الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ وَسَوَابِقِهِ وَلَوَاحِقِهِ
إذَا (ظَهَرَ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا) كَخُشُونَةِ جَوَابٍ وَتَعْبِيسٍ بَعْدَ طَلَاقَةٍ وَإِعْرَاضٍ بَعْدَ إقْبَالٍ (وَعَظَهَا نَدْبًا) أَيْ حَذَّرَهَا عِقَابَ الدُّنْيَا بِالضَّرْبِ وَسُقُوطِ الْمُؤَنِ وَالْقَسْمِ وَالْآخِرَةَ بِالْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ لَهَا خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» (بِلَا هَجْرٍ) وَلَا ضَرْبٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ نُشُوزًا فَلَعَلَّهَا تَعْتَذِرُ أَوْ تَتُوبُ وَحَسُنَ أَنْ يَسْتَمِيلَهَا بِشَيْءٍ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ هَجْرٍ يُفَوِّتُ حَقَّهَا مِنْ نَحْوِ قَسْمٍ لِحُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ هَجْرِهَا فِي الْمَضْجَعِ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ) (تَحَقَّقَ نُشُوزًا) كَمَنْعِ تَمَتُّعٍ وَخُرُوجٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ (وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعَظَ وَهَجَرَ فِي الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ الْوَطْءِ أَوْ الْفِرَاشِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ لَا فِي الْكَلَامِ لِحُرْمَتِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا إنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِصْلَاحَ دِينِهَا لَا حَظَّ نَفْسَهُ وَلَا الْأَمْرَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ لِجَوَازِ الْهَجْرِ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَكَوْنِ الْمَهْجُورِ نَحْوَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ وَكَصَلَاحِ دِينِهِ أَوْ دِينِ الْهَاجِرِ، وَمِنْ ثَمَّ «هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَنَهَى الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ» ، وَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا جَاءَ مِنْ مُهَاجَرَةِ السَّلَفِ (وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ تَأَكُّدِ الْجِنَايَةِ بِالتَّكَرُّرِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ بِشَرْطِ عِلْمِهِ بِإِفَادَتِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِهِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ (فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ) إنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَيْضًا مَعَ وَعْظِهِ وَهَجْرِهِ وَالْأَوْلَى الْعَفْوُ وَلَا يَجُوزُ ضَرْبٌ مُدْمٍ أَوْ مُبَرِّحٌ وَهُوَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا وَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ إلَّا بِهِ حَرُمَ الْمُبَرِّحُ وَغَيْرُهُ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يُنَافِي قَوْلُ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ يَضْرِبُهَا بِمِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ أَوْ بِيَدِهِ لَا بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصَا مَا يَأْتِي فِي سَوْطِ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَقُّ هُنَا لِنَفْسِهِ وَالْعَفْوُ فِي حَقِّهِ أَوْلَى خُفِّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفَّفْ فِي غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ جَوَازُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ
(قَوْلُهُ: وَسَوَابِقِهِ) أَيْ ظُهُورِ الْأَمَارَاتِ، وَقَوْلُهُ وَلَوَاحِقِهِ: أَيْ كَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ (قَوْلُهُ: كَخُشُونَةِ جَوَابٍ) أَيْ بَعْدَ لِينٍ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هَجْرِهَا فِي الْمَضْجَعِ) هَذَا يَقْتَضِي اتِّحَادَ حُكْمِ ظُهُورِ أَمَارَةِ النُّشُوزِ وَتَحَقُّقَهُ فِي الْهَجْرِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَحَقَّقَ إلَخْ، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ جَازَ لَهُ الْهَجْرُ فِي الْمَضْجَعِ وَإِنَّ تَحَقُّقَهُ طُلِبَ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ) يُقَالُ ضَجَعَ الرَّجُلُ: وَضَعَ جَنْبَهُ بِالْأَرْضِ، وَبَابُهُ قَطَعَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: كَكَوْنِ الْمَهْجُورِ نَحْوَ فَاسِقٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ هَجْرُهُ لَا يُفِيدُ تَرْكُهُ الْفِسْقَ وَلَا الْبِدْعَةَ، نَعَمْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَجْرَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى زِيَادَةِ الْفِسْقِ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُهُ (قَوْلُهُ: الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا) وَهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَصَاحِبَاهُ مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلَالُ ابْنُ أُمَيَّةَ اهـ رَوْضٌ. أَقُولُ: وَيَجْمَعُ أَسْمَاءَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْأَوَائِلِ مَكَّةُ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ بِاعْتِبَارِ الْأَوَاخِرِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ: مَا جَاءَ مِنْ مُهَاجَرَةِ السَّلَفِ) أَيْ تَرْكُ بَعْضِهِمْ الْكَلَامَ لِبَعْضٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مَا لَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ النُّشُوزِ (قَوْلُهُ إنْ عُلِمَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ يُفِيدُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى الْعَفْوُ) أَيْ بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ شَرْحُ رَوْضٍ.
(قَوْلُهُ: مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ وَسَوَابِقِهِ وَلَوَاحِقِهِ]
(فَصْلٌ) فِي بَعْضِ أَحْكَامِ النُّشُوزِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَطْءُ أَوْ الْفِرَاشُ) أَيْ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَفْوِيتِ حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الرُّتْبَةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ إيثَارًا لِلَفْظِ الْآيَةِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِي هَذَا
بِسَوْطٍ وَعَصَا هُنَا أَيْضًا، وَلَا عَلَى وَجْهٍ أَوْ مُهْلِكٍ وَلَا لِنَحْوِ نَحِيفَةٍ لَا تُطِيقُهُ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا أَنْ يَبْلُغَ ضَرْبُ حُرَّةٍ أَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا عِشْرِينَ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ مُسْتَغْنًى عَنْهَا، وَإِنَّمَا ضَرَبَ لِلْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ مُطْلَقًا وَلَوْ لِلَّهِ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ ثَمَّ وَلَمْ يَجِبْ الرَّفْعُ هُنَا لِلْحَاكِمِ لِمَشَقَّتِهِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ رَدُّهَا لِلطَّاعَةِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] نَعَمْ خَصَّصَ الزَّرْكَشِيُّ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ سَبَبَ الضَّرْبِ النُّشُوزُ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا عَلَيْهَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا فَلَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ بَعْدَ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الرَّاجِحِ وَمُقَابِلِهِ، وَأَيْضًا فَفِيهِ فَائِدَةُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ عِنْدَ تَكَرُّرِهِ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الرَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ انْتِفَائِهِ، فَلَوْ قَدَّمَهُ لِتَوَهُّمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَيْضًا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَقَيَّدَ الضَّرْبَ فِيهَا بِعَدَمِ التَّكَرُّرِ كَأَنْ أَقْعَدَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَقْعَدُ مَا فَعَلَهُ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَفْهُومِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا فِي الْمَنْطُوقِ (فَلَوْ مَنَعَهَا حَقَّهَا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ) إذَا طَلَبَتْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا أَلْزَمَهُ وَلِيُّهُ بِذَلِكَ، وَلَهُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي ضَرْبِهَا لِلنُّشُوزِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَأْدِيبِهَا لِحَقِّهِ كَشَتْمِهِ لِمَشَقَّةِ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ (فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا) بِنَحْوِ ضَرْبٍ بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ مِنْ غَيْرِ تَعْزِيرٍ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ عِنْدَ طَلَبِهَا مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَكْثُرُ وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً فَاقْتُصِرَ عَلَى نَهْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يَلْتَئِمَ الْحَالُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ يُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَ لِلْعَدْلِ مَحْمُولٌ عَلَى تَحَقُّقِ تَعَدِّيهِ عَلَيْهَا، وَمَنْ نَفَاهَا أَرَادَ الْحَالَةَ الَّتِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ وَالْإِسْكَانِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيَعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ لَهَا اسْتِعْطَافُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْهُ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ لَكِنْ صَرَّحَ حَجّ بِخِلَافِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى وَجْهٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُؤْذِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ضَرَبَ) أَيْ ضَرَبَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَالتَّعْزِيرُ مُطْلَقًا) أَيْ أَفَادَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ نَعَمْ خَصَّصَ الزَّرْكَشِيُّ) مُعْتَمَدُ (قَوْلِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تَعْلَمْ جَرَاءَتَهُ وَاسْتِهْتَارَهُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ حَجّ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا صُدِّقَتْ فِي أَنَّهُ تَعَدَّى بِضَرْبِهَا فَيُعَزِّرُهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ شَيْءٍ) لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُحْتَرِزًا لَهُ، لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْيِيدُ مَا سَبَقَ كَأَنْ يُقَالَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا ذُكِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِتَصْرِيحِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَعْزِيرٍ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لِمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ) يُتَأَمَّلُ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ تَعْزِيرٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ نَهَاهُ وَلَمْ يَمْتَنِعْ بَلْ عَادَ لِإِسَاءَتِهَا فَعَزَّرَهُ وَأَسْكَنَهُ بِجِوَارِ مَنْ يَعْرِفُ وَلَمْ يَفْدِ ذَلِكَ مَعَهُ (قَوْلُهُ: وَالْإِسْكَانُ) أَيْ بِجِوَارِ عَدْلٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْكِتَابِ الشَّارِحِ. وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْمُرَادَ بِالْمَضْجَعِ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى وَجْهٍ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ضَرْبٌ مُدْمٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ) لَعَلَّهُ سَقَطَ عَقِبَهُ لَفْظُ بِالْمُبَرِّحِ مِنْ الْكَتَبَةِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ضُرِبَ) هُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ: أَيْ وَإِنَّمَا جَازَ الضَّرْبُ: أَيْ مِنْ الْحَاكِمِ لِلْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ إلَخْ، وَقَدْ ذَكَرَ الشِّهَابُ سم أَنَّ الشَّارِحَ ضَرَبَ عَلَى هَذَا بَعْدَ أَنْ تَبِعَ فِيهِ حَجّ وَقَالَ: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.
وَكَأَنَّهُ قَرَأَ ضَرَبَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الَّتِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِظَنِّ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ التَّعْزِيرِ الْآتِي كَمَا صَنَعَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
بِمَا يَجِبُ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا كَمَا «تَرَكَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ فَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لَهَا يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» ، كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ (فَإِنْ عَادَ) إلَيْهِ (عَزَّرَهُ) بِطَلَبِهَا بِمَا يَرَاهُ
(وَإِنْ)(قَالَ كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ) عَلَيْهِ (تَعَرَّفَ) وُجُوبًا فِيمَا يَظْهَرُ إنْ لَمْ يَظُنَّ فِرَاقَهُ لَهَا وَلَمْ يَنْدَفِعْ مَا ظَنَّهُ بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّرِّ إلَّا بِالتَّعَرُّفِ (الْقَاضِي الْحَالُّ) بَيْنَهُمَا (بِثِقَةٍ يَخْبُرُهُمَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ بِمُجَاوَرَتِهِ لَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا جَارٌ ثِقَةٌ أَسْكَنَهُمَا بِجَنْبِ ثِقَةٍ وَأَمَرَهُ بِتَعَرُّفِ حَالِهِمَا وَيُنْهَيَا إلَيْهِ لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَلَامُهُ كَالرَّافِعِيِّ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ دُونَ الْعَدَدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّهْذِيبِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ لِخَبَرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ، وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُوا صِيغَةَ شَهَادَةٍ وَلَا نَحْوَ حُضُورِ خَصْمٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ (وَمَنَعَ الظَّالِمَ) مِنْ ظُلْمِهِ بِنَهْيِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِغَيْرِ تَعْزِيرٍ وَثَانِيًا بِتَعْزِيرٍ وَيُعَزِّرُهَا مُطْلَقًا، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ لَهُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا عَلَيْهَا فِي التَّأْدِيبِ فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِهَا (فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ) أَيْ الْخِلَافُ (بَعَثَ الْقَاضِي) وُجُوبًا لِلْآيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الظِّلَامَاتِ، وَهُوَ مِنْ الْفُرُوضِ الْعَامَّةِ عَلَى الْقَاضِي (حَكَمًا) وَيُسَنُّ كَوْنُهُ (مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا) وَيُسَنُّ كَوْنُهُ (مِنْ أَهْلِهَا) فَلَا يَكْفِي حُكْمُ وَاحِدٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ يَنْظُرَانِ فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حَكَمِ كُلٍّ بِهِ وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُ (وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا) لِأَنَّهُمَا رَشِيدَانِ فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا إذْ الْبُضْعُ حَقُّهُ وَالْمَالُ حَقُّهَا (وَفِي قَوْلٍ) حَاكِمَانِ (مُوَلَّيَانِ مِنْ) جِهَةِ (الْحَاكِمِ) لِتَسْمِيَتِهِمَا فِي الْآيَةِ حَكَمَيْنِ، وَقَدْ يُوَلِّي عَلَى الرَّشِيدِ كَالْمُفْلِسِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْمُفْلِسِ لَا لِذَاتِهِ وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ.
(فَعَلَى الْأَوْلَى يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا) وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَكَمَيْنِ تَكْلِيفٌ وَإِسْلَامٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَالَةٌ وَاهْتِدَاءٌ لِلْمَقْصُودِ الْمَبْعُوثِ مِنْ أَجْلِهِ لَا الذُّكُورَةُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِمَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي أَمِينِهِ (فَيُوَكِّلُ) الزَّوْجُ (حَكَمَهُ) إنْ شَاءَ (بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ وَتُوَكِّلُ) الزَّوْجَةُ إنْ شَاءَتْ (حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ) لِلْخُلْعِ (وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ) ثُمَّ يَفْعَلَانِ الْأَصْلَحَ مِنْ صُلْحٍ أَوْ تَفْرِيقٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي أَمِينَيْنِ غَيْرَهُمَا لِيَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَوَافُقِهِمَا أَدَّبَ الْقَاضِي الظَّالِمَ وَاسْتَوْفَى حَقَّ الْمَظْلُومِ، وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْبَعْثِ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ نَفَذَ أَمْرُهُمَا كَبَقِيَّةِ الْوُكَلَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلٍ فِي طَلَاقٍ أَنْ يُخَالِعَ لِأَنَّ تَوَكُّلَهُ وَإِنْ أَفَادَهُ مَالًا فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّجْعَةَ، وَلَا لِوَكِيلٍ فِي خُلْعٍ أَنْ يُطَلِّقَ مَجَّانًا، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ خُذْ مَالِي مِنْهَا ثُمَّ طَلِّقْهَا، أَوْ طَلِّقْهَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مَالِي مِنْهَا اشْتَرَطَ تَقَدُّمَ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مَالِي مِنْهَا وَطَلِّقْهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ، فَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا ثُمَّ خُذْ مَالِي مِنْهَا جَازَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَالتَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَأَنْ قَالَتْ خُذْ مَالِي مِنْهُ ثُمَّ اخْتَلِعْنِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: كَمَا تَرَكَتْ سَوْدَةُ) أَيْ لِإِرَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم طَلَاقَهَا لِكِبَرِهَا
(قَوْلُهُ: أَسْكَنَهُمَا) أَيْ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةُ الْمُؤْنَةِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ السُّكْنَى تَعُودُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ أَيْ كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُعَزِّرُهَا مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ: لَا الذُّكُورَةُ) أَيْ وَلَكِنْ تُسَنُّ اهـ مَنْهَجٌ (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ) أَيْ الْبَعْثُ حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ خُذْ مَالِي) أَيْ الَّذِي هُوَ تَحْتَ يَدِهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتَلِعْنِي)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَظُنَّ فِرَاقَهُ لَهَا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ أَنَّ مُرَادَهُ فِرَاقُهَا وَأَنَّ الْحَالَ لَا يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا يُسَمَّى فِي فِرَاقِهِمَا بِغَيْرِ تَعَرُّفٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ) فِي الرَّوْضِ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ جُنَّ وَلَوْ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحَاكِمِ رَأْيَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُمَا، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَى آخِرِ مَا فِي الشَّارِحِ.