المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

طائف من الشيطان) ، يقول: نزغٌ من الشيطان = (تذكروا) - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٣

[ابن جرير الطبري]

الفصل: طائف من الشيطان) ، يقول: نزغٌ من الشيطان = (تذكروا)

طائف من الشيطان) ، يقول: نزغٌ من الشيطان = (تذكروا) .

15562 -

حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي:(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، يقول: إذا زلُّوا تابوا.

* * *

قال أبو جعفر: وهذان التأويلان متقاربا المعنى، لأن "الغضب" من استزلال الشيطان، و"اللّمة" من الخطيئة أيضًا منه، وكل ذلك من طائف الشيطان. (1) وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لخصوص معنى منه دون معنى، بل الصواب أن يعم كما عمه جل ثناؤه، فيقال: إن الذين اتقوا إذا عرض لهم عارض من أسباب الشيطان، ما كان ذلك العارض، تذكروا أمر الله وانتهوا إلى أمره.

* * *

وأما قوله: (فإذا هم مبصرون)، فإنه يعني: فإذا هم مبصرون هدى الله وبيانه وطاعته فيه، فمنتهون عما دعاهم إليه طائف الشيطان. كما: -

15563 -

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:(فإذا هم مبصرون)، يقول: إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ‌

(202) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي. (2) يعني بقوله: (يمدونهم) ، يزيدونهم، ثم لا ينقصون عما نقص عنه

(1) في المطبوعة والمخطوطة: ((وكان ذلك)) ، والصواب ما أثبت.

(2)

انظر تفسير ((الغي)) فيما سلف ص: 261، تعليق: 1، والمراجع هناك.

ص: 337

الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان. (1)

وإنما هذا خبرٌ من الله عن فريقي الإيمان والكفر، بأن فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلهم الشيطان تذكروا عظمة الله وعقابه، فكفَّتهم رهبته عن معاصيه، وردّتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله مما كان منهم زلَّةً = وأن فريق الكافرين يزيدهم الشيطان غيًّا إلى غيهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله، ولا يحجزهم تقوى الله، ولا خوف المعاد إليه عن التمادي فيها والزيادة منها، فهو أبدًا في زيادة من ركوب الإثم، والشيطان يزيده أبدًا، لا يقصر الإنسي عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشيطان من مدِّه منه، (2) كما: -

15564 -

حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:(وإخوانهم يمدونهم في الغيّ ثم لا يقصرون) قال: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين تُمْسك عنهم.

15565 -

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)، يقول: هم الجن، يوحون إلى أوليائهم من الإنس = (ثم لا يقصرون)، يقول: لا يسأمون.

15566 -

حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي:(وإخوانهم يمدونهم في الغيّ) ، إخوان الشياطين من المشركين، يمدهم الشيطان في الغيّ = (ثم لا يقصرون) ،

15567 -

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال:

(1) في المطبوعة: ((ثم لا يقصرون عما قصر عنه الذي اتقوا)) ، وأثبت ما في المخطوطة، وبنحو المعنى ذكره أبو حيان في تفسيره 4: 451، قال:((ثم لا ينقصون من إمدادهم وغوايتهم)) . فلذلك أبقيت ما في المخطوطة على حاله، وإن كنت في شك من جودته.

(2)

هكذا فعل الطبري، أتى بالضمائر مفردة بعد الجمع، وقد تكرر ذلك في مواضع كثيرة من تفسيره، أقربها ما أشرت إليه في ص 286،، تعليق:2.

ص: 338

قال ابن جريج قال عبد الله بن كثير: وإخوانهم من الجن، يمدون إخوانهم من الإنس = (ثم لا يقصرون)، يقول لا يقصر الإنسان. قال: و"المد" الزيادة، يعني: أهل الشرك، يقول: لا يُقصر أهل الشرك، كما يقصر الذين اتقوا، لا يرعَوُون، لا يحجزهم الإيمان (1) = قال ابن جريج قال مجاهد (وإخوانهم) ، من الشياطين = (يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)، استجهالا يمدون أهل الشرك = قال ابن جريج:(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ)، [سورة الأعراف: 179] . قال: فهؤلاء الإنس. يقول الله: (وإخوانهم يمدونهم في الغي) .

15568 -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثني محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) قال: إخوان الشياطين، يمدهم الشياطين في الغيّ = (ثمّ لا يقصرون) .

15569 -

حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد = (وإخوانهم) ، من الشياطين. (يمدونهم في الغي) ، استجهالا.

* * *

وكان بعضهم يتأول قوله: (ثم لا يقصرون)، بمعنى: ولا الشياطين يقصرون في مدِّهم إخوانَهم من الغيّ.

* ذكر من قال ذلك:

15570 -

حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) ، عنهم، ولا يرحمونهم.

* * *

قال أبو جعفر: وقد بينا أولى التأويلين عندنا بالصواب. وإنما اخترنا ما اخترنا

(1) في المطبوعة مكان ((لا يرعوون)) . ((لأنهم لا يحجزهم))

)) . لم يحسن قراءتها، لأنها كانت في المخطوطة:((لا يرعون)) . والصواب ما أثبت ((ارعوى عن القبيح)) . ندم. فانصرف عنه وكف.

ص: 339

من القول في ذلك على ما بيناه; لأن الله وصفَ في الآية قبلها أهل الإيمان به، وارتداعَهم عن معصيته وما يكرهه إلى محبته عند تذكرهم عظمته، ثم أتبع ذلك الخبرَ عن إخوان الشياطين وركوبهم معاصيه، فكان الأولى وصفهم بتماديهم فيها، (1) إذ كان عَقِيب الخبر عن تقصير المؤمنين عنها.

* * *

وأما قوله: (يمدونهم) ، فإنَّ القرأة اختلفت في قراءته.

فقرأه بعض المدنيين: "يُمِدُّونَهُمْ" بضم الياء من "أمددت".

* * *

وقرأته عامة قرأة الكوفيين والبصريين: (يَمُدُّونَهُمْ) ، بفتح الياء من "مددت".

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (يَمُدُّونَهُمْ) ، بفتح الياء، لأن الذي يمد الشياطينُ إخوانَهم من المشركين، إنما هو زيادة من جنس الممدود، وإذا كان الذي مد من جنس الممدود، كان كلام العرب "مددت" لا "أمددت". (2)

* * *

وأما قوله: (يقصرون)، فإن القرأة على لغة من قال:"أقصَرْت أقْصِر". وللعرب فيه لغتان: "قَصَرت عن الشيء" و"أقصرت عنه". (3)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا}

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا لم تأت، يا محمد، هؤلاء المشركين بآية من الله = (قالوا لولا اجتبَيتَها)، يقول: قالوا: هلا اخترتها واصطفيتها.

(1) في المطبوعة والمخطوطة: ((وكان الأولى)) بالواو، والسياق يقتضى الفاء.

(2)

انظر تفسير ((مد)) و ((أمد)) فيما سلف 1: 306 - 308 / 7: 181.

(3)

انظر معاني القرآن للفراء 1: 402، وصحح الخطأ هناك، فإنه ضبط ((قصر)) بضم الصاد، والصواب فتحها لا صواب غيره.

ص: 340

(1)

= من قول الله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ)، [سورة آل عمران: 179] يعني: يختار ويصطفي. وقد بينا ذلك في مواضعه بشواهده. (2)

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: معناه: هلا افتعلتها من قِبَل نفسك واختلقتها؟ بمعنى: هلا اجتبيتها اختلاقًا؟ كما تقول العرب: "لقد اختار فلان هذا الأمر وتخيره اختلاقًا". (3)

* ذكر من قال ذلك:

15571 -

حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا أجتبيتها)، أي: لولا أتيتنا بها من قِبَل نفسك؟ هذا قول كفار قريش.

15572 -

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قوله:(وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) قالوا: لولا اقتضبتها! (4) قالوا: تخرجها من نفسك.

15573 -

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) قالوا: لولا تقوَّلتها، جئتَ بها من عندك؟.

15574 -

حدثني المثنى قال: حدثني عبد الله قال: حدثني معاوية، عن

(1) انظر تفسير ((لولا)) فيما سلف 11: 356، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)

انظر تفسير ((اجتبى)) فيما سلف 7: 437 / 11: 512، 513.

(3)

انظر معاني القرآن للفراء 1: 402، والتعليق عليه هناك. وهذا معنى غريب جداً في ((اختار)) ، أنا في ريب منه، إلا أن يكون أراد أن العرب تقول في مجازها ((اختار الشيء اختلاقاً، كل ذلك بمعنى: اختلقه، لا أن ((اختار)) بمعنى اختلق. وإن كان صاحب اللسان قد اتبع قول الفراء الآتى بعد ص 343 ((وهو في كلام العرب جائز أن يقول: ((لقد اختار لك الشيء واجتباه وارتجله)) .

(4)

((اقتضب الكلام اقتضاباً)) ، ارتجله من غير تهيئة أو إعداد له. يقال:((هذا شعر مقتضب، وكتاب مقتضب)) .

ص: 341

علي، عن ابن عباس، قوله:(لولا اجتبيتها)، يقول: لولا تلقَّيتها = وقال مرة أخرى: لولا أحدَثتها فأنشأتها.

15575 -

حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي:(قالوا لولا اجتبيتها)، يقول: لولا أحدثتها.

15576 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله:(لولا اجتبيتها) قال: لولا جئت بها من نفسك!

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: هلا أخذتها من ربك وتقبَّلتها منه؟ (1)

* ذكر من قال ذلك:

15577 -

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:(لولا اجتبيتها)، يقول: لولا تقبَّلتها من الله!

15578 -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(لولا اجتبيتها)، يقول: لولا تلقَّيتَها من ربك!

15579 -

حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا اجتبيتها)، يقول: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، تأويلُ من قال تأويله: هلا أحدثتها من نفسك! لدلالة قول الله: (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ، فبيَّن ذلك أن الله إنما أمر نبيه صلى الله عليه

(1) في المطبوعة والمخطوطة، في هذا الموضع، والذي يليه في الأثر:((تقبلتها)) ، وفي الأثر الذي بعده: ((تلقيتها؛ في المخطوطة والمطبوعة، وأرجو أن يكون هذا الأخير هو الصواب، كما سلفت في رقم: 15574، وإن كان الأول جائزا.

ص: 342

وسلم، (1) بأن يجيبهم بالخبر عن نفسه أنه إنما يتبع ما ينزل عليه ربه ويوحيه إليه، لا أنه يحدث من قبل نفسه قولا وينشئه فيدعو الناس إليه.

* * *

وحكي عن الفراء أنه كان يقول: "اجتبيت الكلام" و"اختلقته"، و"ارتجلته": إذا افتعلته من قِبَل نفسك. (2)

15580 -

حدثني بذلك الحارث قال: حدثنا القاسم عنه.

* * *

قال أبو عبيدة: وكان أبو زيد يقول: إنما تقول العرب ذلك للكلام يبتدئه الرجل، (3) لم يكن أعدَّه قبل ذلك في نفسه. قال أبو عبيد: و"اخترعته" مثل ذلك. (4)

* * *

القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للقائلين لك إذا لم تأتهم بآية:"هلا أحدثتها من قبل نفسك! ": إن ذلك ليس لي، ولا يجوز لي فعله; لأن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إليّ من عنده، فإنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي، لأني عبده، وإلى أمره أنتهي، وإياه أطيع. (5) = (هذا بصائر من ربكم)، يقول: هذا القرآن والوحي الذي أتلوه عليكم = "بصائر من ربكم"، يقول: حجج عليكم، وبيان لكم من ربكم.

* * *

(1) في المخطوطة والمطبوعة: ((يبين ذلك أن الله

) والسياق يقتضى ما أثبت.

(2)

انظر ما سلف ص 341، تعليق رقم:2.

(3)

في المطبوعة: ((يبديه الرجل)) ، وفي المخطوطة:((البديه الرجل)) ، وكأن الصواب ما أثبت.

(4)

في المطبوعة: ((واخترعه)) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(5)

انظر تفسير ((الاتباع)) ، و ((الوحي)) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) و (وحي) .

ص: 343