الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَوْجَتَهُ أَوْ نَقَضَ وُضُوءَهَا بِاللَّمْسِ.
فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَمَا لَوْ حِمًى الْوَطِيسَ لِيَخْبِزَ فِيهِ فَجَاءَ آخَرُ وَبَرَّدَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا يَخْبِزُ فِيهِ.
الْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ، وَبِكَسْرِهَا النَّصِيبُ، وَبِفَتْحِهَا وَالسِّينِ الْحَلِفُ، وَالْفَيْءُ مَصْدَرُ فَاءَ يَفِيءُ إذَا رَجَعَ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمَالُ الْآتِي لِرُجُوعِهِ إلَيْنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَصْدَرِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ، أَوْ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى طَاعَتِهِ، فَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ عَصَاهُ وَسَبِيلُهُ الرَّدُّ إلَى مَنْ يُطِيعُهُ.
وَالْغَنِيمَةُ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنْ الْغُنْمِ: أَيْ الرِّبْحِ، وَالْمَشْهُورُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ، وَقِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَشْمَلُهَا؛ لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَيْنَا وَلَا عَكْسَ فَهِيَ أَخَصُّ.
وَقِيلَ هُمَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَلَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِنَا بَلْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَحْرُقُ مَا جَمَعُوهُ، وَكَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لَهُ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ لَيْسَتْ إلَّا بِهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَذِكْرُ هَذَا الْبَابِ كَمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِهِ بَعْدَ السِّيَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا تَحْتَ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ الْأَمْوَالِ لَيْسَ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، فَهُوَ كَوَدِيعٍ تَحْتَ يَدِهِ مَالُ غَيْرِهِ سَبِيلُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ عَقِبَ الْوَدِيعَةِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهَا.
لَا يُقَالُ بَلْ هُمْ كَالْغَاصِبِ فَيَكُونُ الْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ عَقِبَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْغَاصِبِ وَإِنْ صَحَّ مِنْ وَجْهٍ لَكِنْ فِيهِ تَكَلُّفٌ، وَإِنَّمَا الْأَظْهَرُ التَّشْبِيهُ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا نَظَرَ بِمَا يَغْرَمُ عَلَى مِثْلِهَا حِينَ أَخَذَهَا لِبُعْدَيْ آخِذِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقَضَ وُضُوءَهَا بِاللَّمْسِ) وَبَقِيَ مَا لَوْ عَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ نَقَضَتْ وُضُوءَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا تَضْمَنُ مَاءَ غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ، بَلْ لَوْ نَقَضَ وُضُوءَ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ نَقَضَتْ وُضُوءَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ النَّفَقَاتِ (قَوْلُهُ: وَمَا لَوْ حَمَّى الْوَطِيسَ) أَيْ الْفُرْنَ. .
كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ
(قَوْلُهُ: وَالسِّينُ) أَيْ وَفَتْحُ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَشْمَلُهَا) أَيْ الْغَنِيمَةَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِنَا) أَيْ الْغَنَائِمُ (قَوْلُهُ: تَحْرُقُ مَا جَمَعُوهُ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ، وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِيهِ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: دَخَلَ فِي عُمُومِ أَكْلِ النَّارِ الْغَنِيمَةَ السَّبْيُ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ إهْلَاكُ الذُّرِّيَّةِ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ مِنْ النِّسَاءِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ مِنْ اسْتِثْنَائِهِمْ عَدَمُ تَحْرِيمِ الْغَنَائِمِ عَلَيْهِمْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ السَّبْيُ لَمَا كَانَ لَهُمْ أَرِقَّاءٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ يُمْنَعُ الْحَصْرُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلرِّقِّ سَبَبٌ آخَرُ وَأَسْبَابٌ أُخَرُ غَيْرَ السَّبْيِ بِدَلِيلِ اسْتِرْقَاقِ السَّارِقِ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ الْمُصَرَّحُ بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلْأَكْمَلِ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ مَنْ قَبْلَنَا إذَا غَنِمُوا
ــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ]
(قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الدُّنْيَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: قَدْ تَقَدَّمَ مَا سُمِّيَ لِأَجْلِهِ فِينَا فِي قَوْلِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمَالُ الْآتِي لِرُجُوعِهِ إلَيْنَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لَيْسَ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَعْنَى الرُّجُوعِ إلَيْنَا الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَالْفَيْءُ مَصْدَرُ فَاءَ يَفِيءُ إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ رَاجِعٌ مِنْ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْقَفَّالُ:
بِالْوَدِيعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ مُسْتَحِقُّ الرَّدِّ لِغَيْرِهِمْ.
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] وَقَوْلُهُ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] وَفِي خَبَرِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَقَدْ فَسَّرَ لَهُمْ صلى الله عليه وسلم الْإِيمَانَ «وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْفَيْءُ مَالٌ) ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ وَإِنْ قِيلَ حَذْفُ اللَّامِ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الِاخْتِصَاصَ (حَصَلَ) لَنَا (مِنْ كُفَّارٍ) وَخَرَجَ بِهِ نَحْوُ صَيْدِ دَرَاهِمَ الَّذِي لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ كَمَا فِي أَرْضِنَا (بِلَا قِتَالٍ وَإِيجَافٍ) أَيْ إسْرَاعِ نَحْوِ (خَيْلٍ وَرِكَابٍ) أَيْ إبِلٍ وَبِلَا مُؤْنَةٍ أَيْ لَهَا وَقْعٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (كَجِزْيَةٍ) وَخَرَاجٍ ضُرِبَ عَلَى حُكْمِهَا، كَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي حُكْمِ الْأُجْرَةِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِإِسْلَامِهِمْ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أُجْرَةً فَحَدُّ الْفَيْءِ صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ صَبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ وَضَالَّةُ حَرْبِيٍّ بِبِلَادِنَا، بِخِلَافِ كَامِلٍ دَخَلَ دَارَنَا فَأُخِذَ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ: أَيْ غَالِبًا، وَالْوَاوُ فِي كَلَامِهِ عَلَى بَابِهَا لَا بِمَعْنَى أَوْ إذْ الْأَصْلُ فِيمَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ انْتِفَاءُ جَمِيعِهِ لَا مَجْمُوعِهِ كَمَا أَشَارُوا إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ التَّفْوِيضِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ كَوْنُهَا بِمَعْنَى أَوْ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فِي حَدِّ الْغَنِيمَةِ.
وَأَمَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ فِي حَدِّ الْفَيْءِ فَهِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْمُرَادُ انْتِفَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ (وَعُشْرُ تِجَارَةٍ) يَعْنِي مَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِهَا سَاوَى الْعُشْرَ أَمْ لَا (وَمَا جَلَوْا) أَيْ هَرَبُوا (عَنْهُ خَوْفًا) وَلَوْ مِنْ غَيْرِنَا فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَرَدّ تَقْيِيدَ بَعْضِ الشُّرَّاحِ بِالْمُسْلِمِينَ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَدَخَلَ فِي الْخَوْفِ مَا جَلَوْا عَنْهُ لِنَحْوِ ضُرٍّ أَصَابَهُمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ شُمُولِهِ لِخَوْفِهِمْ مِنْ غَيْرِنَا.
نَعَمْ هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ فُرِضَ تَرْكُهُمْ مَالًا لِنَحْوِ عَجْزِ دَوَابِّهِمْ عَنْ حَمْلِهِ كَانَ فَيْئًا أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ بَعْدَ تَقَابُلِ الْجَيْشَيْنِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَيَوَانَاتِ تَكُونُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ دُونَ أَنْبِيَائِهِمْ، وَإِذَا غَنِمُوا غَيْرَ الْحَيَوَانَاتِ جَمَعُوهَا فَتَجِيءُ نَارٌ فَتَحْرُقُهَا اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي عَيْنِ الْحَيَاةِ حَدِيثَ «قَعَدَ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ» الْحَدِيثَ.
قِيلَ كَانَ فِي شَرْعِ هَذَا النَّبِيِّ أَنَّ عِقَابَ الْحَيَوَانِ بِالتَّحْرِيقِ جَائِزٌ اهـ (قَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] لَمَّا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فِي التَّرْجَمَةِ احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى دَلِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَسْقُطَ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْمَالُ الْحَاصِلُ مِنْ الْكُفَّارِ فَيْئًا إلَّا عِنْدَ انْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاوَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ لِانْتِفَاءِ الْجَمِيعِ: أَيْ جَمِيعِ الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَقَوْلُهُ لَا مَجْمُوعَةَ: أَيْ يَجِبُ كَوْنُهُ فَيْئًا بِانْتِفَاءِ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ وُجِدَ الْآخَرَانِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْمَجْمُوعِ نَفْيٌ لِلْحُكْمِ عَنْ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِنَفْيِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ وُجُودِ الْآخَرَيْنِ، وَقَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِ إلَخْ: أَيْ مِنْ أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ صِرَاطُ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَيْرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرُ الضَّالِّينَ، فَاشْتَرَطَ لِكَوْنِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا نَفْيَ كُلِّ مَنْ كَوْنُهُ صِرَاطَ الْمَغْضُوبِ والضالين، وَقَوْلُهُ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ إلَخْ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي الْغَنِيمَةُ مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ مَعْنَاهُ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تَتَحَقَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقِتَالِ وَالْإِيجَافِ، فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَلَوْ جُعِلَتْ عَلَى بَابِهَا لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِ الْمَالِ غَنِيمَةً مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِتَالِ وَالْإِيجَافِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ صَبِيٌّ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَرْأَةُ حَيْثُ دَخَلَا بِلَا أَمَانٍ مِنَّا، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ: أَيْ فَيَكُونُ غَنِيمَةً، وَقَوْلُهُ وَدَخَلَ فِي الْخَوْفِ إلَخْ مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ مَا جَلَوْا: أَيْ الْكُفَّارُ، وَقَوْلُهُ نَعَمْ هُوَ: أَيْ الْخَوْفُ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
سُمِّيَ فَيْئًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا إلَخْ، فَجَعَلَ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ شَرْحًا وَبَيَانًا لِمَا قَالَهُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَرُّفِ نَحْوُ الْوَضْعِ فِي الْحِرْزِ وَالنَّقْلِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ لِلْحَاجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَحَدُّ الْفَيْءِ صَادِقٌ عَلَيْهِ) أَيْ إلَى إسْلَامِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ كُفَّارٍ. أَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِإِسْلَامِهِمْ فَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ خَاصِّيَّةِ الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْأُجْرَةِ
غَنِيمَةً، لَكِنَّهُ لَمَّا حَصَلَ التَّقَابُلُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ حُصُولِ الْقِتَالِ فَلَا يُرَدُّ عَلَى كَلَامِهِ (وَمَالُ) وَاخْتِصَاصُ (مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ) عَلَى الرِّدَّةِ (وَ) مَالُ (ذِمِّيٍّ) أَوْ مُعَاهِدٍ أَوْ مُؤَمَّنٍ (مَاتَ بِلَا وَارِثٍ) مُسْتَغْرِقٍ بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا أَصْلًا أَوْ تَرَكَ وَارِثًا غَيْرَ جَائِزٍ فَجَمِيعُ مَالِهِ فِي الْأُولَى وَمَا فَضَلَ عَنْ وَارِثِهِ فِي الثَّانِيَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا بَيَّنَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْحَدِّ بِسَبَبِ شُمُولِهِ لِمَا أَهْدَاهُ كَافِرٌ لَنَا فِي غَيْرِ حَرْبٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ وَلَا غَنِيمَةٍ مَعَ صِدْقِ تَعْرِيفِ الْفَيْءِ عَلَيْهِ وَلِمَا أُخِذَ بِسَرِقَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مَعَ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ، وَكَذَا مَا أَهْدَوْهُ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ نَفْيِ الْقِتَالِ وَالْإِيجَافِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي حُصُولٍ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَنَحْوِهِ وَهَذَا حَاصِلٌ بِعَقْدٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَمِنْ ثَمَّ اُتُّجِهَ حُكْمُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ وَلَا غَنِيمَةٍ وَاتَّجَهَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى حَدِّ الْفَيْءِ، وَكَأَنَّ السَّارِقَ لَمَّا خَاطَرَ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُقَاتِلِ، عَلَى أَنَّهُ سَيَذْكُرُ حُكْمَهُ فِي السِّيَرِ كَالْمُلْتَقِطِ الْأَظْهَرُ إيرَادٌ مِنْ السَّارِقِ لَوْلَا ذِكْرُهُ، ثُمَّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُخَاطَرَةً أَيْضًا إذْ قَدْ يَتَّهِمُونَهُ بِأَنَّهُ سَرَقَهَا، عَلَى أَنَّ الْأَذْرَعِيُّ بَحَثَ أَنَّ أَخْذَ مَالِهِمْ بِدَارِنَا بِلَا أَمَانٍ كَهُوَ فِي دَارِهِمْ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِيهِ مُخَاطَرَةً أَيْضًا بِخِلَافِ أَخْذِ الضَّالَّةِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ الْحَرْبَ لَمَّا كَانَتْ قَائِمَةً كَانَتْ فِي مَعْنَى الْقِتَالِ.
(فَيُخَمَّسُ) جَمِيعُ الْفَيْءِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِصَرْفِ جَمِيعِهِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْغَنِيمَةِ الْمُخَمَّسَةِ بِالنَّصِّ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا رَاجِعٌ إلَيْنَا مِنْ الْكُفَّارِ وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ (وَخَمَّسَهُ لِخَمْسَةٍ) مُتَسَاوِيَةٍ (أَحَدُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ) وَهِيَ مَحَالُّ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِنَا فَتُشْحَنُ بِالْعُدَّةِ وَالْعَدَدِ (وَالْقُضَاةُ) أَيْ قُضَاةُ الْبِلَادِ لَا الْعَسْكَرُ وَهُمْ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهُمْ فَسَيُرْزَقُونَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ كَأَئِمَّتِهِمْ وَمُؤَذِّنَيْهِمْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْعُلَمَاءُ) يَعْنِي الْمُشْتَغِلِينَ بِعُلُومِ الشَّرْعِ وَآلَتِهَا، وَلَوْ مُبْتَدَئِينَ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَسَائِرِ مَنْ يَشْتَغِلُ عَنْ نَحْوِ كَسْبِهِ بِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقَوْلُهُ لِنَحْوِ عَجْزٍ: أَيْ أَوْ ظَنِّهِمْ عَدُوًّا فَبَانَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا أَهْدَاهُ كَافِرٌ لَنَا فِي غَيْرِ هَرَبٍ (قَوْلُهُ: إيرَادًا مِنْ السَّارِقِ) أَيْ مِمَّا سَرَقَهُ السَّارِقُ (قَوْلُهُ: كَهُوَ فِي دَارِهِمْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَخْذِ الضَّالَّةِ) وَيُؤْخَذُ تَعْلِيلُ مَا أَهْدَاهُ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ تَوْجِيهِ مَا ذَكَرَ فِيمَا جَعَلُوا عَنْهُ بَعْدَ تَقَابُلِ الْجَيْشَيْنِ.
(قَوْلُهُ: فَتُشْحَنُ بِالْعُدَّةِ) أَيْ آلَةِ الْحَرْبِ، وَقَوْلُهُ وَالْعَدَدِ كُلُّ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَغْنِيَاءَ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَسَائِرِ مَنْ يَشْتَغِلُ عَنْ نَحْوِ كَسْبِهِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِهِمْ الْعَاجِزُونَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا يُكْتَبُ مِنْ الْجَامَكِيَّةِ لِلْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالطَّلَبَةِ وَلَوْ مُبْتَدِئِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَيَسْتَحِقُّونَ مَا يُعَيَّنُ لَهُمْ مِمَّا يُوَازِي قِيَامَهُمْ بِذَلِكَ وَانْقِطَاعَهُمْ عَنْ أَكْسَابِهِمْ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فَيُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ وَيُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يُدْفَعُ لِهُمْ بِحَسَبِ مَرَاتِبِهِمْ وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَالْعَطَاءُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَمَحَلُّ إعْطَاءِ الْمُدَرِّسِينَ وَالْأَئِمَّةِ وَنَحْوِهِمْ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ مَشْرُوطٌ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَظَائِفِ الْمُعَيَّنَةِ لِلْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْوَاقِفِ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ، وَلَمْ يُوَازِ تَعَبَهُمْ فِي الْوَظَائِفِ الَّتِي قَامُوا بِهَا دَفَعَ إلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ زِيَادَةً عَلَى مَا شُرِطَ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأَوْقَافِ (قَوْلُهُ: بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) كَمَنْ يَشْتَغِلُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَيُؤْخَذَ فَهُوَ بِالنَّصْبِ (قَوْلُهُ: لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا بَيَّنَهُ السُّبْكِيُّ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ إرْثًا
(قَوْلُهُ: وَالْعَدَدِ بِفَتْحِ) الْعَيْنِ يَعْنِي مِنْ الرِّجَالِ وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَالْمُرَادُ سَدُّهَا: أَيْ الثُّغُورِ بِالرِّجَالِ وَالْعُدَدِ انْتَهَتْ. فَالْعُدَدُ فِي كَلَامِهِ بِالضَّمِّ لِمُقَابَلَةِ الرِّجَالِ الَّذِينَ أُرِيدُوا بِالْعَدَدِ بِالْفَتْحِ هُنَا الْمُقَابِلُ لِلْعُدَّةِ الَّتِي هِيَ مُفْرَدُ الْعُدَدِ بِالضَّمِّ، وَهَذَا لَعَلَّهُ أَصْوَبُ مِمَّا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَغْنِيَاءَ) هَذَا فِي التُّحْفَةِ مَذْكُورٌ
لِعُمُومِ نَفْعِهِمْ، وَأُلْحِقَ بِهِمْ الْعَاجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ لَا مَعَ الْغِنَى كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْعَطَاءُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ بِسَعَةِ الْمَالِ وَضِيقِهِ، وَهَذَا السَّهْمُ كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَيَدَّخِرُ مِنْهُ مُؤْنَةَ سَنَةٍ وَيُصْرَفُ الْبَاقِي فِي الْمَصَالِحِ، كَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، قَالُوا: وَكَانَ لَهُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ الْآتِيَةُ فَجُمْلَةُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْفَيْءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَكَانَ يَصْرِفُ الْعِشْرِينَ لِلْمَصَالِحِ قِيلَ وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: بَلْ كَانَ الْفَيْءُ كُلُّهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا خُمِّسَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ حَيَاتِهِ ثُمَّ نُسِخَ فِي آخِرِهَا، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» وَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَوْ مَنَعَ السُّلْطَانُ الْمُسْتَحَقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ جَوَازُ أَخْذِهِ مَا كَانَ يُعْطَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ثَمَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَارِثُهُ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمُنِعَ الظَّفَرُ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَمَالِ الْمَجَانِينَ وَالْأَيْتَامِ، وَلَا يُنَافِي الْأَوَّلَ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَمْوَالًا لِأَشْخَاصٍ وَخَلَطَهَا ثُمَّ فَرَّقَهَا عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ جَازَ لِكُلٍّ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ لَزِمَ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ قِسْمَتُهُ وَعَلَى الْبَاقِينَ بِنِسْبَةِ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّ أَعْيَانَ الْأَمْوَالِ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِمُجَرَّدِ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ
(يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ) وُجُوبًا وَأَهَمُّهَا سَدُّ الثُّغُورِ (وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَ) بَنُو (الْمُطَّلِبِ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى الَّذِي فِي الْآيَةِ فِيهِمْ دُونَ بَنِي.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِتَجْهِيزِ الْمَوْتَى مِنْ حَفْرِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَيَدَّخِرُ مِنْهُ مُؤْنَةَ سَنَةٍ) فَإِنْ قَلَّتْ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا هُوَ ثَابِتٌ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّهُ اخْتَارَ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا فَكَانَ يَتَقَلَّلُ مِنْ الْعَيْشِ مَا أَمْكَنَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ» .
قُلْت: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ: وَيُجَابُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوَاخِرَ حَيَاتِهِ، لَكِنْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجِينَ فَيُخْرِجُهُ فِيهَا، فَصَدَقَ أَنَّهُ ادَّخَرَ قُوتَ سَنَةٍ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَشْبَعُوا كَمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مَا ادَّخَرَ لَهُمْ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ) هُوَ قَوْلُهُ وَهَذَا السَّهْمُ كَانَ لَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: مَا كَانَ يُعْطَاهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْأَخْذِ فِيمَا لَمْ يُفْرَزْ مِنْهُ لِأَحَدٍ مِنْ مُسْتَحِقِّيهِ أَمَّا ذَلِكَ فَيَمْلِكُهُ مَنْ أَفْرَزَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَكَتَبَ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ: مَا كَانَ يُعْطَاهُ: أَيْ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمِنْهَا التَّرِكَاتُ الَّتِي تَئُولُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَمَنْ ظَفِرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُعْطَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ الْمُحْتَاجِينَ وَقِلَّتِهِمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ، فَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لَوْ صَرَفَهُ أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ عَرَفَ احْتِيَاجَهُ مَا كَانَ يُعْطَاهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَاقِينَ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يُصْرَفْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بَعْدَ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم أَنَّهُ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَالشَّيْخُ نَقَلَ كَلَامَ الشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهِ
(قَوْلُهُ أَخَوَيْهِمَا شَقِيقَيْهِمَا) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: دُونَ بَنِي أَخِيهِمَا شَقِيقَيْهِمَا عَبْدِ شَمْسٍ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ عُثْمَانُ وَأَخِيهِمَا لِأَبِيهِمَا نَوْفَلٌ انْتَهَتْ. وَمَا فِي التُّحْفَةِ هُوَ الصَّوَابُ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ التَّصْرِيحُ بِهِ قَرِيبًا
أَخِيهِمَا عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ مُجِيبًا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: أَيْ لَمْ يُفَارِقُوا بَنِي هَاشِمٍ فِي نُصْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا، وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ لِلْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما شَيْئًا مَعَ أَنَّ أُمَّيْهِمَا هَاشِمِيَّتَانِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم انْتِسَابَ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ لَهُ فِي الْكَفَاءَةِ وَغَيْرِهَا كَابْنِ بِنْتِهِ رُقْيَةَ رضي الله عنها مِنْ عُثْمَانَ وَأُمَامَةَ بِنْتِ بِنْتِهِ زَيْنَبَ مِنْ أَبِي الْعَاصِ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ مَاتَا صَغِيرَيْنِ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِمَا، وَإِنَّمَا أَعْقَبَ أَوْلَادَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهم وَهُمْ هَاشِمِيُّونَ أَبًا وَالْكَلَامُ فِي الْإِعْطَاءِ مِنْ الْفَيْءِ، أَمَّا أَصْلُ شَرَفِ النِّسْبَةِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسِّيَادَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَعُمُّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ أَيْضًا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي آلِهِ أَنَّهُمْ هُنَا مِمَّنْ ذَكَرَ، وَفِي مَقَامِ الدُّعَاءِ كُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ كَمَا فِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ.
(يَشْتَرِكُ فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ «وَلِإِعْطَائِهِ صلى الله عليه وسلم الْعَبَّاسَ وَكَانَ غَنِيًّا» ، وَمَحَلُّهُ إذَا اتَّسَعَ الْمَالُ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَسُدُّ مَسَدًا بِالتَّوْزِيعِ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ (وَالنِّسَاءُ) ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يَأْخُذُ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ) عَلَى الْأُنْثَى فَلَهُ سَهْمَانِ وَلَهَا سَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَخْذُ الْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ وَاسْتِوَاءُ مُدْلٍ بِجِهَتَيْنِ وَمُدْلٍ بِجِهَةِ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْإِرْثِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ (كَالْإِرْثِ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَوْ أَعْرَضُوا عَنْ سَهْمِهِمْ لَمْ يَسْقُطْ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي السِّيَرِ، وَمِنْ إطْلَاقِ الْآيَةِ اسْتِوَاءُ صَغِيرِهِمْ وَعَالِمِهِمْ وَضِدُّهُمَا وَوُجُوبُ تَعْمِيمِهِمْ، وَلَا يُقَدَّمُ حَاضِرٌ بِمَوْضِعِ الْفَيْءِ عَلَى غَالِبٍ عَنْهُ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ إعْطَاءَ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِبَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ.
(قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يُفَارِقُوا) أَيْ بَنُو الْمُطَّلِبِ (قَوْلُهُ: عُثْمَانَ) أَيْ ابْنِ عَفَّانَ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ أُمَّيْهِمَا هَاشِمِيَّتَانِ) أَيْ أَمَّا الزُّبَيْرُ فَأُمُّهُ صَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا عُثْمَانُ فَأُمُّهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَبِيبٍ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ أَسْلَمَتْ انْتَهَى.
وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ مَعَ أَنَّ أُمَّيْهِمَا هَاشِمِيَّتَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ بِالنَّظَرِ لِعُثْمَانَ، وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ بَعْدُ مِثْلُ مَا ذَكَرَ: وَأُمُّ أُرْوَى أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.
وَعَلَيْهِ فَفِي قَوْلِهِ أُمَّيْهِمَا تَجَوُّزٌ بِالنِّسْبَةِ لِأُمِّ عُثْمَانَ فَإِنَّ أُمَّ حَكِيمٍ أُمُّ أُمِّهِ لَا أُمُّهُ.
(قَوْلُهُ: الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ) أَيْ وَتَمَلُّكُهُمَا بِالْإِفْرَازِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُرْتَزِقَةِ مَا أُفْرِزَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضُوهُ فَإِنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يَأْخُذُ سَهْمَ أُمِّهِ) أَيْ نِيَابَةً عَنْهَا فِي الْقَبْضِ فَقَطْ لَا أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ كَالْإِرْثِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَسْقُطْ: أَيْ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَاتَلُونَ عَلَى عَدَمِ أَخْذِهِ كَمَا قَالُوهُ فِي الزَّكَاةِ أَوْ لَا وَيُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ ذِمَمَ أَهْلِ الزَّكَاةِ اُشْتُغِلَتْ بِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ لِتَفْرِيغِ ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا كَذَلِكَ أَهْلُ الْفَيْءِ، ثُمَّ قَضِيَّةُ عَدَمِ سُقُوطِهِ حِفْظُهُ إلَى الرِّضَا بِأَخْذِهِمْ إيَّاهُ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ أَخْذِهِمْ لَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَيُحْتَمَلُ تَنْزِيلُهُمْ مَنْزِلَةَ الْمَفْقُودِينَ مِنْ الْأَصْنَافِ فَيُرَدُّ نَصِيبُهُمْ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ (قَوْلُهُ: وَوُجُوبُ تَعْمِيمِهِمْ) شَمَلَ ذَلِكَ الْأَصْلَ مَعَ فَرْعِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَمَّا أَصْلُ شَرَفِ النِّسْبَةِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إلَخْ) إنْ أُرِيدَ بِالشَّرَفِ هُنَا الشَّرَفُ الْخَاصُّ فَالْمُرَادُ بِأَوْلَادِ الْبَنَاتِ بَنَاتُ صُلْبِهِ وَالْمُرَادُ بِأَوْلَادِهِنَّ بِلَا وَاسِطَةٍ كَمَا هُوَ الْحَقِيقَةُ فِيهِمَا أَوْ أَوْلَادُهُنَّ بِوَاسِطَةِ الذُّكُورِ بِقَرِينَةِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْوَصَايَا مِنْ قَوْلِهِ وَالشَّرِيفُ الْمُنْتَسِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ،؛ لِأَنَّ الشَّرَفَ وَإِنْ عَمَّ كُلَّ رَفِيعٍ إلَّا أَنَّهُ اُخْتُصَّ بِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عُرْفًا مُطَّرِدًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ انْتَهَى
(قَوْلُهُ: وَلَا يُقَدَّمُ حَاضِرٌ بِمَوْضِعِ الذَّبِّ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا الدَّاعِي لِذِكْرِ هَذَا هُنَا مَعَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَأْخُذُونَ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلذَّبِّ فِيهَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ
وَأَنَّهُ لَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ، لَكِنَّ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ وَقْفُ تَمَامِ نَصِيبِ ذَكَرٍ وَهُوَ الْأَوْجُهُ.
(وَالثَّالِثُ الْيَتَامَى) لِلْآيَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْيَتِيمُ (صَغِيرٌ) لَمْ يَبْلُغْ بِسِنٍّ أَوْ احْتِلَامٍ لِخَبَرِ «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» حَسَّنَهُ الْمُصَنِّفُ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (لَا أَبَ لَهُ) وَإِنْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ الْمُرْتَزِقَةِ وَشَمَلَ ذَلِكَ وَلَدَ الزِّنَا وَاللَّقِيطَ وَالْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ.
نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ لَهُمَا أَبٌ شَرْعًا اُسْتُرْجِعَ الْمَدْفُوعُ لَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ، أَمَّا فَاقِدُ الْأُمِّ فَيُقَالُ لَهُ مُنْقَطِعٌ وَيَتِيمُ الْبَهَائِمِ فَاقِدُ أُمِّهِ وَالطُّيُورُ فَاقِدُهُمَا (وَيُشْتَرَطُ) إسْلَامُهُ وَ (فَقْرُهُ) أَوْ مَسْكَنَتُهُ (عَلَى الْمَشْهُورِ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْيَتِيمِ يُشْعِرُ بِالْحَاجَةِ، وَفَائِدَةُ ذَكَرِهِمَا هُنَا مَعَ شُمُولِ الْمَسَاكِينِ لَهُمْ عَدَمُ حِرْمَانِهِمْ وَإِفْرَادُهُمْ بِخُمُسٍ كَامِلٍ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ لِدُخُولِهِ فِي الْفُقَرَاءِ، وَرُدَّ بِمَا مَرَّ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالَيْتُمْ وَالْفَقْرِ وَكَوْنُهُ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا بِالْبَيِّنَةِ، وَاعْتَبَرَ جَمْعٌ فِي الْأَخِيرَيْنِ الِاسْتِفَاضَةَ فِي نَسَبِهِ مَعَهَا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ هَذَا النَّسَبَ أَشْرَفُ الْأَنْسَابِ وَيَغْلِبُ ظُهُورُهُ فِي أَهْلِهِ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى إظْهَارِ إجْلَالِهِمْ فَاحْتِيطَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ لِذَلِكَ وَلِسُهُولَةِ وُجُودِ الِاسْتِفَاضَةِ بِهِ غَالِبًا، وَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُ أَهْلِ الْخُمُسِ الْأَوَّلِ بِمَنْ يَلِيهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِمْ غَالِبًا.
(وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ) وَلَوْ بِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ اُتُّهِمُوا، نَعَمْ الْأَوْجَهُ فِي مُدَّعِي تَلَفِ مَالٍ لَهُ عُرِفَ أَوْ عِيَالٍ تَكْلِيفُهُ بَيِّنَةً نَظِيرَ مَا يَأْتِي وَذَلِكَ لِلْآيَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا.
وَالْمَسَاكِينُ تَشْمَلُ الْفُقَرَاءَ وَلَهُمَا مَالٌ ثَانٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَثَالِثٌ وَهُوَ الزَّكَاةُ، وَلَا بُدَّ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَوْ ابْنَ سَبِيلٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَ وَصْفَانِ فِي وَاحِدٍ أُعْطِيَ بِأَحَدِهِمَا إلَّا الْغَزْوَ مَعَ نَحْوِ الْقَرَابَةِ.
نَعَمْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ يُتْمٌ وَمَسْكَنَةٌ أُعْطِيَ بِالْيُتْمِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَازِمٌ وَالْمَسْكَنَةُ مُنْفَكَّةٌ، كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ فَرْعٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَقْرٍ أَوْ مَسْكَنَةٍ، وَبِتَسْلِيمِهِ فَارَقَ أَخْذَ غَازٍ هَاشِمِيٍّ مَثَلًا بِهِمَا هُنَا بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْغَزْوِ لِحَاجَتِنَا وَبِالْمَسْكَنَةِ لِحَاجَةِ صَاحِبِهَا.
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى لَا مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ (وَيُعَمِّمُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ) وَجَمِيعَ آحَادِهِمْ (الْمُتَأَخِّرَةَ) بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ، نَعَمْ يَجُوزُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى لِاتِّحَادِ الْقَرَابَةِ وَتَفَاوُتِ الْحَاجَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي غَيْرِهِمْ لَا بَيْنَ الْأَصْنَافِ.
وَلَوْ قَلَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْأَبْعَدَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ يَحْجُبُهُ فِي الْإِرْثِ كَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ مَعَ وُجُودِ ابْنِ الْمَيِّتِ أَوْ ابْنِ ابْنِهِ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ لَهُمَا) أَيْ اللَّقِيطِ وَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ (قَوْلُهُ: اُسْتُرْجِعَ الْمَدْفُوعُ لَهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ عَلِمَاهُ.
وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ عَدَمِ حِرْمَانِهِمْ وَإِفْرَادِهِمْ بِخُمُسٍ كَامِلٍ (قَوْلُهُ: الْيُتْمِ وَالْفَقْرِ) أَيْ الْمَشْرُوطِ فِي الْيُتْمِ، فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَسَاكِينَ يُعْطَوْنَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ (قَوْلُهُ: فِي الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ كَوْنِهِ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا، وَقَوْلُهُ مَعَهَا: أَيْ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: أَهْلُ الْخُمُسِ الْأَوَّلِ) هُوَ خُمُسُ الْمَصَالِحِ أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِي إعْطَاءِ مَنْ ادَّعَى الْقِيَامَ بِشَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَكَوْنِهِ إمَامًا أَوْ خَطِيبًا إثْبَاتُ مَا ادَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَهُمَا مَالٌ) أَيْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (قَوْلُهُ: مَعَ نَحْوِ) أَيْ كَالْقَيِّمِ، وَقَوْلُهُ الْقَرَابَةِ: أَيْ كَوْنُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، وَقَوْلُهُ أُعْطِيَ بِالْيُتْمِ إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَسْكَنَةُ مُنْفَكَّةٌ) أَيْ فَإِنَّهَا فِي وَقْتِهَا لَا يَسْتَحِيلُ انْفِكَاكُهَا وَزَوَالُهَا، بِخِلَافِ الْيُتْمِ فَإِنَّهُ فِي وَقْتِهِ يَسْتَحِيلُ انْفِكَاكُهُ وَزَوَالُهُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مَعَ ظُهُورِهِ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الضَّعَفَةِ.
فَقَالَ الْيُتْمُ يَزُولُ أَيْضًا بِالْبُلُوغِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَقَوْلُ سم فِي وَقْتِهِ: أَيْ وَهُوَ مَا قَبْلَ بُلُوغِهِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَوْضِعَ الْفَيْءِ بَدَلَ الذَّبِّ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لَهُ جَدٌّ) هَذَا غَايَةٌ فِي تَسْمِيَتِهِ يَتِيمًا لَيْسَ إلَّا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إذَا كَانَ جَدُّهُ غَنِيًّا (قَوْلُهُ: وَالطُّيُورُ فَاقِدُهُمَا) لَعَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْحَمَامِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ فَإِنَّ الْمُشَاهَدَ أَنَّ فَرْخَهُمَا
الْحَاصِلُ بِحَيْثُ لَوْ عَمَّ لَمْ يَسُدَّ مَسَدًا خَصَّ بِهِ الْأَحْوَجَ لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ) كَالزَّكَاةِ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ النَّقْلَ لِإِقْلِيمٍ لَا شَيْءَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ مَالًا يَفِي بِمَسَاكِينِهِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ لِمُوَافَقَةِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ تَعْمِيمِ جَمِيعِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ بِأَنَّ التَّشَوُّفَ لَهَا فِي مَحَلِّهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُهَا إلَّا الْمُلَّاكُ، بِخِلَافِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّ الْمُفَرِّقَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.
وَهُوَ لَسَعَةِ نَظَرِهِ يَتَشَوَّفُ كُلَّ مَنْ فِي حُكْمِهِ لِوُصُولِ شَيْءٍ مِنْ الْفَيْءِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ فَانْدَفَعَ مَا لِلسُّبْكِيِّ هُنَا، وَمَنْ فُقِدَ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ.
(وَأَمَّا)(الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ) الَّتِي كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَضْمُومَةً إلَى خُمُسِ الْخُمُسِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ) وَقُضَاتِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ وَمُؤَذِّنَيْهِمْ وَعُمَّالِهِمْ، مَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ (وَهُمْ الْأَجْنَادُ الْمَرْصُودُونَ) فِي الدِّيوَانِ (لِلْجِهَادِ) لِحُصُولِ النُّصْرَةِ بِهِمْ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم.
سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَصَدُوا نُفُوسَهُمْ لِلذَّبِّ عَنْ الدِّينِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ مَالِهِ تَعَالَى.
وَخَرَجَ بِهِمْ الْمُتَطَوِّعَةُ بِالْغَزْوِ إذَا نَشِطُوا فَيُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ دُونَ الْفَيْءِ عَكْسَ الْمُرْتَزِقَةِ مَا لَمْ يَعْجَزْ سَهْمُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ فَيُكْمِلُ لَهُمْ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ (فَيَضَعُ) نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَإِنْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِالْوُجُوبِ وَأَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الضَّبْطُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي ذَلِكَ (الْإِمَامُ دِيوَانًا) بِكَسْرِ الدَّالِ: أَيْ دَفْتَرًا اقْتِدَاءً بِعُمُرِ رضي الله عنه فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ.
وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ عَرَبِيٌّ (وَيُنَصِّبُ) نَدْبًا (لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِّيفًا) يُعَرِّفُهُ بِأَحْوَالِهِمْ وَيَجْمَعُهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ «الْعِرَافَةُ حَقٌّ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا، وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ» أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ الْجَوْرُ فِيمَنْ تَوَلَّوْا عَلَيْهِ (وَيَبْحَثُ) الْإِمَامُ وُجُوبًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ (عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ (وَعِيَالِهِ) وَهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ (وَمَا يَكْفِيهِ فَيُعْطِيهِ) وَلَوْ غَنِيًّا (كِفَايَتَهُمْ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسَائِرِ مُؤْنَتِهِمْ مُرَاعِيًا فِي ذَلِكَ الزَّمَنَ وَالرُّخْصَ وَالْغَلَاءَ وَعَادَةَ الْمَحَلِّ وَالْمُرُوءَةَ وَغَيْرَهَا.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ) أَيْ مِنْ الْقُضَاةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْجَزْ سَهْمُهُمْ) أَيْ الْمُرْتَزِقَةِ (قَوْلُهُ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الْفَيْءِ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِالْوُجُوبِ) اعْتَمَدَهُ الزِّيَادِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ النَّدْبِ عَلَى مَا لَوْ أَمْكَنَ الضَّبْطُ بِدُونِهِ وَالْوُجُوبِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِهِ، وَيُشْعِرُ بِهَذَا الْجَمْعِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَخْ (قَوْلُهُ الْعِرَافَةُ حَقٌّ) أَيْ وَهِيَ التَّدْبِيرُ لِأُمُورِ النَّاسِ وَالْقِيَامُ بِسِيَاسَتِهِمْ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: عَرَفْت عَلَى الْقَوْمِ أَعْرُفُ مِنْ بَابِ قَتَلَ عِرَافَةً بِالْكَسْرِ فَأَنَا عَارِفٌ: أَيْ مُدَبِّرٌ أَمْرَهُمْ وَقَائِمٌ بِسِيَاسَتِهِمْ، وَعَرُفْت عَلَيْهِمْ بِالضَّمِّ لُغَةً فَأَنَا عَرِيفٌ وَالْجَمْعُ عُرَفَاءُ اهـ.
فَالْعَرِيفُ صِفَةٌ مِنْ عَرَفَ عَلَى الْقَوْمِ كَقَتَلَ وَمِنْ عَرُفَ بِالضَّمِّ كَكَرُمَ.
وَفِي الْقَامُوسِ: عَرَفَ كَكَرُمَ وَضَرَبَ صَارَ عَرِيفًا وَكَكَتَبَ كِتَابَةً عَمَلُ الْعِرَافَةِ.
وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: وَالْعَرِيفُ النَّقِيبُ، وَهُوَ دُونَ الرَّئِيسِ وَالْجَمْعُ عُرَفَاءُ وَبَابُهُ إذَا صَارَ عَرِيفًا ظَرُفَ وَإِذَا بَاشَرَ ذَلِكَ مُدَّةً كَتَبَ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَشَايِخُ الْأَسْوَاقِ وَالطَّوَائِفِ وَالْبُلْدَانِ (قَوْلُهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ) وَمِثْلُهُمْ مَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ فِي الْقِيَامِ بِمَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ كَسَايِسٍ وَقَوَّاسَةٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ فِي خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ وَمُعَاوَنَتِهِ عَلَى قِتَالِ الْأَعْدَاءِ فِي السَّفَرِ وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ إلَّا إنْ كَانَ لِحَاجَةِ الْجِهَادِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَنِيًّا) وَمِنْ ذَلِكَ الْأُمَرَاءُ الْمَوْجُودُونَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَا يَفْتَقِرُ إلَّا لِلْأُمِّ
(قَوْلُهُ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ، وَهُوَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لِلْمَصَالِحِ كَخُمُسِ الْخُمُسِ وَأَهَمُّهَا تَعَهُّدُ الْمُرْتَزِقَةِ فَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْفَاضِلِ عَنْهُمْ. وَالثَّانِي أَنَّهَا تُقْسَمُ كَمَا يُقْسَمُ الْخُمُسُ خُمُسُهَا لِلْمَصَالِحِ وَالْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ.
لَا نَحْوَ نَسَبٍ وَعِلْمٍ لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ وَيَزِيدَ مَنْ زَادَ لَهُ عِيَالٌ وَلَوْ زَوْجَةً رَابِعَةً، وَيُعْطِي لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ كَثَرْنَ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ حَمْلَهُنَّ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي الزَّوْجَاتِ لِانْحِصَارِهِنَّ وَلِعَبِيدِ خِدْمَتِهِ الَّذِينَ يَحْتَاجُهُمْ لَا لِمَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ إلَّا إنْ كَانَ لِحَاجَةِ الْجِهَادِ، وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ مَوْطُوءَتِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِعَبِيدِ الْخِدْمَةِ فَلَا يُعْطَى إلَّا لِمَنْ يَحْتَاجُهُ لِعِفَّةٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ (وَيُقَدِّمُ) نَدْبًا (فِي إثْبَاتِ الِاسْمِ) فِي الدِّيوَانِ (وَالْإِعْطَاءِ قُرَيْشًا) لِخَبَرِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» (وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ) بْنِ خُزَيْمَةَ، وَقِيلَ وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، وَنُقِلَ عَنْ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَقَرُّشِهِمْ: أَيْ تَجَمُّعِهِمْ أَوْ شِدَّتِهِمْ (وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ) لِشَرَفِهِمْ بِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ (وَ) بَنِي (الْمُطَّلِب) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَنَهُمْ بِهِمْ كَمَا مَرَّ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ أَشَارَ بِالْوَاوِ إلَى عَدَمِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ مَحَلُّ نَظَرٍ، إذْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَقْدِيمَ بَنِي هَاشِمٍ أَوْلَى، وَسَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنْ يُقَدِّمَ مِنْهُمْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ شَمْسٍ) ؛ لِأَنَّهُ شَقِيقُ هَاشِمٍ (ثُمَّ) بَنِي (نَوْفَلٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ الْعُزَّى) ؛ لِأَنَّ خَدِيجَةَ مِنْهُمْ (ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) فَبَعْدَ بَنِي عَبْدِ الْعُزَّى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، ثُمَّ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ أَخْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بَنِي تَيْمٍ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعَائِشَةَ مِنْهُمْ وَهَكَذَا (ثُمَّ) بَعْدَ قُرَيْشٍ يُقَدِّمُ (الْأَنْصَارَ) لِآثَارِهِمْ الْحَمِيدَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَنْبَغِي كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقْدِيمُ الْأَوْسِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ أَخْوَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ (ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ) لِشَرَفِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَنْصَارِ عَلَى مَنْ عَدَا قُرَيْشًا وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَاسْتِوَاءُ جَمِيعِ الْعَرَبِ، لَكِنْ خَالَفَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَوَّلِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الثَّانِي (ثُمَّ الْعَجَمَ) مُعْتَبَرًا فِيهِمْ النَّسَبُ كَالْعَرَبِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى نَسَبٍ اعْتَبَرُوا مَا يَرَوْنَهُ أَشْرَفَ، فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ هُنَاكَ فَكَمَا يَأْتِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَشْرَفُ.
وَمَتَى اسْتَوَى اثْنَانِ قُرِّبَا قُدِّمَ أَسَنُّهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا سِنًّا فَأَسْبَقُهُمَا إسْلَامًا ثُمَّ هِجْرَةً كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِالسَّبْقِ لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ بِالدِّينِ ثُمَّ بِالسِّنِّ ثُمَّ بِالْهِجْرَةِ ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ، وَلَا يُشْكِلُ تَقْدِيمُهُمْ النَّسَبَ عَلَى السِّنِّ هُنَا عَكْسَ الرَّاجِحِ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى مَا بِهِ الِافْتِخَارُ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَثُمَّ عَلَى مَا يَزِيدُ بِهِ الْخُشُوعُ وَنَحْوُهُ، وَالسِّنُّ أَدْخَلُ فِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ السِّنَّ كُلَّمَا زَادَ كَثُرَ الْخَيْرُ وَنَقَصَ الشَّرُّ (وَلَا يَثْبُتُ) نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا (فِي الدِّيوَانِ أَعْمَى وَلَا زَمِنًا وَلَا مَنْ يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ) لِنَحْوِ جَهْلٍ بِالْقِتَالِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ جُبْنٍ عَنْهُ لِعَجْزِهِمْ وَمَحَلُّهُ فِي الْمُرْتَزِقِ، أَمَّا عِيَالُهُ فَيَثْبُتُونَ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ قَامَ بِهِمْ نَقْصٌ كَمَا بَحَثَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ (وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ) وَلَوْ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِمِصْرِنَا فَيُعْطَوْنَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لَهُمْ وَلِعِيَالِهِمْ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ بِالزِّرَاعَةِ وَنَحْوِهَا لِقِيَامِهِمْ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ بِتَهَيُّئِهِمْ لِلْجِهَادِ وَنَصْبِ أَنْفُسِهِمْ لَهُ (قَوْلُهُ: بِعَبِيدِ الْخِدْمَةِ) وَمِثْلُ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ إمَاؤُهَا بَلْ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ فِي خِدْمَتِهِ أَوْ خِدْمَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ يُخْدَمُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ شَقِيقُ هَاشِمٍ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُطَّلِبِ وَإِلَّا فَعَبْدُ شَمْسٍ شَقِيقُهُمَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: السَّرَخْسِيُّ) نِسْبَةً إلَى سَرْخَسَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا سِينٌ، وَقِيلَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ انْتَهَى.
طَبَقَاتُ الْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ خَالَفَ السَّرَخْسِيُّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ هُنَاكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَالْعَرَبِ وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ: أَيْ قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ مَا يَرَوْنَهُ أَشْرَفَ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ بِالدِّينِ) أَيْ فَيُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ فِي الدِّينِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ) قَالَ الشِّهَابُ سم: إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ عِيَالَ الْمُرْتَزِقِ إذَا كَانَ بِهِمْ عَمًى أَوْ زَمَانَةٌ أَوْ
بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ (أُعْطِيَ) وَيَبْقَى اسْمُهُ فِي الدِّيوَانِ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ الْجِهَادِ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى) أَيْضًا كَذَلِكَ لَكِنْ يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ الدِّيوَانِ، وَاَلَّذِي يُعْطَاهُ كِفَايَةُ مَمُونِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ الْآنَ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ.
وَالثَّانِي لَا يُعْطَى لِعَدَمِ رَجَاءِ نَفْعِهِ: أَيْ لَا يُعْطَى مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ الْمُعَدَّةِ لِلْمُقَاتِلَةِ وَلَكِنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إعْطَائِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا الْمَاضِي فَيُعْطَاهُ جَزْمًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مَسْكَنَتِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَقَالَ إنَّ النَّصَّ يَقْتَضِيهِ (وَكَذَا) يُعْطَى مَمُونُ الْمُرْتَزِقِ مَا يَلِيقُ بِذَلِكَ الْمَمُونِ هُوَ وَ (زَوْجَتُهُ) وَإِنْ تَعَدَّدَتْ وَمُسْتَوْلَدَاتُهُ (وَأَوْلَادُهُ) وَإِنْ سَفَلُوا وَأُصُولُهُ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ فِي حَيَاتِهِ بِشَرْطِ إسْلَامِهِمْ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَلَا تُعْطَى الزَّوْجَةُ الْكَافِرَةُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَهَا وَمِثْلُهَا الْبَاقُونَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ إعْطَاؤُهَا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ مَنْعِهِ وَهُوَ الْكُفْرُ (إذَا مَاتَ) وَلَوْ لَمْ يُرْجَ كَوْنُهُمْ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ بَعْدُ لِئَلَّا يَعْرِضَ النَّاسُ عَنْ الْجِهَادِ إلَى الْكَسْبِ لِإِغْنَاءِ عِيَالِهِمْ، وَمَا اسْتَنْبَطَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْمُدَرِّسَ إذَا مَاتَ يُعْطَى مَمُونُهُ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُهُ مَا يَقُومُ بِهِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْعِلْمِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ صُرِفَ لِمَنْ يَقُومُ بِالْوَظِيفَةِ وَلَا نَظَرَ لِاخْتِلَالِ الشَّرْطِ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِأَبِيهِمْ الْمُتَّصِفِ بِهِ مُدَّةً، فَمُدَّتُهُمْ مُغْتَفَرَةٌ فِي جَنْبِ مَا مَضَى كَزَمَنِ الْبَطَالَةِ، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ تَقْرِيرُ مَنْ لَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً رُدَّ بِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُرْتَزِقِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ لَا يَصُدُّ شَيْءٌ عَنْهُ فَوُكِّلَ النَّاسُ فِيهِ إلَى مَيْلِهِمْ إلَيْهِ، وَالْجِهَادُ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ فَيَحْتَاجُ النَّاسُ فِي إرْصَادِ أَنْفُسِهِمْ عَلَيْهِ إلَى تَأَلُّفٍ، وَأَنَّ الْإِعْطَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ أَقْرَبُ مِنْ الْخَاصَّةِ كَالْأَوْقَافِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي تِلْكَ التَّوَسُّعُ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ مُقَيَّدٌ بِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ نَشْرِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَكَيْفَ يُصْرَفُ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مِئُونَ الْعَالَمِ يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ إلَى الِاسْتِغْنَاءِ وَلَا بُعْدَ فِيهِ (فَتُعْطَى) الْمُسْتَوْلَدَةُ وَ (الزَّوْجَةُ حَتَّى تَنْكِحَ) أَوْ تَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ تَنْكِحْ فَإِلَى الْمَوْتِ وَإِنْ رَغِبَ فِيهَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ (وَالْأَوْلَادُ) ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا (حَتَّى يَسْتَقِلُّوا) أَيْ يَسْتَغْنُوا وَلَوْ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ بِكَسْبٍ أَوْ نَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نِكَاحٍ لِلْأُنْثَى أَوْ جِهَادٍ لِلذَّكَرِ، وَكَذَا بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ إذَا بَلَغَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْبُلُوغِ صَلَحَ لِلْجِهَادِ، فَإِذَا تَرَكَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَمْ يُعْطَ ثُمَّ الْخِيرَةُ فِي وَقْتِ الْعَطَاءِ إلَى الْإِمَامِ كَجِنْسِ الْمُعْطَى.
نَعَمْ لَا يُفَرِّقُ الْفُلُوسَ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَوْلُهُ وَالْمُمْتَنِعُ إلَخْ هَذَا يُفِيدُ تَجْوِيزَ تَقْرِيرِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلتَّدْرِيسِ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ وَيُسْتَنَابُ عَنْهُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ صُرِفَ لِمَنْ يَقُومُ بِالْوَظِيفَةِ وَقَضِيَّةُ فَرْقِ غَيْرِهِ امْتِنَاعُ هَذَا، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ تَكُونَ الْوَظِيفَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُدَرِّسِ لِوَلَدِهِ وَأَنَّهُ يُسْتَنَابُ عَنْهُ إنْ لَمْ يَصْلُحْ لِمُبَاشَرَتِهَا حَتَّى يَجُوزَ تَقْرِيرُ الْوَلَدِ قَبْلَ صَلَاحِهِ وَيُسْتَنَابُ أَوَّلًا فَيُقَرِّرُ غَيْرَهُ إلَى صَلَاحِهِ فَيُعْزَلُ الْأَوَّلُ وَيُقَرَّرُ هُوَ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُقَرِّرُ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَيُسْتَنَابُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَا يُفَرِّقُ الْفُلُوسَ إلَخْ) تَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْفُلُوسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَهُ دَفْعُ غَيْرِهَا مِنْ الْعُرُوضِ كَالْحُبُوبِ وَالثِّيَابِ، وَيُرَاعَى فِي تَفْرِقَتِهَا الْقِيمَةُ، لَكِنْ عَلَى هَذَا يُنْظَرُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَجْزٌ عَنْ الْغَزْوِ يُثْبَتُونَ تَبَعًا لَهُ فَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ لِبَحْثِ الْجَلَالِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطَوْا لِلْقِتَالِ بَلْ أُعْطِيَ هُوَ مَا يَكْفِي مُؤْنَتَهُمْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُمْحَى اسْمُهُ إلَخْ) أَيْ نَدْبًا لَا وُجُوبًا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ بَلْ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَالشِّهَابُ حَجّ يَرَى الْوُجُوبَ هُنَا وَهُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مَسْكَنَتِهِ إلَخْ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِحَجِّ لَكِنَّ ذَاكَ مُعْتَمَدُهُ الْوُجُوبُ لَا النَّدْبُ كَمَا عَرَفْت، وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى النَّدْبِ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَنْكِحْ) أَيْ وَلَمْ تَسْتَغْنِ
وَإِنْ رَاجَتْ وَلَهُ إسْقَاطُ بَعْضِهِمْ لَكِنْ بِسَبَبٍ لَا بِغَيْرِهِ
وَيُجِيبُ طَالِبَ إثْبَاتِ اسْمِهِ إنْ رَآهُ أَهْلًا وَفِي الْمَالِ سَعَةٌ، وَلِبَعْضِهِمْ إخْرَاجُ نَفْسِهِ إنْ اسْتَغْنَى لَا مَعَ الْحَاجَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ.
(فَإِنْ)(فَضَلَتْ) ضُبِطَ بِالتَّشْدِيدِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ (الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ) وَقُلْنَا بِالْأَظْهَرِ أَنَّهَا لَهُمْ خَاصَّةً (وُزِّعَ) الْفَاضِلُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْمُرْتَزِقَةِ الرِّجَالِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ فَحَوَى كَلَامِهِمْ (عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ) لَهُ (أَنْ يَصْرِفَ بَعْضَهُ) أَيْ الْفَاضِلَ لَا كُلَّهُ (فِي إصْلَاحِ الثُّغُورِ وَفِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ) وَهُوَ الْخَيْلُ؛ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ لَهُمْ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ بَلْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ كَالْغَنِيمَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَصَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَدَّخِرُ مِنْ الْفَيْءِ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا مَا وَجَدَ لَهُ مَصْرِفًا وَلَوْ بِنَاءَ نَحْوِ رِبَاطَاتٍ وَمَسَاجِدَ اقْتَضَاهَا رَأْيُهُ وَإِنْ خَافَ نَازِلَةً، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ النَّصِّ تَأَسِّيًا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنْ نَزَلَتْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ لَهُ الْإِدْخَارَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ لِلْمُرْتَزِقَةِ عَنْ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَلَهُ صَرْفُ مَالِ الْفَيْءِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ وَتَعْوِيضُ الْمُرْتَزِقَةِ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً (هَذَا حُكْمُ مَنْقُولُ الْفَيْءِ فَأَمَّا عَقَارُهُ) مِنْ بِنَاءٍ أَوْ أَرْضٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْحُصُولِ وَإِنْ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَاعْتَمَدَهُ بَلْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنَّهُ (يُجْعَلُ وَقْفًا وَيُقَسَّمُ غَلَّتُهُ) فِي كُلِّ سَنَةٍ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَزِقَةِ بِحَسَبِ حَاجَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُمْ أَوْ يُقَسِّمُ أَعْيَانَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُبَاعُ وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ، وَمَا حَمَلْت عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ لِيُوَافِقَ الرَّوْضَةَ كَأَصْلِهَا، وَأَمَّا أَخْذُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَهُوَ وَجْهٌ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْحُصُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ وَقْفِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ الْخُمُسِ الْخَامِسِ حُكْمُهَا مَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْخُمُسِ الْخَامِسِ الَّذِي لِلْمَصَالِحِ فَإِنَّهُ لَا يُقَسَّمُ بَلْ يُبَاعُ أَوْ يُوقَفُ وَهُوَ أَوْلَى وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ أَوْ غَلَّتُهُ فِيهَا، وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ بَعْدَ جَمْعِ الْمَالِ وَتَمَامِ الْمُدَّةِ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ كَالدَّيْنِ أَوْ قَبْلَ تَمَامِهَا وَبَعْدَ جَمْعِ الْمَالِ فَقِسْطُهُ لَهُ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا شَيْءَ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَقَبْلَ الْجَمْعِ، وَلَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْهُمْ بِأَنْ لَمْ يَسُدَّ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَجْهُ تَخْصِيصِ الْفُلُوسِ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ مَعَ جَوَازِ غَيْرِهَا.
(قَوْلُهُ: الْمُرْتَزِقَةِ الرِّجَالِ) أَيْ الْمُقَاتِلَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: عَنْ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ) أَيْ فَيَمْلِكُونَهُ بِذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى تَرِكَتِهِمْ بِذَلِكَ إذَا مَاتُوا؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ، فَإِعْطَاؤُهُ عَنْ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ دَفْعٌ لِمَا اسْتَحَقُّوهُ الْآنَ (قَوْلُهُ: وَمَا حَمَلْت) أَيْ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ: أَيْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُرْتَزِقَةِ (قَوْلُهُ: فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ) لَا يُقَالُ: هَذَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَسَاكِينِ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ الْمُطَّلِبِ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَارِثُهُ بِحَيْثُ يَأْخُذُهُ إرْثًا، بَلْ يَأْخُذُ مَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مُوَرِّثِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ كَانَ قَبْلَ جَمْعِ الْمَالِ وَبَعْدَ تَمَامِهَا.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيُجِيبُ طَالِبَ إثْبَاتِ اسْمِهِ إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ لَهُ اخْتِيَارُهُ (قَوْلُهُ: إنْ اُسْتُغْنِيَ) هُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ: أَيْ إنْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَلِبَعْضِهِمْ إخْرَاجُ نَفْسِهِ لِعُذْرٍ مُطْلَقًا وَلِغَيْرِهِ إلَّا إنْ احْتَجْنَا إلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ) قَالَ الشِّهَابُ سم: بَلْ يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنَّهُ إذَا فَضَلَتْ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ جَمِيعُهَا عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ بِأَنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَحَاصِلُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا وَإِنْ اسْتَغْنَى الْمُرْتَزِقَةُ عَنْ الْأَخْذِ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ وُزِّعَتْ عَلَيْهِمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِمَرَاحِلَ كَثِيرَةٍ عَنْ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ) أَيْ عَلَى حَسْبِهَا وَنِسْبَتِهَا، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُ مَا لِلْآخَرِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَهَكَذَا أَعْطَاهُمْ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ، وَقِيلَ يُعْطِيهِمْ عَلَى حَسَبِ الرُّءُوسِ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ سَنَةٍ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا إلَخْ) أَيْ وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.