الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَوْنَ الْبَائِعِ وَصِيًّا عَلَيْهِ وَاسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمَبِيعَ رَجَعَ عَلَى الْمُوصِي بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّهُ وَصِيٌّ خِلَافًا لِلْقَاضِي لِقَوْلِهِمْ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ وَكِيلٍ وَسَلَّمَهُ الثَّمَنَ وَصَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ ثُمَّ أَنْكَرَهَا الْمُوَكِّلُ وَنَزَعَ مِنْهُ الْمَبِيعَ فَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ وَمَنْ اعْتَرَفَ أَنَّ عِنْدَهُ مَالًا لِفُلَانٍ وَزَعَمَ أَنْ قَالَ لَهُ هَذَا لِفُلَانٍ أَوْ أَنْتَ وَصِيٌّ فِي صَرْفِهِ فِي كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا رَجَّحَهُ الْغَزِّيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ وَتَرْجِيحُ السُّبْكِيّ فِيهَا أَنَّهُ يُصْرَفُ لِلْمُقِرِّ لَهُ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ بَاطِنًا دَفْعُهُ لَهُ لَكِنَّ هَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. .
كِتَابُ الْوَدِيعَةِ
هِيَ لُغَةً مَا وُضِعَ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكِهِ لِحِفْظِهِ مِنْ وَدُعَ إذَا سَكَنَ؛ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْوَدِيعِ، وَقِيلَ مِنْ الدَّعَةِ أَيْ الرَّاحَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ رَاحَتِهِ وَمُرَاعَاتِهِ
وَشَرْعًا الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحْفَاظِ أَوْ الْعَيْنِ الْمُسْتَحْفَظَةِ بِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا، وَتَصِحُّ إرَادَتُهُمَا وَإِرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ ثُمَّ عَقْدُهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَوْكِيلٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودِعِ وَتَوَكُّلٌ مِنْ جِهَةِ الْوَدِيعِ فِي حِفْظِ مَالٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ كَنَجَسٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ، فَخَرَجَتْ اللُّقَطَةُ، وَالْأَمَانَةُ الشَّرْعِيَّةُ كَأَنْ طَيَّرَ نَحْوَ رِيحٍ شَيْئًا إلَيْهِ أَوْ إلَى مَحَلِّهِ وَعَلِمَ بِهِ وَالْحَاجَةُ بَلْ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا.
وَأَرْكَانُهَا بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ: وَدِيعَةٌ، وَمُودِعٌ، وَوَدِيعٌ، وَصِيغَةٌ.
وَشَرْطُ الْوَدِيعَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ كَوْنُهَا مُحْتَرَمَةً كَنَجَسٍ يُقْتَنَى وَحَبَّةُ بُرٍّ، بِخِلَافِ نَحْوِ كَلْبٍ لَا يَنْفَعُ وَآلَةِ لَهْوٍ.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَهِيَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي رَدِّ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ فَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَى الْمُوصِي) أَيْ وَرَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَوَائِدِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا اسْتَوْفَاهُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ شِرَائِهِ (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ) أَيْ قَالَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ إلَخْ) مُعْتَمَدُ.
كِتَابُ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ وَدُعَ) بِضَمِّ الدَّالِ شَوْبَرِيٌّ لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَوَدَعَ كَكَرُمَ وَوَضَعَ فَهُوَ وَدِيعٌ وَوَادِعٌ سَكَنَ وَاسْتَقَرَّ كَاتَّدَعَ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا) لَكِنْ إنْ حُمِلَتْ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ يُرَادَ بِالضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ عَنْ حِفْظِهَا الْعَيْنُ فَيَكُونُ فِيهِ اسْتِخْدَامٌ (قَوْلُهُ: فِي حِفْظِ مَالٍ أَوْ اخْتِصَاصٍ) هَذَا التَّعْرِيفُ لَا يَشْمَلُ التَّوْكِيلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَلَا اسْتِيفَاءَ الْحُدُودِ كَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إيدَاعٌ وَعَلَيْهِ فَكُلُّ إيدَاعٍ تَوْكِيلٌ وَلَا عَكْسَ (قَوْلُهُ فَخَرَجَتْ اللُّقَطَةُ) أَيْ بِتَفْسِيرِهَا شَرْعًا بِأَنَّهَا الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي (قَوْلُهُ: وَالْأَمَانَةُ) عَطَفَ الْأَمَانَةَ عَلَى اللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي اللُّقَطَةِ مَعْنَى الْإِكْسَابِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ) أَيْ لَا الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ الْوَدِيعَةِ) أَيْ لِيَتَأَتَّى فِيهَا الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ: وَآلَةُ لَهْوٍ) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَلَا مُرَاعَاتُهُ (قَوْلُهُ: فَهِيَ عَامَّةٌ) الْأَوْلَى حَذْفُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَنَّ عِنْدَهُ مَالًا لِفُلَانٍ) أَيْ الْمَيِّتِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ وَتَرْجِيحُ السُّبْكِيّ فِيهَا) صَوَابُهُ فِي الْأُولَى كَمَا فِي التُّحْفَةِ.
[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]
يَنْزِلْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ آيَةٌ سِوَاهَا وقَوْله تَعَالَى {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] وَخَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يَخْطُبُ لِلنَّاسِ: لَا يُعْجِبَنَّكُمْ مِنْ الرَّجُلِ طَنْطَنَتُهُ، وَلَكِنْ مَنْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ فَهُوَ الرَّجُلُ.
(مَنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) أَيْ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَإِنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ (وَمَنْ)(قَدَرَ) عَلَى حِفْظِهَا وَهُوَ أَمِينٌ (وَ) لَكِنَّهُ (لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ) فِيهَا حَالًا أَوْ اسْتِقْبَالًا (كُرِهَ) لَهُ قَبُولُهَا مِنْ مَالِكِهَا الرَّشِيدِ الْجَاهِلِ بِحَالِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ قَبُولُهَا.
وَالْقَوْلُ بِالْحُرْمَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْخَشْيَةِ الْوُقُوعُ وَلَا ظَنُّهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ الْخِيَانَةِ مِنْهُ فِيهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، أَمَّا غَيْرُ مَالِكِهَا كَوَلِيِّهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إيدَاعُ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ الْخِيَانَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا مِنْهُ.
وَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْمَالِكُ الرَّشِيدُ بِحَالِهِ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي قَبُولِهَا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ الْوَجْهَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا، أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُودِعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ مَرْدُودٌ، إذْ الشَّخْصُ إذَا عَلِمَ مِنْ غَيْرِهِ أَخْذَ مَالِهِ لِيُنْفِقَهُ أَوْ لِيَدْفَعَهُ لِغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ وَلَا الْآخِذُ إنْ عَلِمَ رِضَاهُ، وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ مُتَصَرِّفًا عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ قَطُّ (فَإِنْ وَثِقَ) بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ وَقَدَرَ عَلَى حِفْظِهَا (اُسْتُحِبَّ) لَهُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَصْلِ الْقَبُولِ كَمَا بَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ دُونَ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةُ حِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ مَجَّانًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ كَمَا يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِرْزِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْفَارِقِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ، وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا فِي سَقْيِ اللَّبَإِ وَإِنْقَاذِ نَحْوِ غَرِيقٍ وَتَعْلِيمِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ عَصَى وَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْأُمَنَاءُ الْقَادِرُونَ فَالْأَوْجَهُ تَعَيُّنُهَا عَلَى كُلٍّ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفَاءِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا خَبَرٌ عَنْ هِيَ وَيَجُوزُ جَعْلُهَا جَوَابًا لِأَنَّ (قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى) أَيْ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى إلَخْ (قَوْلُهُ: طَنْطَنَتُهُ) أَيْ كَلَامُهُ الدَّالُّ عَلَى شِدَّةِ فَصَاحَتِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ الطَّنِينُ كَأَمِيرٍ صَوْتُ الذُّبَابِ كَطَنْطَنَ، وَالطَّنْطَنَةُ حِكَايَةُ صَوْتِ الطُّنْبُورِ وَشَبَهِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ أَخَذَهَا) قَالَ سم عَلَى حَجّ: كَأَنَّ وَجْهَ التَّفْسِيرِ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَبُولَ لَفْظًا لَا يُشْتَرَطُ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ سَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّهُ يَكْفِي اللَّفْظُ مِنْ جِهَةِ الْوَدِيعِ فَهَلْ يَحْرُمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْأَخْذِ الْحَرَامِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ تَعَاطِي عَقْدٍ فَاسِدٍ اهـ؟ أَقُولُ: الظَّاهِرُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ حَيْثُ عَلِمَ الْمَالِكُ بِحَالِهِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا عَلِمَ بِحَالِ الْآخِذِ لَا يَحْرُمُ الْقَبُولُ وَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: كُرِهَ لَهُ قَبُولُهَا) وَتُتَصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ فِيهَا أَيْضًا بِأَنْ شَكَّ فِي أَمَانَةِ نَفْسِهِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَثِقْ إلَخْ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ فِي هَذِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ) أَيْ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ صَرْفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ (قَوْلُهُ: وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ (قَوْلُهُ: مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ) أَيْ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ) هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَهِيَ مَضْمُونَةٌ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ وَالْآخِذِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ) أَيْ أَخْذِ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَثِقُ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ) أَيْ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ لَضَاعَتْ عَلَى مَالِكِهَا (قَوْلُهُ: وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ) أَيْ حَيْثُ مَنَعَا أَخْذَ أُجْرَةِ الْحِفْظِ (قَوْلُهُ: عَصَى وَلَا ضَمَانَ) بَقِيَ مَا لَوْ تَعَيَّنَ وَلَمْ يَعْلَمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَخْذُهَا) أَيْ لَا مُجَرَّدُ قَبُولِهَا بِاللَّفْظِ، إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُودَعِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ) أَيْ حَيْثُ قُلْنَا بِهَا
مَنْ سَأَلَهُ مِنْهُمْ عِنْدَ وُجُوبِ قَبُولِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ التَّوَاكُلُ إلَى تَلَفِهَا.
(وَشَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعُ الدَّالُّ عَلَيْهِمَا مَا قَبْلَهُمَا (شَرْطُ مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ) لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَوْكِيلٌ فِي الْحِفْظِ فَلَا يَجُوزُ إيدَاعُ مُحْرِمٍ صَيْدًا وَلَا كَافِرٍ نَحْوَ مُصْحَفٍ وَمَرَّتْ شُرُوطُهُمَا فِي الْوَكَالَةِ مَعَ مَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ لِمَعْنًى يَأْتِي هُنَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ إيدَاعُ مُكَاتَبٍ لَكِنْ بِأُجْرَةٍ لِامْتِنَاعِ تَبَرُّعِهِ بِمَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ (وَيُشْتَرَطُ) مُرَادُهُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (صِيغَةُ الْمُودِعِ) بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ صَرِيحَةً كَانَتْ (كَاسْتَوْدَعْتُك هَذَا أَوْ اسْتَحْفَظْتُك أَوْ أَنَبْتُك فِي حِفْظِهِ) أَوْ أَوْدَعْتُكَهُ أَوْ اسْتَوْدِعْهُ أَوْ اسْتَحْفِظْهُ أَوْ كِنَايَةً كَخُذْهُ مَعَ النِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَى حَمَّامِيٍّ حِفْظُ نَحْوِ ثِيَابٍ لَمْ يَسْتَحْفِظْهَا وَإِنْ اقْتَضَتْ الْعَادَةُ حِفْظَهَا خِلَافًا لِلْقَاضِي، فَلَوْ ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً لِحِفْظِهَا فَيَضْمَنُهَا إنْ فَرَّطَ، كَأَنْ نَامَ أَوْ غَابَ أَوْ نَعَسَ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّوَابُّ فِي الْخَانِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْخَانِيُّ إلَّا إنْ قَبِلَ الِاسْتِحْفَاظَ أَوْ الْأُجْرَةَ، وَلَيْسَ مِنْ التَّفْرِيطِ فِيهِمَا.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَالِكُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ لِلْمَالِكِ وَأَخْذُهَا مِنْهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا كَافِرٍ نَحْوَ مُصْحَفٍ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ ارْتِهَانٌ وَاسْتِيدَاعٌ وَاسْتِعَارَةُ الْمُسْلِمِ نَحْوَ الْمُصْحَفِ وَبِكَرَاهَةِ إجَارَةِ عَيْنِهِ وَإِعَارَتِهِ وَإِيدَاعِهِ، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِوَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ عَدْلٍ وَيَنُوبُ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي قَبْضِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ انْتَهَى قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: وَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى وَضْعِ الْيَدِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْعَقْدِ انْتَهَى.
لَكِنْ يُتَأَمَّلُ هَذَا الْجَوَابُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ الْوَدِيعَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي حِفْظِهَا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إيدَاعُ مُكَاتَبٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْمُرَادُ قَبُولُهُ الْوَدِيعَةَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَبِلَهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَزِمَ الْمُودِعَ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِ الْوَدِيعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ وَهُوَ كَالصَّحِيحَةِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ مِنْهَا) أَيْ الْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْإِثْمِ إذَا ذَهَبَ وَتَرَكَهَا حَتَّى ضَاعَتْ، وَقَدْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْهَامِشِ عَنْ حَجّ مِنْ أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَقْبِضْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَاكَ فِيمَا إذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْ الْمَالِكِ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْحِفْظِ، وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا وَضَعَهَا صَاحِبُهَا بِلَا لَفْظٍ أَلْبَتَّةَ (قَوْلُهُ: وَقَبِلَ مِنْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْحَوَائِجِ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا إذَا كَانَتْ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ كِيسِ نَقْدٍ مَثَلًا مَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَهُ بِشَخْصِهِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ لَهُ كَذَلِكَ ضَمِنَ.
وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِزْ السَّارِقُ الْفُرْصَةَ، فَإِنْ انْتَهَزَهَا لَا ضَمَانَ، وَقَوْلُنَا يَضْمَنُ جَمِيعَ الْحَوَائِجِ: أَيْ سَوَاءٌ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ كَأَنْ لَمْ تَجْرِ صِيغَةُ إجَارَةٍ أَمْ لَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَدِيعُ بِاللَّفْظِ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ مِنْ الْمَالِكِ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ أَعْطَاهُ أُجْرَةً لِحِفْظِهَا، وَكَتَبَ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ أَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً وَذَهَابُهُ بِدُونِهَا: أَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ رَدَّ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ هُنَا مُطْلَقًا فِيمَا يَظْهَرُ، خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرَّدِّ الَّذِي عَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَقْصِيرٌ بِوَجْهٍ، بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَقْبِضْ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ إنْ ذَهَبَ وَتَرَكَهَا بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ غَرَّهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ غَابَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ إنْ طَرَأَ لَهُ مَا يَقْتَضِي غَيْبَتَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا لِلْمَالِكِ لِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِاسْتِحْفَاظِ غَيْرِهِ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ أَوْ مُطْلَقًا لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَى الْحِرْزِ أَوْ يَحْفَظُهَا وَلَوْ أَجْنَبِيًّا إنْ بَقِيَ نَظَرُهُ عَلَيْهَا كَالْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَسَدَتْ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَيَضْمَنُهَا (قَوْلُهُ إلَّا إنْ قَبِلَ الِاسْتِحْفَاظَ) وَمِنْهُ اذْهَبْ وَخَلِّهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ الْآتِي: أَوْ ضَعْهُ فَوَضَعَهُ إلَخْ.
قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَمَنْ رَبَطَ دَابَّتَهُ فِي خَانْ وَاسْتَحْفَظَ صَاحِبَهُ فَخَرَجَتْ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ بَلْ قَالَ أَيْنَ أَرْبُطُهَا فَقَالَ هُنَا ثُمَّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا كَافِرٍ نَحْوُ مُصْحَفٍ) نَبَّهَ الشِّهَابُ سم عَلَى أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَيْعِ فَلْيُرَاجَعْ.
مَا لَوْ كَانَ يُلَاحِظُ عَلَى الْعَادَةِ فَتَغَفَّلَهُ سَارِقٌ أَوْ خَرَجَتْ الدَّابَّةُ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ الْمُعْتَادِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْصِيرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) لِصِيغَةِ الْعَقْدِ أَوْ الْأَمْرِ (لَفْظًا وَيَكْفِي) مَعَ عَدَمِ اللَّفْظِ (الْقَبْضُ) أَيْ الْمَارُّ فِي الْبَيْعِ لَا غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْفَوْرِيَّةُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ فَالشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ فِعْلٍ مَعَ الْقَبُولِ، فَلَوْ قَالَ هَذَا وَدِيعَةٌ أَوْ احْفَظْهُ فَقَالَ قَبِلْت أَوْ ضَعْهُ فَوَضَعَهُ كَانَ إيدَاعًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ سَوَاءٌ الْمَسْجِدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ، وَقَدْ رَجَّحَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا.
وَالثَّالِثُ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَلَوْ وُجِدَ لَفْظٌ مِنْ الْوَدِيعِ وَإِعْطَاءٌ مِنْ الْمُودِعِ كَانَ إيدَاعًا أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ وِفَاقًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ، فَالشَّرْطُ لَفْظُ أَحَدِهِمَا وَفِعْلُ الْآخَرِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَيَدْخُلُ وَلَدُ الْوَدِيعَةِ تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدٌ لَا مُجَرَّدُ إذْنٍ فِي الْحِفْظِ: أَيْ وَكَانَتْ حَالُ الْعَقْدِ حَامِلًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِ الْمَرْهُونَةِ وَالْمُؤَجَّرَةِ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ بِهِ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِالْمَالِكِ لَمْ يَرْضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَهُوَ رَاضٍ بِهِ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ فَوَدِيعَةٌ أَبَدًا، أَوْ خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا عَارِيَّةً فَوَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَعَارِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ يَوْمِ الْعَارِيَّةِ وَدِيعَةً وَلَا عَارِيَّةً بَلْ تَصِيرُ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلَوْ عَكَسَ الْأُولَى فَقَالَ خُذْهُ يَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَيَوْمًا وَدِيعَةً فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَقَدَهَا لَمْ يَضْمَنْ اهـ.
أَقُولُ: وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْحَمَّامِيِّ، فَلَوْ وَجَدَ الْمَكَانَ مَزْحُومًا مَثَلًا وَقَالَ لَهُ أَيْنَ أَضَعُ حَوَائِجِي فَقَالَ ضَعْهَا هُنَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْوَكَالَةِ) أَيْ حَيْثُ قِيلَ فِيهَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ ثَمَّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فَالشَّرْطُ لَفْظُ أَحَدِهِمَا) وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا: وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَمَّلَ دَابَّتَهُ حَطَبًا وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ يَأْخُذُوهَا مَعَهُمْ إلَى مِصْرٍ وَيَبِيعُوا الْحَطَبَ لَهُ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا مِنْهُ، فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَثْوَابِ السَّفَرِ وَيَلْحَقَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ إنَّهُمْ حَضَرُوا بِهَا إلَى مِصْرٍ وَتَصَرَّفُوا فِي الْحَطَبِ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَوَضَعُوا الدَّابَّةَ عِنْدَ دَوَابِّهِمْ فَضَاعَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ وَلَدُ الْوَدِيعَةِ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: هَلْ الْمُرَادُ بِوَلَدِ الْوَدِيعَةِ مَا وَلَدَتْهُ عِنْدَ الْوَدِيعِ أَوْ مَا يَتْبَعُهَا بَعْدَ إيدَاعِهَا أَوْ كِلَاهُمَا، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالدُّخُولِ الثَّانِي انْتَهَى.
لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِ الشَّارِحِ: أَيْ وَكَانَتْ حَالَ الْعَقْدِ حَامِلًا الْأَوَّلَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْفَصِلَ قَبْلَ الْإِيدَاعِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمَرْهُونَةِ إنْ كَانَ حَمْلًا وَقْتَ الرَّهْنِ دَخَلَ، وَعَلَيْهِ الْوَدِيعَةُ وَالرَّهْنُ سِيَّانَ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ: وَدَخَلَ فِي رَهْنِ حَامِلٍ حَمْلُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ فَهُوَ رَهْنٌ، بِخِلَافِ رَهْنِ الْحَائِلِ لَا يَتْبَعُهَا حَمْلُهَا الْحَادِثُ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَيَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا حَامِلًا انْتَهَى.
نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَكَانَتْ حَامِلًا فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِيدَاعِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ فِي يَدِ الْوَدِيعِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي عِبَارَتِهِ أَوْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ فِي يَدِ الْوَدِيعِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَادِثِ وَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ الْحَادِثِ بَعْدَ الرَّهْنِ إلَخْ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ: بَلْ تَسِيرُ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُهُ، وَلَعَلَّهُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَارِيَّةً كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ فَيُسْتَصْحَبُ وَإِنْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ: بَلْ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ) أَيْ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا قَبْلَ إعْلَامِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَكَانَتْ حَامِلًا) أَيْ عِنْدَ الْعَقْدِ
بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَيْسَتْ عَقْدَ وَدِيعَةٍ، وَإِنْ عَكَسَ الثَّانِيَةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَارِيَّةٌ وَفِي الثَّانِي أَمَانَةٌ، وَيُشْبِهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ وَدِيعَةً.
(وَلَوْ)(أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ) وَلَوْ مُرَاهِقًا كَامِلُ الْعَقْلِ (أَوْ مَجْنُونٌ)(مَا لَمْ يَقْبَلْهُ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَالْعَدَمِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ (فَإِنْ قَبِلَ) الْمَالَ وَقَبَضَهُ (ضَمِنَ) لِعَدَمِ الْإِذْنِ الْمُعْتَبَرِ كَالْغَاصِبِ بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِرَدِّهِ لِمَالِكِ أَمْرِهِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ فَاسِدُ الْوَدِيعَةِ كَصَحِيحِهَا، وَمَا يُقَالُ أَخْذًا مِنْ هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ بَاطِلِ الْوَدِيعَةِ وَفَاسِدِهَا، وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا أَنَّهَا حَيْثُ قُبِضَتْ بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ فَفَاسِدُهَا كَصَحِيحِهَا وَحَيْثُ لَا فَلَا، فَالْفَرْقُ هُنَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ضَيَاعِهَا، فَإِنْ خَافَهُ وَأَخَذَهَا حِسْبَةً لَمْ يَضْمَنْ كَمَا مَرَّ وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ نَحْوُ صَبِيٍّ مُودَعٍ وَدِيعَتَهُ بِلَا تَسْلِيطٍ مِنْ الْوَدِيعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُمْكِنُ إحْبَاطُهُ وَتَضْمِينُهُ مَالَ نَفْسِهِ مُحَالٌ فَتَعَيَّنَتْ بَرَاءَةُ الْوَدِيعِ.
(وَلَوْ)(أَوْدَعَ) مَالِكٌ كَامِلٌ (صَبِيًّا) أَوْ مَجْنُونًا (مَالًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ) وَلَوْ بِتَفْرِيطِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) إذْ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ لِلْحِفْظِ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) وَهُوَ مُتَمَوِّلٌ إذْ غَيْرُهُ لَا يَضْمَنُ (ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا عَقْدٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهِ.
وَالثَّانِي لَا كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَيْعَ إذْنٌ فِي الِاسْتِهْلَاكِ بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ.
أَمَّا لَوْ أَوْدَعَهُ نَاقِصٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ التَّامِّ (وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَصَبِيٍّ) مُودِعًا وَوَدِيعًا فِيمَا ذُكِرَ فِيهِمَا بِجَامِعِ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِفِعْلِ كُلٍّ، وَقَوْلُهُ أَمَّا السَّفِيهُ الْمُهْمِلُ فَالْإِيدَاعُ مِنْهُ وَإِلَيْهِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ فَتَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْقِنُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَالصَّبِيِّ فَلَا يَضْمَنُ بِالتَّلَفِ وَإِنْ فَرَّطَ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ
(وَتَرْتَفِعُ) الْوَدِيعَةُ: أَيْ يَنْتَهِي حُكْمُهَا (بِمَوْتِ الْمُودِعِ) بِكَسْرِ الدَّالِ (أَوْ الْمُودَعِ) بِفَتْحِهَا (وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ) وَبِالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَكَذَا عَلَى الْمُودِعِ لِفَلَسٍ وَبِعَزْلِهِ لِنَفْسِهِ وَبِعَزْلِ الْمَالِكِ لَهُ وَبِالْإِنْكَارِ بِلَا غَرَضٍ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ فِي الْحِفْظِ، وَهِيَ تَرْتَفِعُ بِذَلِكَ وَبِكُلِّ فِعْلٍ مُضَمَّنٍ وَبِنَقْلِ الْمَالِكِ الْمَلِكَ فِيهَا بِنَحْوِ بَيْعٍ.
وَفَائِدَةُ الِارْتِفَاعِ أَنَّهَا تَصِيرُ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً فَعَلَيْهِ الرَّدُّ لِمَالِكِهَا أَوْ وَلِيِّهِ إنْ عَرَفَهُ: أَيْ إعْلَامُهُ بِهَا.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَالِكِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ) أَيْ الرَّشِيدُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَوْدَعَ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ، فَإِنْ أَوْدَعَ بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ الْمُعْتَبَرِ إذْنُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعُ.
قَالَ حَجّ نَقْلًا عَنْ الْأَنْوَارِ: وَمَنْ تَبِعَهُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صَبِيٍّ جَاءَ بِحِمَارٍ لِرَاعٍ: أَيْ وَالْحِمَارُ لِغَيْرِ الْآذِنِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا نَظَرَ لِفَسَادِ الْعَقْدِ هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، إذْ الصَّبِيُّ لَا يَصِحُّ تَوَكُّلُهُ عَنْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ نَحْوِ إيصَالِ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ لِلْفَاسِدِ حُكْمَ الصَّحِيحِ ضَمَانًا وَعَدَمَهُ، فَإِطْلَاقُ ذَاكِرِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يَأْتِي فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ مَالَهُ فَقَالَ لَهُ دَعْهُ يَرْتَعُ مَعَ الدَّوَابِّ ثُمَّ سَاقَهَا كَانَ مُسْتَوْدَعًا لَهُ، وَوَاضِحٌ أَنَّ سَوْقَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَافَهُ وَأَخَذَهَا حِسْبَةً لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ: أَيْ حَيْثُ تَلِفَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ اهـ سم عَلَى حَجّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ حَجّ عَدَمُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ سم، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ خَوْفَ ضَيَاعِهَا سَوَّغَ وَضْعَ يَدِهِ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهُ بِذَلِكَ الْتَزَمَ حِفْظَهَا (قَوْلُهُ: بِلَا تَسْلِيطٍ) أَيْ فَإِنْ كَانَ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ ضَمِنَ مُمَيِّزًا كَانَ الصَّبِيُّ أَمْ لَا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ.
(قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ أَوْدَعَهُ نَاقِصٌ) كَصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ: أَيْ الصَّبِيَّ (قَوْلُهُ: أَمَّا السَّفِيهُ الْمُهْمِلُ) أَيْ وَهُوَ مَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لِدِينِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ بَذَّرَ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ فَسَقَ (قَوْلُهُ: وَالْقِنُّ) أَيْ وَلَوْ بَالِغًا عَاقِلًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَرَّطَ) عِبَارَةُ عُمَيْرَةَ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حُكْمُ الْعَبْدِ كَالصَّبِيِّ إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِ الْعَبْدِ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ انْتَهَى.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ وَبِالْحَجْرِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ أَنَّهَا تَصِيرُ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً) قَالَ سم عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ فَاسِدُ الْوَدِيعَةِ كَصَحِيحِهَا) أَيْ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ الْمُعْتَبَرِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ لَا يَصِحُّ بِإِطْلَاقِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) لَعَلَّهُ فِي الْبَيْعِ
أَوْ بِمَحَلِّهَا فَوْرًا عِنْدَ تَمَكُّنِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ كَضَالَّةٍ وَجَدَهَا وَعَرَفَ مَالِكَهَا فَإِنْ غَابَ رَدَّهَا لِلْحَاكِمِ: أَيْ الْأَمِينِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَإِلَّا ضَمِنَ.
(وَلَهُمَا) يَعْنِي لِلْمَالِكِ (الِاسْتِرْدَادُ وَ) لِلْوَدِيعِ (الرَّدُّ كُلَّ وَقْتٍ) لِجَوَازِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ نَعَمْ يَحْرُمُ الرَّدُّ حَيْثُ وَجَبَ الْقَبُولُ وَيَكُونُ خِلَافَ الْأُولَى حَيْثُ نُدِبَ وَلَمْ يَرْضَهُ الْمَالِكُ، وَتَثْنِيَةُ الضَّمِّ هُنَا لَا يُنَافِيهَا إفْرَادُهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا سِيَاقٌ آخَرُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِهِ فَسَادُ الْحُكْمِ وَهُوَ تَقْيِيدُ قَوْلِهِ وَلَهُمَا بِحَالَةِ ارْتِفَاعِهَا وَلَا قَائِلَ بِهِ (وَأَصْلُهَا) وَلَوْ بِجُعْلٍ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِقَيْدِهَا السَّابِقِ (الْأَمَانَةُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا مُتَأَصِّلَةٌ فِيهَا لَا تَبَعٌ كَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] وَلِئَلَّا تَرْغَبَ النَّاسُ عَنْهَا.
وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِنَا وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ رُكُوبَهَا أَوْ لُبْسَهَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَمَانَةً وَبَعْدَهُ عَارِيَّةً فَاسِدَةً.
(وَقَدْ)(تَصِيرُ الْوَدِيعَةُ مَضْمُونَةً) عَلَى الْوَدِيعِ بِالتَّقْصِيرِ فِيهَا (لِعَوَارِضَ) وَلَهُ أَسْبَابٌ أَشَارَ إلَى بَعْضِهَا فَقَالَ (مِنْهَا أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ) وَلَوْ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ وَقِنَّهُ، نَعَمْ كَمَا يَأْتِي الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ حَيْثُ لَمْ تَزَلْ يَدُهُ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ (بِلَا إذْنٍ وَلَا عُذْرٍ فَيَضْمَنُ) الْوَدِيعَةَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ وَلَا يَدِهِ أَيْ فَيَكُونُ طَرِيقًا فِي ضَمَانِهَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَاهِلًا، أَمَّا الْعَامُّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، أَوْ الْأَوَّلُ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي إنْ عَلِمَ لَا إنْ جَهِلَ (وَقِيلَ إنْ أَوْدَعَ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَإِنْ غَابَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى بِهِ، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ طَالَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ عَلَى الْأَوَّلِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، وَيَلْزَمُ الْقَاضِيَ قَبُولُ عَيْنٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
حَجّ: ظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ لِجَمِيعِ مَا سَبَقَ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ وَبِكُلِّ فِعْلٍ مُضَمَّنٍ بَلْ وَبِقَوْلِهِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهَا لِآخَرَ إذْ مَعَ صُدُورِ الْفِعْلِ الْمُضَمَّنِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعَدِّي كَيْفَ تَثْبُتُ الْأَمَانَةُ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ وَفَائِدَةَ الِارْتِفَاعِ إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَرْتَفِعُ بِمَوْتٍ إلَخْ، وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا بِالْفِعْلِ الْمُضَمَّنِ لَا تَصِيرُ أَمَانَةً لِتَعَدِّيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَحَلِّهَا فَوْرًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ كَضَالَّةٍ) وَمِنْهَا قِنٌّ أَوْ حَيَوَانٌ هَرَبَ مِنْ مَالِكِهِ وَدَخَلَ فِي دَارِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ مَالِكُهُ، فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى خَرَجَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ.
(قَوْلُهُ بِقَيْدِهَا السَّابِقِ) وَهُوَ كَوْنُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ الْمَالِكِ ثُمَّ رَأَيْته فِي سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ عَارِيَّةً فَاسِدَةً) اُنْظُرْ وَجْهَ الْفَسَادِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ فَسَادِهَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْإِعَارَةَ فِيهَا مَقْصُودَةً وَإِنَّمَا جَعَلَهَا شَرْطًا فِي مُقَابَلَةِ الْحِفْظِ.
(قَوْلُهُ وَزَوْجَتَهُ وَقِنَّهُ) أَيْ أَوْ الْقَاضِيَ أَيْضًا وَإِيدَاعُهُمْ بِأَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ عَنْهَا وَيُفَوِّضَ أَمْرَ حِفْظِهَا إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَهُ كَمَا يَأْتِي) الْأَوْلَى جَعْلُهُ خَارِجًا بِقَوْلِهِ أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ لَيْسَ إيدَاعًا (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ تَزُلْ يَدُهُ) أَيْ بِأَنْ يُعَدَّ حَافِظًا لَهَا عُرْفًا (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَوَّلُ) أَيْ وَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْقَاضِي قَبُولُ عَيْنٍ) وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ جَازَ لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ دَفْعُهَا لَهُ أَمَّا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، وَحُمِلَ مَا هُنَا عَلَى إذَا كَانَ لِلْوَدِيعِ عُذْرٌ خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْضَهُ الْمَالِكُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ الرُّكُوبِ أَوْ اللُّبْسِ
(قَوْلُهُ: بِالتَّقْصِيرِ فِيهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الصَّرْفَ صَارَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بَدَلًا عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِعَوَارِضَ وَانْظُرْ بِمَاذَا يَصِيرُ هَذَا مُتَعَلِّقًا حِينَئِذٍ، وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالتَّقْصِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ بَدَلًا مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَسْبَابٌ) أَيْ لِلتَّقْصِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الثَّانِي إذَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ جَاهِلًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ هُنَا حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَوَّلَ) مُرَادُهُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لَكِنَّ الْعِبَارَةَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُنْسَجِمَةٍ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ فِي الْأُولَى نَصُّهَا: فَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِي إلَخْ، فَصَحَّ لَهُ هَذَا الْعَطْفُ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ حَيْثُ
لِغَائِبٍ إنْ كَانَتْ أَمَانَةً، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالْمَضْمُونَةِ كَمَا يَأْتِي بِمَا فِيهِ قُبَيْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُمَا فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ وَيَدِ الضَّامِنِ أَحْفَظُ، أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ كَسَفَرٍ: أَيْ مُبَاحٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَرَضٍ وَخَوْفٍ فَلَا يَضْمَنُ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ لِقَاضٍ: أَيْ أَمِينٍ ثُمَّ لِعَدْلٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَمَا نُوزِعَ بِهِ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُبَاحِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ إيدَاعَهَا رُخْصَةٌ فَلَا يُبِيحُهَا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ (وَإِذَا لَمْ يُزِلْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (يَدَهُ عَنْهَا جَازَتْ) لَهُ (الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ يَحْمِلُهَا) وَلَوْ خَفِيفَةً أَمْكَنَهُ حَمْلُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ فِيمَا يَظْهَرُ (إلَى الْحِرْزِ) أَوْ يَحْفَظُهَا وَلَوْ أَجْنَبِيًّا إنْ بَقِيَ نَظَرُهُ عَلَيْهَا كَالْعَادَةِ، وَالْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ ثِقَةً إنْ غَابَ عَنْهُ لَا إنْ لَازَمَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْآتِي وَلَوْ أَرْسَلَهَا مَعَ مَنْ يَسْقِيهَا وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ ضَمِنَهَا (أَوْ يَضَعُهَا فِي خِزَانَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ بِنَاءٍ مَثَلًا كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ مُلَاحَظَتِهِ لَهَا وَعَدَمُ تَمْكِينِ الْغَيْرِ مِنْهَا إلَّا إنْ كَانَ ثِقَةً.
(وَإِذَا)(أَرَادَ) الْوَدِيعُ (سَفَرًا) مُبَاحًا كَمَا مَرَّ وَإِنْ قَصُرَ وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُبَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِرَدِّهَا لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ أَمَّا لَهُمَا فَلَا (فَلْيَرُدَّ إلَى الْمَالِكِ) أَوْ وَلِيِّهِ (أَوْ وَكِيلِهِ) الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ بِهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ بِبَقَائِهَا عِنْدَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ قَصِيرًا كَخُرُوجٍ لِنَحْوِ مَيْلٍ مَعَ سُرْعَةِ عَوْدِهِ، وَمَتَى رَدَّهَا مَعَ وُجُودِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا لِقَاضٍ أَوْ عَدْلٍ ضَمِنَ، وَقَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ دَفْعِهَا لِوَكِيلِهِ إذَا عُلِمَ فِسْقُهُ وَجَهِلَهُ الْمُوَكِّلُ وَعُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ فِسْقَهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ (فَإِنْ فَقَدَهُمَا) لِغَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ بِأَنْ كَانَتْ مَسَافَةَ قَصْرٍ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي عَدْلِ الرَّهْنِ أَوْ حُبِسَ مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْوُصُولِ لَهُمَا (فَالْقَاضِي) يَرُدُّهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِ وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ كَمَا مَرَّ وَالْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِدَفْعِهَا لِأَمِينٍ كَفَى إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ مَالِكُهَا مَحْبُوسًا بِالْبَلَدِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ لَهُ فَكَالْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيْبِ، وَيُقَاسُ بِالْحَبْسِ التَّوَارِي وَنَحْوُهُ (فَإِنْ فَقَدَهُ فَأَمِينٌ) بِالْبَلَدِ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ كَمَا فِي الْحَاكِمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ أُبَّهَتَهُ تَأْبَى الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ غَيْرُ مُجْدٍ، وَمَتَى تَرَكَ هَذَا التَّرْتِيبَ ضَمِنَ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ
قَالَ الْفَارِقِيُّ: إلَّا فِي زَمَنِنَا فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِيدَاعِ ثِقَةٌ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي قَطْعًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ، وَذَكَرَ أَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى الْإِيدَاعِ عِنْدَ الْعُذْرِ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّيْنِ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ فَوَاتُ مَا ذَكَرَ لِفَلَسٍ أَوْ حَجْرٍ أَوْ فِسْقٍ وَإِلَّا وَجَبَ أَخْذُهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا (قَوْلُهُ: الْمَضْمُونَةِ) أَيْ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا (قَوْلُهُ: أَيْ مُبَاحٍ) وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَا يُبِيحُهَا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُبَاحِ غَيْرَ الْحَرَامِ فَشَمَلَ الْمَكْرُوهَ (قَوْلُهُ: لَا إنْ لَازَمَهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا كَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ حَيْثُ لَازَمَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ يَضَعُهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ يَحْمِلُهَا.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ دَفْعِهَا) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِدَفْعِهَا لِأَمِينٍ كَفَى) وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْأَمِينِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِنَابَةِ الْقَاضِي لَهُ صَارَ أَمِينَ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ لَهُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَشَقَّةُ الْقَوِيَّةُ الَّتِي لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً فِي مِثْلِ هَذِهِ (قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ) أَيْ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ حَيْثُ اعْتَرَفَ الْأَمِينُ بِأَخْذِهَا أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْأَمِينُ أَخْذَهَا مِنْهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَدِيعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) جَرَى عَلَى الْفَرْقِ حَجّ (قَوْلُهُ: قَالَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَدَلَ عَنْهَا أَنْ يَزِيدَ وَاوًا قَبْلَ قَوْلِهِ رَجَعَ
(قَوْلُهُ: أَوْ حَبْسٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْبَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِدَفْعِهَا لِأَمِينٍ كَفَى) أَيْ كَفَى الْحَاكِمُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْإِثْمِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا بِنَفْسِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ التَّعْلِيلِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مَالِكُهَا مَحْبُوسًا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ قَرِيبًا
شَيْخَهُ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ أَمَرَهُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِالدَّفْعِ لِلْحَاكِمِ فَتَوَقَّفَ فَقَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ التَّحْقِيقُ الْيَوْمَ تَخْرِيقٌ أَوْ تَمْزِيقٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ عُدُولِهِ بِهَا عَنْ الْحَاكِمِ الْجَائِرِ عِنْدَ أَمْنِهِ عَلَى نَحْوِ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ سَفَرَهُ بِهَا خَيْرٌ مِنْ دَفْعِهَا لِلْجَائِرِ، وَلَوْ عَادَ الْوَدِيعُ مِنْ سَفَرِهِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْإِمَامَ وَلَوْ أَذِنَهُ مَالِكُهَا فِي السَّفَرِ بِهَا إلَى بَلَدِ كَذَا فِي طَرِيقِ كَذَا فَسَافَرَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الطَّرِيقِ وَوَصَلَ لِتِلْكَ الْبَلْدَةِ فَنُهِبَتْ مِنْهُ ضَمِنَهَا لِدُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ عُدُولِهِ عَنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ تَعَيَّنَ سُلُوكُ أَكْثَرِهِمَا أَمْنًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَقْصَرُهُمَا.
(فَإِنْ)(دَفَنَهَا بِمَوْضِعٍ) وَلَوْ فِي حِرْزٍ (وَسَافَرَ)(ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ (فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا) وَإِنْ لَمْ يُرِهِ إيَّاهَا (يَسْكُنُ الْمَوْضِعَ) وَهُوَ حِرْزُ مِثْلِهَا أَوْ يُرَاقِبُهُ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ أَوْ مِنْ فَوْقِ مُرَاقَبَةِ الْحَارِسِ وَاكْتَفَى جَمْعٌ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ (لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمَوْضِعِ فِي يَدِ سَاكِنِهِ فَكَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ
وَالثَّانِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا إعْلَامٌ لَا إيدَاعٌ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَاكِمِ الْأَمِينِ وَإِلَّا ضَمِنَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهَذَا الْإِعْلَامُ لَيْسَ بِإِشْهَادٍ وَإِنَّمَا هُوَ ائْتِمَانٌ، فَيَكْفِي إعْلَامُ امْرَأَةٍ وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ، وَعَلَيْهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ هُنَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ (وَلَوْ سَافَرَ) مَنْ أَوْدَعَهَا فِي الْحَضَرِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مِنْ عَادَتِهِ السَّفَرَ أَوْ الِانْتِجَاعَ (بِهَا) وَقَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا لِمَنْ مَرَّ بِتَرْتِيبِهِ (ضَمِنَ) وَإِنْ كَانَ فِي بَرٍّ آمِنٍ؛ لِأَنَّ حِرْزَ السَّفَرِ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ وَمِنْ ثَمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ الْمُسَافِرُ وَمَالُهُ عَلَى قَلَتٍ: أَيْ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ هَلَاكٍ إلَّا مَا وَقَى اللَّهُ، وَقَدْ وَهِمَ مَنْ رَوَاهُ حَدِيثًا، كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رحمه الله، وَمِمَّنْ رَوَاهُ حَدِيثًا الدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَسَنَدُهُمَا ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ.
أَمَّا إذَا أَوْدَعَهَا فِي السَّفَرِ فَاسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ أَوْدَعَ بَدَوِيًّا وَلَوْ فِي الْحَضَرِ أَوْ مُنْتَجِعًا فَانْتَجَعَ بِهَا فَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ بِذَلِكَ حِينَ أَوْدَعَهُ عَالِمًا بِحَالِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَوْدَعَهُ فِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْ بَلَدِهِ امْتَنَعَ إنْشَاؤُهُ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفَارِقِيُّ) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْفَارِقِيُّ وُلِدَ بِمَيَّافارِقِينَ عَاشِرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى الْكَازَرُونِيِّ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَحَلَ إلَى بَغْدَادَ فَأَخَذَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَازَمَهُ وَسَمِعَ عَلَيْهِ كِتَابَ الْمُهَذَّبِ وَحَفِظَهُ، وَتُوُفِّيَ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ عَنْ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَمِنْ أَصْحَابِنَا آخَرُ يُقَالُ لَهُ الْفَارِقِيُّ، وَهُوَ أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ السُّلَمِيُّ يَأْتِي فِي الْأَسْمَاءِ الزَّائِدَةِ، وَحَيْثُ نَقَلُوا عَنْ الْفَارِقِيِّ فَمُرَادُهُمْ الْأَوَّلُ انْتَهَى طَبَقَاتُ الْإِسْنَوِيِّ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ (قَوْلُهُ: تَخْرِيقٌ) أَيْ لِغَرَضِ مَنْ طَلَبَ التَّحْقِيقَ وَإِجْرَاءَ الْأُمُورِ عَلَى وَجْهِهَا بَاطِنًا، فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي أَمْرٍ مَا أَنْ يُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: خَيْرٌ مِنْ دَفْعِهَا لِلْجَائِرِ) قَضِيَّتُهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ جَائِرًا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْفَارِقِيِّ يَحْرُمُ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ فَحَيْثُ لَمْ يَجِدْ أَمِينًا أَوْ خَافَ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ سَافَرَ بِهَا حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ فِي سَفَرِهِ بِهَا إلَى مُؤْنَةٍ لِحَمْلِهَا مَثَلًا صَرَفَهَا وَرَجَعَ بِهَا إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَصْرِفُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا) أَيْ مِنْ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِينِ أَيْ وَلَهُ تَرْكُهَا عِنْدَهُمَا، وَلَا يُقَالُ إنَّمَا جَازَ دَفْعُهَا لَهُمَا لِضَرُورَةِ السَّفَرِ وَقَدْ زَالَتْ فَيَجِبُ الِاسْتِرْدَادُ (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ عُدُولِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَسْهَلَ مِنْ الْأُولَى أَوْ أَكْثَرَ أَمْنًا مِنْهَا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي السَّفَرِ بِهَا مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ بَلْ مَنْهِيٌّ.
عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِسُلُوكِ الْأُولَى نَهْيٌ عَنْ سُلُوكِ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ سُلُوكُ أَكْثَرِهِمَا أَمْنًا) أَيْ وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي الْإِذْنِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ طَرِيقًا أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الْأَطْوَلِ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ وَاكْتَفَى جَمْعٌ) ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ بِكَوْنِهِ: أَيْ الْحِرْزِ، وَقَوْلُهُ فِي يَدِهِ: أَيْ السَّاكِنِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ إلَخْ) كَأَنْ هَذَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهُ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَوْدَعَهُ) أَيْ الْمُسَافِرُ
لِسَفَرٍ ثَانٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ (إلَّا إذَا وَقَعَ حَرِيقٌ أَوْ غَارَةٌ وَعَجَزَ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ) مِنْ مَالِكٍ أَوْ وَكِيلِهِ ثُمَّ حَاكِمٍ ثُمَّ أَمِينٍ (كَمَا سَبَقَ) قَرِيبًا فَلَا يَضْمَنُ لِعُذْرِهِ بَلْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَجِّيهَا مِنْ الْهَلَاكِ إلَّا السَّفَرُ بِهَا لَزِمَهُ وَلَوْ مَخُوفًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ أَقْرَبَ جَازَ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَمْ يَبْعُدْ، وَقَوْلُهُ وَعَجَزَ بِمَعْنَى أَوْ فَوُجُودُ الْعَجْزِ كَافٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ قَبْلُ وَلَوْ حَدَثَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ أَقَامَ بِهَا، فَإِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْقُطَّاعُ فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدَ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ أَضَلَّ مَوْضِعَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا.
(وَالْحَرِيقُ وَالْغَارَةُ) الْأَفْصَحُ الْإِغَارَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا الْأَثَرُ وَهُوَ الْعُذْرُ فِي الْحَقِيقَةِ (فِي الْبُقْعَةِ وَإِشْرَافُ الْحِرْزِ عَلَى الْخَرَابِ) وَلَمْ يَجِدْ فِي الْكُلِّ حِرْزًا يَنْقُلُهَا إلَيْهِ (أَعْذَارٌ كَالسَّفَرِ) فِي جَوَازِ إيدَاعِ مَنْ مَرَّ بِتَرْتِيبِهِ (وَإِذَا)(مَرِضَ) مَرَضًا (مَخُوفًا)(فَلْيَرُدَّهَا إلَى الْمَالِكِ) أَوْ وَلِيِّهِ (أَوْ وَكِيلِهِ) الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ بِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهَا لِأَحَدِهِمَا (فَالْحَاكِمُ) الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ يَرُدُّهَا إلَيْهِ (أَوْ أَمِينٌ) يَرُدُّهَا إلَيْهِ إنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ وَسَوَاءٌ فِيهِ هُنَا وَفِي الْوَصِيَّةِ الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ ظَنَّهُ أَمِينًا فَبَانَ غَيْرُهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الضَّمَانِ
وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ وَضْعِ يَدِ الْمَظْنُونِ أَمَانَتَهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ إذْ لَمْ يُحْدِثْ فِيهَا فِعْلًا (أَوْ) عَطْفٌ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا لِيُفِيدَ ضَعْفَ قَوْلِ التَّهْذِيبِ تَكْفِيهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا لِمَالِكِهَا (يُوصِي بِهَا) إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ فَقَدَهُ فَإِلَى أَمِينٍ كَمَا أَوْمَأَ إلَيْهِ كَلَامُهُ الْمَارُّ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَمِينِ فِي الدَّفْعِ، فَكَذَا فِي الْإِيصَاءِ فَالتَّخْيِيرُ الْمَذْكُورُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ الْإِعْلَامُ بِهَا وَوَصْفُهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا أَوْ يُشِيرُ لِعَيْنِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَيَأْمُرُ بِالرَّدِّ إنْ مَاتَ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْإِشْهَادِ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ وَصَفَهُ فَلَا ضَمَانَ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَإِنْ أَطَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الِانْتِصَارِ لِخِلَافِهِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مِنْ قِيَاسِ الْأَمِينِ عَلَى الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ وَلَوْ مَخُوفًا) أَيْ وَيَأْتِي فِي الْمُؤْنَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فِي السَّفَرِ الْوَدِيعَةِ مَا مَرَّ وَإِنْ كَانَتْ الْمُؤْنَةُ فِيمَا يَحْتَاجُ الْوَدِيعُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ لِأَجْلِهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ) أَيْ حَيْثُ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ فَضَاعَتْ ضَمِنَ) أَيْ وَإِنْ جَهِلَ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْحُكْمِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ.
(قَوْلُهُ الْأَفْصَحُ الْإِغَارَةُ) فِيهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَمِينِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُؤَثِّرُ) أَقُولُ: قَدْ يُتَوَقَّفُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ جَهْلًا بِالْحُكْمِ بَلْ جَهْلٌ بِحَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ فِي دَفْعِهَا لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُوصِي بِهَا، وَقَوْلُهُ مِنْ الْإِشْهَادِ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَوْ وَصَفَهُ فَلَا ضَمَانَ) أَيْ عَلَى.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَعَجَزَ بِمَعْنَى أَوْ فَوُجُودُ الْعَجْزِ كَافٍ) يَلْزَمُ عَلَى جَعْلِهَا بِمَعْنَى أَوْ وَإِنْ أَفَادَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ وُقُوعِ الْحَرِيقِ أَوْ الْغَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَجْزِ خَاصَّةً، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَمَا اقْتَضَاهُ سِيَاقُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ مِنْ الْعُذْرِ وَالْعَجْزِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْعَجْزُ كَافٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ) نَظَرَ فِيهِ الشِّهَابُ سم وَالنَّظَرُ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: الْأَفْصَحُ الْإِغَارَةُ) قَالَ الشِّهَابُ سم: فِيهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ نَظَرٌ. اهـ. وَكَأَنَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّ قَوْلَهُ الْأَفْصَحُ الْإِغَارَةُ مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ لُغَتَيْنِ الْإِغَارَةُ وَالْغَارَةُ غَيْرَ أَنَّ أُولَاهُمَا أَفْصَحُ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا الْأَثَرُ يُنَاقِضُ ذَلِكَ وَأَنَّ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ إنَّمَا هِيَ الْإِغَارَةُ فَقَطْ وَأَنَّ الْغَارَةَ أَثَرُهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يُتَعَقَّلُ كَوْنُ الْغَارَةِ أَثَرًا لِلْإِغَارَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ رَدُّهَا إلَى غَيْرِ أَمِينٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَهَلْ يَضْمَنُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الرَّدِّ إلَى أَمِينٍ الَّذِي هُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْأَمِينَ صَارَ كَالْعَدَمِ
وَلَا ضَمَانَ فِيمَا إذَا عَلِمَ تَلَفَهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِهَا بِلَا تَفْرِيطِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ تَمَكُّنِ الْوَارِثِ مِنْ الرَّدِّ، وَرَجَّحَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ضَمَانَ وَارِثٍ قَصَّرَ بِعَدَمِ إعْلَامِ مَالِكٍ جَهِلَ الْإِيصَاءَ أَوْ بِعَدَمِ الرَّدِّ بَعْدَ طَلَبِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَإِنْ وُجِدَ مَا هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَدُّدٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَارِثِ أَنَّهَا غَيْرُ الْوَدِيعَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مُوَرِّثُهُ أَنَّ مَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَيْسَ لَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ أَوْ ثَوْبٌ لَهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّمَانَ وُجِدَ فِي الثَّانِيَةِ فِي تَرِكَتِهِ ثَوْبٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا لَوْ وَصَفَهُ وَوُجِدَ عِنْدَهُ أَثْوَابٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَيَانِ، وَفَارَقَ وُجُودَ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ هُنَا مِنْ الْجِنْسِ وُجُودُ وَاحِدَةٍ بِالْوَصْفِ بِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَا يُعْطِي شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَكَالْمَرَضِ الْمَخُوفِ مَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا مَرَّ.
نَعَمْ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ هُنَا لَا ثَمَّ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ نَاجِزٍ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرُ بِجَعْلِ مُقَدِّمَةِ مَا يُظَنُّ بِهِ الْمَوْتُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) كَمَا ذَكَرَ (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ لِتَعْرِيضِهَا بِالْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ يَدِهِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ وُجِدَ خَطُّ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِهَا بَيِّنَةٌ بَاقِيَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ ذَهَبَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى كَوْنِهِ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ صِحَّتِهِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْقَاضِي.
أَمَّا هُوَ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ وَلِعُمُومِ وَلَايَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ إيصَائِهِ لَيْسَ تَفْرِيطًا وَإِنْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْأَمِينِ كَمَا مَرَّ.
أَمَّا غَيْرُهُ فَيَضْمَنُ قَطْعًا، وَالضَّمَانُ فِيمَا ذَكَرَ ضَمَانُ تَعَدٍّ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ لَا ضَمَانُ عَقْدٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (إلَّا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَسَمَ مَرَضٌ مَخُوفٌ (إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً) أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا يَضْمَنُ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَادَّعَى الْوَدِيعُ أَنَّهُ قَصَّرَ وَقَالَ الْوَارِثُ: لَعَلَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيَّ تَقْصِيرٌ صُدِّقَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ، وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا قَالَهُ عِنْدَ جَزْمِ الْوَارِثِ بِالتَّلَفِ لَا عِنْدَ تَرَدُّدِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ صَحَّحَ حِينَئِذٍ الضَّمَانَ يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ فِي التَّلَفِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ نِسْبَتِهِ لِتَقْصِيرٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَدَعْوَاهُ تَلَفُهَا عِنْدَ مُوَرِّثِهِ بِلَا تَعَدٍّ، أَوْ رَدُّ مُوَرِّثِهِ لَهَا مَقْبُولَةٌ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْمُتَوَلِّي إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ: أَيْ الْمُوَرِّثِ، وَقَوْلُهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ: أَيْ الْمُوَرِّثِ، وَقَوْلُهُ الضَّمَانُ: أَيْ فَيُطَالَبُ بِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُعْطِي شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ) أَيْ لَا يَجِبُ بَلْ يَكُونُ الْوَاجِبُ لَهُ الْبَدَلَ الشَّرْعِيَّ فَيُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ مِمَّا شَاءَ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) هِيَ قَوْلُهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَوْ ثَوْبٌ (قَوْلُهُ وَالضَّمَانُ فِيمَا ذَكَرَ ضَمَانُ تَعَدٍّ) أَيْ فَيَضْمَنُهَا بِالْبَدَلِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَسَوَاءٌ تَلِفَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا ضَمَانَ عَقْدٍ) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ يُمْكِنُ هُنَا حَتَّى اُحْتِيجَ إلَى نَفْيِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ هُوَ الْمَضْمُونُ بِمُقَابِلٍ مُعَيَّنٍ كَضَمَانِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَمَا هُنَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيَّ تَقْصِيرٌ صُدِّقَ) أَيْ الْوَارِثُ، وَقَوْلُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانَ فِيمَا إذَا عَلِمَ تَلَفَهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ) وَكَذَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَلَفِهَا فِي الْحَيَاةِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِاعْتِمَادِهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لَا ضَمَانُ عَقْدٍ) هَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ مُتَأَتٍّ هُنَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَعَلَّهَا تَلِفَتْ إلَخْ الَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ: أَيْ؛ لِأَنَّ التَّرَجِّيَ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ رَاجِعٌ إلَى الْقَيْدِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَ إلَخْ فَهُوَ جَازِمٌ بِالتَّلَفِ: أَيْ فَالْإِسْنَوِيُّ لَمْ يُصِبْ فِيمَا فَهِمَهُ عَنْ الشَّيْخَيْنِ.
كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي وَارِثٍ لِوَكِيلٍ وَرَجَّحَاهُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ جَهِلَ حَالَهَا وَلَمْ يَقُلْ الْوَارِثُ شَيْئًا بَلْ قَالَ لَا أَعْلَمُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الضَّمَانُ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ تَعَدِّيه فِيهِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: أَوْ يُوجَدُ فِي تَرِكَتِهِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بِمَالِ الْقِرَاضِ فِي صُورَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ قَاضِيًا أَوْ نَائِبَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ تَحَقَّقَتْ خِيَانَتُهُ أَوْ تَفْرِيطُهُ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ أَوْ لَا وَمَحَلُّهُ فِي الْأَمِينِ نَظِيرُ مَا مَرَّ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَارِثِ الْأَمِينِ أَنَّهُ رَدَّ بِنَفْسِهِ أَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ أَيْ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَسَائِرُ الْأُمَنَاءِ كَالْوَدِيعِ فِيمَا تَقَرَّرَ.
(وَمِنْهَا) مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (إذَا)(نَقَلَهَا) لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ (مِنْ مَحَلَّةٍ) إلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى (أَوْ دَارٍ إلَى) دَارٍ (أُخْرَى دُونَهَا فِي الْحِرْزِ) وَلَوْ حَرَزَ مِثْلَهَا (ضَمِنَ) لِتَعْرِيضِهَا لِلتَّلَفِ سَوَاءٌ أَتَلِفَ بِسَبَبِ النَّقْلِ أَمْ لَا.
نَعَمْ إنْ نَقَلَهَا بِظَنِّ الْمِلْكِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَفَعَ بِهَا بِظَنِّهِ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ هُنَا أَعْظَمُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ بِأَنْ تَسَاوَيَا فِيهِ أَوْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزُ (فَلَا) يَضْمَنُ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ وَخَرَجَ بِإِلَى أُخْرَى نَقْلُهَا بِلَا نِيَّةِ تَعَدٍّ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ فِي دَارٍ أَوْ خَانٍ وَاحِدٍ فَلَا ضَمَانَ بِهِ حَيْثُ كَانَ الثَّانِي حِرْزَ مِثْلِهَا، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَهَا إلَى مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ هِيَ حِرْزُ مِثْلِهَا مِنْ أَحْرَزَ مِنْهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَالِكُ حِرْزًا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ انْتَهَى.
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُسِبَ لِلشَّيْخَيْنِ الْجَزْمُ بِخِلَافِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي السَّبَبِ الرَّابِعِ، وَقَدْ أَطْلَقَا فِي السَّبَبِ الثَّامِنِ الْجَزْمَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ بِالنَّقْلِ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا مِنْ أَحْرَزَ مِنْهُ وَذَكَرَا فِيمَا لَوْ عَيَّنَ الْمَالِكُ حِرْزًا كَقَوْلِهِ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا بِنَقْلِهَا إلَى بَيْتٍ مِثْلِهِ، إلَّا إنْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ الْبَيْتِ الثَّانِي وَالسَّرِقَةِ مِنْهُ، وَذَكَرَ فِي الْأَنْوَارِ مَعَهُمَا الْغَصْبَ مِنْهُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمَا اعْتِمَادُ إلْحَاقِهِ بِالْمَوْتِ وَجَمَعَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كَلَامِ الْأَنْوَارِ فِيمَا إذَا كَانَ سَبَبُ الْغَصْبِ النَّقْلَ وَكَلَامُهُمَا فِي خِلَافِهِ، فَلَوْ ضَمَّ إلَى تَعْيِينِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَدَعْوَاهُ: أَيْ الْوَارِثِ، وَقَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: أَيْ الْوَارِثِ، وَقَوْلُهُ أَنَّهُ رَدَّ بِنَفْسِهِ: أَيْ الْوَارِثِ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ نَقَلَهَا بِظَنِّ الْمِلْكِ) أَيْ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) يُتَأَمَّلُ أَيْ شَيْءٌ تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِ يُعْلَمُ مِنْهُ هَذَا، بَلْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَمِنْهَا إذَا نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةِ أَوْ دَارٍ إلَخْ خِلَافُهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ حِرْزَ مِثْلِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحُكْمُ فِيمَا لَوْ نَقَلَهَا مِنْ دَارٍ إلَى أُخْرَى وَهِيَ دُونَهَا فِي الْحِفْظِ فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ لَا يَضْمَنُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَعُلِمَ مِمَّا إلَخْ، وَقِيلَ يَضْمَنُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَوْ حِرْزَ مِثْلِهَا، فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الْأُولَى مُجَارَاةً لِظَاهِرِ الْمَتْنِ وَبَيَّنَ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَجّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ حِرْزَ مِثْلِهَا وَزَادَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْأَنْوَارِ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ الِانْهِدَامِ وَالسَّرِقَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَيْ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ) كَانَ الظَّاهِرُ: أَيْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ الثَّمَرَةُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت وَالِدَ الشَّارِحِ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْمَتْنَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ إلَخْ وَنَقَلَهُ عَنْ تَصْرِيحِ جَمَاعَةٍ بِهِ، فَكَأَنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ وَالِدَهُ فِي ذَلِكَ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ قَيَّدَ الْمَتْنَ فِيمَا مَرَّ بِالتَّعْيِينِ فَقَالَ هُنَا وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَثْبَتَ التَّقْيِيدَ الْمَذْكُورَ وَأَسْقَطَهُ النُّسَّاخُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ مُحْتَرَزُ ذَلِكَ الْقَيْدِ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ الْمَتْنَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَسَبَ) يَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ: أَيْ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِمَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ كَلَامَهُمَا فِيمَا إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ الْحِرْزَ (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ) أَيْ حَمْلًا لَهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا، وَإِلَّا فَهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى
الْبَيْتِ النَّهْيَ عَنْ النَّقْلِ فَنَقَلَ بِلَا ضَرُورَةٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزَ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ نَقَلَ لِضَرُورَةِ غَارَةٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَلَبَةِ لُصُوصٍ لَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ حِرْزَ مِثْلِهَا، وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ دُونَ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَجِدْ أَحْرَزَ مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَ النَّقْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ضَمِنَ وَإِنْ حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ فَلَا وَلَا يَضْمَنُ بِالنَّقْلِ أَيْضًا حِينَئِذٍ، وَحَيْثُ مَنَعْنَا النَّقْلَ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَاخْتَلَفَا فِيهَا صُدِّقَ الْمُودِعُ بِيَمِينِهِ إنْ عُرِفَتْ وَإِلَّا طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَهْيٌ، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ وَلَوْ مَعَ الْخَوْفِ فَلَا وُجُوبَ وَلَا ضَمَانَ بِتَرْكِهِ وَلَا أَثَرَ لِنَهْيِ نَحْوِ وَلِيٍّ.
(وَمِنْهَا أَنْ)(لَا يَدْفَعَ مُتْلَفَاتِهَا) الَّتِي يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهَا عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُصُولِ حِفْظِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِخِزَانَتِهِ حَرِيقٌ فَبَادَرَ بِنَقْلِ أَمْتِعَتِهِ فَاحْتَرَقَتْ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْهَا مُطْلَقًا، وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبُدَاءَةِ بِنَفْسِهِ، وَنَظَرَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُ الْكُلِّ دَفْعَةً: أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ لِمِثْلِهِ عَادَةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ أَوْ كَانَتْ فَوْقَ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَهَا، وَالضَّمَانُ فِي الْأُولَى مُتَّجِهٌ وَفِي الثَّانِيَةِ مُحْتَمَلٌ إنْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْوَدَائِعُ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَّرَهُ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ الَّذِي أَخَّرَهُ يُمْكِنُ: أَيْ يَسْهُلُ عَادَةً الِابْتِدَاءُ بِهِ أَوْ جَمْعُهُ مَعَ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا.
(فَلَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً فَتَرَكَ عَلْفَهَا) بِإِسْكَانِ اللَّامِ أَوْ سَقْيَهَا مُدَّةً يَمُوتُ مِثْلُهَا فِيهَا جُوعًا أَوْ عَطَشًا وَلَمْ يَنْهَهُ (ضَمِنَ) هَا إنْ تَلِفَتْ وَنَقْصَ أَرْشِهَا إنْ نَقَصَتْ، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَضْمَنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ بِهَا جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ جَمِيعَهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ بِضَمَانِهِ بِالْقِسْطِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا لَوْ جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَمِينٌ كَوَدِيعٍ وَرَاعٍ مَأْكُولًا تَحْتَ يَدِهِ وَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ فَذَبَحَهُ جَازَ، وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِلَا كُلْفَةٍ نَظَرٌ، وَاسْتَشْهَدَ غَيْرُهُ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِ الْأَنْوَارِ وَتَبِعَهُ الْغَزِّيِّ لَوْ أَوْدَعَهُ بُرًّا: أَيْ مَثَلًا فَوَقَعَ فِيهِ السُّوسُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِنَهْيِ نَحْوِ وَلِيٍّ) أَيْ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فِي نَقْلِهَا وَعَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ هِيَ قَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ فَوْقَ إلَخْ وَقَوْلُهُ مُحْتَمَلٌ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَّرَهُ) أَيْ مَا أَخَّرَ أَخْذَهُ حَيْثُ لَمْ يَبْتَدِئْ بِهِ لَا أَنَّهُ نَحَّاهُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَأَخَذَ مَا وَرَاءَهُ
(قَوْلُهُ بِالْقِسْطِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الرُّءُوسِ دُونَ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ اثْنَانِ بِجِرَاحَاتٍ وَاخْتَلَفَ عَدَدُهَا مِنْ الْجَارِحِينَ فَإِنَّ الضَّمَانَ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ) هُوَ قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ جَمِيعَهَا (قَوْلُهُ: مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا ضَمَانَ شَرْحَ رَوْضٍ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
وَقَدْ يُشْكِلُ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِلَّتِهَا فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ: وَرَاعٍ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَقَوْلُهُ وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ وَاسْتَشْهَدَ غَيْرَهُ لِلضَّمَانِ إلَخْ) فِي الِاسْتِشْهَادِ بِمَا ذَكَرَ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَعَرُّضٌ لِلضَّمَانِ أَصْلًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أُخِذَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَا إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ الْحِرْزَ كَمَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: فَذَكَرَ) يَعْنِي الْأَنْوَارَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ فَلَا) كَذَا فِي نَصِّ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ فِيهَا سَقْطًا مِنْ الْكَتَبَةِ، وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَإِنْ قَالَ لَا يَنْقُلُهَا وَإِنْ حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ فَإِنْ نَقَلَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ تَرَكَ فَكَذَلِكَ انْتَهَتْ. عَلَى أَنَّ هَذَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ هَذَا كُلُّهُ إلَخْ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ مَنَعْنَا النَّقْلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَلَوْ نَقَلَ وَقَالَ نَقَلْت لِلضَّرُورَةِ وَتَلِفَتْ وَأَنْكَرَهَا الْمَالِكُ فَإِنْ عُرِفَ هُنَاكَ مَا يَدَّعِيهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي التَّلَفِ وَإِلَّا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ يُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ فِي نَفْيِ الْمُدَّعَى انْتَهَتْ.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَوَلَّى بَيْعَهُ وَأَشْهَدَ (فَإِنْ نَهَاهُ) الْمَالِكُ (عَنْهُ فَلَا) ضَمَانَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ أَثِمَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِتْلَافِ.
وَالثَّانِي يَضْمَنُ إذْ لَا حُكْمَ لِنَهْيِهِ عَمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَلَا أَثَرَ لِنَهْيِ نَحْوِ وَلِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
نَعَمْ تَقْيِيدُهُ ذَلِكَ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ لِيُجْبِرَ مَالِكَهَا إنْ حَضَرَ أَوْ لِيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إنْ غَابَ، وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ عَلْفِهَا لِنَحْوِ تُخَمَةٍ بِهَا لَزِمَهُ الِامْتِثَالُ فَإِنْ عَلَفَهَا مَعَ بَقَاءِ الْعِلَّةِ ضَمِنَ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِلَّتِهَا فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي إذْنِهِ إلَى تَقْدِيرِ عَلْفِهَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ اللَّائِقِ بِهَا (فَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ عَلَفًا) بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ وَلَمْ يَنْهَهُ (عَلَفَهُ مِنْهُ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعْطِهِ ذَلِكَ (فَيُرَاجِعُهُ أَوْ وَكِيلُهُ) لِيَرُدَّهَا أَوْ يُنْفِقَهَا (فَإِنْ فُقِدَا فَالْحَاكِمُ) يُرَاجِعُهُ لِيُؤَجِّرَهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا، فَإِنْ عَجَزَ اقْتَرَضَ عَلَى الْمَالِكِ حَيْثُ لَا مَالَ لَهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهَا أَوْ كُلَّهَا بِالْمَصْلَحَةِ، وَاَلَّذِي يُنْفِقُهُ عَلَى الْمَالِكِ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُهَا مِنْ التَّعْيِيبِ لَا الَّذِي يُسَمِّنُهَا، وَلَوْ كَانَتْ سَمِينَةً عِنْدَ الْإِيدَاعِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عَلْفُهَا بِمَا يَحْفَظُ نَقْصَهَا عَنْ عَيْبٍ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا، وَلَوْ فُقِدَ الْحَاكِمُ أَنْفَقَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا رُجُوعَ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ كَنَظِيرِهِ فِي هَرَبِ الْجِمَالِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَتْ رَاعِيَةً فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَسْرِيحِهَا مَعَ ثِقَةٍ، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ: أَيْ إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ مَنْ يُسَرِّحُهَا مَعَهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نَحْوُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِيجَارِ أَوْ الِاقْتِرَاضِ كَالْحَاكِمِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا إلَّا بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَرَّرَ عَنْ الْأَنْوَارِ وَهَلْ يَضْمَنُ نَخِيلًا اسْتَوْدَعَهَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهَا فَتَرَكَهُ كَالْحَيَوَانِ أَوْ لَا وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَالصُّوفِ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ.
نَعَمْ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ فِيمَا لَا تَشْرَبُ بِعُرُوقِهَا وَفِيمَا.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الضَّمَانُ مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ فِعْلَ مَا لَزِمَهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ ضَمِنَهُ لِنِسْبَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ مَعَ إثْمِهِ بِالتَّرْكِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَوَلَّى بَيْعَهُ وَأَشْهَدَ) قَالَ حَجّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى سَبَبِ الذَّبْحِ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ ذَبَحْتهَا لِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ ثُمَّ رَأَيْته مُصَرِّحًا بِهِ فِيمَا يَأْتِي انْتَهَى.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ عَدَمُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا وَجَدَ شُهُودًا يُشْهِدُهُمْ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ تَقْيِيدُهُ) أَيْ الْأَذْرَعِيِّ انْتَهَى.
حَجّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ) أَيْ بِكَوْنِهِ وَلِيًّا (قَوْلُهُ: وَالْجَهْلُ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ) أَيْ وَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ عَلَى الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِلَّتِهَا فِيمَا يَظْهَرُ) ؛ لِأَنَّ الْمُضَمَّنَاتِ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ عِلْمِهَا وَجَهْلِهَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) مُرَادُهُ حَجّ (قَوْلُهُ: بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ اللَّائِقِ بِهَا) أَيْ فِيمَا يَدْفَعُ التَّعَيُّبَ لَا فِيمَا يُسَمِّنُهَا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ الْحَاكِمُ بِأَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ اقْتِرَاضٌ وَلَا بَيْعٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا رُجُوعَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ فَقَدَ الشُّهُودَ وَنَوَى الرُّجُوعَ، وَالْأَوْفَقُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الرَّاعِي عَنْ حَجّ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ حَيْثُ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى صِدْقِهِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَسْرِيحِهَا مَعَ ثِقَةٍ) أَيْ فَإِنْ عَلَفَهَا فِي الْبَيْتِ فَالظَّاهِرُ ضَمَانُ الْمَالِكِ مَا زَادَ عَلَى مُؤْنَةِ الرَّاعِي لَا جَمِيعِ مَا صَرَفَهُ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ) أَيْ الْوَدِيعِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَرَّرَ إلَخْ) قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا فِي الْأَنْوَارِ لَا طَرِيقَ لِدَفْعِ التَّلَفِ عَنْهُ فَالْبَيْعُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ خُصُوصَ مَا فَعَلَهُ كَالْإِيجَارِ هُنَا مَثَلًا لَيْسَ مُتَعَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ غَيْرِ بَيْعِهَا وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ كَالصُّوفِ) أَيْ خِلَافًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ) أَيْ بِكَوْنِهِ وَلِيًّا (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي إذْنِهِ) يَعْنِي الْحَاكِمَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْهَهُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فِيمَا لَمْ يَنْهَهُ انْتَهَتْ. وَغَرَضُهُ مِنْ ذَلِكَ دَفْعُ مَا يُوهِمُهُ الْمَتْنُ مِنْ تَعَلُّقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَسْأَلَةِ النَّهْيِ قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: كَالصُّوفِ وَنَحْوِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا تَرَكَ نَحْوَ نَشْرِهِ
إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ سَقْيِهَا (وَلَوْ)(بَعَثَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ (مَعَ مَنْ يَسْقِيهَا) أَوْ يَعْلِفُهَا وَهُوَ ثِقَةٌ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُهَا لِذَلِكَ (لَمْ يَضْمَنْ) هَا (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ لَاقَ بِهِ مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ وَهُوَ اسْتِنَابَةٌ لَا إيدَاعٌ.
وَالثَّانِي يَضْمَنُ لِإِخْرَاجِهَا مِنْ حِرْزِهَا عَلَى يَدِ مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ الْمَالِكُ وَلَوْ أَخْرَجَهَا فِي زَمَنِ الْخَوْفِ أَوْ مَعَ غَيْرِ ثِقَةٍ ضَمِنَ قَطْعًا
(وَعَلَى الْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (تَعْرِيضُ ثِيَابِ الصُّوفِ) وَنَحْوِهَا مِنْ شَعْرٍ وَوَبَرٍ وَغَيْرِهِمَا (لِلرِّيحِ) وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمَالِكُ بِهِ فَيُخْرِجُهَا حَتَّى مِنْ صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ عَلِمَ بِهَا فِيهِ فَفَتَحَهُ لِنَشْرِهَا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ مِفْتَاحَهُ لَزِمَهُ الْفَتْحُ وَإِلَّا جَازَ لَهُ (كَيْ لَا يُفْسِدَهَا الدُّودُ وَكَذَا) عَلَيْهِ (لُبْسُهَا) بِنَفْسِهِ إنْ لَاقَ بِهِ (عِنْدَ حَاجَتِهَا) بِأَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الدُّودِ بِسَبَبِ عَبِقِ رِيحِ الْآدَمِيِّ بِهَا.
نَعَمْ إنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ لُبْسُهَا أَلْبَسَهَا مَنْ يَلِيقُ بِهِ بِهَذَا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةِ مَعَ مُلَاحَظَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا لَمْ يَنْهَهُ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ كَثَوْبِ حَرِيرٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَلْبَسُهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ بَلْ الْوُجُوبُ، وَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَحْتَاجُ لُبْسُهَا إلَى مُضِيِّ زَمَنٍ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ رَفْعَ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً فِي مُقَابَلَةِ لُبْسِهَا إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْذُلَ مَنْفَعَتَهُ مَجَّانًا كَالْحِرْزِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ كَيْ لَا إلَى آخِرِهِ وُجُوبَ رَكُوبِ دَابَّةٍ أَوْ تَسْيِيرِهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ الزَّمَانَةِ لِطُولِ وُقُوفِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَعَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِثَالًا وَأَنَّ الضَّابِطَ خَوْفُ الْفَسَادِ، وَلَوْ تَرَكَهَا لِكَوْنِهَا بِنَحْوِ صُنْدُوقٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ لَمْ يُعْطِهِ مِفْتَاحَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَوْ تَرَكَ الْوَدِيعُ شَيْئًا مِمَّا لَزِمَهُ لِجَهْلٍ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَعُذْرٍ لِنَحْوِ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ، فَفِي تَضْمِينِهِ وَقْفَةٌ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ.
(وَمِنْهَا أَنْ)(يَعْدِلَ عَنْ الْحِفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ) مِنْ الْمُودِعِ وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْعُدُولِ الْمُقَصِّرِ بِهِ (فَيَضْمَنُ) لِحُصُولِ التَّلَفِ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَتِهِ وَتَقْصِيرِهِ (فَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (فَرَقَدَ عَلَيْهِ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ فَتَلِفَ مَا فِيهِ ضَمِنَ) لِذَلِكَ (وَإِنْ)(تَلِفَ بِغَيْرِهِ) أَيْ الْعُدُولِ أَوْ الثِّقَلِ كَأَنْ سُرِقَ وَهُوَ فِي بَيْتٍ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لحج (قَوْلُهُ: وَهُوَ ثِقَةٌ) وَالْمُرَادُ بِالثِّقَةِ حَيْثُ أَطْلَقَ الْمُكَلَّفُ الْعَدْلُ الْقَادِرُ عَلَى مُبَاشَرَةِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِنَابَةٌ لَا إيدَاعٌ) أَيْ فَلَا يُقَالُ الْوَدِيعُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ وَدَفْعُهَا لِمَنْ ذَكَرَ إيدَاعٌ لَهُ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ غَيْرِ ثِقَةٍ ضَمِنَ قَطْعًا) أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ فَهُوَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا جَازَ لَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَدَّى فَتْحُهُ إلَى إتْلَافِ الْقُفْلِ وَهُوَ قَرِيبٌ إنْ كَانَ النَّقْصُ لِلْقُفْلِ دُونَ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِ التَّهْوِيَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الدُّودِ) قَالَ حَجّ: وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ نَحْوُ اللُّبْسِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا ضَمِنَ بِهِ، وَيُوَجَّهُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الضَّمَانُ حَتَّى يُوجَدَ لَهُ صَارِفٌ (قَوْلُهُ: لِدَفْعِ الدُّودِ) جَمْعُ دُودَةٍ وَيُجْمَعُ عَلَى دِيدَانٍ بِالْكَسْرِ انْتَهَى مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: بِهَذَا الْقَصْدِ) أَيْ فَلَوْ أَطْلَقَ ضَمِنَ حَجّ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا لَمْ يَنْهَهُ) أَيْ فَإِنْ نَهَاهُ وَتَرَكَ التَّهْوِيَةَ وَنَحْوَهَا فَلَا ضَمَانَ وَبَقِيَ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ وَلَبِسَهَا أَوْ هَوَّاهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَهَلْ يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِفِعْلِهِ مَا نُهِيَ عَنْهُ أَوْ لَا لِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَالِكِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِنَهْيِهِ عَنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْأَقْفَالِ فَأَقْفَلَ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ اللُّبْسِ لِلْوَدِيعِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْوُجُوبُ) قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي الْوُجُوبِ بَلْ فِي الْجَوَازِ مِنْ أَصْلِهِ، إذْ لَا ضَرُورَةَ لِلُبْسِهِ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَلِيقُ بِهِ لُبْسُهَا، بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ لِيَسْتَأْجِرَ مَنْ يَلْبَسُهَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ) أَيْ التَّضْمِينَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ مُعْتَمَدٌ.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يُفْتَرَقُ فِيهِ الْحَالُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُفْتَحُ انْتَهَى حَجّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُهَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنَ خَوْفٍ
(قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْهَا) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفَتْحُ
مُحْرِزٍ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ أَوْ بِصَحْرَاءَ مِنْ رَأْسِ الصُّنْدُوقِ (فَلَا) يَضْمَنُ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَلَمْ يَأْتِ التَّلَفُ مِمَّا عَدَلَ إلَيْهِ وَنَحْوُ الرُّقُودِ قَفْلُ الْقُفْلَيْنِ زِيَادَةً فِي الْحِفْظِ، فَلَا نَظَرَ لِتَوَهُّمِ كَوْنِهِ إغْرَاءً لِلسَّارِقِ عَلَيْهَا الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الثَّانِي الضَّمَانَ بِذَلِكَ.
أَمَّا إذَا سُرِقَ مِنْ جَانِبِ صُنْدُوقٍ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ فَيَضْمَنُ إنْ سُرِقَ مِنْ جَانِبٍ لَوْ لَمْ يَرْقُدْ فَوْقَهُ لَرَقَدَ فِيهِ فَنُسِبَ التَّلَفُ حِينَئِذٍ لِفِعْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُرِقَ مِنْ غَيْرِ مَرْقَدِهِ أَوْ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ أَوْ لَا مَعَ نَهْيٍ وَإِنْ سُرِقَ مِنْ مَحَلِّ مَرْقَدِهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ احْتِيَاطًا وَلَمْ يَحْصُلْ التَّلَفُ بِفِعْلِهِ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا لَوْ أَمَرَهُ بِالرُّقَادِ أَمَامَهُ فَرَقَدَ فَوْقَهُ فَسُرِقَ مِنْ أَمَامِهِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا تَقْفِلْ عَلَيْهِ) فَأَقْفَلَ أَوْ (قُفْلَيْنِ) بِضَمِّ الْقَافِ (فَأَقْفَلَهُمَا) فَلَا ضَمَانَ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ لِإِغْرَائِهِ السَّارِقَ بِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي بَلَدٍ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا.
(وَلَوْ)(قَالَ) لَهُ (ارْبِطْ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا (الدَّرَاهِمَ فِي كُمِّك فَأَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ فَتَلِفَتْ)(فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا إنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ) الْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ (ضَمِنَ) لِحُصُولِ التَّلَفِ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ، إذْ لَوْ رُبِطَتْ لَمْ تَضِعْ بِهَذَا السَّبَبِ (أَوْ) تَلِفَتْ (بِأَخْذِ غَاصِبٍ فَلَا) ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَمْنَعُ لَهُ مِنْ الرَّبْطِ، نَعَمْ إنْ نَهَاهُ عَنْ أَخْذِهَا بِيَدِهِ ضَمِنَ مُطْلَقًا.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إطْلَاقُ قَوْلَيْنِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِمْسَاكِ ضَمِنَ وَإِنْ أَمْسَكَ بَعْدَ الرَّبْطِ فَلَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ رَبْطِهَا فِي كُمِّهِ إمْسَاكُهَا بِيَدِهِ، بَلْ إنْ كَانَ الرَّبْطُ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ فَأَخَذَهَا الْقَاطِعُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَهَا وَتَنْبِيهَ الْقَاطِعِ وَإِغْرَاءَهُ عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ قَطْعِهِ أَوْ حَلِّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، لَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ بِانْحِلَالِ الْعُقْدَةِ وَضَاعَتْ وَقَدْ احْتَاطَ فِي الرَّبْطِ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهَا إنْ انْحَلَّتْ بَقِيَتْ الْوَدِيعَةُ فِي الْكُمِّ أَوْ كَانَ الرَّبْطُ مِنْ دَاخِلِهِ فَبِالْعَكْسِ فَيَضْمَنُهَا بِالِاسْتِرْسَالِ لِتَنَاثُرِهَا بِالِانْحِلَالِ لَا إنْ أَخَذَهَا الْقَاطِعُ لِعَدَمِ تَنْبِيهِهِ، وَلَا يُشْكِلُ بِكَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُطْلَقَ الرَّبْطِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ لَمْ يَنْظُرْ لِجِهَاتِ التَّلَفِ كَمَا لَوْ قَالَ احْفَظْهُ فِي الْبَيْتِ فَوَضَعَهُ بِزَاوِيَةٍ فَانْهَدَمَتْ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِهَا لَسَلِمَ؛ لِأَنَّ الرَّبْطَ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ حِرْزٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَقَوْلُهُ ارْبِطْ مُطْلَقٌ لَا شُمُولَ فِيهِ، فَإِذَا جَاءَ التَّلَفُ مِمَّا آثَرَهُ ضَمِنَ، وَلَا كَذَلِكَ زَوَايَا الْبَيْتِ؛ وَلِأَنَّ الرَّبْطَ لِلْعُرْفِ دَخَلَ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْحُكْمِ وَإِنْ شَمَلَ لَفْظُهُ غَيْرَهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْتُ، إذْ لَا دَخْلَ لِلْعُرْفِ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ زَوَايَاهُ وَإِنْ فُرِضَ اخْتِلَافُهَا بِنَاءً وَقُرْبًا مِنْ الشَّارِعِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ فَرَبَطَهَا فِي التَّحْتَانِيِّ مِنْهُمَا فَيَظْهَرُ عَدَمُ ضَمَانِهِ سَوَاءٌ أَرَبَطَ دَاخِلَ الْكُمِّ أَمْ خَارِجَهُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ (وَلَوْ جَعَلَهَا) وَقَدْ قَالَ لَهُ ارْبِطْهَا فِي كُمِّك (فِي جَيْبِهِ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُغَطًّى بِثَوْبٍ فَوْقَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَلَّذِي بِإِزَاءِ الْحَلْقِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ أَوْ مَا يَعْتَادُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ جَعْلِهِ عِنْدَ طَوْقِهِ فَتْحَةً نَازِلَةً كَالْخَرِيطَةِ (بَدَلًا عَنْ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ) فَضَاعَتْ مِنْ غَيْرِ ثُقْبٍ فِيهِ لِمَا يَأْتِي (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مَا لَمْ يَكُنْ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ الْكُمُّ أَحْرَزُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ قَدْ تَسْقُطُ مِنْهُ فِي النَّوْمِ وَنَحْوِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْكُمَّ كَذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي وَاسِعٍ غَيْرِ مَزْرُورٍ
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ ضَيِّقًا أَوْ مَزْرُورًا وَهُوَ حِينَئِذٍ أَحْرَزُ مِنْ الْكُمِّ بِلَا شُبْهَةٍ (وَبِالْعَكْسِ) بِأَنْ أَمَرَهُ بِوَضْعِهَا فِي الْجَيْبِ فَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ (يَضْمَنُ) قَطْعًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَيْبَ بِشَرْطِهِ أَحْرَزُ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَنَحْوُ الرُّقُودِ) هُوَ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي لَوْ أَمَرَهُ بِالرُّقَادِ أَمَامَهُ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ لِرَقَدَ، وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ رَقَدَ رَقْدًا وَرُقُودًا وَرُقَادًا نَامَ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَفْلِ الْأَقْفَالِ.
(قَوْلُهُ ضَمِنَ مُطْلَقًا) أَيْ بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ أَخْذِ غَاصِبٍ (قَوْلُهُ: فَلَا ضَمَانَ) أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَنْبِيهِهِ) أَيْ الْوَدِيعِ إيَّاهُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُشْكِلُ: أَيْ هَذَا التَّفْصِيلُ (قَوْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ زَوَايَا الْبَيْتِ) نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ فِي الزَّوَايَا أَنْفُسِهَا.
أَمَّا الْوَضْعُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَمِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا ضَمِنَ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ ظُهُورُهَا لِلسَّارِقِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ) أَيْ مِمَّا يُجْعَلُ عَلَى الْفَخْذِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَيْبَ بِشَرْطِهِ) أَيْ وَهُوَ كَوْنُهُ ضَيِّقًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(وَلَوْ)(أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِالسُّوقِ) مَثَلًا (وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْحِفْظِ فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ وَأَمْسَكَهَا) مَثَلًا (بِيَدِهِ أَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ) الْمَذْكُورِ بِشَرْطِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ احْتِيَاطٌ فِي الْحِفْظِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ أَوْ مَثْقُوبًا وَإِنْ جَهِلَهُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْكَافِي بِمَا إذَا كَانَ الثُّقْبُ مَوْجُودًا حَالَ جَعْلِهَا فِيهِ فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلَا.
وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الرَّبْطِ مِنْ غَيْرِ إمْسَاكٍ كَانَ ضَامِنًا.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ النَّظَرُ لِكَيْفِيَّةِ الرَّبْطِ وَجِهَةِ التَّلَفِ وَلَوْ سَقَطَتْ مِنْ كُمِّهِ بَعْدَ وَضْعِهَا فِيهِ بِلَا رَبْطٍ ضَمِنَهَا إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَشْعُرُ بِهَا لِتَفْرِيطِهِ فِي الْإِحْرَازِ لَا إنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً يَشْعُرُ بِهَا فَلَا ضَمَانَ.
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقِيَاسُ هَذَا اطِّرَادُهُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الِاسْتِرْسَالِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ، فَلَوْ نَفَضَ كُمَّهُ فَسَقَطَتْ ضَمِنَهَا وَلَوْ سَهْوًا
قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي كَوْرِ عِمَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَدٍّ ضَمِنَهَا، فَإِنْ شَدَّهَا أَوْ رَبَطَهَا فِي التِّكَّةِ فَلَا.
وَخَرَجَ بِالسُّوقِ مَا لَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ فِي الْبَيْتِ وَقَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ فِيهِ فَوْرًا، فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فِيهِ وَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ لَا مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ وَخَرَجَ بِهَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَمْكَنَ إحْرَازُهَا فِي الْبَيْتِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزُ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مِنْ الْبَيْتِ، وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا حَصَلَ التَّلَفُ فِي زَمَنِ الْخُرُوجِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ (وَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ أَخَذَهَا غَاصِبٌ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ (وَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ بِفِعْلِهِ أَوْ نَوْمٍ) لِتَقْصِيرِهِ (وَإِنْ)(قَالَ) لَهُ وَقَدْ أَعْطَاهَا لَهُ فِي السُّوقِ مَثَلًا (احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ) فَقَبِلَ (فَلْيَمْضِ إلَيْهِ) حَالًا (وَيُحْرِزُهَا فِيهِ) عَقِبَ وُصُولِهِ (فَإِنْ أَخَّرَ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (بِلَا عُذْرٍ) فَتَلِفَتْ (ضَمِنَ) لِتَفْرِيطِهِ سَوَاءٌ أَتَلِفَتْ فِي الطَّرِيقِ أَمْ الْبَيْتِ، أَوْ كَانَتْ خَسِيسَةً أَمْ لَا، كَانَ سُوقُهُ أَوْ حَانُوتُهُ حِرْزَ مِثْلِهَا أَمْ لَا.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ نَفَاسَةِ الْوَدِيعَةِ وَطُولِ التَّأْخِيرِ وَضِدِّهِمَا، وَقَالَ الْفَارِقِيُّ: يَرْجِعُ لِعَادَتِهِ، فَإِنْ جَرَتْ بِإِقَامَتِهِ فِي السُّوقِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ لِاشْتِغَالِهِ بِنَحْوِ تِجَارَةٍ وَأَخَّرَهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الشَّامِلِ وَحِلْيَةِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ يَرُدُّهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ قَالَ لَهُ وَهُوَ فِي حَانُوتِهِ احْمِلْهَا إلَى بَيْتِك لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ وَيَحْمِلَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي حَانُوتِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى الْبَيْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ انْتَهَى
وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ، وَلَا اعْتِبَارَ حِينَئِذٍ بِعَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ بِقَبُولِهَا، وَلَوْ نَامَ وَمَعَهُ الْوَدِيعَةُ فَضَاعَتْ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ فِي مَحَلِّ حِرْزٍ لَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي تَقْيِيدِهِمْ الصُّورَةَ بِمَا إذَا قَالَ احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مَرْبُوطَةً، وَيُشْبِهُ أَنْ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ مَزْرُورًا.
(قَوْلُهُ فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ نَقْلِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً) أَيْ وَكَانَتْ مِمَّا يُعْتَادُ وَضْعُ مِثْلِهِ فِي الْكُمِّ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ نَفَضَ كُمَّهُ) أَيْ أَوْ أَرْخَاهُ مِنْ غَيْرِ نَفْضٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَ احْفَظْهَا فِيهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ احْفَظْهَا لَمْ يَضْمَنْ بِالْخُرُوجِ بِهَا مِنْ الْبَيْتِ.
وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْآنَ حِفْظُهَا بِأَيِّ وَجْهٍ اتَّفَقَ مِنْ وُجُوهِ الْحِفْظِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ نَقْلًا عَنْ الرَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ) أَيْ بِأَنْ رَبَطَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ خَرَجَ بِهَا إلَى السُّوقِ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ نَحْوَ طَعَامِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَيْتِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ إلَخْ) ضَعِيفٌ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ رَبَطَهَا فِي التِّكَّةِ) لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ مَفْهُومِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ شَدٍّ وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَتُهُ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَلَوْ رَبَطَهَا فِي التِّكَّةِ أَوْ وَضَعَهَا فِي كُورِ عِمَامَتِهِ وَشَدَّهَا لَمْ يَضْمَنْ انْتَهَتْ
يَكُونَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ اهـ. وَهُوَ الْأَوْجَهُ.
(وَمِنْهَا أَنْ يُضَيِّعَهَا بِأَنْ) تَقَعَ فِي كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ بِمَعْنَى كَأَنَّ كَثِيرًا كَمَا فِي هَذَا الْبَابِ إذْ أَنْوَاعُ الضَّيَاعِ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا أَنْ تَقَعَ دَابَّةٌ فِي مَهْلَكَةٍ وَهِيَ مَعَ رَاعٍ أَوْ وَدِيعٍ فَيَتْرُكَ تَخْلِيصَهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِلَا كَبِيرِ مَشَقَّةٍ، أَوْ ذَبْحَهَا بَعْدَ تَعَذُّرِ تَخْلِيصِهَا فَتَمُوتُ فَيَضْمَنُهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَبْحِهَا لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا فِي دَعْوِهِ خَوْفًا أَلْجَأَهُ إلَى إيدَاعِ غَيْرِهِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَنَامَ عَنْهَا إلَّا إنْ كَانَتْ بِرَحْلِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ حَوْلَهُ: أَيْ مُسْتَيْقِظِينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا تَقْصِيرَ بِالنَّوْمِ حِينَئِذٍ.
وَمِنْهَا ضَيَاعُهَا بِنِسْيَانٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ قَعَدَ فِي طَرِيقٍ ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهَا أَوْ دَفَنَهَا بِحِرْزٍ ثُمَّ نَسِيَهُ (يَضَعُهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا وَإِنْ قَصَدَ إخْفَاءَهَا كَمَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ قُطَّاعٌ فَأَلْقَاهَا فِي مَضْيَعَةٍ أَوْ دُونَهَا إخْفَاءً لَهَا فَضَاعَتْ، وَالتَّنْظِيرُ فِيهِ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَهُ مَنْ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَهَرَبَ وَتَرَكَهَا: أَيْ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهَا وَهِيَ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا فَلَا ضَمَانَ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِهِ
وَضَابِطُ الْحِرْزِ هُنَا كَمَا فَصَّلُوهُ فِي السَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَنْوَاعِ الْمَالِ وَالْمَحَالِّ ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ قَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ الْمُغْلَقَةَ لَيْلًا وَلَا نَائِمَ بِهَا غَيْرُ حِرْزٍ هُنَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ بِبَلَدِ أَمْنٍ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ احْفَظْ دَارِي فَأَجَابَ فَذَهَبَ الْمَالِكُ وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ ثَمَّ الْآخَرُ ضَمِنَ، بِخِلَافِ الْمُغْلَقَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي ثَمَّ، فَلَوْ سَرَقَ الْوَدِيعَةَ مِنْ حِرْزِهَا مَنْ سَاكَنَهُ فِيهِ فَالْأَوْجَهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُمْ ثُمَّ لَيْسَ مُحْرَزًا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّيْفِ وَالسَّاكِنِ، وَلَوْ ذَهَبَ الْفَأْرُ بِهَا مِنْ حِرْزِهَا فِي جِدَارٍ لَمْ يَجُزْ لِمَالِكِهَا حَفْرُهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَتَعَدَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّى نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي دِينَارٍ وَقَعَ بِمِحْبَرَةٍ أَوْ فَصِيلٍ بِبَيْتٍ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِكَسْرِهَا أَوْ هَدْمِهِ يُكْسَرُ وَيُهْدَمُ بِالْأَرْشِ إنْ لَمْ يَتَعَدَّ مَالِكُ الظَّرْفِ وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ (أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهَا) مَعَ تَعْيِينِهِ مَحَلَّهَا (سَارِقًا) أَوْ نَحْوَهُ (أَوْ)(مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ) لِإِتْيَانِهِ بِنَقِيضِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ حَفِظَهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الدَّلَالَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَعَلَى.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُهَا عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْهُ هُوَ الضَّمَانُ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ حَجّ أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى سَبَبِ الذَّبْحِ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَبْحِهَا لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاعِيًا وَلَا مُودَعًا وَرَأَى نَحْوَ مَأْكُولٍ لِغَيْرِهِ وَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ وَأَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ بِنِيَّةِ حِفْظِهِ لِمَالِكِهِ وَإِذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ ذَبْحٍ لَا يَضْمَنُ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ وَلَهُ تَرْكُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْقَطْعِ بِرِضَا مَالِكِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ إتْلَافَ مَالِهِ لَكِنْ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا قَالُوهُ فِي الرَّاعِي فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ اُحْتُمِلَ تَصْدِيقُهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ فِي الرَّاعِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ مَفْرُوضٌ فِي عَارِفٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْهَلَاكِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهَا) وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ كِيسُ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَةٍ ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهُ فَضَاعَ فَيَضْمَنُ (قَوْلُهُ: فَأَلْقَاهَا فِي مَضْيَعَةٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْمَضْيَعَةُ بِمَعْنَى الضَّيَاعِ، وَيَجُوزُ فِيهَا كَسْرُ الضَّادِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مِثْلَ مَعِيشَةٍ، وَيَجُوزُ سُكُونُ الضَّادِ وَفَتْحُ الْيَاءِ وِزَانَ مُسْلِمَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَفَازَةُ الْمُنْقَطِعَةُ (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ احْفَظْ دَارِي فَأَجَابَ) أَيْ صَرِيحًا (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: لَيْسَ مُحْرَزًا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّيْفِ) أَيْ فَالْوَدِيعُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ وَضَعَهَا فِيمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا (قَوْلُهُ أَوْ هَدْمِهِ يُكْسَرُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُفْتِي بِجَوَازِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ إنْ هَدَمْت الْبَيْتَ وَكَسَرْت الدَّوَاةَ غَرِمَتْ الْأَرْشَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إتْلَافُ مَالِهِ لِعَدَمِ تَعَدَّيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهَا) أَيْ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَيْ مُسْتَيْقِظِينَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْتَيْقِظًا وَلَوْ وَاحِدًا حَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ الْحِفْظُ (قَوْلُهُ: عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَتْ الْوَدِيعَةُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُفْصَلُ فِي أَنْوَاعِ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ الْخِسَّةِ وَالنَّفَاسَةِ وَفِي الدَّارِ مِنْ كَوْنِهَا مُحْكَمَةَ الْبِنَاءِ مَثَلًا أَوْ بِخِلَافِ ذَلِكَ
عَدَمِ الْقَرَارِ عَلَيْهِ حَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَفَارَقَ مُحَرَّمًا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ بِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ، وَتَنْظِيرُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ فِي حَمْلِ الزَّرْكَشِيّ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الدَّالِّ عَلَى وَجْهٍ لَا قَائِلَ بِهِ مَرْدُودٌ بِمَنْعِ لُزُومِ ذَلِكَ نَظَرًا لِعُذْرِهِ مَعَ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْتِزَامِهِ نَظَرًا لِالْتِزَامِهِ الْحِفْظَ وَقَوْلُهُ لَا قَاتِلَ بِهِ شَهَادَةُ نَفْيٍ لَا يُحِيطُ بِهَا الْعِلْمُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ضَمَانُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِهَا وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمَا عَدَمُهُ، وَلَوْ قَالَ لَا تُخْبِرْ بِهَا فَخَالَفَ فَإِنْ أَخَذَهَا مُخْبِرُهُ أَوْ مُخْبِرُ مُخْبِرِهِ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا فَلَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ، وَلَوْ دَفَعَ مِفْتَاحَ نَحْوِ بَيْتِهِ فَدَفَعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ سَاكِنٍ مَعَهُ فَفَتَحَ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ حِفْظَ الْمِفْتَاحِ لَا الْمَتَاعِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ ضَمِنَهُ أَيْضًا.
(فَلَوْ)(أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ) أَوْ لِغَيْرِهِ (لِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ) أَيْ الْوَدِيعِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُبَاشَرَتِهِ لِلتَّسْلِيمِ وَلَوْ مُضْطَرًّا إذْ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمُبَاشَرَةِ وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ لِلْإِكْرَاهِ وَيُطَالِبُ الظَّالِمَ وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَاحْتَرَزَ بِسَلَّمَهَا إلَيْهِ عَمَّا لَوْ أَخَذَهَا الظَّالِمُ بِنَفْسِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ فَقَطْ جَزْمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَعَدَمِ فِطْرِ الْمُكْرَهِ كَمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ تَعَالَى وَمِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَأَثَّرَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَمِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ شَيْءٌ (ثُمَّ رَجَعَ) الْوَدِيعُ (عَلَى الظَّالِمِ) وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَسَلَّمُهَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِاسْتِيلَائِهِ حَقِيقَةً عَلَيْهَا وَيَلْزَمُ الْوَدِيعَ دَفْعُ الظَّالِمِ بِمَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْحَلِفِ جَازَ.
وَكَفَّرَ إنْ كَانَ بِاَللَّهِ، وَحَنِثَ إنْ كَانَ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَيْهِ بَلْ خَيَّرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْلِيمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ قُطَّاعٌ مَالَ رَجُلٍ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ إنَّهُ لَا يُخْبِرُ بِهِمْ فَأَخْبَرَ بِهِمْ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِخِلَافِهِ هُوَ (قَوْلُهُ وَفَارَقَ مُحْرِمًا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ) أَيْ حَيْثُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَدَمُهُ) وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الدَّابَّةَ فِي زَمَنِ الْخَوْفِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الدَّابَّةِ جِنَايَةٌ عَلَيْهَا نَفْسِهَا فَاقْتَضَتْ الضَّمَانَ، بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ لَا تُعَدُّ جِنَايَةً عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ) أَيْ حَفِظَ الْأَمْتِعَةَ كَأَنْ اُسْتُحْفِظَ عَلَى الْمِفْتَاحِ وَمَا فِي الْبَيْتِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِهِ الْأَمْتِعَةَ وَلَا سَلَّمَهَا لَهُ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْخُفَرَاءِ إذَا اُسْتُحْفِظُوا عَلَى السِّكَّةِ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا الْأَمْتِعَةَ لِعَدَمِ تَسْلِيمِهَا لَهُمْ وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ إيَّاهَا.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ إنْ كَانَ بِالطَّلَاقِ) وَبَقِيَ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ فَقَطْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي حَلِفِهِ بِأَحَدِهِمَا اخْتِيَارًا لَهُ فَحَنِثَ إذْ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَاهِيَّةِ الْحَلِفِ، وَالْمَاهِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: حَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَوْلَ إلَخْ) هُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ) أَيْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ يَمْنَعُ لُزُومَ ذَلِكَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ إنْ كَانَ مَوْضُوعُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي دَلَالَةِ الْمُكْرَهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ السِّيَاقِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ ثَمَّ لَوْ الْتَزَمَهُ ضَمِنَهُ) قَالَ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَتِهِ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِهِ الْأَمْتِعَةَ وَلَا سَلَّمَهَا لَهُ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْخُفَرَاءِ إذَا اُسْتُحْفِظُوا عَلَى السِّكَّةِ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا الْأَمْتِعَةَ لِعَدَمِ تَسَلُّمِهَا لَهُمْ وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ إيَّاهَا انْتَهَى. قُلْت: لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ تَسَلَّمَ الْمِفْتَاحَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْضًا وَإِذَا سُلِّمَ الْمِفْتَاحُ مَعَ الْتِزَامِ حِفْظِ الْمَتَاعِ فَهُوَ مُتَسَلِّمٌ لِلْمَتَاعِ مَعْنًى بَلْ حِسًّا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الدُّخُولِ إلَى مَحَلِّهِ، وَأَيْضًا فَالِاسْتِحْفَاظُ هُنَا عَلَى الْمَتَاعِ وَهُنَاكَ عَلَى السِّكَّةِ، وَأَيْضًا فَالْأَمْتِعَةُ هُنَا مُعَيَّنَةٌ نَوْعَ تَعْيِينٍ إذْ هِيَ مَحْصُورَةٌ فِي الْمَحَلِّ الْمُسْتَحْفِظِ عَلَيْهِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، بِخِلَافِ بُيُوتِ السِّكَّةِ الَّتِي بِهَا سُكَّانُهَا يَزِيدُونَ وَيَنْقُصُونَ، وَأَيْضًا فَالْمُسْتَحْفِظُ هُنَا مَالِكُ الْمَتَاعِ وَثَمَّ الْمُسْتَحْفِظُ هُوَ الْحَاكِمُ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ بِهِ وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ
لِأَنَّهُمْ أَكْرَهُوهُ عَلَى الْحَلِفِ عَيْنًا، وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إلَى وُجُوبِهِ بِاَللَّهِ دُونَ الطَّلَاقِ، نَعَمْ يَتَّجِهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ إنْ كَانَتْ حَيَوَانًا يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ قِنًّا يُرِيدُ الْفُجُورَ بِهِ.
(وَمِنْهَا أَنْ)(يَنْتَفِعَ بِهَا) بَعْدَ أَخْذِهَا لَا بِنِيَّةِ ذَلِكَ (بِأَنْ يَلْبَسَ) نَحْوَ الثَّوْبِ أَوْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ مَثَلًا (أَوْ يَرْكَبَ) الدَّابَّةَ: أَوْ يُطَالِعَ فِي الْكِتَابِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (خِيَانَةً) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ لَا لِعُذْرٍ فَيَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِهِ لِدَفْعِ نَحْوِ الدُّودِ مِمَّا مَرَّ، وَبِخِلَافِ نَحْوِ الْخَاتَمِ إذَا لَبِسَهُ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا لَهُ.
نَعَمْ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاسْتِعْمَالَ وَبِمَنْ لَمْ يَعْتَدْ اللُّبْسَ فِي غَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَامَّةِ لَا إنْ قَصَدَ بِلُبْسِهَا فِيهَا الْحِفْظَ فَلَا يَضْمَنُ.
وَقَضِيَّتُهُ تَصْدِيقُهُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَبِسَهَا لِلْحِفْظِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي وُقُوعِ الْخَوْفِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ، بِخِلَافِ وُقُوعِ الْخَوْفِ، وَغَيْرُ الْخِنْصَرِ لِلْمَرْأَةِ كَالْخِنْصَرِ، وَالْخُنْثَى مُلْحَقٌ بِالرَّجُلِ فِي أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ إذَا لَبِسَهُ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِوَضْعِهِ فِي خِنْصَرِهِ فَجَعَلَهُ فِي بِنَصْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ لِكَوْنِهِ أَغْلَظَ إلَّا إنْ جَعَلَهُ فِي أَعْلَاهُ أَوْ فِي أَوْسَطِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، أَوْ انْكَسَرَ لِغِلَظِ الْبِنْصِرِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ أَسْفَلَ الْخِنْصَرِ أَحْفَظُ مِنْ أَعْلَى الْبِنْصِرِ وَوَسَطُهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِلْمُخَالَفَةِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ قَالَ اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَهِي إلَى أَصْلِ الْبِنْصِرِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ أَحْرَزُ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَوْ قَالَ احْفَظْهُ فِي بِنَصْرِك فَحَفِظَهُ فِي خِنْصَرِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ لُبْسُهُ فِي الْبِنْصِرِ كَانَ فِي الْخِنْصَرِ وَاسِعًا انْتَهَى.
وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَا قَالَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ: احْفَظْ هَذَا فِي يَمِينِك فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ ضَمِنَ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَحْرَزُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا نَقَلَهُ الْعِجْلِيّ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنْ لَوْ هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ قَالَ: وَقَضِيَّةُ مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَعْسَرَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ كَانَا سَوَاءً، وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَعْمَلَهَا ظَانًّا كَوْنَهَا مِلْكَهُ فَإِنَّ ضَمَانَهَا مَعَ عَدَمِ الْخِيَانَةِ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْغَصْبِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا لَمْ يَضْمَنْهَا، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: ظَنُّ الْمِلْكِ عُذْرًا إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ لَا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ حَتَّى مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ (أَوْ) بِأَنْ (يَأْخُذَ الثَّوْبَ) مَثَلًا (لِيَلْبَسَهُ أَوْ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا فَيَضْمَنَ) الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ، وَالْمُتَقَوِّمَ بِأَقْصَى قِيمَةٍ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَلْبَسْ وَيُنْفِقْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْ الْقَبْضَ لَمَّا اقْتَرَنَ بِنِيَّةِ التَّعَدِّي صَارَ كَقَبْضِ الْغَاصِبِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الدَّرَاهِمَ أَخْذُ بَعْضِهَا كَدِرْهَمٍ فَيَضْمَنُهُ فَقَطْ مَا لَمْ يَفُضَّ خَتْمًا أَوْ يَكْسِرُ قُفْلًا وَيَضْمَنُ الْوِعَاءَ كَصُنْدُوقٍ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَلِفِ فَفَرْدٌ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ لَيْسَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمْ أَكْرَهُوهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ، وَقَوْلُهُ وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ مُقَابِلَ الْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْحَلِفِ جَازَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَتَّجِهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ) أَيْ بِحَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ وَلَا حِنْثَ لِإِكْرَاهِهِ عَلَى الْحَلِفِ عَيْنًا.
(قَوْلُهُ: لَا بِنِيَّةِ ذَلِكَ) أَيْ الِانْتِفَاعِ الْمَأْخُوذِ مَنْ يَنْتَفِعُ (قَوْلُهُ: وَوَسَطُهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ) هِيَ قَوْلُهُ أَوْ انْكَسَرَ لِغِلَظٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَهِي) أَيْ بِأَنْ كَانَ ضَيِّقًا (قَوْلُهُ: فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ) هُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَهِي (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ مَا قَالَهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا إلَخْ مُعْتَمَدٌ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ ضَمَانَهَا إلَخْ مُعْتَمَدٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُهُ فَقَطْ) أَيْ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى أَخْذِهِ تَلَفٌ لِبَاقِيهَا كَأَنْ أَعْلَمَ السَّارِقَ بِهَا عِنْدَ إخْرَاجِهَا وَأَخَذَ الدِّرْهَمَ مِنْهَا، وَكَالْوَدِيعَةِ مَا لَوْ سَأَلَهُ إنْسَانٌ فِي شِرَاءِ مَتَاعٍ لَهُ وَدَفَعَ لَهُ دَرَاهِمَ ثُمَّ ضَاعَتْ فَيَأْتِي فِيهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِلتُّحْفَةِ، لَكِنَّ تِلْكَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَالضَّمِيرُ لَهُ
(قَوْلُهُ: لَا بِنِيَّةِ ذَلِكَ) أَيْ لَا بِنِيَّةِ الِانْتِفَاعِ وَإِلَّا صَارَ ضَامِنًا بِنَفْسِ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْخِنْصَرِ لِلْمَرْأَةِ كَالْخِنْصَرِ) يَشْمَلُ نَحْوَ السَّبَّابَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْتَادُ اللُّبْسُ فِيهَا لِلنِّسَاءِ أَصْلًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ) فِي مَسْأَلَةِ اللُّبْسِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
أَيْضًا فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا رَدَّ الْمَأْخُوذَ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ ضَمَانُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ الْجَمِيعُ ضَمِنَ دِرْهَمًا أَوْ النِّصْفَ ضَمِنَ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَلَا يَضْمَنُ الْبَاقِيَ بِخَلْطِهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ، بِخِلَافِ رَدِّ بَدَلِهِ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَجَرَى فِيهِ مَا لَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِمِثَالَيْنِ أَوَّلُهُمَا لِنِيَّةِ الْإِمْسَاكِ وَالْأَخْذِ، وَثَانِيهُمَا لِنِيَّةِ الْإِخْرَاجِ.
(وَلَوْ)(نَوَى) بَعْدَ الْقَبْضِ (الْأَخْذَ) أَيْ قَصَدَهُ قَصْدًا مُصَمِّمًا (وَلَمْ يَأْخُذْ)(لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا وَلَا وَضَعَ يَدَهُ تَعَدِّيًا لَكِنَّهُ يَأْثَمُ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ كَمَا لَوْ نَوَاهُ ابْتِدَاءً، وَرَدُّهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الِابْتِدَاءِ اقْتَرَنَتْ بِالْفِعْلِ كَمَا مَرَّ فَأَثَّرَتْ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا يَضْمَنُهَا مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ الْأَخْذِ حَتَّى لَوْ نَوَى يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَخَذَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ وَالْأَرْشَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ تَجْدِيدُ الْقَصْدِ لِأَخْذِهَا لَا مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَدَاعِيَةُ الدِّينِ تَدْفَعُهُ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِنْ تَرَدَّدَ الرَّأْيَ وَلَمْ يَجْزِمْ فَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حَكَمَ لَهُ حَتَّى يُجَرِّدَ قَصْدَ الْعُدْوَانِ، وَأَجْرَى الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ نَوَى عَدَمَ الرَّدِّ وَإِنْ طَالَبَ الْمَالِكُ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَضْمَنُ هُنَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِنَفْسِهِ.
(وَلَوْ)(خَلَطَهَا) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (بِمَالِهِ) أَوْ مَالِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَجْوَدَ (وَلَمْ تَتَمَيَّزْ) بِأَنْ عَسُرَ تَمْيِيزُهَا كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (ضُمِّنَ) ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، أَمَّا لَوْ تَمَيَّزَتْ بِنَحْوِ سِكَّةٍ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا إنْ نَقَصَتْ بِالْخَلْطِ فَيَضْمَنُ النَّقْصَ (وَلَوْ)(خَلَطَ دَرَاهِمَ كِيسَيْنِ لِلْمُودِعِ) وَلَمْ تَتَمَيَّزْ وَقَدْ أَوْدَعَهُمَا غَيْرَ مَخْتُومَيْنِ (ضَمِنَ) تِلْكَ الدَّرَاهِمَ بِمَا مَرَّ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَدِّيهِ.
وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ كُلًّا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ كَانَا مَخْتُومَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَيَضْمَنُ بِالْفَضِّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْ كَفَتْحِ الصُّنْدُوقِ الْمُقْفَلِ، بِخِلَافِ حَلِّ خَيْطٍ يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْكِيسِ أَوْ رِزْمَةُ الْقُمَاشِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا مَنْعُ الِانْتِشَارِ لَا كَتْمُهُ عَنْهُ (وَمَتَى صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ لَمْ يَبْرَأْ) كَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا فَوْرًا بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ أَوْ وَكِيلٍ تَعَدَّى، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ مَا مَرَّ مِنْ ارْتِفَاعِ أَصْلِ الْوَدِيعَةِ بِالْخِيَانَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
(فَإِنْ)(أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ) الرَّشِيدُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ (اسْتِئْمَانًا) أَوْ إذْنًا فِي حِفْظِهَا أَوْ إبْرَاءً أَوْ إيدَاعًا (بَرِئَ) الْوَدِيعُ مِنْ ضَمَانِهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَالثَّانِي لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَرُدَّهَا إلَيْهِ وَإِلَى وَكِيلِهِ لِخَبَرِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَخَرَجَ بِأَحْدَثَ قَوْلُهُ لَهُ قَبْلَ الْخِيَانَةِ إنْ خُنْت ثُمَّ تَرَكْت عُدْت أَمِينًا فَلَا يَبْرَأُ بِهِ قَطْعًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ وَتَعْلِيقٌ لِلْوَدِيعَةِ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ نَحْوُ وَلِيٍّ وَوَكِيلٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ أَتْلَفَهَا فَأَحْدَثَ لَهُ اسْتِئْمَانًا أَوْ نَحْوُهُ فِي الْبَدَلِ لَمْ يَبْرَأْ.
(وَمَتَى)(طَلَبَهَا الْمَالِكُ) الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَلَوْ سَكْرَانَ فِيمَا يَظْهَرُ إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُكَلَّفِ (لَزِمَهُ الرَّدُّ) فَوْرًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ سَلَّمَهَا لَهُ بِإِشْهَادٍ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
هَذَا التَّفْصِيلُ.
(قَوْلُهُ وَالْأَرْشُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْأَخْذِ وَاتَّصَلَ بِهِ بَعْدَ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَوْلِي مِنْ حِينِ النِّيَّةِ، وَإِلَّا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِبَقَاءِ الْأَمَانَةِ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ (قَوْلُهُ: وَأَجْرَى الْخِلَافَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِنَفْسِهِ) قَالَ حَجّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الضَّمَانِ.
(قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) أَيْ وَإِنْ خَلَفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ بِالْفَضِّ: أَيْ مَا فَضَّهُ فَقَطْ حَيْثُ لَمْ يَخْلِطْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ أَوْ وَكِيلٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمَا الرَّدُّ فَوْرًا وَإِنْ تَعَدِّيًا لِبَقَاءِ الرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ وَإِنْ زَالَتْ الْأَمَانَةُ.
(قَوْلُهُ فَأَحْدَثَ لَهُ اسْتِئْمَانًا أَوْ نَحْوَهُ فِي الْبَدَلِ) وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ ابْتِدَاءً
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: تَجْدِيدُ الْقَصْدِ لِأَخْذِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ إنْ قَصَدَهُ قَصْدًا مُصَمِّمًا فَيَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَهُ فَتَأَمَّلْ
لِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ: نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ حَاكِمًا ثُمَّ طَالَبَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ لِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ.
قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُودِعُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ بِوَلَايَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّدِّ حَقِيقَتُهُ بَلْ التَّمْكِينُ مِنْ الْأَخْذِ (بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، أَمَّا مَالِكٌ حُجِرَ عَلَيْهِ لِنَحْوِ سَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا يَرُدُّ إلَّا لِوَلِيِّهِ وَإِلَّا ضَمِنَ كَالرَّدِّ لِأَحَدِ شَرِيكَيْنِ أَوْ دَعَاهُ، فَإِنْ أَبَى إلَّا أَخْذَ حِصَّتِهِ رَفَعَهُ لِقَاضٍ يَقْسِمُهَا لَهُ إنْ انْقَسَمَ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ مَعْرُوفًا بِاللُّصُوصِيَّةِ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ طَالَبَهُ لَزِمَهُ الرَّدُّ فِيمَا يَظْهَرُ لِظَاهِرِ الْيَدِ، وَلَوْ أَعْطَى غَيْرَهُ نَحْوَ خَاتَمٍ أَمَارَةً لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ بَعْدَ قَضَائِهَا فَتَرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى التَّخْلِيَةِ (فَإِنْ أَخَّرَ) التَّخْلِيَةَ بَعْدَ الطَّلَبِ (بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِهِ لِنَحْوِ طُهْرٍ وَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ دَخَلَ وَقْتُهَا وَهِيَ بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ الْعُذْرِ كَنَذْرِ اعْتِكَافِ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ وَإِحْرَامٍ يَطُولُ زَمَنُهُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَوْكِيلُ أَمِينٍ يَرُدُّهَا إنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا بَعَثَ لِلْحَاكِمِ لِيَرُدَّهَا، فَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ هَذَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ضَمِنَ، وَقَوْلُهُ أَعْطِهَا لِأَحَدِ وُكَلَائِي وَطَلَبَهَا أَحَدُهُمْ فَأَخَّرَهَا لِيَدْفَعَهَا لِلْآخَرِ اقْتَضَى الضَّمَانَ، فَإِنْ قَالَ أَعْطِ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ لَمْ يَعْصِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَمْ يَضْمَنْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
(وَإِنْ)(ادَّعَى) الْوَدِيعُ (تَلَفَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا) لَهُ (أَوْ ذَكَرَ) سَبَبًا (خَفِيًّا)(كَسَرِقَةٍ) وَغَصْبٍ، نَعَمْ يَظْهَرُ حَمْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى وُقُوعَهُ فِي خَلْوَةٍ وَإِلَّا طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) إجْمَاعًا وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ، نَعَمْ يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ لَهُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، وَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى السَّبَبِ الْخَفِيِّ حَلَفَ الْمَالِكُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ وَغَرَّمَهُ الْبَدَلَ، وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ دَعْوَى السَّرِقَةِ مَا لَوْ طَلَبَهَا الْمَالِكُ فَقَالَ لَهُ أَرُدُّهَا وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ طَالَبَهُ فَأَخْبَرَهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَفَصَّلَ الْعَبَّادِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَهَا فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ أَيِسَ مِنْهَا ضَمِنَ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ (وَإِنْ ذَكَرَ) سَبَبًا (ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ) وَمَوْتٍ ادَّعَى وُقُوعَهُ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ كَمَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بَحْثًا وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَيْهِ (فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ وَعُمُومُهُ) وَلَمْ يُحْتَمَلْ سَلَامَةُ الْوَدِيعَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ) لَإِغْنَاءِ ظَاهِرِ الْحَالِ عَنْهَا، نَعَمْ إنْ اُتُّهِمَ بِأَنْ اُحْتُمِلَ سَلَامَتُهَا حَلَفَ وُجُوبًا (وَإِنْ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ) وَاحْتُمِلَ سَلَامَتُهَا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إيدَاعٌ.
(قَوْلُهُ لِقَبُولِ قَوْلِهِ) أَيْ الْوَدِيعِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ) أَيْ لِمَا هُوَ أَمِينٌ فِيهِ كَمَالِ يَتِيمٍ مَثَلًا وَفَائِدَةُ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ قَبُولِ قَوْلِ الْوَدِيعِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ تَخْلِيصُ الْحَاكِمِ مِنْ وَرْطَةِ لُزُومِ غُرْمِهِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ: أَيْ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ الْوَدِيعَةُ، وَقَوْلُهُ أَنْ يُشْهِدَ لَهُ: أَيْ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَرُدُّ إلَّا لِوَلِيِّهِ) أَيْ الْوَدِيعِ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْوَلِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُفْلِسِ مُسَامَحَةٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَاضِي، وَلَيْسَ وَلِيًّا لِلْمُفْلِسِ وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي الضَّمَانَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَعْدَلَ بَلْ أَوْ كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا.
(قَوْلُهُ نَعَمْ يَظْهَرُ حَمْلُهُ) أَيْ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا إذَا ادَّعَى وُقُوعَهُ فِي خَلْوَةٍ) أَيْ فِي مَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ) أَيْ فَلَا يُكَلَّفُ الْحَلِفُ أَنَّهَا مَا تَلِفَتْ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ) أَيْ فِي الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَمَوْتٌ ادَّعَى وُقُوعَهُ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ إلَخْ) أَيْ فَهَذَا سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْحَرِيقَ فِي حُكْمِهِ الْآتِي، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَهُ فِي تَفْصِيلِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ وُجُوبُ الْبَيِّنَةِ. نَعَمْ إنْ اسْتَفَاضَ فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُهُ بِلَا يَمِينٍ نَظِيرَ الْحَرِيقِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حُمِلَ وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِصُدِّقَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ بِهِ) قَدْ يُقَالُ: هَلَّا فُصِلَ بَيْنَ مَا إذَا تَعَرَّضَتْ الْبَيِّنَةُ لِكَوْنِ الْحَرِيقِ مَثَلًا عُرِفَ وَعُمُومُهُ فَيُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِلَا يَمِينٍ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ تَتَعَرَّضْ فَيُحْتَاجُ لِلْيَمِينِ
مَا ادَّعَاهُ (وَإِنْ جَهِلَ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ) عَلَى وُقُوعِهِ (ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ بِهِ) لِاحْتِمَالِ سَلَامَتِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُكَلَّفْ عَلَى التَّلَفِ بَيِّنَةً لِكَوْنِهِ مِمَّا يَخْفَى فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ مَالِكُهَا عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ)(ادَّعَى) وَدِيعٌ لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعَةَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ (رَدَّهَا عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ) وَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَبْضِ حَالَ الرَّدِّ مَالِكًا كَانَ أَوْ وَلِيَّهُ أَوْ وَكِيلَهُ أَوْ قَيِّمًا أَوْ حَاكِمًا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِرِضَاهُ بِأَمَانَتِهِ فَلَمْ يَحْتَجَّ لِلْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِهِ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِتَصْدِيقِ جَابٍ ادَّعَى تَسْلِيمَ مَا جَبَاهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ عَلَى الْجِبَايَةِ كَوَكِيلٍ ادَّعَى تَسْلِيمَ الثَّمَنِ لِمُوَكِّلِهِ (أَوْ) ادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ (عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ (كَوَارِثِهِ أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودِعِ الرَّدَّ) مِنْهُ (عَلَى الْمَالِكِ) بِنَفْسِهِ (أَوْ أَوْدَعَ) الْوَدِيعُ (عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِينًا) لَمْ يُعَيِّنْهُ الْمَالِكُ (فَادَّعَى الْأَمِينُ الرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ طُولِبَ) كُلٌّ مِمَّنْ ذَكَرَ (بِبَيِّنَةٍ) كَمَا لَوْ ادَّعَى مَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا لِنَحْوِ دَارِهِ، وَمُلْتَقِطٌ الرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ رَدَّهَا عَلَى الْمُودِعِ أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِ مُوَرِّثِهِ أَوْ يَدِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُصُولِهَا فِي يَدِ الْوَارِثِ وَعَدَمُ تَعَدِّيهمَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ تَصْدِيقَ الْأَمِينِ فِي الْأَخِيرَةِ فِي رَدِّهَا عَلَى الْوَدِيعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْوَدِيعِ أَخْذَهَا مِنْهُ بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ.
(وَجُحُودُهَا بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ) لَهَا (مُضَمَّنٌ) بِأَنْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي فَيَمْتَنِعُ قَبُولُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ قَبْلَ ذَلِكَ لِلتَّنَاقُضِ لَا الْبَيِّنَةِ بِأَحَدِهِمَا لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ قَبُولِ دَعْوَاهُ النِّسْيَانَ فِي الْأَوَّلِ، وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ التَّنَاقُضَ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ أَقْبَحُ فَغَلَّظَ فِيهِ أَكْثَرَ، بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْلِهِ لَا وَدِيعَةَ لَك عِنْدِي يُقْبَلُ مِنْهُ الْكُلُّ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَسَوَاءٌ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِيهِ الْمَالِكُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ
نَعَمْ لَوْ طَلَبَهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ ظَالِمٍ وَخَافَ عَلَيْهَا مِنْهُ فَجَحَدَهَا دَفْعًا لَهُ فَلَا ضَمَانَ لِإِحْسَانِهِ بِالْجَحْدِ وَخَرَجَ يَطْلُبُ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً أَوْ جَوَابًا غَيْرَهُ وَلَوْ بِحَضْرَتِهِ.
أَوْ أَجَابَ قَوْلُ الْمَالِكِ لِي عِنْدَك وَدِيعَةٌ لَا وَدِيعَةَ لِأَحَدٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّ إخْفَاءَهَا أَبْلَغُ فِي حِفْظِهَا، وَلَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِيدَاعِ الثَّابِتِ بِنَحْوِ بَيِّنَةٍ حُبِسَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءُ فِي جَوَابِهِ بِلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لِتَضَمُّنِهِ دَعْوَى تَلَفِهَا أَوْ رَدِّهَا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعَةَ) أَيْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَعَدٍّ يَقْتَضِي، ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ: ادَّعَى تَسْلِيمَ مَا جَبَاهُ لِمُسْتَأْجَرِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عِوَضٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجِبَايَةِ) بِخِلَافِ جَابِي، وَقَفَ أَقَامَهُ غَيْرُ نَاظِرِهِ كَوَاقِفِهِ ادَّعَى تَسْلِيمَ مَا جَبَاهُ لِنَاظِرِهِ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ غَيْرُ نَاظِرِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ نَاظِرُهُ لِلْجِبَايَةِ قُبِلَ دَعْوَاهُ الرَّدَّ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ) وَمِثْلُهُ وَارِثُ الْوَكِيلِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي التَّلَفِ وَالرَّدِّ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ لِلْوَدِيعِ أَخْذَهَا) مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ) سَيَأْتِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ قَبُولُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ (قَوْلُهُ: يُقْبَلُ مِنْهُ الْكُلُّ) أَيْ دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، وَالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ بِقِسْمَيْهِ) أَيْ الْجُحُودِ بِقِسْمَيْهِ وَهُمَا قَوْلُهُ لَا تُودِعْنِي
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعَةَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ) لَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَهُ يَتَأَتَّى فِيمَا مَرَّ فِي دَعْوَى التَّلَفِ لَكِنَّهُ إنَّمَا خَصَّ هَذَا بِالتَّقْيِيدِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُبَرِّئٌ دُونَ التَّلَفِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ دَعْوَى الرَّدِّ مِثْلُ الرَّدِّ فَدَفَعَهُ بِمَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: بِنَفْسِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ مِنْهُ
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ ادَّعَى غَلَطًا إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ مُضَمَّنٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِطَلَبِ الْمَالِكِ ابْتِدَاءً أَوْ جَوَابًا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَخَرَجَ بِطَلَبِ الْمَالِكِ قَوْلُهُ ابْتِدَاءً أَوْ جَوَابًا لِسُؤَالِ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَوْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ لِقَوْلِ الْمَالِكِ لِي عِنْدَك وَدِيعَةٌ لَا وَدِيعَةَ لِأَحَدٍ عِنْدِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءُ فِي جَوَابِهِ)
فِي التَّلَفِ وَالرَّدِّ يَجْرِي فِي كُلِّ أَمِينٍ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُكْتَرِي فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي الرَّدِّ، وَسَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى أَنَّ نَحْوَ الْغَاصِبِ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَيْضًا لِئَلَّا يَتَخَلَّدَ حَبْسُهُ ثُمَّ يَغْرَمُ الْبَدَلَ، وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَيِسَ مِنْ مَالِكِهَا بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ بِأَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي أَهَمِّ الْمَصَالِحِ إنْ عَرَفَ وَإِلَّا سَأَلَ عَارِفًا وَيُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ وَلَا يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَدْفَعُهَا لِقَاضٍ أَمِينٍ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، قَالَ كَالْجَوَاهِرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَهَا كَاللُّقَطَةِ فَلَعَلَّ صَاحِبَهَا نَسِيَهَا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ صَرَفَهَا فِيمَا ذُكِرَ انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا فِيمَا تَقَرَّرَ لُقَطَةُ الْحَرَمِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مَالٌ ضَائِعٌ فَمَتَى لَمْ يَيْأَسْ مِنْ مَالِكِهِ أَمْسَكَهُ لَهُ أَبَدًا مَعَ التَّعْرِيفِ أَوْ أَعْطَاهُ لِلْقَاضِي فَيَحْفَظُهُ لَهُ كَذَلِكَ، وَمَتَى أَيِسَ مِنْهُ: أَيْ بِأَنْ يَبْعُدَ عَادَةً وُجُودُهُ فِيمَا يَظْهَرُ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَوْ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا لَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْضَلِ وَأَنَّ غَيْرَهُ أَهَمُّ، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَالِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِأَنَّ لَهُ بِنَاءَهُ أَوْ يَدْفَعُهُ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ يَكُنْ جَائِرًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ لَهُ الْوَدِيعُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا وَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيته وَكَذَّبَاهُ فِي النِّسْيَانِ ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ، وَالْغَاصِبُ لَوْ قَالَ هَذَا لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيته فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْهُ تَعَيَّنَ الْمَغْصُوبُ لِلْآخَرِ بِلَا يَمِينٍ.
وَلَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ عِلْمَ الْوَدِيعِ بِمَوْتِ الْمَالِكِ وَطَلَبَهَا مِنْهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَارِثُ وَأَخَذَهَا، وَإِنْ قَالَ الْوَدِيعُ حَبَسْتهَا عِنْدِي لِأَنْظُرَ هَلْ أَوْصَى بِهَا مَكَالُهَا أَوْ لَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ ضَامِنٌ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ وَرَقَةً مَكْتُوبَةً بِإِقْرَارٍ أَوْ نَحْوِهِ وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَكْتُوبَةً وَأُجْرَةَ الْكِتَابَةِ: أَيْ وُجُوبَ قِيمَتِهَا مَعَ الْأُجْرَةِ، وَدَعْوَى كَوْنِ ذَلِكَ مَمْنُوعًا وَنَفَى الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ مَرْدُودَةٌ، إذْ وَجْهُهُ وَاضِحٌ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّ الْكَاغَدَ قَبْلَ كِتَابَتِهِ تَكْثُرُ فِيهِ الرَّغْبَةُ لِلِانْتِفَاعِ بِالْكِتَابَةِ فِيهِ فَقِيمَتُهُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْدَ كِتَابَتِهِ يَصِيرُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ قِيمَتُهُ تَافِهَةٌ، فَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ قِيمَتِهِ مَكْتُوبًا أُجْرَةُ كِتَابَةِ الشُّهُودِ لَأَجْحَفْنَا بِمَالِكِهِ؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ أَتْلَفَ مَاءً بِمَفَازَةٍ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ مَالِكُهُ بِمَكَانٍ لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مُطَرَّزًا دُونَ أُجْرَةِ التَّطْرِيزِ لِعَدَمِ الْإِجْحَافِ بِالْمَالِكِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ تَزِيدُ بِتَطْرِيزِهِ، بَلْ كَثِيرًا مَا تُجَاوِزُ الزِّيَادَةُ قِيمَةَ مَا طُرِّزَ بِهِ، وَمِنْ نَظَائِرِ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ فَحَفَرَ فِيهَا الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ الدَّفْنِ فَمُؤْنَةُ الْحَفْرِ عَلَيْهِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ، وَمَا لَوْ وَطِئَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقَوْلُهُ وَلَا وَدِيعَةَ لَك عِنْدِي، (قَوْلُهُ: إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُكْتَرِيَ) وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ ادَّعَى التَّلَفَ صُدِّقَ وَلَوْ غَاصِبًا، وَمَنْ ادَّعَى الرَّدَّ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَامِ (لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) وَإِنْ كَانَ أَمِينًا فَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ فَكَذَلِكَ أَوْ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُكْتَرِيَ وَالْمُرْتَهِنَ (قَوْلُهُ: لُقَطَةُ الْحَرَمِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ لَا الْمَدِينَةِ لِجَوَازِ تَمَلُّكِ لُقَطَتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا) أَيْ وَلَا يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ) وَحُكْمُهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْغَاصِبُ لَوْ قَالَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَأُجْرَةِ الْكِتَابَةِ) أَيْ الْمُعْتَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُجَجُ الْمَعْرُوفَةُ وَالتَّذَاكِرُ الدِّيوَانِيَّةُ وَنَحْوُهَا،
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَصْلِ الْإِيدَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ يَدْفَعُهُ لِلْإِمَامِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ: سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ) كَانَ الْأَوْضَحُ الْإِضْمَارَ
(قَوْلُهُ: أَيْ وُجُوبُ قِيمَتِهَا) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ مَا قَبْلَهُ أَوْضَحُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ كَمَا لَا يَخْفَى