الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّلَاقِ
هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ. وَشَرْعًا حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ بِاللَّفْظِ الْآتِي. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ بَلْ: سَائِرُ الْمِلَلِ، وَهُوَ إمَّا وَاجِبٌ كَطَلَاقِ مُولٍ لَمْ يُرِدْ الْوَطْءَ وَحَكَمَيْنِ رَأَيَاهُ أَوْ مَنْدُوبٌ كَأَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ الْمَيْلِ إلَيْهَا، أَوْ تَكُونُ غَيْرَ عَفِيفَةٍ مَا لَمْ يَخْشَ الْفُجُورَ بِهَا أَوْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ: أَيْ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَلَى عِشْرَتِهَا عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِلَّا فَمَتَى تُوجَدُ امْرَأَةٌ غَيْرُ سَيِّئَةِ الْخُلُقِ؟ وَفِي الْخَبَرِ الشَّرِيفِ «الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ فِي النِّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ» كِنَايَةً عَنْ نُدْرَةِ وُجُودِهَا، إذْ الْأَعْصَمُ وَهُوَ أَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ، وَقِيلَ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَذَلِكَ أَوْ يَأْمُرُهُ بِهِ أَحَدُ وَالِدَيْهِ: أَيْ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ تَعَنُّتٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْحَمْقَى مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَمَعَ عَدَمِ خَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ مَشَقَّةٍ بِطَلَاقِهَا فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ حَرَامٌ كَالْبِدْعِيِّ أَوْ مَكْرُوهٌ بِأَنْ سَلِمَ الْحَالُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ مِنْ الطَّلَاقِ» وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَإِثْبَاتُ بُغْضِهِ تَعَالَى لَهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ زِيَادَةُ التَّنْفِيرِ عَنْهُ لَا حَقِيقَتُهُ لِمُنَافَاتِهَا لِحِلِّهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَيْسَ فِيهِ مُبَاحٌ لَكِنْ صَوَّرَهُ الْإِمَامُ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَهِهَا، أَيْ شَهْوَةً كَامِلَةً لِئَلَّا يُنَافِيَ مَا مَرَّ فِي عَدَمِ الْمَيْلِ إلَيْهَا وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمُؤْنَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَمَتُّعٍ بِهَا.
وَأَرْكَانُهُ: زَوْجٌ وَصِيغَةٌ وَقَصْدٌ وَمَحَلٌّ وَوِلَايَةٌ عَلَيْهِ (يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ) أَيْ لِصِحَّةِ تَنْجِيزِهِ أَوْ تَعْلِيقِهِ كَوْنُهُ مِنْ زَوْجٍ، أَمَّا وَكِيلُهُ أَوْ الْحَاكِمُ فِي الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ: وَحَكَمَيْنِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ وَالْوَكِيلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حَيْثُ دَامَ عَلَى الْوَكَالَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَخْشَ الْفُجُورَ بِهَا) أَيْ فُجُورَ غَيْرِهِ بِهَا فَلَا يَكُونُ مَنْدُوبًا لِأَنَّ فِي إبْقَائِهَا صَوْنًا لَهَا فِي الْجُمْلَةِ بَلْ يَكُونُ مُبَاحًا، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ فُجُورَ غَيْرِهِ بِهَا لَوْ طَلَّقَهَا وَانْتِفَاءَ ذَلِكَ عَنْهَا مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ حُرْمَةُ طَلَاقِهَا إنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِبَقَائِهَا تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً.
قَالَ حَجّ: وَيَلْحَقُ بِخَشْيَةِ الْفُجُورِ بِهَا حُصُولُ مَشَقَّةٍ لَهُ بِفِرَاقِهَا يُؤَدِّي إلَى مُبِيحِ تَيَمُّمٍ وَكَوْنِ مُقَامِهَا عِنْدَهُ أَمْنَعُ بِفُجُورِهَا فِيمَا يَظْهَرُ فِيهِمَا اهـ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُكْتَفَى بِأَنْ لَا يُحْتَمَلَ عَادَةً (قَوْلُهُ: لَا حَقِيقَتُهُ) مَا الْمَانِعُ أَنَّ الْبُغْضَ مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الرِّضَا وَهَذَا صَادِقٌ بِالْمَكْرُوهِ كَالْحَرَامِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَصْفَهُ بِالْحِلِّ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْجَائِزُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يُنَافِيَ مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ الْمَيْلِ إلَيْهَا
(قَوْلُهُ: وَمَحَلٌّ) أَيْ زَوْجَةٌ وَقَوْلُهُ وَوِلَايَةٌ عَلَيْهِ أَيْ الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا) أَيْ الْوَكِيلُ وَالْحَاكِمُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الطَّلَاقِ]
ِ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَيْدِ أَعَمُّ مِنْ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ لِيَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ عَلَاقَةٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَوِيُّ خِلَافَ ظَاهِرِ التَّعْبِيرِ بِالْحِلِّ، وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ عِبَارَةٌ عَنْ حَلِّ الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقِ انْتَهَتْ.
فَحُمِلَ حَلَّ الْقَيْدِ عَلَى الْحِسِّيِّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ، وَعُطِفَ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقَ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ فِي أَخْذِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مِنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ حَلُّ الْقَيْدِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ، فَانْظُرْ هَلْ اُسْتُعْمِلَ الْفِعْلُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مُجَرَّدًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: وَوِلَايَةٌ عَلَيْهِ) كَأَنَّهُ أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ إذْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الطَّلَاقِ
تَعْلِيقُهُ، وَيُعْلَمُ هَذَا مِمَّا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْخُلْعِ وَمِمَّا سَيَذْكُرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَ (التَّكْلِيفُ) فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقٌ وَلَا تَنْجِيزٌ مِنْ نَحْوِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ، لَكِنْ لَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَبِهِ نَحْوَ جُنُونٍ وَقَعَ وَالِاخْتِيَارُ فَلَا يَقَعُ مِنْ مُكْرَهٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
(إلَّا السَّكْرَانَ) وَهُوَ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُسْكِرٍ تَعَدِّيًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ حَيْثُ أُطْلِقَ، وَسَيَذْكُرُ أَنَّ مِثْلَهُ كُلُّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَا أَثِمَ بِهِ مِنْ نَحْوِ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ مَعَ انْتِفَاءِ تَكْلِيفِهِ عَلَى الْأَصَحِّ: أَيْ مُخَاطَبَتِهِ حَالَ السُّكْرِ لِعَدَمِ فَهْمِهِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ الدَّالُّ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ بِالْقَذْفِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَهُوَ رَبْطُ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ وَأَلْحَقَ مَالَهُ بِمَا عَلَيْهِ طَرْدًا لِلْبَابِ فَلَا يَرِدُ النَّائِمُ وَالْمَجْنُونُ، عَلَى أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ لَا يَعُمُّهُمَا كَكَوْنِ الْقَتْلِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ. وَالنَّهْيُ فِي {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] لِمَنْ فِي أَوَائِلِ النَّشْوَةِ لِبَقَاءِ عَقْلِهِ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، بِخِلَافِ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ سَوَاءٌ أَصَارَ زِقًّا مَطْرُوحًا أَمْ لَا، وَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ أَرَادَ أَنَّهُ بَعْدَ صَحْوِهِ مُكَلَّفٌ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ أَوْ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّةُ نَحْوِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ.
(وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِصَرِيحِهِ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ إجْمَاعًا (بِلَا نِيَّةٍ) لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ الْعَارِفِ بِمَدْلُولِ لَفْظِهِ، فَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ فَلَا يَكْفِي قَصْدُ حُرُوفِهِ فَقَطْ كَأَنْ لَقَّنَهُ أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَهُ فَقَصَدَ لَفْظَهُ فَقَطْ أَوْ مَعَ مَدْلُولِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيُعْلَمُ هَذَا) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ زَوْجٍ
(قَوْلُهُ: بِمَا أَثِمَ بِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ. وَإِقْرَارُنَا إيَّاهُ عَلَى شُرْبِهِ لَيْسَ لِحِلِّ ذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِ الْجِزْيَةِ مَأْخُوذَةً فِي مُقَابَلَةِ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُمْ (قَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَيْهِ) أَيْ النُّفُوذُ (قَوْلُهُ: عَلَى مُؤَاخَذَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رَبْطُ الْأَحْكَامِ) أَيْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهَا بِالْأَسْبَابِ أَيْ التَّلَفُّظُ بِالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: كَكَوْنِ الْقَتْلِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ) أَيْ فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ: أَيْ فَحَيْثُ دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي شَأْنِهِمَا بِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ الْقِصَاصِ أَمْكَنَ التَّخْصِيصُ بِغَيْرِهِ لِمَعْنًى يَقْتَضِيهِ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ: النَّشْوَةِ) هُوَ بِتَثْلِيثِ النُّونِ وَبِالْوَاوِ بِخِلَافِ النَّشْأَةِ بِالْهَمْزِ فَإِنَّهُ يُقَالُ نَشَأَ نَشْأَةً إذَا حَيِيَ وَرَبَا وَشَبَّ اهـ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: أُطْلِقَ عَلَيْهِ) أَيْ السَّكْرَانِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ) وَيُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ أَوَائِلَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ جُنُونٌ لَمْ يَتَوَلَّدْ عَنْ السُّكْرِ بِهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا السَّكْرَانُ غَالِبًا اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ) أَيْ مِمَّنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمِمَّا سَيَذْكُرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) إلَخْ قَالَ الشِّهَابُ سم: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٍ) قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: ذِكْرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ يَقْتَضِي حَمْلَ التَّكْلِيفِ عَلَى مَا يَشْمَلُ التَّمْيِيزَ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ حَيْثُ أُطْلِقَ) أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَرِدُ النَّائِمُ وَالْمَجْنُونُ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِمَا خِطَابٌ لِلْوَضْعِ فِيمَا عَلَيْهِمَا كَالْإِتْلَافِ لَكِنْ لَمْ يُلْحَقْ مَا لَهُمَا بِمَا عَلَيْهِمَا، عَلَى أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا فِي جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمَا فِي نَحْوِ الْإِتْلَافِ خَاصَّةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْعِلَاوَةِ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ فِي {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء: 43] إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ يُقَالُ إنَّ السَّكْرَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ خُوطِبَ بِالنَّهْيِ فِي الْآيَةِ.
فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الَّذِي حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهَا لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ التَّكْلِيفَ إلَخْ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، لَكِنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ تَعْبِيرَهُ بِالْأَصَحِّ فِيمَا مَرَّ الصَّرِيحَ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ
(قَوْلُهُ: كَأَنْ لَقَّنَهُ أَعْجَمِيٌّ إلَخْ) وَكَأَنْ
الْإِكْرَاهَ يَجْعَلُ الصَّرِيحَ كِنَايَةً.
(وَبِكِنَايَةٍ) وَهِيَ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا أَظْهَرَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (بِنِيَّةٍ) لِإِيقَاعِهِ وَمَعَ قَصْدِ حُرُوفِهِ أَيْضًا، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَقَعْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ كَأَنْتِ بَائِنٌ بَيْنُونَةً مُحَرِّمَةً لَا تَحِلِّينَ لِي أَبَدًا أَوْ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ كَلَسْت بِزَوْجَتِي مَا لَمْ يَقَعْ جَوَابُ دَعْوَى فَإِقْرَارٌ، وَفَارَقَ ضَمَّ " صَدَقَةٍ لَا تُبَاعُ " لِ " تَصَدَّقْت " حَيْثُ كَانَ صَرِيحًا فِي الْوَقْفِ بِأَنَّ صَرَائِحَهُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، بَائِنٌ بَيْنُونَةً إلَى آخِرِهِ يَأْتِي فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ كَالْفَسْخِ، بِخِلَافِ لَا تُبَاعُ لَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْوَقْفِ، وَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ بِالْكِنَايَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ مِنْهُ فَمَحَلُّ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ السَّابِقِ إنَّمَا هُوَ بِالصَّرَائِحِ فَقَطْ مِرْوَدٌ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ بِأَنَّ الصَّرِيحَ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ لَفْظٍ بِمَعْنَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالسَّكْرَانُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَكَمَا أَوْقَعُوهُ بِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ فَكَذَلِكَ هِيَ وَكَوْنُهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَصْدَانِ وَهُوَ قَصْدٌ وَاحِدٌ لَا يُؤَثِّرُ، لِأَنَّ الْمَلْحَظَ أَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ اقْتَضَى الْوُقُوعَ عَلَيْهِ بِالصَّرِيحِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِيهَا، وَشَرْطُ وُقُوعِهِ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ رَفْعُ صَوْتِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا عَارِضٍ وَلَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
(فَصَرِيحُهُ الطَّلَاقُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ سَكْرَانَ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ: كَلَسْت بِزَوْجَتِي) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَسْت بِزَوْجَتِي، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا مَا أَنْتِ لِي بِزَوْجَةٍ أَوْ مَا تَكُونِينَ لِي بِزَوْجَةٍ، أَوْ إنْ شَكَانِي أَخِي لَسْت لِي بِزَوْجَةٍ أَوْ فَمَا تَصْلُحِينَ لِي زَوْجَةً، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا مَا عَادَ زَوْجُ بِنْتِي يَكُونُ زَوْجًا لَهَا أَوْ مَا عُدْت تَكُونِينَ لِي بِزَوْجَةٍ، فَإِنْ نَوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى.
وَقَوْلُ حَجّ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا مَا عَادَ إلَخْ اُنْظُرْ وَجْهَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يَنْوِي بِمَا ذَكَرَ الْحَلِفَ أَنَّهُ لَا يُبْقِي بِنْتَه مَعَ زَوْجِهَا بَلْ يَكُونُ سَبَبًا فِي طَلَاقِهَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقَعْ جَوَابُ دَعْوَى) هَلْ شَرْطُهَا كَوْنُهَا عِنْدَ حَاكِمٍ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ بِأَنَّهُ زَوْجُهَا لِتَطْلُبَ نَفَقَتَهَا مَثَلًا عِنْدَ غَيْرِ حَاكِمٍ فَقَالَ لَسْت زَوْجَتِي كَانَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي اهـ (قَوْلُهُ: فَإِقْرَارٌ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا.
أَمَّا بَاطِنًا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ) أَيْ أَنْتِ بَائِنٌ بَيْنُونَةً (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ) أَيْ ضَمَّ صَدَقَةٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ بِأَنَّ صَرَائِحَهُ: أَيْ الْوَقْفَ (قَوْلُهُ بَائِنٌ بَيْنُونَةً) هَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تَأَتَّى فِي بَقِيَّةِ صِيَغِ الْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ هِيَ) أَيْ الْكِنَايَةُ فَيَقَعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ بِأَنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ نَوَى سَوَاءٌ أَخْبَرَ فِي حَالِ السُّكْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا: أَيْ الْكِنَايَةُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ: أَيْ الصَّرِيحُ، وَقَوْلُهُ مَوْجُودٌ فِيهَا: أَيْ الْكِنَايَةَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظٍ) أَيْ وَلَا بِصَوْتٍ خَفِيٍّ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ بِهِ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ سَيِّدِنَا مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَقَعُ بِنِيَّتِهِ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى.
وَقَوْلُ حَجّ بِنِيَّتِهِ: أَيْ بِأَنْ يُضْمِرَ فِي نَفْسِهِ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك، أَمَّا مَا يَخْطُرُ لِلنَّفْسِ عِنْدَ الْمُشَاجَرَةِ أَوْ التَّضَجُّرِ مِنْهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى أَنَّهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
صَرَفَهُ الْعَارِفُ بِمَدْلُولِهِ عَنْ مَعْنَاهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا أَظْهَرَ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الظُّهُورِ فِي كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ لَيْسَ إلَّا الطَّلَاقَ، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ فَهُوَ ضَعِيفٌ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا خُوطِبَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ الْفِرَاقُ، وَإِنْ احْتَمَلَ مَعَهُ الطَّلَاقَ مِنْ الْوَثَاقِ فَهُوَ ضَعِيفٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقَعْ جَوَابُ دَعْوَى فَإِقْرَارٍ) رُبَّمَا يَأْتِي لَهُ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ مَا يُخَالِفُ هَذَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ أُجْبِرَ بِأَنَّهُ نَوَى إمَّا فِي حَالِ سُكْرِهِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْحُكْمِ
أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ إجْمَاعًا (وَكَذَا) الْخُلْعُ وَالْمُفَادَاةُ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَكَذَا (الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ) بِفَتْحِ السِّينِ: أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِاشْتِهَارِهِمَا فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ مَعَ تَكَرُّرِ الْفِرَاقِ فِيهِ وَإِلْحَاقُ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهَا بِمَا تَكَرَّرَ وَمَا لَمْ يَرِدْ مِنْ الْمُشْتَقَّاتِ بِمَا وَرَدَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَهِرَا اشْتِهَارَ الطَّلَاقِ وَيُسْتَعْمَلَانِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ هَذَيْنِ فِيمَنْ عَرَفَ صَرَاحَتَهُمَا، أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا الطَّلَاقَ فَهُوَ الصَّرِيحُ فِي حَقِّهِ فَقَطْ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إنَّهُ ظَاهِرٌ لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ ذَاكَ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ وَاضِحٌ فِي نَحْوِ أَعْجَمِيٍّ لَا يَدْرِي مَدْلُولَ ذَلِكَ وَلَا يُخَالِطُ أَهْلَهُ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا كَذِبُهُ، وَإِلَّا فَجَهْلُهُ بِالصَّرَاحَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْجَهْلَ بِالْحُكْمِ لَا يُؤَثِّرُ وَإِنْ عُذِرَ بِهِ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَفَّارَةِ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةُ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا، لِأَنَّا نَعْتَبِرُ اعْتِقَادَهُمْ فِي عُقُودِهِمْ فَكَذَا فِي طَلَاقِهِمْ، وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا كَمَا مَرَّ، وَلِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ أَمْثِلَةٌ يَأْتِي نَظَائِرُهَا فِي الْبَقِيَّةِ (كَ طَلَّقْتُك) وَطَلُقْت مِنْهُ بَعْدَ أَنَّ قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا وَمِنْهَا بَعْدَ طَلِّقِي نَفْسَك (وَأَنْتِ طَوَالِقُ) لَكِنَّهُ صَرِيحٌ فِي طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَأَنْتِ (طَالِقٌ) وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ فَيَقَعْنَ وِفَاقًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ وَخِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ يَقَعُ عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ لِأَنَّ مِنْهَا مَنْ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً لِأَنَّ قَائِلِيهِ يُرِيدُونَ بِهِ سِوَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِيقَاعِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَصَدَ أَحَدٌ التَّعْلِيقَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا بُدَّ مِنْ تَطْلِيقِهِ لَهَا فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَصْلًا
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْخُلْعُ) وَلَوْ قَالَ خَالَعْتكِ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْخُلْعِ الَّذِي يَكُونُ بِهَا فَسْخًا عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةً لِصَرَاحَةِ الْخُلْعِ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ لِأَحْمَدَ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ سم لِصَرَاحَةِ الْخُلْعِ لَا يَكُونُ صَارِفًا عَنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ الْمَالَ وَلَا نَوَى (قَوْلُهُ: وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَصْدَرَ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ صَرِيحٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بِالْهَامِشِ فِي بَابِ الْخُلْعِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُفَادَاةُ كَخُلْعٍ إلَى آخِرِ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِلْحَاقُ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ) لَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْإِلْحَاقِ (قَوْلُهُ: وَاضِحٌ) خَبَرٌ عَنْ كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخَالِطُ أَهْلَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَقِّهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَجَهْلُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَاطِنًا وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ بَاطِنًا لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ أَصْلًا فَكَانَ كَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ لَهُ مَعْنًى (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا) أَيْ إلَى حَاكِمِنَا، وَأَمَّا الْمُفْتِي فَيُجِيبُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَطَلُقَتْ مِنْهُ) أَيْ الصَّرِيحِ مِنْ الزَّوْجِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ قِيلَ: أَيْ حَيْثُ عُدَّ ذَلِكَ مُتَرَتِّبًا عَلَى السُّؤَالِ عُرْفًا (قَوْلُهُ: طَلِّقْهَا) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ طَلَبٌ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ طَلَّقْت بِغَيْرِ ذِكْرِ مَفْعُولٍ صَرِيحًا وَهَلْ يَكُونُ كِنَايَةً أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ أَنَّهُ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ سَبَقَ مُشَاجَرَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِيَدِك طَلِّقِينِي فَقَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟ وَأَجَبْنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ فَلَا تَمْلِكُهَا هِيَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: صَرِيحٌ فِي طَلْقَةٍ) أَيْ فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَعَ مَا نَوَاهُ (قَوْلُهُ لَوْ قَصَدَ أَحَدٌ التَّعْلِيقَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَدِّ بِهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْوُقُوعِ بِالْكِنَايَاتِ.
وَحِينَئِذٍ فَإِنَّمَا أَوْقَعْنَا عَلَيْهِ الطَّلَاقَ بِإِقْرَارِهِ
(قَوْلُهُ: أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ) أَيْ أَوْ نَفْسُهُ فِي نَحْوِ أَوْقَعْتُ عَلَيْك الطَّلَاقَ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْهُ بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا) الضَّمِيرَانِ لِلزَّوْجِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا
عَلَيْهَا قُبِلَ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي (وَمُطَلَّقَةٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَمُفَارَقَةٍ وَمُسَرَّحَةٍ (وَيَا طَالِقُ) لِمَنْ لَيْسَ اسْمُهَا ذَلِكَ لِمَا سَيَذْكُرُهُ وَيَا مُسَرَّحَةُ وَيَا مُفَارَقَةُ وَأَوْقَعْت عَلَيْك طَلْقَةً أَوْ الطَّلَاقَ فِيمَا يَظْهَرُ وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ خِلَافًا لِجَمْعٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَا الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي إذَا خَلَا عَنْ التَّعْلِيقِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا فِي فَتَاوِيهِ أَوْ طَلَاقُك لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا فَرْضَ عَلَيَّ عَلَى الْأَرْجَحِ وَلَا وَالطَّلَاقِ مَا أَفْعَلُ أَوْ مَا فَعَلْت كَذَا فَهُوَ لَغْوٌ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَلَا جَمَعَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى أَنَّهَا مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ حَالَةَ التَّلَفُّظِ بِهَا كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي أَوَّلِ فَصْلٍ فَإِنَّ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: قُبِلَ مِنْهُ) أَيْ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا حَيْثُ كَانَ مِنْ الْمَذَاهِبِ مَنْ لَا يَقُولُ بِوُقُوعِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ إنْ اتَّفَقَتْ الْمَذَاهِبُ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا.
[مَسْأَلَةٌ] :
فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَلَقِيَهُ شَخْصٌ فَقَالَ مَا فَعَلْت بِزَوْجَتِك قَالَ طَلَّقْتهَا سَبْعِينَ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ نَعَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ.
[مَسْأَلَةٌ] :
قَالَ رَجُلٌ لِزَوْجَتِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا إنْ آذَيْتِنِي يَكُونُ سَبَبُ الْفِرَاقِ بَيْنِي وَبَيْنِك فَاخْتَلَسَتْ لَهُ نِصْفَ فِضَّةٍ فَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ؟ الْجَوَابُ يُطَلِّقُهَا حِينَئِذٍ طَلْقَةً فَيَبْرَأُ مِنْ حَلِفِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ.
[مَسْأَلَةٌ] :
حَلَفَ شَاهِدٌ بِالطَّلَاقِ لَا يَكْتُبُ مَعَ فُلَانٍ فِي وَرَقَةٍ رَسْمَ شَهَادَةٍ فَكَتَبَ الْحَالِفُ أَوَّلًا ثُمَّ كَتَبَ الْآخَرُ.
الْجَوَابُ إنْ لَمْ تَكُنْ أَصْلُ الْوَرَقَةِ مَكْتُوبَةً بِخَطِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ تَوَاطُؤٌ وَلَا عَلِمَ أَنَّهُ يَكْتُبُ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ.
[مَسْأَلَةٌ] : فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَكُونِي طَالِقًا هَلْ تَطْلُقُ أَمْ لَا لِاحْتِمَالِ هَذَا اللَّفْظِ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ وَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي الْحَالِ فَمَتَى يَقَعُ أَبِمُضِيِّ لَحْظَةٍ أَمْ لَا يَقَعُ أَصْلًا لِأَنَّ الْوَقْتَ مِنْهُمْ؟ الْجَوَابُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ طَلُقَتْ أَوْ التَّعْلِيقَ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ قَالَ رَجُلٌ إلَخْ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَيْثُ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُطَلِّقْ وَقَعَ حَالًا. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ كَوْنَهُ سَبَبًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَوْرِيَّةَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاهِدِ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ خَطِّي وَخَطُّهُ فِي وَرَقَةٍ وَإِلَّا يُرَدُّ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ إذَا تَأَخَّرَتْ كِتَابَةُ الْحَالِفِ عَنْ كِتَابَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي فَصْلٍ قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ إلَخْ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ) أَيْ الْمَفْتُوحَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ) أَيْ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَفِي سم: أَيْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَقَعَ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ قَيَّدَهُ هَلْ وَلَوْ نِيَّةً كَأَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ بَدَا لَهُ وَانْثَنَى عَنْ الْحَلِفِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ اُعْتُبِرَ وُجُودُ الصِّفَةِ، فَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْفِعْلِ أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالتَّرْكِ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ. وَسَنَذْكُرُ فِي فَصْلِ قَالَ طَلَّقْتُك بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا يُفِيدُ عَدَمَ الْوُقُوعِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: إذَا خَلَا عَنْ التَّعْلِيقِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ اشْتَمَلَ عَلَى التَّعْلِيقِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَالطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَالْأَيْمَانُ لَا تُعَلَّقُ (قَوْلُهُ: كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ) أَيْ الْوَالِدُ (قَوْلُهُ: لَا أَفْعَلُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا فَرْضَ عَلَيَّ) أَيْ فَلَا يَكُونُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: إذَا خَلَا عَنْ التَّعْلِيقِ) لَيْسَ هَذَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ بِهِ حَالًا إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ، فَإِنْ عَلَّقَهُ: أَيْ حَلَفَ بِهِ عَلَى شَيْءٍ كَأَنْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ
بَيْنَ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ الثَّلَاثَةِ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ لَمْ يَتَكَرَّرْ.
وَكَذَا فِي الْكِنَايَةِ كَمَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ خِلَافِهِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا نَوَى الِاسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطَلِّقَةٌ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ طَلَّقَ بِالتَّشْدِيدِ كَانَ كِنَايَةَ طَلَاقٍ فِي حَقِّ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الزَّوْجَ مَحَلُّ التَّطْلِيقِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا بُدَّ فِي وُقُوعِهِ مِنْ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مَحَلِّهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ (لَا أَنْتِ طَلَاقٌ)(وَ) أَنْتِ (الطَّلَاقُ فِي الْأَصَحِّ) بَلْ هُمَا كِنَايَتَانِ كَإِنْ فَعَلْتِ كَذَا فَفِيهِ طَلَاقُك، أَوْ فَهُوَ طَلَاقُك كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَيْنِ إلَّا تَوَسُّعًا وَالثَّانِي أَنَّهُمَا صَرِيحَانِ كَقَوْلِهِ يَا طَالِ أَوْ أَنْتِ طَالِ تَرْخِيمُ طَالِقٍ شُذُوذًا مِنْ وُجُوهٍ وَاعْتِمَادُ صَرَاحَتِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَرْخِيمًا لِطَالِبٍ وَطَالِعٍ وَلَا يُخَصِّصُ إلَّا النِّيَّةَ وَكَذَا أَنْتِ طَلْقَةٌ أَوْ نِصْفُ طَلْقَةٍ أَوْ أَنْتِ وَطَلْقَةٌ أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ أَوْ فِيهَا وَلَك طَلْقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى لَا يَضُرُّ كَهُوَ بِالْإِعْرَابِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ بِقَوْلِهِ أَنْتُمْ أَوْ أَنْتُمَا طَالِقٌ وَأَنْ تَقُولَ لَهُ طَلِّقْنِي فَيَقُولُ هِيَ مُطَلَّقَةٌ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَةُ غَيْرِهَا لِأَنَّ تَقَدُّمَ سُؤَالِهَا يَصْرِفُ اللَّفْظَ إلَيْهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ رَجَعَ لِنِيَّتِهِ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ غَائِبَةٌ وَهِيَ طَالِقٌ وَهِيَ حَاضِرَةٌ، وَقَوْلُ الْبَغَوِيّ: لَوْ قَالَ مَا كِدْت أَنْ أُطَلِّقَك كَانَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ نَظَرَ فِيهِ الْغَزِّيِّ بِأَنَّ النَّفْيَ الدَّاخِلَ عَلَى كَادَ لَا يُثْبِتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ وَآخَذْنَاهُ لِلْعُرْفِ.
قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: الْمَعْنَى مَا قَارَبْت أَنْ أُطَلِّقَك، وَإِذَا لَمْ يُقَارِبْ طَلَاقَهَا كَيْفَ يَكُونُ مُقِرًّا بِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ نَفْيَهَا إثْبَاتٌ وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْمُقَارَبَةِ وُضِعَتْ لِدُنُوِّ الْخَبَرِ مَحْصُولًا، فَإِذَا حَصَلَ عَلَيْهِ النَّفْيُ قِيلَ مَعْنَاهُ الْإِثْبَاتُ مُطْلَقًا وَقِيلَ مَاضِيًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] قَوْلَهُ فَذَبَحُوهَا لِاخْتِلَافِ وَقْتَيْهِمَا إذْ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ مَا كَادُوا أَنْ يَفْعَلُوا حَتَّى انْتَهَتْ مُوَالَاتُهُمْ وَانْقَطَعَتْ تَعَلُّلَاتُهُمْ فَفَعَلُوا كَالْمُضْطَرِّ الْمُلْجَإِ إلَى الْفِعْلِ.
(وَتَرْجَمَةُ الطَّلَاقِ) وَلَوْ مِمَّنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ (بِالْعَجَمِيَّةِ) وَهِيَ مَا سِوَى الْعَرَبِيَّةِ (صَرِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا عِنْدَهُمْ فِي مَعْنَاهَا شُهْرَةَ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ اقْتِصَارًا فِي الصَّرِيحِ عَلَى الْعَرَبِيِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
صَرِيحًا وَلَكِنَّهُ كِنَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا مِنْك) وَهُوَ كِنَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنَّهُمَا صَرِيحَانِ) أَيْ أَنْتِ طَلَاقٌ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ نَحْوِ أَنْتِ طَوَالِقُ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ.
[فَرْعٌ]
قَالَ حَجّ: وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فَهَلْ هُوَ مِنْ تَرْجَمَةِ الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةٌ أَوْ لَغْوٌ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرْجَمَةِ بِأَنَّ مُفَادَ كُلٍّ مِنْ الْمُتَرْجَمِ بِهِ وَعَنْهُ وَاحِدٌ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ مُفَادَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الْحُرُوفُ الْمُنْتَظِمَةُ وَهِيَ الَّتِي بِهَا الْإِيقَاعُ فَاخْتَلَفَ الْمُفَادَانِ.
فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ هَذَا تَرْجِيحُ الثَّالِثِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ لَكِنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْمُوقِعَ مَفْهُومٌ مِمَّا نَطَقَ بِهِ فَصَحَّ قَصْدُ الْإِيقَاعِ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ أَنْتُمْ إلَخْ) وَفِي الْأَنْوَارِ: لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ وَأَرَادَ أَقَارِبَهُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَاتُهُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَاطِنِ، أَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ اهـ حَجّ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ إلَخْ يَنْبَغِي إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَةُ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَوْ لَأَفْعَلَنَّ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِوُجُودِ الصِّفَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ) قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ أَنَا مِنْك طَالِقٌ صَادِقٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوقِعُ لِلطَّلَاقِ هُوَ أَوْ هِيَ بِخِلَافِ مُطَلَّقَةٍ لَا يَصْدُقُ إلَّا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُوقِعَةَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَيْنِ إلَّا تَوَسُّعًا) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ) هَذَا رَتَّبَهُ الشِّهَابُ حَجّ عَلَى كَلَامٍ أَسْقَطَهُ الشَّارِحُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأُشْمُونِيُّ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَ تَنْظِيرِ الْغَزِّيِّ إذْ هُوَ مُؤَيِّدٌ لَهُ.
لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَتَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، أَمَّا تَرْجَمَةُ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ فَكِنَايَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ لِبُعْدِهِمَا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا يُنَافِي تَأْثِيرُ الشُّهْرَةِ هُنَا عَدَمَهَا فِي نَحْوِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّ مَا هُنَا مَوْضُوعٌ لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ وَإِنْ اُشْتُهِرَ فِيهِ، وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا صَرْفُ هَذِهِ الصَّرَائِحِ عَنْ مَوْضُوعِهَا بِنِيَّتِهِ كَقَوْلِهِ أَرَدْت طَلَاقَهَا مِنْ وِثَاقٍ أَوْ مُفَارَقَتَهَا لِلْمَنْزِلِ أَوْ بِالسَّرَاحِ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا أَوْ أَرَدْت غَيْرَهَا فَسَبَقَ لِسَانِي إلَيْهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ كَحَلِّهَا مِنْ وِثَاقٍ فِي الْأَوَّلِ أَوْ فَارَقْتُك الْآنَ فِي الثَّانِي وَقَدْ وَدَّعَهَا عِنْدَ سَفَرِهِ أَوْ اسْرَحِي عَقِبَ أَمْرِهَا بِالتَّبْكِيرِ لِمَحَلِّ الزِّرَاعَةِ فِي الثَّالِثِ فِيمَا يَظْهَرُ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا، وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ فَرَسِي أَوْ ذِرَاعِي أَوْ جَوْزَةِ حَلْقِي أَوْ قَوْسِي أَوْ نَخْوَةِ رَأْسِي فَكَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ إنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ اللَّفْظِ وَعَزَمَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ مِنْ جَوْزَتِي وَنَحْوِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ لَفْظِ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَهِيَ صَرِيحَةٌ فَيَقَعُ عَلَيْهِ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِنَحْوِ مِنْ جَوْزَتِي وَالْعَامِّيُّ وَالْعَالِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
(وَأَطْلَقْتُك وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ) بِسُكُونِ الطَّاءِ (كِنَايَةٌ) لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الزَّوْجَةِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ يُدَيَّنُ بَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ تَقَدُّمَ سُؤَالِهَا إلَخْ ظَاهِرٌ فِيهِ فَإِنَّ الصَّرْفَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلُهُ نَظَرَ فِيهِ الْغَزِّيِّ إلَخْ مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ إنَّ نَفْيَهَا: أَيْ كَادَ،
(وَقَوْلُهُ وَلَوْ مِمَّنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ) شَامِلٌ لِلْعَرَبِيِّ الَّذِي يُحْسِنُ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: عَنْ مَوْضُوعِهَا بِنِيَّتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ إلَخْ.
[فَرْعٌ]
لَوْ قَالَ أَنْتَ دَالِقٌ بِالدَّالِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي تَالِقٍ بِالتَّاءِ لِأَنَّ الدَّالَ وَالطَّاءَ أَيْضًا مُتَقَارِبَانِ فِي الْإِبْدَالِ، إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي الْأَلْسِنَةِ كَاشْتِهَارِ تَالِقٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ مَعَ فَقْدِ النِّيَّةِ.
[فَرْعٌ] وَلَوْ قَالَ أَنْتَ طَالِقٌ بِالْقَافِ الْمَعْقُودَةِ قَرِيبَةٍ مِنْ الْكَافِ كَمَا يَلْفِظُ بِهَا الْعَرَبُ فَلَا شَكَّ فِي الْوُقُوعِ، فَلَوْ أَبْدَلَهَا كَافًا صَرِيحَةً فَقَالَ طَالِكٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ تَالِقٌ بِالتَّاءِ إلَّا أَنَّهُ يَنْحَطُّ عَنْهُ بِعَدَمِ الشُّهْرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَدَالِقٍ بِالدَّالِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَعْنَى يَحْتَمِلُهُ وَالتَّاءُ وَالْقَافُ وَالْكَافُ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ: أَيْ إبْدَالُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَقُرِئَ {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [التكوير: 11] وَقُشِطَتْ.
[فَرْعٌ]
أَبْدَلَ الْحَرْفَيْنِ فَقَالَ تَالِكٌ بِالتَّاءِ وَالْكَافِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ قَالَ دَالِكٌ بِالدَّالِ وَالْكَافِ فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ تَالِكٍ مَعَ أَنَّ لَهُ مَعَانِي مُحْتَمَلَةٌ مِنْهَا الْمُمَاطَلَةُ لِلْغَرِيمِ وَمِنْهَا الْمُسَاحَقَةُ، يُقَالُ تَدَالَكَتْ الْمَرْأَتَانِ: أَيْ تَسَاحَقَتَا فَيَكُونُ كِنَايَةَ قَذْفٍ بِالْمُسَاحَقَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا أَلْفَاظًا بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْوَاهَا تَالِقٌ ثُمَّ دَالِقٌ، وَفِي رُتْبَتِهَا طَالِكٌ ثُمَّ تَالِكٌ ثُمَّ دَالِكٌ وَهِيَ أَبْعَدُهَا، وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ كِنَايَةَ طَلَاقٍ أَصْلًا ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فَرَاجِعْهُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: فَهِيَ كِنَايَةٌ) بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَرَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَهِيَ كِنَايَةٌ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكِنَايَةَ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ صَرِيحٌ وَلَكِنْ حَيْثُ نَوَى مَعَ الصِّيغَةِ أَنْ يَقُولَ مِنْ فَرَسِي أَوْ نَحْوِهَا انْصَرَفَ عَنْ إضَافَتِهِ لِلزَّوْجَةِ فَهُوَ صَرِيحٌ يَقْبَلُ الصَّرْفَ فَالْوُقُوعُ بِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ (قَوْلُهُ: إنْ عَزَمَ) مُتَعَلِّقٌ بِكِنَايَةٍ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَكَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُوَ كِنَايَةٌ إلَخْ) كَذَا فِي نُسَخٍ مِنْ الشَّارِحِ.
قَالَ الشِّهَابُ: وَحَاصِلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ قَصَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ صِيغَةِ الطَّلَاقِ كَانَتْ صِيغَةُ الطَّلَاقِ كِنَايَةً إنْ نَوَى بِهَا طَلَاقَ
(وَلَوْ اشْتَهَرَ لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالْحَلَالِ) بِالضَّمِّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الِاسْمَ الْمَحْكِيَّ فِي حَالَةِ الرَّفْعِ حَرَكَتُهُ حِكَايَةٌ لَا إعْرَابٌ فَيُقَدَّرُ الْإِعْرَابُ فِيهِ فِي الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ، فَمَنْ قَالَ هُنَا بِالرَّفْعِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا حَرَكَةُ إعْرَابٍ أَوْ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا كَقَوْلِهِ الْحَلَالُ إلَى آخِرِهِ، فَالْكَافُ دَاخِلَةٌ عَلَى قَوْلٍ مَحْذُوفٍ كَمَا هُوَ شَائِعٌ سَائِغٌ (أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ) أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك أَوْ عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي (صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحُصُولِ التَّفَاهُمِ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ فِي الْقُرْآنِ لِلطَّلَاقِ وَلَا عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ وَأَنْتِ حَرَامٌ كِنَايَةٌ اتِّفَاقًا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَهُمْ، وَالْأَوْجَهُ مُعَامَلَةُ الْحَالِفِ بِعُرْفِ بَلَدِهِ مَا لَمْ يَطُلْ مُقَامُهُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَيَأْلَفْ عَادَتَهُمْ، وَالتَّلَاقُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كِنَايَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاشْتِهَارَ لَا يُلْحَقُ غَيْرُ الصَّرِيحِ بِهِ بَلْ كَانَ الْقِيَاسُ عَدَمَ الْوُقُوعِ وَلَوْ نَوَى لِاخْتِلَافِ مَادَّتِهِمَا، إذْ التَّلَاقُ مِنْ التَّلَاقِي وَالطَّلَاقُ الِافْتِرَاقُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ حَرْفُ التَّاءِ قَرِيبًا مِنْ مَخْرَجِ الطَّاءِ وَيُبْدَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ اقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
(وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الطَّلَاقُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ بَلْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ صِيغَةِ الطَّلَاقِ كَانَ كِنَايَةً إنْ نَوَى بِهَا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ قَصْدَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَخْرَجَهَا عَنْ الصَّرَاحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا كَذَلِكَ فَالصِّيغَةُ عَلَى صَرَاحَتِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: قُلْت الْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) وَمِنْ الْكِنَايَةِ أَيْضًا مَا لَوْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ أَلْفَاظًا تُؤَكِّدُ بُعْدَهُ عَنْهَا كَأَنْتِ حَرَامٌ كَالْخِنْزِيرِ أَوْ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنْتِ حَرَامٌ كَمَا حُرِّمَ عَلَيَّ لَبَنُ أُمِّي أَوْ إنْ أَتَيْتُك أَتَيْتُك مِثْلَ أُمِّي وَأُخْتِي أَوْ مِثْلَ الزَّانِي فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً، وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَ مِنْ الْكِنَايَةِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ أَنَا ذَاهِبَةٌ إلَى بَيْتِ أَبِي مَثَلًا فَقَالَ لَهَا الْبَابُ مَفْتُوحٌ فَهُوَ لَغْوٌ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى لِسَانِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى الْعَدَمِ مَلْحُوظًا فِيهِ جَانِبُ الْمَعْنَى، وَكَأَنَّهُ قَالَ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ وَيَأْلَفُ عَادَتَهُمْ) أَيْ فَيَعْتَبِرُ حَالَهُمْ فِيهِ (قَوْلُهُ: اقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
زَوْجَتِهِ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَخْرَجَهَا عَنْ الصَّرَاحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا كَذَلِكَ فَالصِّيغَةُ عَلَى صَرَاحَتِهَا، لَكِنْ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مَا نَصُّهُ: فَكَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ إنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ اللَّفْظِ وَعَزَمَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ مِنْ جَوْزَتِي وَنَحْوِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِنَحْوِ جَوْزَتِي وَالْعَامِّيُّ وَالْعَالِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. اهـ.
وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الَّتِي تُنَاسِبُ الْقِيَاسَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى الَّتِي تُوَافِقُ مَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ الَّتِي نُسِبَ إلَيْهَا
(قَوْلُهُ: أَنَّ الِاسْمَ الْمَحْكِيَّ إلَخْ) نَازَعَ فِي هَذَا الشِّهَابُ سم بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إنْ كَانَ الْمَحْكِيُّ لَفْظَ الْحَلَالِ وَحْدَهُ، وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا الْمَحْكِيُّ جُمْلَةُ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامُ، وَحِينَئِذٍ فَحَرَكَةُ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بَاقِيَةٌ عَلَى إعْرَابِهَا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: مَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ لُغَتَهُ أَنَّهُ مِنْ بَلَدٍ مَثَلًا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ الْآتِي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ فِي لِسَانِهِ عَجْزًا خِلْقِيًّا عَنْ النُّطْقِ بِالطَّاءِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي حَقِّهِ قَطْعًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: إذْ التَّلَاقُ مِنْ التَّلَاقِي) رَدَّ هَذَا السُّيُوطِيّ فِي فَتَاوِيهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشِّهَابِ سم حَيْثُ قَالَ: أَعْنِي السُّيُوطِيّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ تَالِقٌ مِنْ التَّلَاقِي وَهُوَ مَعْنًى غَيْرُ الطَّلَاقِ فَكَلَامُهُ أَشَدُّ سُقُوطًا مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِرَدِّهِ، فَإِنَّ التَّلَاقِي لَا يُبْنَى مِنْهُ وَصْفٌ عَلَى فَاعِلٍ. اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مِنْهُ مُتَلَاقٍ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ تَالِقٌ.
أَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ التَّلَاقُ مَثَلًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَعْنَى التَّلَاقِي
لَا تَنْحَصِرُ (كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٌ (بَرِيَّةٌ) أَيْ مِنْهُ (بَتَّةٌ) أَيْ مَقْطُوعَةُ الْوُصْلَةِ إذْ الْبَتُّ الْقَطْعُ وَتَنْكِيرُ هَذَا لُغَةٌ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُعَرَّفًا بِأَلْ مَعَ قَطْعِ الْهَمْزَةِ (بَتْلَةٌ) أَيْ مَتْرُوكَةُ النِّكَاحِ وَمِنْهُ «نُهِيَ عَنْ التَّبَتُّلِ» وَمِثْلُهَا مَثْلَةٌ مِنْ مَثَلَ بِهِ جَدَعَهُ (بَائِنٌ) مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْفُرْقَةُ وَإِنْ زَادَ بَعْدَهُ بَيْنُونَةً لَا تَحِلِّينَ بَعْدَهَا لِي أَبَدًا كَمَا مَرَّ (اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك) وَلَوْ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ طَلَّقْت نَفْسِي (الْحَقِي) بِكَسْرٍ ثُمَّ فَتْحٍ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ (بِأَهْلِك) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك (حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) أَيْ خَلَّيْت سَبِيلَك كَمَا يُخَلَّى الْبَعِيرُ بِإِلْقَاءِ زِمَامِهِ فِي الصَّحْرَاءِ عَلَى غَارِبِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ مِنْ الْعُنُقِ (لَا أَنْدَهُ) أَيْ أَزْجُرُ (سَرْبَك) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ الْإِبِلُ وَمَا يُرْعَى مِنْ الْمَالِ: أَيْ تَرَكْتُك لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِك.
أَمَّا بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَهُوَ قَطِيعُ الظِّبَاءِ وَتَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا أَيْضًا (اُعْزُبِي) بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ: أَيْ تَبَاعَدِي عَنِّي (اُغْرُبِي) بِمُعْجَمَةٍ فَرَاءٍ أَيْ صِيرِي غَرِيبَةً أَجْنَبِيَّةً مِنِّي (دَعِينِي) أَيْ اُتْرُكِينِي (وَدِّعِينِي) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنْ الْوَدَاعِ أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَنَحْوُهَا) مِنْ كُلِّ مَا يُشْعِرُ بِالْفُرْقَةِ إشْعَارًا قَرِيبًا كَ تَجَرَّدِي تَزَوَّدِي اُخْرُجِي سَافِرِي تَقَنَّعِي تَسَتَّرِي بَرِئْت مِنْك الْزَمِي أَهْلَك لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَنْتِ وَشَأْنَك أَنْتِ وَلِيَّةُ نَفْسِك وَسَلَامٌ عَلَيْك وَكُلِي وَاشْرَبِي خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِمَا وَأَوْقَعْت الطَّلَاقَ فِي قَمِيصِك أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك لَا فِيك، وَسَيَأْتِي أَنَّ أَشْرَكْتُك مَعَ فُلَانَةَ وَقَدْ طَلُقَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ كِنَايَةٌ وَخَرَجَ بِنَحْوِهَا نَحْوُ قُومِي أَغْنَاك اللَّهُ أَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاك اعْزِلِي اُقْعُدِي، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ أَنَا مُطَلَّقَةٌ فَقَالَ أَلْفَ مَرَّةٍ كَانَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ وَالْعَدَدِ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَحْدَهُ أَوْ الْعَدَدَ وَقَعَ مَا نَوَاهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي أَنْتِ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ إنَّهُ كِنَايَةٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ هِيَ طَالِقٌ فَقَالَ ثَلَاثًا كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ آخِرِ الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ طَالِقٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَتَنْكِيرُ هَذَا لُغَةٌ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ الْعَرَبِ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ.
وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَتَنْكِيرُ أَلْبَتَّةَ جَوَّزَهُ الْفَرَّاءُ اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ اللُّغَةِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ يَجُوزُ النُّطْقُ فِيهِ بِمَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْطَقُ إلَّا بِمَا وَرَدَ (قَوْلُهُ: مَعَ قَطْعِ الْهَمْزَةِ) أَيْ غَيْرِ قِيَاسٍ (قَوْلُهُ: نُهِيَ عَنْ التَّبَتُّلِ) أَيْ التَّعَزُّبِ بِلَا مُقْتَضٍ لَهُ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عَكْسُهُ) قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: وَهَذَا خَطَأٌ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهَا) مِنْ النَّحْوِ اذْهَبِي يَا مُسَخَّمَةُ يَا مُلَطَّمَةُ وَمِنْهُ أَيْضًا مَا لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ شَخْصٌ آخَرُ وَأَنَا مِنْ دَاخِلِ يَمِينِك فَيَكُونُ كِنَايَةً فِي حَقِّ الثَّانِي (قَوْلُهُ: لَا فِيك) أَيْ فَلَيْسَ كِنَايَةً فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إنْ نَوَاهُ (قَوْلُهُ: نَحْوُ قَوْمِي) أَيْ فَلَيْسَ كِنَايَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) أَيْ فِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَقَالَ ثَلَاثًا) .
[فَرْعٌ]
لَوْ طَلَّقَ رَجْعِيًّا ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ لَغَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَفْصِلْ فِي ثَلَاثٍ مِمَّا مَرَّ أَثَّرَ مُطْلَقًا، وَمَتَى فَصَلَ بِذَلِكَ وَلَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ عُرْفًا كَانَ كَالْكِنَايَةِ، فَإِنْ نَوَى أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ أَوْ بَيَانٍ لَهُ أَثَّرَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ عُرْفًا لَمْ يُؤَثِّرْ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا ابْتِدَاءً ثَلَاثًا اهـ حَجّ مَفْرِقًا.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ شَخْصًا قَالَ عَنْ زَوْجَتِهِ بِحُضُورِ شَاهِدٍ هِيَ طَالِقٌ فَقَالَ لَهُ الشَّاهِدُ لَا تَكْفِي طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ قَالَ أَرَدْت وُقُوعَ الثَّلَاثِ فَتَقَعْنَ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا حَيْثُ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عُرْفًا عَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عَكْسُهُ) نَقَلَ الزِّيَادِيُّ عَنْ الْمُطَرِّزِيُّ أَنَّهُ خَطَأٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَطَأً إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ مَعْنَى الْأَوَّلِ.
أَمَّا لَوْ قُدِّرَ لَهُ مَفْعُولٌ كَلَفْظِ نَفْسِك فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَطَأً فَتَأَمَّلْ
حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى أَنْتِ بِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ هُنَا لَفْظِيَّةً عَلَى تَقْدِيرِهَا، وَالطَّلَاقُ لَا يَكْفِي فِيهِ مَحْضُ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ وُقُوعَ كَلَامِهِ جَوَابًا لِكَلَامِهَا يُؤَيِّدُ صِحَّةَ نِيَّتِهِ بِهِ مَا ذَكَرَ فَلَمْ تَتَمَحَّضْ النِّيَّةُ لِلْإِيقَاعِ وَكَطَالِقٍ مَا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى عَلَى الْأَصَحِّ (وَالْإِعْتَاقُ) أَيْ كُلُّ لَفْظٍ لَهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ (كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ) أَيْ كُلُّ لَفْظٍ لِلطَّلَاقِ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ كِنَايَةٌ ثُمَّ لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى إزَالَةِ مَا يَمْلِكُ، نَعَمْ أَنَا مِنْك حُرٌّ أَوْ أَعْتَقْت نَفْسِي لِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك لِعَبْدٍ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى لِعَدَمِ تَصَوُّرِ مَعْنَاهَا فِيهِ بِخِلَافِ نَظَائِرِهَا هُنَا إذْ عَلَى الزَّوْجِ حَجْرٌ مِنْ جِهَتِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَشْمَلُهُمَا وَالرِّقَّ يَخْتَصُّ بِالْمَمْلُوكِ.
وَبَحَثَ الخبستاني فِي نَحْوِ تَقَنُّعٍ وَتَسَتُّرٍ لِعَبْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ لِبُعْدِ مُخَاطَبَتِهِ بِهِ عَادَةً، وَالْأَذْرَعِيُّ فِي نَحْوِ أَنْتِ لِلَّهِ وَيَا مَوْلَايَ عَدَمُ كَوْنِهِ كِنَايَةً هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ بَانَتْ مِنِّي أَوْ حُرِّمْت عَلَيَّ كِنَايَةٌ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ، وَقَوْلُهُ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْهَا إقْرَارٌ بِالطَّلَاقِ وَلَهَا تَزَوَّجِي وَلَهُ زَوِّجْنِيهَا كِنَايَةٌ فِيهِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ يَا زَيْدُ فَقَالَ امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إلَّا إنْ أَرَادَهَا لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ، وَفِيهَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ فِي السِّكَّةِ طَالِقٌ وَهِيَ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي إنْ غِبْت عَنْهَا سَنَةً فَمَا أَنَا لَهَا بِزَوْجٍ بِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ غَيْبَةِ السَّنَةِ فَلَهَا بَعْدَ مُضِيِّهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَفْظِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ) أَيْ وَإِنْ كَرَّرَهُ مِرَارًا (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِهَا) قَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ جَوَابًا لِكَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلَوْ قَالَتْ لَهُ هَلْ أَنَا طَالِقٌ أَوْ هَلْ هِيَ طَالِقٌ فَقَوْلُهُ طَالِقٌ وَقَعَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا فَتَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنْتِ طَالِقٌ وَيَلْغُو قَوْلُهُ وَثَانِيًا إلَخْ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوَّلًا وَطَلَاقًا ثَانِيًا وَطَلَاقًا ثَالِثًا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (قَوْلُهُ: تَشْمَلُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فَصَحَّتْ إضَافَتُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَالرِّقَّ يَخْتَصُّ بِالْمَمْلُوكِ) فَلَمْ تَصِحَّ إضَافَةُ التَّخَلُّصِ مِنْهُ لِلسَّيِّدِ (قَوْلُهُ: لِبُعْدِ مُخَاطَبَتِهِ) أَيْ أَمَّا لِأَمَتِهِ فَكِتَابَةُ عِتْقٍ (قَوْلُهُ: كِنَايَةٌ) أَيْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَقَوْلُهُ: أَيْ الزَّوْجُ، وَقَوْلُهُ لِوَلِيِّهَا: أَيْ الزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ زَوِّجْهَا: أَيْ خِطَابًا لِزَوْجَتِهِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ كِنَايَةٌ فِيهِ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا وَآخَذْنَاهُ بِهِ ظَاهِرًا وَلَمْ تَحْرُمْ بَاطِنًا وَهَذَا بِخِلَافِ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إذَا نَوَاهُ حُرِّمَتْ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (قَوْلُهُ: لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا فِي الدَّرْسِ وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا أَغْلَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْبَابَ ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْتَحَ لَهَا أَحَدٌ وَغَابَ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَ وَفَتَحَ لَهَا هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا وَهُوَ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَعِبَارَةُ حَجّ تَطْلُقُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ تَعْرِيفُ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ لِغَيْرِهِ لَمْ يَنْطَبِقْ عَلَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ حِينَ الْإِخْبَارِ لَمْ تَكُنْ الْغَيْبَةُ وُجِدَتْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ الطَّلَاقِ بَعْدَهَا، فَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَجّ فِي نَحْوِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَسْت لِي بِزَوْجَةٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَلِيُّهَا زَوْجُهَا إقْرَارٌ) كَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَهَا تَزَوَّجَنِي حَيْثُ كَانَ كِنَايَةً فِيهِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا بِنَفْسِهِ بِخِلَافِهَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: إقْرَارٌ بِالطَّلَاقِ) أَيْ وَبِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ حَجّ (قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ) اُنْظُرْ أَيَّ عُمُومٍ هُنَا وَالْعِلْمُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَالْعُمُومُ الَّذِي اقْتَضَاهُ إضَافَةُ امْرَأَةٍ إلَى الْعِلْمِ غَيْرُ الْمُرَادِ إذْ هُوَ إنَّمَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي النِّسْوَةِ، وَلَوْ قَالَ إذْ الْمُخَاطَبُ لَا يَدْخُلُ فِي خِطَابِهِ لَكَانَ وَاضِحًا (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ إقْرَارٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ لِلظَّاهِرِ
وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تَزَوُّجُ غَيْرِهِ، وَلَوْ طَلَبَتْ الطَّلَاقَ فَقَالَ اُكْتُبُوا لَهَا ثَلَاثًا فَكِنَايَةٌ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي جَعَلْتهَا ثَلَاثًا بِأَنَّ ذَاكَ أَرَادَ فِيهِ جَعْلَ الْوَاقِعِ وَاحِدَةً ثَلَاثًا وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَلَمْ يَكُنْ كِنَايَةً مَعَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ سُؤَالَهَا قَرِينَةٌ، وَكَذَا زَوْجَتِي الْحَاضِرَةُ طَالِقٌ وَهِيَ غَائِبَةٌ.
(وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ) وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي إفَادَةِ التَّحْرِيمِ لِإِفَادَةِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي فِي أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِظَهْرٍ أَيْ طَلَاقًا آخَرَ وَقَعَ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَابِعًا فَمَحَلُّ مَا هُنَا فِي لَفْظِ ظِهَارٍ وَقَعَ مُسْتَقِلًّا.
(وَلَوْ)(قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ) أَوْ نَحْوَ يَدِك (عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك) أَوْ كَالْخَمْرِ أَوْ الْمَيْتَةِ أَوْ الْخِنْزِيرِ (وَنَوَى طَلَاقًا) وَإِنْ تَعَدَّدَ (أَوْ ظِهَارًا حَصَلَ) مَا نَوَاهُ لِاقْتِضَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا التَّحْرِيمَ فَجَازَ أَنْ يُكَنَّى عَنْهُ بِالْحَرَامِ وَلَا يُنَافِي هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ لِأَنَّ إيجَابَهُ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، إذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ، وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ تَحْرِيمُهَا وَأَمَّا إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فَحُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَصْدِ التَّحْرِيمِ أَوْ الْإِطْلَاقِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ لَا عِنْدَ قَصْدِ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ إذْ لَا كَفَّارَةَ فِي لَفْظِهِمَا (أَوْ نَوَاهُمَا) أَيْ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ مَعًا (تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ) مِنْهُمَا لَا هُمَا لِتَنَاقُضِهِمَا إذْ الطَّلَاقُ يَرْفَعُ النِّكَاحَ وَالظِّهَارُ يُثْبِتُهُ (وَقِيلَ طَلَاقٌ) لِأَنَّهُ أَقْوَى لِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ (وَقِيلَ ظِهَارٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ.
أَمَّا لَوْ نَوَاهُمَا مُرَتَّبًا بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِقَرْنِ النِّيَّةِ بِجُزْءٍ مِنْ لَفْظِ الْكِنَايَةِ فَيَتَخَيَّرُ وَيَثْبُتُ مَا اخْتَارَهُ أَيْضًا مِنْهُمَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، لَكِنَّ الْقِيَاسَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ أَنَّ الْمَنْوِيَّ أَوَّلًا إنْ كَانَ الظِّهَارُ صَحَّا مَعًا، وَالطَّلَاقُ وَهُوَ بَائِنٌ لَغَا الظِّهَارُ، أَوْ رَجْعِيٌّ وَقَفَ الظِّهَارُ، فَإِنْ رَاجَعَ صَارَ عَائِدًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَتَأْيِيدُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِآخِرِ اللَّفْظِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الظِّهَارِ وَتَأَخُّرِهِ مَمْنُوعٌ بَلْ يَتَبَيَّنُ بِآخِرِهِ وُقُوعُ الْمَنْوِيَّيْنِ مُرَتَّبَيْنِ كَمَا أَوْقَعَهُمَا وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي (أَوْ) نَوَى (تَحْرِيمَ عَيْنِهَا) أَوْ نَحْوَ فَرْجِهَا أَوْ وَطْئِهَا (لَمْ تُحَرَّمْ) لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَالَ كَذَبْت لَيْسَتْ: أَيْ زَوْجَتُك عَلَيْك بِحَرَامٍ ثُمَّ تَلَا أَوَّلَ سُورَةِ التَّحْرِيمِ» (وَعَلَيْهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ سَكْتَةً طَوِيلَةً وَقَالَ لَهَا زَوَّدْتُك أَلْفَ طَلْقَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ طَلَاقًا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ فَقَطْ أَمْ ثَلَاثٌ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِقَوْلِهِ الثَّانِي زَوَّدْتُك إلَخْ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً وَلَمْ يَكُنْ سَبَقَهَا طَلْقَتَانِ (قَوْلُهُ: فِي جَعَلْتهَا ثَلَاثًا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى عَلَى الْأَصَحِّ
(قَوْلُهُ: أَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ) قَضِيَّةُ الِاقْتِصَارِ فِي التَّعْلِيلِ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي وَسَيَأْتِي فِي أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ أَنَّ كُلًّا مِنْ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ أَلْفَاظَ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ حَيْثُ احْتَمَلَتْهُ احْتَمَلَتْ الظِّهَارَ أَيْضًا، وَكَذَا عَكْسُهُ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْإِشْعَارِ بِالْبُعْدِ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالْبُعْدُ يَكُونُ بِكُلٍّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ.
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ: عَلَيَّ السُّخَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، لِأَنَّ لَفْظَ السُّخَامِ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ غَايَتُهُ أَنَّ مَنْ يَذْكُرُهَا يُرِيدُ بِهَا التَّبَاعُدَ عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ
(قَوْلُهُ: بِقَرْنِ النِّيَّةِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ وَتَأْيِيدُ الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي) وَهُوَ مُعْتَمَدٌ، وَالثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ مَا رَجَّحَهُ فِي الْأَنْوَارِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ فِي الْبَاطِنِ إذَا قُصِدَ بِهِ إنْشَاءَ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ: فَكِنَايَةٌ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِدَدِ فَلْيُرَاجَعْ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ) أَيْ مِثْلُهَا حَالًا وَلَوْ لَمْ يَطَأْهَا كَمَا لَوْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ أَخْذًا مِنْ قِصَّةِ مَارِيَةَ النَّازِلِ فِيهَا ذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَرَوَى النَّسَائِيّ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا: أَيْ وَهِيَ مَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم: 1] الْآيَةَ» ، وَمَعْنَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ الْكَفَّارَةَ الَّتِي تَجِبُ فِي الْأَيْمَانِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَا بِهِ أَوَّلَ الظِّهَارِ وَبِهِ يُرَدُّ بَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ حُرْمَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَالْكَذِبِ وَنِزَاعُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِيهَا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ وَهُوَ لَا يَفْعَلُ الْمَكْرُوهَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا يَكُونُ مَكْرُوهًا فِي حَقِّهِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ الظِّهَارَ بِأَنَّ مُطْلَقَ التَّحْرِيمِ بِجَامِعِ الزَّوْجِيَّةِ، بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ الْمُشَابِهِ لِتَحَرُّمِ الْأُمِّ فَكَانَ كَذِبًا مُعَانِدًا لِلشَّرْعِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَرَامًا وَالْإِيلَاءُ بِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِيهِ إثْمٌ، وَمِنْ ثَمَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ بِلَا نِيَّةِ طَلَاقٍ وَلَا ظِهَارٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ كَرَّرَ فِي وَاحِدَةٍ وَأَطْلَقَ أَوْ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ كَالْيَمِينِ (وَكَذَا) عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ يُصْرَفُ شَرْعًا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ (وَالثَّانِي) هُوَ (لَغْوٌ) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَا لَوْ حَذَفَ عَلَيَّ فَيَكُونُ كِنَايَةً فَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ) ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ بَعْدَ كَلَامِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ مَعًا، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى حَفْصَةَ فَلَمْ يَجِدْهَا وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا، فَدَعَا أَمَتَهُ مَارِيَةَ إلَيْهِ فَأَتَتْ حَفْصَةُ وَعَرَفَتْ الْحَالَ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ فَقَالَ عليه السلام يَسْتَرْضِيهَا: إنِّي أُسِرُّ إلَيْك سِرًّا فَاكْتُمِيهِ، هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَوَرَدَتْ الْآيَاتُ» اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ نِيَّةُ تَحْرِيمِ عَيْنِهَا (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ) أَيْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ) أَيْ الظِّهَارُ (قَوْلُهُ كَالْيَمِينِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ فِي مَجِيءِ هَذَا التَّفْصِيلِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إلَخْ) بَقِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ حَذَفَ أَنْتِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَرَامُ، وَقُوَّةِ كَلَامِهِ حَيْثُ جَعَلَ صُوَرَ الْكَفَّارَةِ مَنُوطَةً بِالْخِطَابِ بِنَحْوِ أَنْتِ أَوْ نَحْوِ يَدُك أَوْ حَرَّمْتُك تُعْطِي أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُهُ كَالشَّرَفِ الْمُنَاوِيِّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الشَّرْحِ أَنَّ عَلَيَّ الْحَرَامُ وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي كِنَايَةٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَيْثُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَتَجِبُ بِالتَّلَفُّظِ اهـ.
[مَسْأَلَةٌ] :
فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَكُونِي طَالِقًا هَلْ تَطْلُقُ أَمْ لَا لِاحْتِمَالِ هَذَا اللَّفْظِ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ، وَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي الْحَالِ فَمَتَى يَقَعُ أَبِمُضِيِّ لَحْظَةٍ أَمْ لَا يَقَعُ أَصْلًا لِأَنَّ الْوَقْتَ مُبْهَمٌ؟ وَالْجَوَابُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ طَلُقَتْ أَوْ التَّعْلِيقَ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ بَحَثَ بَاحِثٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: الْكِنَايَةُ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَقُلْت بَلْ هُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَالْوَعْدِ، فَقَالَ: إذَا قَصَدَ الِاسْتِقْبَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ فَقُلْت لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْلِيقِ، وَلَا بُدَّ فِي التَّعْلِيقَاتِ مِنْ ذِكْرِ الْمُعَلَّقِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، قَالَ: هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ تَكُونِي فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَادِثِ وَالزَّمَانِ، قُلْت: دَلَالَتُهُ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ بِالْوَضْعِ وَلَا لَفْظِيَّةً وَلِهَذَا قَالَ النُّحَاةُ إنَّ الْفِعْلَ وُضِعَ لِحَدَثٍ مُقْتَرِنٍ بِزَمَانٍ وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهُ وُضِعَ لِلْحَادِثِ وَالزَّمَانِ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ جِنِّي فِي الْخَصَائِصِ بِأَنَّ الدَّلَالَاتِ فِي عُرْفِ النُّحَاةِ ثَلَاثٌ: لَفْظِيَّةٌ وَصِنَاعِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ، فَالْأُولَى كَدَلَالَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: النَّازِلُ فِيهَا) أَيْ فِي مُطْلَقِ الْأَمَةِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَخْذًا مِنْ قِصَّةِ مَارِيَةَ رضي الله عنها -
إلَّا بِنِيَّةٍ.
(وَإِنْ)(قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقًا ثَبَتَ) قَطْعًا لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ إذْ لَا مَجَالَ لِلطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ فِيهَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَمَةَ الْمُحْرِمَةَ وَالصَّائِمَةَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ.
بِخِلَافِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ وَمِثْلُهُنَّ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ (أَوْ) نَوَى (تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ لَا نِيَّةَ) لَهُ (فَكَالزَّوْجَةِ) فِيمَا مَرَّ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.
(وَلَوْ)(قَالَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الطَّعَامُ أَوْ الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ) أَوْ نَحْوَهُ (فَلَغْوٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ لِتَعَذُّرِهِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَلِيلَةِ لِإِمْكَانِهِ فِيهَا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ.
(وَشَرْطُ) تَأْثِيرِ (نِيَّةِ الْكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ) وَهِيَ أَنْتِ بَائِنٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ كَجَمَاعَةٍ. وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ لَفْظُ الْكِنَايَةِ كَبَائِنٍ دُونَ أَنْتِ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْخِطَاب فَلَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ، يُرَدُّ بِأَنَّ بَائِنٌ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِالْإِفَادَةِ كَانَتْ مَعَ أَنْتِ كَاللَّفْظِ الْوَاحِدِ (وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ) اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِهَا فِي بَاقِيهِ دُونَ آخِرِهِ لِأَنَّ انْعِطَافَهَا عَلَى مَا مَضَى بَعِيدٌ، وَرَجَّحَهُ كَثِيرُونَ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَوَّلَ سَبْقُ قَلَمٍ، لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الِاكْتِفَاءُ بِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ: أَيْ يُجْزِئُ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
فَالْحَاصِلُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا قَبْلَ فَرَاغِ لَفْظِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْأَوْجَهُ مَجِيءُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْكِنَايَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَفْظًا كَالْكِتَابَةِ، وَلَوْ أَتَى بِكِنَايَةٍ ثُمَّ مَضَى قَدْرُ عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ نَوَى بِالْكِنَايَةِ الطَّلَاقَ لَمْ يُقْبَلْ لِرَفْعِهِ الثَّلَاثَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّحْلِيلِ اللَّازِمِ لَهُ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِيَّتَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَكَذَا وَارِثُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ نَوَى، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ هِيَ أَوْ وَارِثُهَا أَنَّهُ نَوَى لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى نِيَّتِهِ مُمْكِنٌ بِالْقَرَائِنِ.
(وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ لَغْوٌ) وَإِنْ نَوَاهُ وَأَفْهَمَ بِهَا كُلَّ أَحَدٍ (وَقِيلَ كِنَايَةٌ) لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ بِهَا كَالْكِتَابَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ تَفْهِيمَ النَّاطِقِ إشَارَتَهُ نَادِرَةٌ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا حُرُوفٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِفْهَامِ كَالْعِبَارَةِ.
نَعَمْ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَهَذِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفِعْلِ عَلَى الْحَدَثِ، وَالثَّانِيَةُ كَدَلَالَتِهِ عَلَى الزَّمَانِ، وَالثَّالِثَةُ كَدَلَالَتِهِ عَلَى الْأَفْعَالِ.
وَصَرَّحَ ابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيِّ أَنَّ دَلَالَةَ الْأَفْعَالِ عَلَى الزَّمَانِ لَيْسَتْ لَفْظِيَّةً بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ وَهِيَ لَا يُعْمَلُ بِهَا فِي الطَّلَاقِ وَالْأَقَارِيرِ وَنَحْوِهَا، بَلْ لَا يُعْتَمَدُ فِيهَا إلَّا مَدْلُولُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ وَالدَّلَالَةُ اللَّفْظِيَّةُ.
[تَنْبِيهٌ] مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَعْدٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ السُّؤَالِ تَكُونِي بِحَذْفِ النُّونِ.
قُلْت: لَا فَرْقَ فَإِنَّهُ لُغَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَحْنًا فَلَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَيْنَ الْمُعَرَّبِ وَالْمَلْحُونِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْأَمْرِ عَلَى حَذْفِ اللَّامِ: أَيْ لِتَكُونِي فَهُوَ إنْشَاءٌ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ بِلَا شَكٍّ اهـ نَقَلَهُ سم بِهَامِشِ التُّحْفَةِ عَنْ السُّيُوطِيّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْأَمْرِ إلَخْ صَرَاحَةُ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ رِجْلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُونِي طَالِقًا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الْإِنْشَاءُ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَالًا (قَوْلُهُ: إلَّا بِنِيَّةٍ) أَيْ لِلْيَمِينِ وَمِثْلُ أَنْتِ حَرَامٌ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْحَرَامُ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ، وَفِي فَتَاوَى وَالِدِ الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ.
(قَوْلُهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَمَةَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَفِي وُجُوبِهَا فِي زَوْجَةٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُعْتَدَّةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا لَا اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الزَّوْجَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْأَمَةِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ شُبْهَةٍ وَسَكَتَ عَنْ الْأَمَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْأَمَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَسَكَتَ عَنْ الزَّوْجَةِ، فَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مَقْصُودٌ مِنْهُ أَوْ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ فَتُلْحَقُ الزَّوْجَةُ الْمُحَرَّمَةُ بِهَا وَيَكُونُ الْمُعْتَمَدُ غَيْرَ مَا فِي الْمَنْهَجِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ ثُمَّ زَعَمَ) أَيْ قَالَ (قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ) وَيَنْبَغِي تَدْيِينُهُ لِأَنَّهُ إنْ سَبَقَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَا وُقُوعَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا ثَلَاثًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْكَرَ نِيَّتَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ نَوَى) وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ نَوَى) أَيْ لَا تَرِثُ مِنْهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا
(قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهُ) غَايَةٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
النَّازِلِ فِيهَا ذَلِكَ إلَخْ، وَلَعَلَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ سَقْطًا مِنْ الْكَتَبَةِ
(قَوْلُهُ: دُونَ آخِرِهِ) يَعْنِي مَا عَدَا أَوَّلَهُ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ سم: فِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِشَارَةَ بِالْعِبَارَةِ وَلَا بِأَعَمَّ
مُشِيرًا إلَى زَوْجَةٍ أُخْرَى طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ مَحْضَةٌ؛ هَذَا إنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ مَعَ احْتِمَالِهِ لِغَيْرِهِ احْتِمَالًا قَرِيبًا: أَيْ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَقَدْ تَكُونُ إشَارَتُهُ كَعِبَارَتِهِ كَهِيَ بِالْأَمَانِ وَكَذَا الْإِفْتَاءُ وَنَحْوُهُ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ أَيَجُوزُ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ مَثَلًا: أَيْ نَعَمْ جَازَ الْعَمَلُ بِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ (وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ فِي الْعُقُودِ) كَهِبَةٍ وَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ (وَالْحُلُولِ) كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَفَسْخٍ وَالْأَقَارِيرِ وَالدَّعَاوَى وَغَيْرِهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْكِتَابَةُ لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ) وَغَيْرَهُ (بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَصَرِيحَةٌ وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهِ فَطِنُونَ) أَيْ أَهْلُ فِطْنَةٍ وَذَكَاءٍ (فَكِنَايَةٌ) كَمَا فِي لَفْظِ النَّاطِقِ وَتُعْرَفُ نِيَّتُهُ فِيمَا إذَا أَتَى بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أُخْرَى وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا تَعْرِيفَهُ بِهَا مَعَ أَنَّهَا كِنَايَةٌ وَلَا اطِّلَاعَ لَنَا بِهَا عَلَى نِيَّةِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، فَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي وَيُعْتَبَرُ فِي الْأَخْرَسِ أَنْ يَكْتُبَ مَعَ لَفْظِ الطَّلَاقِ إنِّي قَصَدْت الطَّلَاقَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَسَيَأْتِي فِي اللِّعَانِ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِالْأَخْرَسِ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ وَالْقِيَاسُ مَجِيئُهُ هُنَا بَلْ الْأَخْرَسُ يَشْمَلُهُ.
(وَلَوْ)(كَتَبَ نَاطِقٌ) أَوْ أَخْرَسُ (طَلَاقًا)(وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَغْوٌ) إذْ لَا لَفْظَ وَلَا نِيَّةَ (وَإِنْ نَوَاهُ) وَمِثْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ وَحَلٍّ وَغَيْرِهِمَا مَا عَدَا النِّكَاحَ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِمَا كَتَبَهُ (فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ) لِإِفَادَتِهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ تَلَفَّظَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ وَلَا الْكِتَابَةِ وَقَالَ إنَّمَا قَصَدْت قِرَاءَةَ الْمَكْتُوبِ فَقَطْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ (وَإِنْ كَتَبَ إذَا بَلَغَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَنَوَى الطَّلَاقَ (فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ) إنْ كَانَ فِيهِ صِيغَةُ الطَّلَاقِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: طَلُقَتْ) أَيْ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) أَيْ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ (قَوْلُهُ وَالدَّعَاوَى وَغَيْرِهَا) نَعَمْ لَا تَصِحُّ بِهَا شَهَادَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ بِهَا صَلَاتُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ خَرِسَ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) عِلَّةُ يُعْتَدُّ وَإِنَّمَا لَمْ تُقَدَّمْ الْكِنَايَةُ عَلَى الْإِشَارَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ فَلَا مُرَجَّحَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: أَيْ أَهْلُ فِطْنَةٍ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا مَا قِيلَ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِ لُغَتَهُمَا غَيْرُهُمَا وَأَنَّهُمَا يُوجَدَانِ غَالِبًا فَيُقَالُ هُنَا يُشْتَرَطُ لِكَوْنِ الْإِشَارَةِ كِنَايَةً أَنْ يُوجَدَ فَطِنُونَ يَفْهَمُونَهَا غَالِبًا فِي أَيْ مَحَلٍّ اتَّفَقَ لِلْأَخْرَسِ فِيهِ تَصَرُّفٌ بِالْإِشَارَةِ، فَلَوْ فَهِمَهَا فَطِنُونَ فِي غَايَةٍ مِنْ الْفِطْنَةِ قَلَّ أَنْ يُوجَدُوا عِنْدَ تَصَرُّفِ الْأَخْرَسِ لَمْ تَكُنْ إشَارَتُهُ كِنَايَةً بَلْ تَكُونُ كَاَلَّتِي لَمْ يَفْهَمْهَا أَحَدٌ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِفَطِنٍ وَاحِدٍ فَالْجَمْعُ فِي كَلَامِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: تَعْرِيفَهُ بِهَا) أَيْ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ) وَكَذَا مَنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ قِيَاسًا، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَلْحَقَ بِهِ ثَمَّ لِاحْتِيَاجِهِ لِلِّعَانِ وَاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا اهـ حَجّ.
وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا أَنَّهُ حَيْثُ رُجِيَ بُرْؤُهُ انْتَظَرَ طَالَ زَمَنُ اعْتِقَالِهِ أَوْ قَصُرَ
(قَوْلُهُ: فَلَغْوٌ) أَيْ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ قَرِيبًا، وَلَوْ أَنْكَرَ نِيَّتَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ إنَّمَا قَصَدْت قِرَاءَةً إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ أَوْ أَطْلَقَ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: فَلَوْ تَلَفَّظَ النَّاطِقُ بِمَا كَتَبَهُ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ قِرَاءَةَ مَا كَتَبَهُ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ اهـ.
فَأَفْهَمَ تَخْصِيصُ الْإِنْشَاءِ بِمَا لَوْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا قَصَدَ إنْشَاءَهُ أَوْ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك إلَخْ) فِي الرَّوْضِ وَإِنْ عَلَّقَ بِبُلُوغِ الطَّلَاقِ فَبَلَغَ مَوْضِعَ الطَّلَاقِ وَقَعَ قَطْعًا وَقِرَاءَةُ بَعْض الْكُتَّابِ إنْ عَلَّقَ بِقِرَاءَتِهِ كَوُصُولِ بَعْضِهِ إنْ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ، وَإِنْ عَلَّقَ بِوُصُولِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: أَيْ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقُرْبِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ إلَى تَعَسُّفٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَهْمًا قَرِيبًا الَّذِي فَهِمَهُ الشِّهَابُ سم حَتَّى نَظَرَ فِي كَوْنِ هَذَا قَرِيبًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَعَ احْتِمَالِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْمَعِيَّةِ إشَارَةً لِوَجْهِ الِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ، وَقَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ ادَّعَى الصَّرَاحَةَ وَسَكَتَ عَنْ تَوْجِيهِ صُورَةِ الْإِطْلَاقِ الَّتِي بَحَثَهَا
كَهَذِهِ الصِّيغَةِ بِأَنْ أَمْكَنَ قِرَاءَتُهَا وَإِنْ انْمَحَتْ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ أَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا سِوَاهَا مِنْ السَّوَابِقِ وَاللَّوَاحِقِ، فَإِنْ انْمَحَى سَطْرُ الطَّلَاقِ فَلَا وُقُوعَ وَقِيلَ إنْ قَالَ كِتَابِي هَذَا أَوْ الْكِتَابَ لَمْ يَقَعْ أَوْ كِتَابِي وَقَعَ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَمَّا لَوْ قَالَ إذَا جَاءَك خَطِّي فَأَنْت طَالِقٌ فَذَهَبَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَقِيَ ذِكْرُ الطَّلَاقِ، وَخَرَجَ بِكَتْبِ مَا لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَكَتَبَ وَنَوَى هُوَ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْكِتَابَةِ أَوْ كِنَايَةٍ أُخْرَى وَبِالنِّيَّةِ فَامْتَثَلَ وَنَوَى وَبِقَوْلِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ مَا لَوْ كَتَبَ كِنَايَةً كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى إذْ لَا يَكُونُ لِلْكِنَايَةِ كِنَايَةٌ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْجَزْمُ بِالْوُقُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّا إذَا اعْتَبِرْنَا الْكِتَابَةَ قَدَّرْنَا أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْمَكْتُوبِ (وَإِنْ)(كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي وَهِيَ قَارِئَةٌ فَقَرَأَتْهُ) أَيْ صِيغَةَ الطَّلَاقِ مِنْهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ تَفْهَمْهُ أَوْ طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ اتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا (طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا أَرَدْت الْقِرَاءَةَ بِاللَّفْظِ قُبِلَ قَوْلُهُ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إطْلَاقِ قِرَاءَتِهَا إيَّاهُ عَلَى مُطَالَعَتِهَا إيَّاهُ وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِهِ وَمِنْ جَوَازِ إجْرَاءِ ذِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرِهِ فِي الْمُصْحَفِ ظَاهِرٌ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ ظَنِّهِ كَوْنِهَا أُمِّيَّةً أَوْ لَا إذْ اللَّفْظُ لَا يَنْصَرِفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَمُجَرَّدُ ظَنِّهِ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهَا (وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا) طَلَاقَ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَعَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْكِتَابِ ثُمَّ عَلَّقَ بِوُصُولِ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ بِوُصُولِ الْكِتَابِ طَلْقَتَيْنِ أَوْ بِوُصُولِ نِصْفِ الْكِتَابِ فَوَصَلَ كُلُّهُ طَلُقَتْ اهـ.
وَيَنْبَغِي إذَا عَلَّقَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ وَبِوُصُولِ نِصْفِهِ أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَيْنِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُ سم كَوُصُولِ بَعْضِهِ: أَيْ فَإِنْ قَرَأَتْ مَا فِيهِ صِيغَةُ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا، اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِنِصْفِ الْكِتَابِ هَلْ هُوَ نِصْفُ الْوَرَقَةِ الْمَكْتُوبِ فِيهَا أَوْ نِصْفُ الْحُرُوفِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ نِصْفُ عَدَدِهَا وَلَوْ مُلَفَّقَةً مِنْ كَلَامٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ نِصْفِ كَلِمَاتِهِ مُنْتَظِمَةً مُتَوَالِيَةً مِنْ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْآخِرِ (قَوْلُهُ كَهَذِهِ الصِّيغَةِ) أَيْ قَوْلُهُ وَإِنْ كَتَبَ إذَا إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ انْمَحَى إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ قَالَ) أَيْ وَقَدْ انْمَحَى غَيْرُ سَطْرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ مَا لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ) أَيْ بِكِتَابَةِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ اُكْتُبْ زَوْجَةَ فُلَانٍ طَالِقٌ (قَوْلُهُ: وَنَوَى هُوَ) أَيْ الْآمِرُ عِنْدَ كِتَابَةِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ كِنَايَةٍ أُخْرَى وَبِالنِّيَّةِ) يُرَادُ أَنَّ هَذَا التَّوْكِيلَ فِي التَّعْلِيقِ وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ أَمْرُهُ بِالْكِتَابَةِ بِطَلَاقٍ مُنَجَّزٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّيَّةِ مِنْ الْآتِي بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي النِّيَّةُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْكِتَابَةُ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: فَامْتَثَلَ وَنَوَى) أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَخَرَجَ بِ كَتَبَ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الَّذِي فِيهِ) أَيْ الرَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَفَهِمْت مَا فِيهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ قِرَاءَةً عُرْفًا (قَوْلُهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ) أَيْ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ ظَاهِرٌ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ عَدَمُ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالْإِجْرَاءِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ، وَالْمَقْصُودَ هُنَا وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ وَقَدْ وُجِدَ (قَوْلُهُ: عَدَمُ الْفَرْقِ) أَيْ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ فَلَا طَلَاقَ) أَيْ وَإِنْ ظَنَّهَا حَالَ التَّعْلِيقِ أُمِّيَّةً
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِي وَقَعَ) أَيْ وَهُوَ صُورَةُ الْمَتْنِ، وَحِينَئِذٍ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي هَذَا الْقِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِصُورَةِ الْمَتْنِ وَبَيْنَ الْمَتْنِ مَعَ مَا أَرْدَفَهُ بِهِ الشَّارِحُ فَمَا وَجْهُ الْمُقَابَلَةِ بِقِيلَ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ عَبَّرَ بِمِثْلِ مَا فِي الْمَتْنِ نَصُّهَا: وَلَوْ انْمَحَى إلَّا مَوْضِعَ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ لِوُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ تَطْلُقُ إنْ قَالَ كِتَابِي كَمَا ذَكَرَ لَا إنْ قَالَ كِتَابِي هَذَا أَوْ الْكِتَابُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِكَتَبَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ إلَخْ) هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ إلَخْ، وَفِي نُسْخَةٍ تَقْدِيمُ هَذَا