُهَايَأَةٍ وَعَدَمِهَا، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ وُجُودَ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّفْصِيلَ بِخِلَافِ طُرُوِّهَا بَعْدَهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْوَصِيَّةِ لِمُبَعَّضٍ وَثَمَّ مُهَايَأَةٌ بِذِي النَّوْبَةِ يَوْمَ الْمَوْتِ كَيَوْمِ الْقَبْضِ مِنْ الْهِبَةِ (وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَوْ بَاعَهُ (ثُمَّ قَبِلَ بُنِيَ) الْقَوْلُ بِمِلْكِهِ لِلْمُوصَى بِهِ (عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا تُمْلَكُ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ فَتَكُونُ لِلسَّيِّدِ، وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي قِنٍّ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، فَلَوْ أَوْصَى لِحُرٍّ فَرَقَّ لَمْ تَكُنْ لِسَيِّدِهِ، بَلْ لَهُ إنْ عَتَقَ، وَإِلَّا فَهِيَ فَيْءٌ وَتَصِحُّ لِقِنِّهِ بِرَقَبَتِهِ.
فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ نُفِّذَتْ فِي ثُلُثِ رَقَبَتِهِ فَيَعْتِقُ وَبَاقِي ثُلُثِ مَالِهِ وَصِيَّةٌ لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ وَهَبْت لَك أَوْ مَلَّكْتُك رَقَبَتَك اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ فَوْرًا، إلَّا إنْ نَوَى عِتْقَهُ فَيَعْتِقُ بِلَا قَبُولٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ أَعْتِقْهُ فَفَعَلَ وَلَا تَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، فَلَوْ قُتِلَ قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَهَلْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ مِثْلِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ أَوْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا.
(وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ، وَفَارَقَتْ الْعَبْدَ حَالَةُ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّهُ يُخَاطَبُ وَيَتَأَتَّى قَبُولُهُ، وَقَدْ يَعْتِقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بِخِلَافِهَا، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَهَا بَلْ أَوْلَى أَيْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَإِنْ) قَصَدَ عَلَفَهَا أَوْ (قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلَفِهَا) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمَأْكُولُ وَبِإِسْكَانِهَا الْمَصْدَرُ، وَنُقِلَ الْأَمْرَانِ عَنْ ضَبْطِهِ (فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهَا عَلَى مَالِكِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِي مُؤْنَتِهَا، فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مَالِكَهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا تَجَمُّلًا أَوْ مُبَاسَطَةً مَلَكَهُ مِلْكًا مُطْلَقًا كَمَا لَوْ دَفَعَ دِرْهَمًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ) أَيْ وَإِنْ قَصَدَ الْمُوصِي السَّيِّدُ وَقْتَهَا فَلَا نَظَرَ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ صَارَ حُرًّا (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ) خَبَرُ قَوْلِهِ فَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ وَقَوْلُهُ: بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: اقْتَضَى ذَلِكَ التَّفْصِيلَ) أَيْ بَيْنَ الْمُهَايَأَةِ وَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ: كَيَوْمِ الْقَبْضِ) أَيْ فَلَوْ وَقَعَتْ الْهِبَةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا وَالْقَبْضُ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ كَانَ الْمَوْهُوبُ لِمَنْ وَقَعَ الْقَبْضُ فِي نَوْبَتِهِ (قَوْلُهُ: فَلِلْمُشْتَرِي) أَيْ لِلْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ أَيْ بِأَنْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ) أَيْ الشَّامِلِ لِلرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ: فَيَعْتِقُ) أَيْ الثُّلُثُ (قَوْلُهُ: وَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْدَهُ حُرٌّ) وَهُوَ مَنْ عَتَقَ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ فَوْرًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِرَقَبَتِك فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَرْتَدُّ) أَيْ الْوَصِيَّةُ، وَقَوْلُهُ: بِرَدِّهِ: أَيْ الْعَبْدِ فِيمَا لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ أَعْتِقْهُ أَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ وَهَبْتُك نَفْسَك أَوْ مَلَّكْتُكهَا إعْتَاقَهَا فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ: قَبْلُ: وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ، وَقَوْلُهُ: فَلَوْ قُتِلَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَصِحُّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ) أَيْ أَطْلَقَ فِي قَصْدِهِ فَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ فِي لَفْظِهِ وَقَصَدَ الْعَلَفَ صَحَّتْ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ رُبَّمَا يَأْبَى هَذَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِي مُؤْنَتِهَا) عِبَارَةُ الرَّوْضِ ثُمَّ يَتَعَيَّنُ لِعَلَفِهَا
وَلِآخَرَ وَقَالَ اشْتَرِ بِهِ عِمَامَةً مَثَلًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي تَعَيَّنَ الصَّرْفُ فِي مُؤْنَتِهَا وَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ أَوْ نَائِبُهُ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ، فَلَوْ بَاعَهَا مَالِكُهَا انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْعَبْدِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هِيَ لِلْبَائِعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ إنْ انْتَقَلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ قِيَاسُ الْعَبْدِ فِي التَّقْدِيرَيْنِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الدَّابَّةَ يَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ لَهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ كَمَا فِي الْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَعَلَيْهِ لَوْ قَبِلَ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَ الدَّابَّةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ، ذَلِكَ لِعَلَفِهَا، وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا يُعْطَى عَلَيْهَا كَفَرَسِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُحَارِبِ لِأَهْلِ الْعَدْلِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَالْمَنْقُولُ إلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَجِيءُ وَجْهٍ بِالْبُطْلَانِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ بَيَانِ مُرَادِهِ رُجِعَ إلَى وَارِثِهِ، فَإِنْ قَالَ أَرَادَ الْعَلَفَ صَحَّتْ، وَإِلَّا حَلَفَ وَبَطَلَتْ. فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بَطَلَتْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْعُدَّةِ، وَفِي الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ لَوْ قَالَ مَالِكُ الدَّابَّةِ أَرَادَ تَمْلِيكِي وَقَالَ الْوَارِثُ أَرَادَ تَمْلِيكَهَا صَدَقَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.
(وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ) نَحْوِ (مَسْجِدٍ) وَرِبَاطٍ وَمُدَرِّسَةٍ، وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ إنْشَاءً وَتَرْمِيمًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِقِنِّهِ بِرَقَبَتِهِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّ مَالِكَهَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ) لَوْ تَوَقَّفَ الصَّرْفُ عَلَى مُؤْنَةٍ كَأَنْ عَجَزَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ حَمْلِ الْعَلَفِ وَتَقْدِيمِهِ إلَيْهَا، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ بِهَا أَحَدٌ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ تِلْكَ الْمُؤْنَةُ بِالْمُوصَى بِهِ فَيُصْرَفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ أَوْ تَتَعَلَّقُ بِمَالِك الدَّابَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي هُوَ الْأَوَّلُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَلَفِ الدَّابَّةِ الَّتِي لَا تَأْكُلُهُ عَادَةً فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَوْ يَنْصَرِفُ لِمَالِكِهَا أَوْ يُفَصَّلُ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي جَاهِلًا بِحَالِهَا بَطَلَتْ أَوْ عَالِمًا انْصَرَفَتْ لِمَالِكِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالثَّالِثُ غَيْرُ بَعِيدٍ وَلَوْ كَانَ الْعَلَفُ الْمُوصَى بِهِ مِمَّا تَأْكُلُهُ عَادَةً لَكِنْ عَرَضَ لَهَا امْتِنَاعُهَا مِنْ أَكْلِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ أَيِسَ مِنْ أَكْلِهَا إيَّاهُ عَادَةً صَارَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ وَإِلَّا حُفِظَ إلَى أَنْ يَتَأَتَّى أَكْلُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: صُرِفَ ذَلِكَ لِعَلَفِهَا) وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ لِجَوَازِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ تَمَّ يَصْرِفُهُ عَلَيْهَا، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ مَلَكَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَتَوَلَّى صَرْفَهُ، وَأَنَّ الدَّابَّةَ لَوْ مَاتَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمُوصَى بِهِ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ) مُعْتَمَدٌ، وَظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِيَقْطَعَ عَلَيْهَا.
قَالَ حَجّ: وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ إلَّا إنْ قَالَ لِيَقْطَعَهَا تَوَقَّفَ الْبُطْلَانُ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ لِيَقْطَعَهَا عَلَيْهَا. انْتَهَى. وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ حَجّ قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي) أَيْ الْوَارِثُ (قَوْلُهُ: صَدَقَ الْوَارِثُ) أَيْ فَتَبْطُلُ.
(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ نَحْوِ مَسْجِدٍ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ بِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ كَذَا هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا يُعَمَّرُ بِهِ مَا يُسَمَّى عِمَارَةً عُرْفًا وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إنْشَاءِ صِيغَةِ وَقْفٍ مِنْهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَارَةُ تَرْمِيمًا مِمَّا أَوْصَى بِهِ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِإِنْشَاءِ مَسْجِدٍ فَاشْتَرَى قِطْعَةَ أَرْضٍ وَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَقْفِ لَهَا وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْأَبْنِيَةِ مِنْ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ مَسْجِدًا، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَالًا فَيَنْبَغِي حِفْظُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَيْثُ تُوُقِّعَ زَمَانٌ يُمْكِنُ الصَّرْفُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ كَأَنْ كَانَ مُحْكَمَ الْبِنَاءِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ لَهُ زَمَانٌ يُصْرَف فِيهِ مَا أَوْصَى بِهِ، فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ وَصَرْفُ مَا عَيَّنَ لَهَا لِلْوَرَثَةِ، وَمُرَادُهُ بِنَحْوِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ كَالْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَالْآبَارِ الْمُسَبَّلَةِ وَغَيْرِهَا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي) أَيْ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ فِي عِبَارَتِهِ
أَفْضَلِ الْقُرَبِ وَلِمَصَالِحِهِ لَا لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى إلَّا تَبَعًا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ آنِفًا (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت بِهِ لِلْمَسْجِدِ، وَإِنْ أَرَادَ تَمْلِيكَهُ لِمَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ حُرٌّ يَمْلِكُ: أَيْ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ (وَتُحْمَلُ) الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ (عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ) عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَيَصْرِفُهُ النَّاظِرُ لِلْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ بِاجْتِهَادِهِ وَهِيَ لِلْكَعْبَةِ وَالضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ تُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِمَا الْخَاصَّةِ بِهِمَا كَتَرْمِيمٍ مَا وَهِيَ مِنْ الْكَعْبَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْحَرَمِ، وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ، وَمِمَّا قَالُوهُ فِي النَّذْرِ لِلْقَبْرِ الْمَعْرُوفِ بِجُرْجَانَ صِحَّتُهَا كَالْوَقْفِ عَلَى ضَرِيحِ الشَّيْخِ الْفُلَانِيِّ، وَتُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ قَبْرِهِ وَالْبِنَاءِ الْجَائِزِ عَلَيْهِ وَمَنْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ آنِفًا مِنْ صِحَّتِهَا بِبِنَاءِ قُبَّةٍ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ عَالِمٍ، أَمَّا إذَا قَالَ الشَّيْخُ الْفُلَانِيُّ وَلَمْ يَنْوِ ضَرِيحَهُ وَنَحْوَهُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ تَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ لِلدَّابَّةِ.
(وَ) تَصِحُّ (لِذِمِّيٍّ) وَمُعَاهَدٍ وَمُؤَمَّنٍ وَلِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ لَا بِنَحْوِ مُصْحَفٍ كَمَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ (وَكَذَا حَرْبِيٍّ) بِغَيْرِ نَحْوِ سِلَاحٍ (وَمُرْتَدٍّ) حَالَ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَمُتْ عَلَى رِدَّتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَالصَّدَقَةِ أَيْضًا، وَفَارَقَتْ الْوَقْفَ بِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ وَهُمَا مَقْتُولَانِ، وَلَا تَصِحُّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْوَقْفِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ آنِفًا) أَيْ فِي قَوْلِهِ نَعَمْ قِيَاسُ مَا فِي الْوَقْفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَصْرِفُهُ النَّاظِرُ لِلْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ) أَيْ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ الصَّرْفُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَدْفَعُهُ لِلنَّاظِرِ أَوْ لِمَنْ قَامَ مَقَامَ النَّاظِرِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ النَّذْرِ لِإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْأَضْرِحَةِ الْمَشْهُورَةِ فَيَجِبُ عَلَى النَّاذِرِ صَرْفُهُ لِمُتَوَلِّي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ فِيهِ، وَمِنْهُ أَنْ يَصْنَعَ بِذَلِكَ طَعَامًا أَوْ خُبْزًا لِمَنْ يَكُونُ بِالْمَحَلِّ الْمَنْذُورِ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ مِنْ خَدَمَتِهِ الَّذِينَ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ لِقِيَامِهِمْ بِمَصَالِحِهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ لِلْكَعْبَةِ) لَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ لِكِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ الضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ وَكَانَا غَيْرَ مُحْتَاجَيْنِ لِذَلِكَ حَالًا وَفِيمَا شَرَطَ مِنْ وَقْفِهِ لِكِسْوَتِهِمَا مَا يَفِي بِذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَيُدَّخَرُ مَا أَوْصَى بِهِ أَوْ تُجَدَّدُ بِهِ كِسْوَةٌ أُخْرَى لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ (قَوْلُهُ: مَا وَهِيَ) أَيْ سَقَطَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ) هَلْ الْمُرَادُ مَنْ اعْتَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ كَالْأَسْبَاعِ الَّتِي اُعْتِيدَ قِرَاءَتُهَا فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ لِكُلِّ مَنْ اتَّفَقَتْ قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَالَ لِلشَّيْخِ الْفُلَانِيِّ) أَيْ أَوْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْوِ ضَرِيحَهُ) وَتُعْلَمُ بِإِخْبَارِهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ بَاطِلَةٌ) شَمِلَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَنْوِ مَا لَوْ أَطْلَقَ، وَقِيَاسُ الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ الصِّحَّةُ هُنَا، وَيُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَنَحْوِهَا.
(قَوْلُهُ: لَا بِنَحْوِ مُصْحَفٍ) أَيْ حَيْثُ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ كَافِرًا، أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي تَبَيَّنَ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ هُوَ حَرْبِيٌّ فَتَصِحُّ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَلَمْ يَزِدْ وَكَانَ فِي الْوَاقِعِ حَرْبِيًّا، أَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِزَيْدٍ الْحَرْبِيِّ أَوْ الْكَافِرِ أَوْ الْمُرْتَدِّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْصَيْت لِزَيْدٍ لِحِرَابَتِهِ أَوْ كُفْرِهِ أَوْ رِدَّتِهِ فَتَفْسُدُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ حَامِلًا عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: ضَعِيفٌ سَاقِطٌ: أَيْ ضَعْفًا قَوِيًّا كَمَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَا لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَصَالِحِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى ضَرِيحِ الشَّيْخِ الْفُلَانِيِّ) مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّتِهَا، وَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي التُّحْفَةِ، وَقَوْلُهُ كَالْوَقْفِ اعْتِرَاضٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ) هَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَوْصَى عَلَى الْعِمَارَةِ وَهَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِلضَّرِيحِ وَأَطْلَقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ آنِفًا مِنْ صِحَّتِهَا بِبِنَاءِ قُبَّةٍ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ عَالِمٍ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِحَجِّ وَهُوَ الَّذِي مَرَّ هَذَا فِي كَلَامِهِ، بِخِلَافِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ الَّذِي مَرَّ لَهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَوْصَى عَلَى الْعِمَارَةِ
وَكَذَا لِمَنْ يَرْتَدُّ أَوْ يُحَارِبُ، وَالثَّانِي لَا إذْ يُقْتَلَانِ.
(وَقَاتِلٌ فِي الْأَظْهَرِ) بِأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ فَيَقْتُلُهُ هُوَ أَوْ سَيِّدُهُ وَلَوْ عَمْدًا فَهُوَ قَاتِلٌ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ، فَأَشْبَهَتْ الْهِبَةَ لَا الْإِرْثَ، وَخَبَرُ «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ وَصِيَّةٌ» ضَعِيفٌ سَاقِطٌ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِحَقٍّ أَمْ بِغَيْرِهِ: وَالثَّانِي لَا كَالْإِرْثِ، فَإِنْ أَوْصَى لِمَنْ يَقْتُلُهُ تَعَدِّيًا لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْحَرْبِيِّ لِمَنْ يَقْتُلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمِثْلُهُ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ يَقْتُلُهُ بِحَقٍّ، وَلَا تَصِحُّ لِمَنْ يَقْتُلُهُ إلَّا إنْ جَازَ قَتْلُهُ، وَتَصِحُّ لِقَاتِلِ فُلَانٍ بَعْدَ الْقَتْلِ لَا قَبْلَهُ إلَّا إنْ جَازَ قَتْلُهُ.
(وَلِوَارِثٍ فِي الْأَظْهَرِ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ) الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ، وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذُ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِبَعْضِ الثُّلُثِ لِلْخَبَرِ بِذَلِكَ، وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَبِهِ يُخَصُّ الْخَبَرُ الْآخَرُ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَالْحِيلَةُ فِي أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَةِ أَنْ يُوصِيَ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ: أَيْ وَهُوَ ثُلُثٌ فَأَقَلُّ إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِأَلْفَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِذَا قَبِلَ وَأَدَّى لِلِابْنِ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَخَذَ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يُشَارِكْ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ الِابْنُ فِيمَا حَصَلَ لَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا تَصِحُّ لَهُ، وَقَيَّدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْوَارِثَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْخَاصِّ احْتِرَازًا عَنْ الْعَامِّ كَوَصِيَّةِ مَنْ لَا يَرِثُهُ، إلَّا بَيْتَ الْمَالِ بِالثُّلُثِ فَأَقَلُّ فَتَصِحُّ قَطْعًا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَارِثَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ لَا خُصُوصُ الْمُوصَى لَهُ فَلَا يُحْتَاجُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي إرْثِ بَيْتِ الْمَالِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِمَامَ يَتَعَذَّرُ إجَازَتُهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِجَازَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ بَاطِلَةٌ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يَضْمَنُ بِهَا إلَّا إنْ أُقْبِضَ.
نَعَمْ تَوَقَّفَ إلَى تَأَهُّلِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَدْ أَفْتَيْت بِالْبُطْلَانِ فِيمَا لَا أُحْصِي وَانْتَصَرَ لَهُ غَيْرُهُ لِعِظَمِ ضَرَرِ الْوَقْفِ، لَا سِيَّمَا فِيمَنْ أَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ وَلَهُ طِفْلٌ مُحْتَاجٌ فَقَدْ رُدَّ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَقَعَ صَحِيحًا فَلَا مُسَوِّغَ لِإِبْطَالِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إضْرَارٌ لِإِمْكَانِ الِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَى كَمَالِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْقَاضِي فِي حَالَةِ الْوَقْفِ يَعْمَلُ فِي بَقَائِهِ وَبَيْعِهِ، وَإِيجَارِهِ بِالْأَصْلَحِ، وَمِنْ الْوَصِيَّةِ إبْرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ مَا يَخْرُجُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَفْهَمَهُ سَاقِطٌ، وَقَوْلُهُ: إلَّا إنْ جَازَ قَتْلُهُ: أَيْ الْمُوصِي.
(وَقَوْلُهُ: بَعْدَ الْقَتْلِ) : أَيْ بَعْدَ حُصُولِ سَبَبِ الْقَتْلِ كَأَنْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَلَوْ عَمْدًا ثُمَّ أَوْصَى لِلْجَارِحِ وَمَاتَ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، أَوْ لِمَنْ حَصَل مِنْهُ الْقَتْلُ بِالْفِعْلِ ثُمَّ قَالَ آخَرُ: أَوْصَيْت لِلَّذِي قَتَلَ فُلَانًا بِكَذَا، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ قَوْلِهِ لِلَّذِي قَتَلَ فُلَانًا تَعْيِينُ الْمُوصَى لَهُ لَا حَمْلُهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ فِي أَخْذِهِ) أَيْ الْوَارِثِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَةٍ: أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِهِ) أَيْ لِوَلَدِ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: كَوَصِيَّةِ مَنْ لَا يَرِثُهُ) أَيْ لِأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَاجُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ، فَالْوَصِيَّةُ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، وَهِيَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ بِهَا) أَيْ الْإِجَازَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْوَصِيَّةِ إبْرَاؤُهُ) أَيْ الْوَارِثِ (قَوْلُهُ: وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ) أَيْ فَتَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا قَدَّمْنَاهُ
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ يَقْتُلُهُ بِحَقٍّ) لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ قَالَ: أَوْصَيْت لِمَنْ يَقْتُلُنِي بِحَقٍّ حَتَّى لَا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا بَعْدَهُ فَلْيُحَرَّرْ
(قَوْلُهُ: كَوَصِيَّةِ مَنْ لَا يَرِثُهُ إلَّا بَيْتِ الْمَالِ بِالثُّلُثِ) أَيْ لِمُسْتَحِقٍّ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ وَيُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشِّهَابِ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ أَوْصَى لِبَيْتِ الْمَالِ إذْ يَتَّحِدُ حِينَئِذٍ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُجِيزُ (قَوْلُهُ: لَا خُصُوصَ الْمُوصَى لَهُ) قَالَ الشِّهَابُ سم: إنْ أَرَادَ لَا خُصُوصَهُ فَقَطْ مَعَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ وَارِثٌ لَمْ يُفِدْ أَوَّلًا خُصُوصَهُ مُطْلَقًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، قَالَ: نَعَمْ يُمْكِنُ الِاعْتِذَارُ بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الصَّرْفُ إلَيْهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ تُوقَفُ) يَعْنِي الْوَصِيَّةَ (قَوْلُهُ: يَعْمَلُ فِي بَقَائِهِ وَبَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ بِالْأَصْلَحِ) أَيْ وَإِذَا بَاع أَوْ أَجَّرَ أَبْقَى الثَّمَنَ أَوْ الْأُجْرَةَ إلَى كَمَالِ الْمَحْجُورِ، فَإِنْ أَجَازَ دُفِعَ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا قُسِمَ
مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمْ نُفِّذَ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ فَلَيْسَ لَهُمْ نَقْضُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ، وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْمُجَازِ أَوْ عَيْنِهِ، فَإِنْ ظَنَّ كَثْرَةَ التَّرِكَةِ فَبَانَ قِلَّتُهَا فَسَيَأْتِي، فَلَوْ أَجَازَ عَالِمًا بِمِقْدَارِ التَّرِكَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مُشَارِكٌ فِي الْإِرْثِ وَقَالَ إنَّمَا أَجَزْت ظَانًّا حِيَازَتِي لَهُ بَطَلَتْ الْإِجَازَةُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَيُشْبِهُ بُطْلَانُهَا فِي نِصْفِ نَصِيبِ نَفْسِهِ وَلِلْمُوصَى لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِشَرِيكِهِ فِيهِ (وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ، وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ بُرْئِهِ وَمَوْتِهِمْ بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنْ ظَنَّهُ قَبْلَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِبُطْلَانِ الْقَبُولِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ بَانَ بَعْدَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
(وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ) أَيْ وَقْتَهُ فَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَصِيَّةٌ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ (وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) مُشَاعًا مِنْ نِصْفٍ وَرُبُعٍ وَنَحْوِهِمَا بِحَسَبِ فَرْضِهِ (لَغْوٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِدُونِهَا (وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ) كَأَنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَدَارًا وَقِنًّا قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَخَصَّ كُلًّا بِوَاحِدٍ (صَحِيحَةٌ وَتَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِالْأَعْيَانِ وَلِذَا صَحَّتْ بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ لِزَيْدٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأَعْيَانُ مِثْلِيَّةً أَمْ لَا، وَالثَّانِي لَا تَفْتَقِرُ لِذَلِكَ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ امْتَنَعَ عَلَى الْوَصِيِّ إعْطَاءُ شَيْءٍ مِنْهُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ فُقَرَاءَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
وَلِلْمُوصَى بِهِ شُرُوطٌ مِنْهَا كَوْنُهُ قَابِلًا لِلنَّقْلِ بِالِاخْتِيَارِ، فَلَا تَصِحُّ بِنَحْوِ قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَتَصِحُّ بِهِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ فِي الْمَرَضِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَلَا بِحَقٍّ تَابِعٍ لِلْمِلْكِ كَخِيَارٍ وَشُفْعَةٍ لِغَيْرِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُهَا التَّأْخِيرُ لِنَحْوِ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِأَنْ يَحِلَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَالْكَلَامُ فِي التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُعَلَّقَةِ بِهِ.
أَمَّا مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الصِّحَّةِ فَيَنْفُذُ مُطْلَقًا وَلَا حُرْمَةَ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ كَمَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَيُشْبِهُ بُطْلَانُهَا فِي نِصْفِ نَصِيبِ نَفْسِهِ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُهُ، وَلَعَلَّهُ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ مُشَارِكٌ بَطَلَ فِي حِصَّةِ الْمُشَارِكِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَفِي نِصْفِ حِصَّتِهِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ ظَنَّ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْكُلِّ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ النِّصْفَ فَقَطْ فَقُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِيمَا زَادَ عَلَى مَا ظَنَّهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ قَبْلَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَحَدَثَ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصِي (قَوْلُهُ: فَوَصِيَّةٌ لِأَجْنَبِيٍّ) أَيْ فَتَصِحُّ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ بِلَا إجَازَةٍ وَتَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ إنْ لَمْ تُخْرَجْ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِدُونِهَا) وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَا مُخَالِفَ لَهُ بِخِلَافِ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَلِذَا صَحَّتْ بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ) أَيْ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَارِثِ ذَلِكَ حَيْثُ قَبِلَ زَيْدٌ الشِّرَاءَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ غَرَضُ الْمُوصِي كَالرِّفْقِ بِهِ أَوْ بُعْدِ مَالِهِ عَنْ الشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأَعْيَانُ مِثْلِيَّةً أَمْ لَا) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِافْتِقَارُ إلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيمَةِ.
أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ كَثَلَاثَةِ آصُعٍ حِنْطَةً أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْهَا لِابْنَتِهِ وَبِصَاعَيْنِ لِابْنِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُمَا فَتَصِحُّ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَتْ الْآصُعُ مُخْتَلِطَةً مُتَّحِدَةَ النَّوْعِ وَقَسَّمَهَا ثُمَّ أَوْصَى أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُخْتَلِطَةٍ وَلَكِنَّهَا مُتَّحِدَةُ الْجِهَةِ. اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: مِثْلِيَّةً عَلَى مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ عَنْهُ) أَيْ وَيَصِحُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا يُبْطِلُهَا) أَيْ أَمَّا الَّتِي يُبْطِلُهَا التَّأْخِيرُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْوَصِيَّةِ يُفَوِّتُ الشُّفْعَةَ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُوصَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مَقْصُودًا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى الْوَرَثَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فِي نِصْفِ نَصِيبِ نَفْسِهِ) لَعَلَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ النِّصْفَ وَالْمُشَارِكُ مُشَارِكٌ بِالنِّصْفِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَ) أَيْ الْقَبُولُ بَعْدَهُ أَيْ الْمَوْتِ
(قَوْلُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ) أَيْ يَصِحُّ
الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا.
(وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ) الْمَوْجُودِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَبِكُلِّ مَجْهُولٍ وَمَعْجُوزٍ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَتَسَلُّمِهِ (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِهِ (انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ. أَمَّا فِي الْآدَمِيِّ فَسَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيُرْجَعُ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةِ حَمْلِهِ، وَلَوْ انْفَصَلَ حَمْلُ الْآدَمِيِّ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ نُفِّذَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا ضَمِنَ بِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهِ وَلَا تَعَلَّقَ لِلْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيمَا مَرَّ فِي الْمُوصَى لَهُ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ، وَيَقْبَلُهَا الْوَلِيُّ وَلَوْ قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْحَيِّ لِلْغَالِبِ، إذْ لَوْ ذُبِحَتْ الْمُوصَى بِحَمْلِهَا فَوُجِدَ بِبَطْنِهَا جَنِينٌ حَلَّتْهُ ذَكَاتُهَا، وَعُلِمَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ مَلَكَهُ الْمُوصَى لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَبِالْمَنَافِعِ) الْمُبَاحَةِ وَحْدَهَا مُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً وَلَوْ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ تُقَابَلُ بِالْعِوَضِ كَالْأَعْيَانِ، وَيُمْكِنُ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ الْمَسْلُوبَةِ الْمَنْفَعَةِ تَحْصِيلُهَا، فَلَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْوَصِيَّةَ انْتَقَلَتْ لِلْوَرَثَةِ لَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ.
(وَكَذَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ) ثَنَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْحَيَوَانُ ضِدُّ الثَّمَرَةِ فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوْلَى تَعْبِيرُهُ بِسَيَحْدُثُ (فِي الْأَصَحِّ) لِاحْتِمَالِ الْوَصِيَّةِ وُجُوهًا مِنْ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ فَصَحَّتْ بِالْمَعْدُومِ كَالْمَجْهُولِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَوْجُودِ عِنْدَهَا بِأَنْ وَلَدَتْهُ الْآدَمِيَّةُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا مُطْلَقًا: أَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ وَلَيْسَتْ فِرَاشًا أَوْ الْقِيمَةُ لِزَمَنٍ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَهَا.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذْ التَّصَرُّفُ يَسْتَدْعِي مُتَصَرَّفًا فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ: وَالثَّالِثُ تَصِحُّ بِالثَّمَرَةِ دُونَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا تَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ أَمْرٍ فِي أَصْلِهَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِدَابَّةٍ نَحْوُ صُوفٍ وَلَبَنٍ مَوْجُودٍ عِنْدَهَا خِلَافًا لِمَا فِي التَّدْرِيبِ، وَبِشَجَرَةٍ مَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَبَّرِ مَثَلًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَيَجِبُ إبْقَاؤُهُ إلَى الْجِذَاذِ وَنَظِيرُ اعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ هُنَا مَا لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُنْفَصِلَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لَا الْمُنْفَصِلَ بَعْدَهَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ كَمَا مَرَّ، وَهِيَ بِمَا تَحْمِلُهُ لِكُلِّ عَامٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ مَا لِلْعُمُومِ. وَإِذَا اسْتَحَقَّ الثَّمَرَةَ فَاحْتَاجَتْ هِيَ أَوْ أَصْلُهَا لِلسَّقْيِ لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَالْأَوْجَهُ مَجِيءُ مَا مَرَّ آخِرَ فَرْعٍ بَاعَ شَجَرَةً هُنَا.
(وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ) مَثَلًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمَنْهَجِ بِمُبَاحٍ وَبِقَوْلِ الشَّارِحِ بِأَنْ يَحِلَّ إلَخْ عُلِمَ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ.
(قَوْلُهُ: وَبِكُلِّ مَجْهُولٍ) أَيْ وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْوَارِثِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ) أَيْ لِقَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: فِيمَا ضَمِنَ بِهِ) وَهُوَ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِهِ) كَحَمْلِ الْمُرْتَدَّةِ مِنْ مُرْتَدٍّ حَيْثُ أَسْلَمَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَحَدُ أُصُولِهِ (قَوْلُهُ: وَيَقْبَلُهَا الْوَلِيُّ) الْأَوْلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَمْلِ الْمُوصَى بِهِ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ قَدْ تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَبِالْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ) كَخِدْمَةِ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَقَوْلُهُ: مُؤَبَّدَةً أَيْ دَائِمًا، وَقَوْلُهُ: وَمُطْلَقَةً: أَيْ وَيُحْمَلُ عَلَى التَّأْبِيدِ: أَيْ وَمُقَيَّدَةً أَيْضًا كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْحَيَوَانُ) دَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ: إنَّ الْحَمْلَ أَعَمُّ مِنْ الثَّمَرَةِ فَلَا يَصِحُّ تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّثْنِيَةِ بَعْدَ الْعَطْفِ بِأَوْ وُقُوعُهَا بَيْنَ ضِدَّيْنِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالْحَمْلِ الْحَيَوَانُ كَانَ مُبَايِنًا لِلثَّمَرَةِ فَتَتَعَيَّنُ التَّثْنِيَةُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الثَّمَرَةَ امْتَنَعَتْ التَّثْنِيَةُ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم عَلَى حَجّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَيَحْدُثَانِ اعْتَمَدَ ابْنُ هِشَامٍ وُجُوبَ الْمُطَابَقَةِ بَعْدَ أَوْ الَّتِي لِلتَّنْوِيعِ وَقَدْ يَدَّعِي هُنَا أَنَّهَا لَهُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فِرَاشًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: مَوْجُودٌ عِنْدَهَا) أَيْ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ اسْتَحَقَّ الْحَمْلَ وَالصُّوفَ اللَّذَيْنِ كَانَا مَوْجُودَيْنِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْحَادِثَيْنِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُمَا لِلْوَارِثِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ إبْقَاؤُهُ) أَيْ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَالْحَادِثَةِ بَعْدَهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّهَا لِلْوَارِثِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: بِمَا تَحْمِلُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الدَّابَّةِ وَالشَّجَرَةِ وَقَوْلُهُ: لِكُلِّ عَامٍ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَقْبَلُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَيَصِحُّ الْقَبُولُ قَبْلَ الْوَضْعِ
وَيُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَالْإِبْهَامُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِي الْمُوصَى بِهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي الْمُوصَى لَهُ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ بِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ.
(وَبِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا) لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا وَانْتِقَالِهَا بِالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَمَّا لَا يَحِلُّ كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ وَخَمْرَةٍ غَيْرِ مُحْتَرَمَةٍ لِحُرْمَةِ اقْتِنَائِهَا الْمُنَافِي لِمَقْصُودِ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا يَحِلُّ (كَكَلْبِ مُعَلَّمٍ) وَجِرْوٍ قَابِلٍ لِلتَّعْلِيمِ لِحِلِّ اقْتِنَائِهِمَا كَكَلْبٍ يَحْرُسُ الدُّورَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ حِلِّ اقْتِنَاءِ قَابِلِ التَّعْلِيمِ حِلُّ الِاقْتِنَاءِ لِمَنْ يُرِيدُ تَعَلُّمَ الصَّيْدِ حَالًا، وَهُوَ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصَى لَهُ صَاحِبَ زَرْعٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِهَا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِتَمَكُّنِهِ مِنْ نَقْلِ يَدِهِ لِمَنْ لَهُ اقْتِنَاؤُهُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ أَهْلِ بَعْضِهَا فَهَلْ يَتَعَيَّنُ مَا يَصِحُّ لَهُ أَوْ يَتَخَيَّرُ الْوَارِثُ؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا ثَانِيهِمَا، كَمَا أَشْعَرَ بِتَرْجِيحِهِ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ (وَزِبْلٌ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ لِتَسْمِيدِ الْأَرْضِ وَالْوَقُودِ، وَمَيْتَةٌ لِإِطْعَامِ الْجَوَارِحِ وَلَوْ مَيْتَةَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (وَخَمْرٌ مُحْتَرَمَةٌ) وَهِيَ مَا عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ اسْتَحْكَمَتْ الْخَمْرُ وَأَيِسَ مِنْ عَوْدِهَا خَلًّا إلَّا بِصُنْعِ إدَامٍ فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهَا خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُحْتَرَمَةً لَمْ يَمْتَنِعْ إمْسَاكُهَا لِمَنَافِعَ قَدْ تَعْرِضُ كَإِطْفَاءِ نَارٍ وَعَجْنِ طِينٍ.
(وَلَوْ)(أَوْصَى) لِشَخْصٍ (بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ) الْمُنْتَفَعِ بِهَا ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ كِلَابٌ (أُعْطِيَ) الْمُوصَى لَهُ (أَحَدَهَا) بِخِيرَةِ الْوَارِثِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِوَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ كَانَ مَا أَعْطَاهُ لَهُ لَا يُنَاسِبُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) عِنْدَ الْمَوْتِ إذْ الْعِبْرَةُ بِهِ (كَلْبٌ) يُنْتَفَعُ بِهِ (لَغَتْ) الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ قَالَ مِنْ مَالِي؛ لِتَعَذُّرِ شِرَائِهِ وَلَا يُكَلَّفُ الْوَارِثُ اتِّهَابَهُ وَبِهِ فَارَقَ عَبْدًا مِنْ مَالِي وَلَا عَبْدَ لَهُ، وَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ مُتَبَرِّعٌ، وَأَرَادَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مَرْدُودٌ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةَ بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ؛ لِعَدَمِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حِينَئِذٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَا شَاةَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ.
(وَلَوْ)(كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ) مُنْتَفَعٌ بِهَا (وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا)(فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا) فِي الْكِلَابِ جَمِيعًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهِيَ.
(قَوْلُهُ: وَيُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ) وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا عَيَّنَهُ لِغَيْرِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بِتَعْيِينِهِ لَهُ تَعَلَّقَ بِهِ اخْتِصَاصُ الْمُوصَى بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي قَوْلِ عَطِيَّةَ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُجِيزِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَيُعَيِّنُهُ أَنَّ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُعَيَّنُ أَدْوَنَ مِنْ الْبَاقِي لَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى تَعْيِينِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ تَابِعًا) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَخَمْرَةٍ) قَضِيَّتُهُ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ، وَيُحْتَمَلُ تَقْيِيدُهَا بِمَا إذَا لَمْ تَتَخَلَّلْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِمَنْ يُرِيدُ تَعَلُّمَ الصَّيْدِ) أَيْ أَوْ يُرِيدُ شِرَاءَ مَاشِيَةٍ حَالًا (قَوْلُهُ: أَرْجَحُهُمَا ثَانِيهِمَا) هُوَ قَوْلُهُ: أَوْ يَتَخَيَّرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ) قَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ اقْتِنَاؤُهُ فَكَيْفَ يُدْفَعُ لَهُ؟ .
وَالْجَوَابُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ اقْتِنَاؤُهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ نَقْلِ اخْتِصَاصِهِ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ) أَيْ أَوْ كَانَ الْعَاصِرُ لَهَا ذِمِّيًّا وَلَوْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ. وَقَالَ حَجّ: وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ قَصْدَهُ قَبْلَ تَخَمُّرِهَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ إلَيْهِ، وَأَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِلْمُوصَى لَهُ بَلْ لِثِقَةٍ بِأَنْ عُرِفَتْ دِيَانَتُهُ وَأُمِنَ شُرْبُهُ لَهَا. وَقَوْلُهُ: وَقَبْلَ تَخَمُّرِهَا: أَيْ أَوْ بَعْدَهُ انْتَهَى سم.
(قَوْلُهُ: أَخْذًا مِمَّا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَرْجَحُهُمَا ثَانِيهِمَا (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ شِرَائِهِ) مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِدَفْعِ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ رَفْعِ يَدِ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ عَبْدًا) أَيْ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ وَيُكَلَّفُ اتِّهَابَهُ بِخُصُوصِهِ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ قَبِلَ الْهِبَةَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ إجْزَاؤُهُ عَنْ شِرَاءِ عَبْدٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِعَدَمِ صِدْقِ قَوْلِ الْمُوصِي مِنْ مَالِي عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا يُكَلَّفُ الْوَارِثُ اتِّهَابَهُ) أَيْ صُورَةً وَإِلَّا فَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ فِي الشِّرَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الِاخْتِصَاصِ
(قَوْلُهُ: فِي الْكِلَابِ جَمِيعًا) أَيْ الْمُوصَى بِهَا مِنْ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ.
(وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ الْمَالُ) ، وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مُتَقَوِّمٍ كَدَانَقٍ إذْ الشَّرْطُ بَقَاءُ ضِعْفِ الْمُوصَى لِلْوَرَثَةِ وَقَلِيلُ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْكِلَابِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَتَقْدِيرُ عَدَمِ الْمَالِ أَوْ أَنَّ لَهَا قِيمَةً حَتَّى يَنْفُذَ فِي ثُلُثِهَا فَقَطْ يُشْبِهُ التَّحَكُّمَ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَاحِدٍ وَبِهَا لِآخَرَ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا فِي ثُلُثِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا كِلَابٌ وَيُنْظَرُ فِيهِ إلَى عَدَدِهَا لَا قِيمَتِهَا بِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ.
(وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ) سَوَاءٌ قَالَ مِنْ طُبُولِي أَمْ لَا (وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ) لَا يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ (وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ) يُقْصَدُ بِهِ التَّهْوِيلُ (أَوْ حَجِيجٍ) يُقْصَدُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِالنُّزُولِ وَالرَّحِيلِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَطَبْلِ الْبَازِ غَيْرِ الْكُوبَةِ الْمُحَرَّمَةِ (حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي) لِتَصِحَّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لِلصَّوَابِ، فَإِنْ صَلُحَ لِمُبَاحٍ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ أَوْ بِعُودٍ مِنْ عِيدَانِهِ وَلَهُ عُودُ لَهْوٍ يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ وَعُودُ بَتَاءٍ وَأَطْلَقَ بَطَلَتْ لِانْصِرَافِ مُطْلَقِ الْعُودِ لِلَّهْوِ وَالطَّبْلُ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ إطْلَاقًا وَاحِدًا (وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ) وَهُوَ الْكُوبَةُ الْآتِيَةُ فِي الشَّهَادَاتِ (لَغَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ (إلَّا إنْ صَلُحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ) أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ وَلَوْ مَعَ تَغْيِيرٍ بِشَرْطِ بَقَاءِ اسْمِ الطَّبْلِ مَعَهُ، وَإِلَّا لَغَتْ، وَإِنْ كَانَ رُضَاضُهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ جَوْهَرٍ.
نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُوصِي أَرَدْت الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَعْمُولٌ لَهُ لَمْ تَصِحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ كَالْأَذْرَعِيِّ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا سَمَّى اللَّهْوَ فِي الْوَصِيَّةِ، فَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِهَذَا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَصِحَّ وَيُعْطَى لَهُ مُفَصَّلًا مَمْنُوعٌ، وَإِنْ نَسَبَاهُ لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ مُطْلَقًا فِي الطَّبْلِ وَغَيْرِهِ إذَا أَوْصَى بِهِ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاكِينِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ رُضَاضُهُ مَالًا فَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ وَتَنْزِلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى رُضَاضِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا قُلْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ قَوْلُهُ: الْآتِي مَرْدُودٌ وَبِوُضُوحٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ) أَيْ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَيُنْظَرُ فِيهِ إلَى عَدَدِهَا) وَيُرْجَعُ فِي التَّعْيِينِ لِلْوَارِثِ (قَوْلُهُ: لَا قِيمَتَهَا) وَهَذَا كَمَا تَرَى فِيمَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ نُظِرَ إلَى قِيمَتِهَا، وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا كَأَنَّ خَلَّفَ كَلْبًا نَافِعًا وَخَمْرَةً مُحْتَرَمَةً وَزِبْلًا وَقَدْ أَوْصَى بِهَا أُخِذَ ثُلُثُهَا بِفَرْضِ الْقِيمَةِ بِأَنْ تُقَدَّرَ الْمَالِيَّةُ فِيهَا كَمَا يُقَدَّرُ الرِّقُّ فِي الْحُرِّ وَيُقَوَّمُ. انْتَهَى. إسْعَادٌ. وَقَوْلُهُ: بِأَنْ تُقَدَّرَ الْمَالِيَّةُ فِيهَا إلَخْ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مِنْ أَنَّهَا تُقَوَّمُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ تَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ رُضَاضُهُ) غَايَةٌ، وَقَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ: أَيْ الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: أَمَّا لَوْ قَالَ أَعْطُوهُ هَذَا أَوْ هَذَا الذَّهَبَ أَوْ النُّحَاسَ أَوْ هَذِهِ الْعَيْنَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَتُفْصَلُ وَتُعْطَاهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ انْتَهَى. وَاقْتِصَار الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِهِ بِهَذَا قَدْ يُخْرِجُ مَا لَوْ قَالَ بِهَذَا الذَّهَبِ أَوْ النُّحَاسِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ وَصْفَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالذَّهَبِ أَوْ النُّحَاسِ يُخْرِجُ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا فَلَمْ تَشْمَلْهُ الْوَصِيَّةُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ أَوْ لَا بِمَا إذَا سَمَّى اللَّهْوَ فِي الْوَصِيَّةِ يُفْهَمُ الْبُطْلَانُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيَتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .