المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القول في تأويل قوله: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٣

[ابن جرير الطبري]

الفصل: القول في تأويل قوله: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ

القول في تأويل قوله: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ‌

(107)

وَنزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) }

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فألقى موسى عصاه= "فإذا هي ثعبان مبين"، يعني حية= "مبين" يقول: تتبين لمن يراها أنها حية. (1) .

* * *

وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14909 -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:"فإذا هي ثعبان مبين" قال: تحولت حية عظيمة. وقال غيره: مثل المدينة.

14910 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فإذا هي ثعبان مبين"، يقول: فإذا هي حية كاد يَتَسوَّره= يعني: كاد يَثبُ عليه. (2) .

14911 -

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فإذا هي ثعبان مبين"، "والثعبان": الذكر من الحيات، فاتحةً فاها، واضعة لحيها الأسفل في الأرض، والأعلى على سور القصر، (3) ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه، فلما رأها ذُعِر منها، ووثب فأحدث، ولم يكن

(1) انظر تفسير ((مبين)) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(2)

في المطبوعة: ((كادت)) بالتأنيث في الموضعين وأثبت ما في المخطوطة. وفي ((الحية)) ذكر وأنثى.

(3)

(اللحي)) بفتح اللام وسكون الحاء، وهما ((لحيان)) : وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم من كل ذي لحى.

ص: 15

يُحْدِث قبل ذلك، وصاح: يا موسى، خذها وأنا مؤمن بك، وأرسل معك بنى إسرائيل! فأخذها موسى فعادت عصًا.

14912 -

حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس:"فإذا هي ثعبان مبين" قال: ألقى العصا فصارت حية، فوضعت فُقْمًا لها أسفل القبة، وفُقْمًا لها أعلى القبة (1) = قال عبد الكريم، قال إبراهيم: وأشار سفيان بأصبعه الإبهام والسبابة هكذا: شِبْه الطاق (2) = فلما أرادت أن تأخذه، قال فرعون: يا موسى خذها! فأخذها موسى بيده، فعادت عصا كما كانت أول مرة.

14913 -

حدثنا العباس بن الوليد قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب قال، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ألقى عصاه فتحولت حيه عظيمة فاغرةً فاها، مسرعة إلى فرعون، فلما رأى فرعون أنها قاصدةٌ إليه، اقتحم عن سريره، (3) فاستغاث بموسى أن يكفَّها عنه، ففعل.

14914 -

حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:" ثعبان مبين" قال: الحية الذكر.

14915 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما دخل موسى على فرعون، قال له فرعون:(4) أعرفك؟ قال: نعم! قال: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا؟ [سورة الشعراء: 18] . قال: فرد إليه موسى الذي ردَّ،

(1)((الفقم)) (بضم فسكون) هو ((اللحي)) الذي فسرته قبل، وهما ((فقمان)) .

(2)

((الطاق)) هو عقد البناء، وهو ما عطف من الأبنية كأنه القوس.

(3)

((اقتحم عن سريره)) ، رمي بنفسه وسقط عن سريره.

(4)

في المطبوعة والمخطوطة: ((قال له موسي: أعرفك)) ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه من تفسير ابن كثير 3:527.

ص: 16

فقال فرعون: خذوه! فبادره موسى فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فحملت على الناس فانهزموا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا، قتل بعضُهم بعضًا، وقام فرعون منهزمًا حتى دخل البيتَ.

14916 -

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، [سورة طه: 20] ، (1) قال: ما بين لَحْيَيها أربعون ذراعًا.

14917 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك:"فإذا هي ثعبان مبين"، قال: الحية الذكر.

* * *

قال أبو جعفر: وأما قوله: "ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين"، فإنه يقول: وأخرج يده، فإذا هي بيضاء تلوح لمن نظر إليها من الناس. (2) .

* * *

وكان موسى، فيما ذكر لنا، آدمَ، فجعل الله تحوُّل يده بيضاء من غير برص، له آية، وعلى صدق قوله:"إني رسول من رب العالمين"، حجة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14918 -

حدثنا العباس قال، أخبرنا يزيد قال، حدثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء = يعني: من غير برص= ثم أعادها إلى كمّه، فعادت إلى لونها الأول.

14919 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني

(1) في المطبوعة والمخطوطة: ((فألقي عصاه فإذا هي حية تسعي)) ليس هذا في شيء من التلاوة، والتلاوة ما أثبت.

(2)

انظر تفسير ((نزع)) فيما سلف 12: 437.

ص: 17

ويثق به، ويرض بقضائه، فإن الله حافظه وناصره (1) =لأنه "عزيز"، لا يغلبه شيء، ولا يقهره أحد، فجارُه منيع، ومن يتوكل عليه مكفيٌّ. (2)

وهذا أمرٌ من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول الله وغيرهم، أن يفوِّضوا أمرهم إليه، ويسلموا لقضائه، كيما يكفيهم أعداءهم، ولا يستذلهم من ناوأهم، لأنه "عزيز" غير مغلوب، فجاره غير مقهور = "حكيم"، يقول: هو فيما يدبر من أمر خلقه حكيم، لا يدخل تدبيره خلل. (3)

القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ‌

(50) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو تعاين، يا محمد، حين يتوفى الملائكةُ أرواحَ الكفار، فتنزعها من أجسادهم، تضرب الوجوه منهم والأستاه، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم. (4)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

(1) انظر تفسير " التوكل " فيما سلف 13: 385، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)

في المطبوعة: ". . . عليه يكفه "، غير ما في المخطوطة، وهو محض الصواب.

(3)

انظر تفسير " عزيز "، و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم) .

(4)

انظر تفسير " التوفي " فيما سلف 13: 35، تعليق 5، والمراجع هناك.

وتفسير " الأدبار " فيما سلف 13: 435، تعليق 2، والمراجع هناك.

وتفسير " الذوق " فيما سلف 13: 528، تعليق 2، والمراجع هناك.

وتفسير " الحريق " فيما سلف 7: 446، 447.

ص: 15

16200-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:(إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: يوم بدر.

16201-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير، عن مجاهد:(يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: وأستاههم، ولكن الله كريم يَكْنِي. (1)

16202-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، في قوله:(يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: وأستاههم، ولكنه كريم يَكْنِي. (2)

16203-

حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، أخبرنا شعبة، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير في قوله:(يضربون وجوههم وأدبارهم)، قال: إن الله كنى، ولو شاء لقال:"أستاههم"، وإنما عنى ب "أدبارهم"، أستاههم.

16204-

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: أستاههم، يوم بدر =قال ابن جريج، قال ابن عباس: إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين، ضربوا وجوههم بالسيوف. وإذا ولّوا، أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم.

16205-

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا عباد بن راشد، عن الحسن قال: قال رجل: يا رسول الله، إني رأيت بظهر

(1) الأثر: 16201 - " يحيى بن سليم الطائفي "، ثقة، مضى برقم: 4894، 9788، وكان في المطبوعة:" يحيى بن أسلم "، وهو خطأ محض، والمخطوطة مضطربة الكتابة. و " إسماعيل بن كثير الحجازي "، ثقة، مضى برقم:8929.

(2)

في المطبوعة: " ولكن الله "، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 16

أبي جهل مثل الشراك! (1) قال: ما ذاك؟ قال: ضربُ الملائكة.

16206-

حدثنا محمد قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه، (2) فنَدرَ رأسُه؟ (3) فقال: سبقك إليه الملك.

16207-

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: حدثني حرملة: أنه سمع عمر مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول: (يضربون وجوههم وأدبارهم)، فإنما يريد: أستاههم. (4)

* * *

قال أبو جعفر: وفي الكلام محذوف، استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره، وهو قوله:"ويقولون"، (ذوقوا عذاب الحريق) ، حذفت "يقولون"، كما حذفت من قوله:(وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا)[سورة السجدة: 21]، بمعنى: يقولون: ربنا أبصرنا. (5)

* * *

القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ‌

(51) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر، أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم: "ذوقوا عذاب

(1)" الشراك "، سير النعل الذي يكون على ظهرها.

(2)

انظر ما أسلفت في تفسير " ذهب يفعل "، فيما سلف 11: 128، تعليق: 1، ثم 11: 250، 251، وص 250 تعليق:1.

(3)

" ندر الشيء " سقط. يقال: " ضرب يده بالسيف فأندرها "، أي قطعها فسقطت.

(4)

الأثر: 16207 - " حرملة بن عمران التجيبي "، ثقة، مضى برقم: 6890، 13240. و " عمر، مولى غفرة "، هو " عمر بن عبد الله المدني "، أبو حفص، ليس به بأس، كان صاحب مرسلات ورقائق. مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 119.

(5)

انظر معاني القرآن للفراء 1: 413.

ص: 17