المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(القول في تفسير السورة التي يذكر فيها‌ ‌ الأنفال) (بسم الله - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٣

[ابن جرير الطبري]

الفصل: (القول في تفسير السورة التي يذكر فيها‌ ‌ الأنفال) (بسم الله

(القول في تفسير السورة التي يذكر فيها‌

‌ الأنفال)

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(رَبِّ يَسِّر)

القول في تأويل قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى "الأنفال" التي ذكرها الله في هذا الموضع.

فقال بعضهم: هي الغنائم، وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك، يا محمد، عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر، لمن هي؟ فقل: هي لله ولرسوله.

* ذكر من قال ذلك:

‌1

5628- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن عكرمة، "يسئلونك عن الأنفال"، قال:"الأنفال"، الغنائم.

15629-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"يسئلونك عن الأنفال"، قال:"الأنفال"، الغنائم.

15630 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن مجاهد قال:"الأنفال"، المغنم.

ص: 360

15631-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك:"يسألونك عن الأنفال"، قال: الغنائم.

15632 -

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"الأنفال"، قال: يعني الغنائم.

15633-

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"يسألونك عن الأنفال"، قال:"الأنفال"، الغنائم.

15634 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"يسألونك عن الأنفال"، "الأنفال"، الغنائم.

15635-

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله:"يسألونك عن الأنفال"، قال:"الأنفال"، الغنائم.

15636-

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:"الأنفال"، الغنائم.

15637-

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء:"يسألونك عن الأنفال"، قال: الغنائم.

* * *

ص: 362

وقال آخرون: هي أنفال السرايا.

* ذكر من قال ذلك:

15638-

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا علي بن صالح بن حي قال، بلغني في قوله:"يسألونك عن الأنفال"، قال: السرايا.

* * *

وقال آخرون: "الأنفال"، ما شذَّ من المشركين إلى المسلمين، من عَبْد أو دابة، وما أشبه ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

15639-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"، قال: هو ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، دابَّة أو عبدٌ أو متاعٌ، ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء.

15640 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء:"يسألونك عن الأنفال"، قال: هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال، من عبد أو أمة أو متاع أوثَقَل، (1) فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء.

15641-

. . . . قال، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري: أن ابن عباس سئل عن: "الأنفال"، فقال: السَّلَب والفرس.

15642-

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ويقال "الأنفال"، ما أخذ مما سقط من المتاع بعد ما تُقَسَّم الغنائم، فهي نفلٌ لله ولرسوله.

15643-

حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن محمد بن شهاب: أن رجلا قال لابن عباس: ما "الأنفال"؟ قال: الفرَس والدِّرع والرمحُ. (2)

(1) في المطبوعة والمخطوطة: " أو نفل "، والصواب ما أثبت. و " الثقل "(بفتحتين) ، متاع المسافر وحشمه.

(2)

الأثر: 15643 - " عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم النوفلي "، ثقة، كان قاضيًا على مكة. مترجم في التهذيب، وابن سعد 5: 357، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 152، وهذا الخبر، رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال ص 304 رقم: 757 مطولا.

ص: 363

15644-

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، قال ابن جريج، قال عطاء: "الأنفال:، الفرس الشاذّ والدرع والثوب.

15645-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن ابن عباس قال: كان ينفِّل الرجل سَلَب الرجل وفرسه. (1)

15646-

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد قال: سمعت رجلا سأل ابن عباس عن "الأنفال"، فقال ابن عباس: الفرس من النَّفَل، والسلب من النفل. ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضًا. ثم قال الرجل:"الأنفال"، التي قال الله في كتابه، ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد يُحْرجه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا، مَثَلُ صَبِيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ (2)

15647 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال، قال ابن عباس: كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال: "لا آمرك ولا أنهاك". ثم قال ابن عباس: والله ما بعث الله نبيه عليه السلام إلا زاجرًا آمرًا، محللا محرمًا= قال القاسم: فسلِّط على ابن عباس رجل يسأله عن: "الأنفال"، فقال ابن عباس: كان الرجل ينفّل فرس الرجل وسلاحه. فأعاد عليه الرجل، فقال له مثل ذلك، ثم أعاد عليه حتى أغضبه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مَثَل هذا، مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على عقبيه= أو على رجليه؟ فقال الرجل: أمّا أنت فقد انتقم الله لعمر منك.

(1) في المطبوعة والمخطوطة: " فرس الرجل وسلبه "، ولكن في المخطوطة فوق "فرس" و "سلبه" حرف " م "، دلالة على التقديم والتأخير، ففعلت ذلك.

(2)

الأثر: 15646 - رواه مالك في الموطأ ص: 455، بلفظه هذا.

" صبيغ "، هو " صبيغ بن عسل بن سهل الحنظلي "، ترجم له ابن حجر في الإصابة، في القسم الثالث، وكان صبيغ وفد على عمر المدينة، وجعل يسأل عن متشابه القرآن، فضربه عمر حتى دمي رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي! ونفاه عمر إلى البصرة، وكتب إليهم أن لا يجالسوه، فلم يزل صبيغ وضيعًا في قومه، بعد أن كان سيدًا فيهم.

ص: 364

15647 -

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء:"يسألونك عن الأنفال"، قال: يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال، من دابة أو [عبد] ، (1) فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقال آخرون: "النفل"، الخمس الذي جعله الله لأهل الخُمُس.

* ذكر من قال ذلك:

15648-

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"يسألونك عن الأنفال"، قال: هو الخمس. قال المهاجرون: لِمَ يُرْفع عنا هذا الخمس، (2) لم يُخْرج منا؟ فقال الله: هو لله والرسول.

15649-

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت:"يسألونك عن الأنفال".

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى: "الأنفال"، قولُ من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم، إما من سَهْمه على حقوقهم من القسمة، (3) وإما مما وصل إليه بالنفل، أو ببعض أسبابه، ترغيبًا

(1) ما بين القوسين، في المطبوعة وحدها، مكانه في المخطوطة بياض.

(2)

في المخطوطة: " لم يرفع هنا "، والصواب ما في المطبوعة.

(3)

في المطبوعة: " إما من سلبه على حقوقهم "، وفي المخطوطة:" إما سلمه على حقوقهم "، وصواب قراءة المخطوطة ما أثبت، والذي في المطبوعة لا معنى له.

ص: 365

له، وتحريضًا لمن معه من جيشه على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين. وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس من أنه الفرس والدرع ونحو ذلك، ويدخل فيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس، لأن ذلك أمره إلى الإمام، إذا لم يكن ما وصلوا إليه بغلبة وقهر، (1) يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام، وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقَهر.

* * *

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن "النفل" في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه:"نفَّلتك كذا"، و"أنفلتك"، إذا زدتك.

و"الأنفال"، جمع "نَفَل"، ومنه قول لبيد بن ربيعة:

إِنَّ تَقْوَى رَبِّنا خَيْرُ نَفَلْ وَبِإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وَعَجَلْ (2)

فإذ كان معناه ما ذكرنا، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة= إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين= بتنفيل الوالي ذلك إيّاه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك، لأن الزيادة نَفَلٌ، [والنَّفَل] ، وإن كان مستوجِبَهُ في بعض الأحوال لحق، ليس هو من الغنيمة التي تقع فيها القسمة. (3) وكذلك كل ما رُضِخ لمن لا سهم له في الغنيمة، فهو "نفل"، (4) لأنه وإن كان مغلوبًا عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة.

(1) في المطبوعة والمخطوطة: " لغلبة "، وصواب قراءتها " بغلبة ".

(2)

ديوانه 2: 11، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 240، اللسان (نفل) ، وغيرها كثير، فاتحة قصيدة له طويلة.

(3)

كانت هذه الجملة في المطبوعة هكذا: " لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة "، غير ما كان في المخطوطة كل التغيير، والجملة في المخطوطة كما أثبتها، إلا أن صدرها كان هكذا:" لأن الزيادة أفضل وإن كان مستوجبة " غير منقوطة، سيئة الكتابة، وظاهر أن صوابها ما أثبت، مع زيادة ما زدت بين القوسين.

(4)

" رضخ له من المال "، أعطاه عطية مقاربة، أي قليلة.

ص: 366

فالفصل= إذ كان الأمر على ما وصفنا= بين "الغنيمة" و"النفل"، أن "الغنيمة" هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر، نفَّل منه منفِّل أو لم ينفل، و"النفل": هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغَنَاء عن الجيش على غير قسمة. (1)

* * *

وإذْ كان ذلك معنى "النفل"، فتأويل الكلام: يسألك أصحابك، يا محمد، عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش الذين قتلوا ببدر، لمن هو؟ قل لهم يا محمد: هو لله ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء.

* * *

واختلف في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.

فقال بعضهم: نزلت في غنائم بدر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نفَّل أقوامًا على بلاء، فأبلى أقوام، وتخلف آخرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا فيها بعد انقضاء الحرب، فأنزل الله هذه الآية على رسوله، يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماضٍ جائزٌ.

* ذكر من قال ذلك:

15650-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، سمعت داود بن أبي هند يحدث، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"من أتى مكان كذا وكذا، فله كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا"، فتسارع إليه الشبان، وبقي الشيوخ عند الرايات، فلما فتح الله عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا! فأنزل الله عليه الآية "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم". (2)

(1) في المطبوعة: " هو ما أعطيه الرجل "، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

الأثر: 15650 - خبر ابن عباس هذا، يرويه أبو جعفر من أربعة طرق، من رقم 15650 - 15653، إلا آخرها فهو غير مرفوع إلى ابن عباس. وهو خبر صحيح الإسناد.

فمن هذه الطريق الأول " معتمر بن سليمان عن داود،

"، رواه الحاكم في المستدرك 2: 326، وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى 6: 315، وفيهما زيادة بعد " لا تذهبوا به دوننا ": " فقد كنا ردءًا لكم ".

وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 6، والسيوطي في الدر المنثور 3:159.

ص: 367

15651-

حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى= قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صنع كذا وكذا، فله كذا وكذا"، قال: فتسارع في ذلك شبان الرجال، وبقيت الشيوخ تحت الرايات. فلما كان الغنائم، (1) جاءوا يطلبون الذي جعُل لهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا رِدْءًا لكم، (2) وكنا تحت الرايات، ولو انكشفتم انكشفتم إلينا! (3) فتنازعوا، فأنزل الله:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين". (4)

15652-

حدثني إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من فعل كذا فله كذا وكذا من النفل". قال: فتقدم الفتيان، ولزم المشيخةُ الراياتِ، فلم يبرحوا. فلما فُتح عليهم، قالت المشيخة: كنا ردءًا لكم، فلو انهزمتم انحزتم إلينا، (5) لا تذهبوا بالمغنم دوننا! فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا! فأنزل الله: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال

(1) في المطبوعة: " فلما كانت الغنائم "، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

" الردء "، العون، ينصر المرء ويشد ظهره، وهو له قوة وعماد.

(3)

" انكشف القوم "، انهزموا. وقوله:" انكشفتم إلينا "، أي رجعتم بعد الهزيمة إلينا، وكان في المطبوعة:" لفئتم إلينا "، بمعنى رجعتم، ولكني أثبت ما في المخطوطة.

(4)

الأثر: 15651 - هذه هي الطريق الثانية لخبر ابن عباس السالف.

" عبد الأعلى " هو " عبد الأعلى بن عبد الأعلى القرشي السلمي "، ثقة، أخرج له الجماعة. مضى برقم: 4751، 8282.

(5)

" انحاز إليه "، انضم إليه.

ص: 368

لله والرسول". قال: فكان ذلك خيرًا لهم، وكذلك أيضًا أطيعوني فإني أعلم. (1)

15653-

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة في هذه الآية:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"، قال: لما كان يوم بدر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من صنع كذا فله من النفل كذا"! فخرج شبان من الرجال، فجعلوا يصنعونه، فلما كان عند القسمة، قال الشيوخ: نحن أصحاب الرايات، وقد كنا رِدْءًا لكم! فأنزل الله في ذلك:"قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين". (2)

15654 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب الزهري قال، حدثني المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سليمان بن موسى، عن مكحول مولى هذيل، عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت قال، أنزل الله حين اختلف القوم في الغنائم يوم بدر:"يسألونك عن الأنفال" إلى قوله: "إن كنتم مؤمنين"، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، عن بَوَاء. (3)

(1) الأثر: 15652 - " إسحاق بن شاهين الواسطي "، شيخ الطبري، مضى مرارًا آخرها رقم:11504.

" خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي الطحان "، مضى مرارًا آخرها رقم:11504. وهذا الخبر بهذا الإسناد رواه أبو داود في سننه 3: 102 رقم: 2737 مع خلاف يسير في لفظه. وآخره هناك: " فكذلك أيضًا فأطيعوني، فإني أعلم بعاقبة هذا منكم ". ورواه البيهقي في السنن 6: 291، 292.

ورواه الحاكم في المستدرك 2: 131، 132 وقال:" هذا حديث صحيح، فقد احتج البخاري بعكرمة، وقد احتج مسلم بداود بن أبي هند، ولم يخرجاه "، وقال الذهبي:" صحيح، قلت هو على شرط البخاري "، والزيادة فيها كما في سنن أبي داود.

خرجه ابن كثير في تفسيره 4: 6. وزاد نسبته إلى النسائي، وابن مردويه (واللفظ هناك له) ، وابن حبان.

(2)

الأثر: 15653 - انظر التعليق على الآثار السالفة.

(3)

الأثر: 15654 - خبر عبادة بن الصامت، مروي هنا من طريقين، هذه أولاهما. إسحاق "، هو " إسحاق بن الحجاج الطاحوني "، مضى برقم: 230، 1614، 10314. و"يعقوب الزهري "، هو " يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري "، مختلف فيه، وهو ثقة إن شاء الله، مضى برقم: 2867، 8012. كان في المطبوعة هنا " الزبيري "، وهو في المخطوطة غير منقوط، وأقرب قراءته ما أثبت، وهو الصواب بلا ريب، فإن يعقوب بن محمد الزهري، هو الذي يروي عن المغيرة.

و" المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي "، مختلف فيه، ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن معين، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 321، ابن أبي حاتم 4 / 1 / 225، لم يذكرا فيه جرحًا.

وأبوه: " عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي "، ثقة، مترجم في التهذيب، ابن أبي حاتم 2 / 2 / 224. روى عنه ابن إسحاق في سيرته في مواضع. انظر 1:367.

و"سليمان بن موسى الأموي " الأشدق، أبو هشام، ثقة، مضى برقم:11382.

و" مكحول، مولى هذيل "، هو " مكحول الشامي، أبو عبد الله "، الفقيه التابعي، وكان من سبى كابل، وكانت في لسانه لكنة، جاء في حديثه:" ما فعلت في تلك الهاجة "، يريد " الحاجة "، قلب الحاء هاء. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7 / 2 / 160، والكبير 4 / 2 / 21، وابن أبي حاتم 4 / 2 /407.

و" أبو سلام "، هو الأسود الحبشي الأعرج، واسمه " ممطور "، في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 57، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 431.

و" أبو أمامة الباهلي " واسمه: " صدي بن عجلان " صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن رسول الله، وعن جماعة من الصحابة،.

وهذا الخبر، رواه مكحول مرة من طريق أبي سلام عن أبي أمامة، ورواه في الذي يليه عن أبي أمامة بلا واسطة. فمن هذه الطريق الأولى رواه أحمد في المسند 5: 323، 324، مطولا، وبغير هذا اللفظ من طريق معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان ابن موسى، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، لا ذكر فيها لمكحول.

ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6: 292، من طريق عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان الأشدق، عن مكحول، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، مطولا، كرواية أحمد.

ورواه الحاكم في المستدرك 2: 135،بمثله.

وقوله " عن بَوَاء "، كان في المطبوعة " عن بسواء "، هنا، وفي الخبر التالي، وهو خطأ محض، وسيأتي تفسيره في سياق الخبر التالي.

ص: 369

15655-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد قال، حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا، عن سليمان بن موسى الأشدق، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن "الأنفال"، فقال: فينا معشرَ أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النَّفَل، وساءت فيه أخلاقنا،

ص: 370

فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بَوَاء = يقول: على السواء= فكان في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصلاحُ ذاتِ البين. (1)

* * *

وقال آخرون: بل إنما أنزلت هذه الآية، (2) لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله من المغنم شيئًا قبل قسمتها، فلم يعطه إياه، إذ كان شِرْكًا بين الجيش، فجعل الله جميعَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (3)

* ذكر من قال ذلك:

(1) الأثر: 15655 - " سليمان بن موسى الأشدق "، مر في التعليق السالف. وكان في المطبوعة " الأسدي "، لم يحسن قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة.

وهذا الخبر من رواية " محمد بن إسحاق "، مذكور في سيرة ابن هشام 2: 295، 296، بإسناده هذا، ثم في 2: 322، بغير إسناد.

ورواه الطبري بإسناده هذا في التاريخ 2: 285، 286.

ورواه أحمد في مسنده /5:322 من طريقين عن محمد بن إسحاق.

ورواه الحاكم في المستدرك 2: 136، بالإحالة على لفظه الذي قبله.

ثم رواه الحاكم في المستدرك 2: 326، من طريق وهب بن جرير بن حازم، عن محمد ابن اسحاق، يقول حدثني الحارث بن عبد الرحمن، عن مكحول، عن أبي أمامة، وقال:" صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه "، وقال الذهبي: على شرط مسلم. ولا أدري كيف هذا، فإن الثابت في سيرة ابن إسحاق، من رواية ابن هشام أنه من روايته عن " عبد الرحمن بن الحارث "، لا عن " الحارث بن عبد الرحمن " وهو خطأ. هذا فضلا عن أنه مروى بغير هذا اللفظ في سيرة ابن هشام، وفي سائر من رواه عن ابن إسحاق، إلا يونس بن بكير.

فإن البيهقي في السنن الكبرى 6: 292 رواه من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن " عبد الرحمن بن الحارث "، بنحو لفظ الحاكم في المستدرك ثم قال:" ورواه جرير بن حازم، عن محمد بن إسحاق، مع تقصير في إسناده ". و " جرير بن حازم " الذي روى الحاكم الخبر من طريقه، ثقة ثبت حافظ، روى له الجماعة. ولكن قال ابن حبان وغيره:" كان يخطئ، لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه "، فكأن هذا مما أوجب الحكم عليه بأنه يقصر أحيانًا ويخطيء، والصواب المحض، هو ما أجمعت عليه الرواية عن ابن إسحاق " عبد الرحمن بن الحارث ".وذكره بلفظه هنا، الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 26، هو والخبر الذي قبله، من الطريق المطولة، ثم قال:" ورجال الطريقين ثقات "، وخرجه ابن كثير في تفسيره 6: 5، والسيوطي في الدر المنثور 3:159.

(2)

في المطبوعة، حذف " بل " من صدر الكلام.

(3)

في المطبوعة: " لرسول الله "، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 371

15656-

حدثني إسماعيل بن موسى السدي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف فقلت: يا رسول الله، هذا السيف قد شَفَى الله به من المشركين! فسألته إياه، فقال: ليس هذا لي ولا لك! قال: فلما وليت، قلت: أخاف أن يعطيه من لم يُبْلِ بلائي! فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي، قال فقلت: أخاف أن يكون نزل في شيء! قال: إن السيف قد صارَ لي! قال: فأعطانيه، ونزلت:"يسئلونك عن الأنفال". (1)

15657-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر قال، حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن مالك قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف. قال: فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفي صَدري من المشركين = أو نحو هذا= فهبْ لي هذا السيف! فقال لي: هذا ليس لي ولا لك! فرجعت فقلت: عسى أن يعطي هذا من لم يُبْلِ بلائي! فجاءني الرسول، فقلت: حدث فِيَّ حدثٌ! فلما انتهيت قال: يا سعد إنك، سألتني السيف وليس لي، وإنه قد صار لي، فهو لك! ونزلت:"يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول". (2)

(1) الأثر: 15656 - خبر " سعد بن مالك "، وهو " سعد بن أبي وقاص "، رواه أبو جعفر من سبع طرق، بألفاظ مختلفة، إلا رقم: 15659، فهو منقطع الإسناد. وهي من رقم 15656 - 15659 ثم من 15662 - 15664.

رواه من طريق عاصم، عن مصعب بن سعد برقم 15656، 15657.

ومن طريق سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد برقم 15658، 15662، 15663.

ومن طريق محمد بن عبيد الله، أبي عون الثقفي، عن مصعب بن سعد رقم: 15659، منقطعًا. ومن طريق مجاهد، عن سعد ابن أبي وقاص:15664.

وهذا تفسير إسناد الخبر الأول: " إسماعيل بن موسى السدي الفزاري شيخ الطبري "، مضى برقم: 849، 9682.

و" أبو الأحوص "، هو " سلام بن سليم الحنفي "، الثقة الحافظ، مضى مرارًا كثيرة.

و" عاصم "، هو " عاصم بن أبي النجود "، مضى مرارًا.

و" مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري "، تابعي ثقة، مضى برقم: 8941، 11450.

وهو إسناد صحيح، ولم أجده في موضع آخر من طريق أبي الأحوص عن مصعب.

(2)

الأثر: 15657 - إسناد صحيح. ورواه من هذه الطريق أحمد في المسند رقم: 1538، بنحوه، مطولا.

ورواه أبو داود في سننه 3: 103 رقم 2740، بنحوه مطولا.

رواه الحاكم في المستدرك 2: 132، بنحوه مطولا، وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي.

ورواه البيهقي في السنن 6: 291، وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 4، وقال:" رواه أبو داود " والترمذي، والنسائي من طرق، عن أبي بكر بن عياش، وقال الترمذي: حسن صحيح ".

ص: 372

15658 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: أصبت سيفًا يوم بدر فأعجبني، فقلت: يا رسول الله، هبه لي! فأنزل الله:"يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول". (1)

15659-

حدثنا ابن المثنى وابن وكيع= قال ابن المثنى: حدثني أبو معاوية= وقال ابن وكيع: حدثنا أبو معاوية= قال: حدثنا الشيباني، عن محمد بن عبيد الله، عن سعد بن أبي وقاص قال: فلما كان يوم بدر، (2) قتل أخي عُمَيْر، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى "ذا الكتيفة"، (3) فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب فاطرحه في القبض! (4) فطرحته ورجعتُ، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي، وأخذ سَلَبي! قال: فما جاوزت إلا قريبًا، حتى نزلت عليه "سورة الأنفال"، فقال: اذهب فخذ سيفك! = ولفظ الحديث لابن المثنى. (5)

(1) الأثر: 15658 - هو مختصر الحديث رقم: 15662، وهو إسناد صحيح، وسأخرجه هناك.

(2)

في المطبوعة: " لما كان "، حذف الفاء، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)

" ذو الكتيفة " على وزن " عظيمة "، و " الكتيفة ": حديدة عريضة طويلة، وربما كانت كأنها صحيفة، وربما سموا السيف " كتيفًا ".

(4)

" القبض "(بفتحتين) قال أبو عبيد القاسم بن سلام: " القبض، الذي تجمع عنده الغنائم ". وقال غيره: بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم.

(5)

الأثر: 15659 - " أبو معاوية "، هو الضرير، " محمد بن خازم التميمي السعدي " ثقة، من شيوخ أحمد، روى له الجماعة.

وكان في المطبوعة هنا: " قال ابن المثنى حدثني معاوية "، حذف " أبو "، كأنه ظن أن ابن المثنى قال:" معاوية "، وأن ابن وكيع قال " أبو معاوية "، وأن هذا هو وجه الاختلاف! والصواب أن الاختلاف في أن ابن المثنى قال:" حدثني "، وأن ابن وكيع قال:" حدثنا ". فهذا مبلغ الإساءة في التصرف!! .

و" الشيباني "، هو " أبو إسحاق الشيباني ":" سليمان بن أبي سليمان " الثقة الحجة، مضى مرارًا كثيرة

و" محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي "، " أبو عون الثقفي "، تابعي ثقة ولكنه لم يدرك سعد ابن أبي وقاص، وروايته عن سعد مرسلة. (انظر شرح الإسناد في مسند أحمد) . مضى برقم: 7595، 13965.

وهذا الخبر ضعيف الإسناد، لانقطاعه.

رواه أحمد في مسنده برقم: 1556،

ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: 303، بمثله. وقال في خلال الخبر "

قتلت سعيد بن العاص = وقال غيره: العاص بن سعيد. قال أبو عبيد: هذا عندنا هو المحفوظ ". ثم قال تعقيبًا عليه " قال أبو عبيد: وقال أهل العلم بالمغازي: قاتل العاص، علي بن أبي طالب ". والذي قاله أبو عبيد هو الصواب.

فالذي جاء في الخبر هنا " سعيد بن العاص " وهم، فإن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ابن أمية الأموي، متأخر، قبض رسول الله عليه وله تسع سنين، وهو لم يشرك قط وقتل أبوه " العاص بن سعيد " يوم بدر كافرًا، أما جده " سعيد بن العاص بن أمية "، فمات قبل بدر مشركًا. ويكون الصواب كما قال ابن حجر في الإصابة في ترجمة " عمير بن أبي وقاص ":" العاص بن سعيد بن العاص "، ويكون الاختلاف إذن في الذي قتله: أهو علي بن أبي طالب، أم سعد بن أبي وقاص؟ وإن كنت لم أجد هذا الاختلاف. وهذا موضع يحتاج إلى فضل تحقيق. وانظر التعليق على رقم:15664.

هذا، وقد رأيت بعد في الروض الأنف 2: 76، هذا الخبر عن أبي عبيد وفيه " العاصي ابن سعيد بن العاصي " في صلب الخبر، ورأيت ذكر هذا الاختلاف في الروض الأنف 2: 102، 103.

ص: 373

15660-

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة جميعًا، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن قيس بن ساعدة قال: سمعت أبا أسَيْد مالك بن ربيعة يقول: أصبت سيف ابن عائد يوم بدر، وكان السيف يدعى "المرْزُبان"، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردُّوا ما في أيديهم من النفل، أقبلت به فألقيته في النفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئًا يُسْأله، فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه إياه. (1)

(1) الأثر: 15660 - " عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري "، ثقة روى له الجماعة، مضى برقم:4808.

وأما قوله: " بعض بني ساعدة "، فقد جعلها في المطبوعة " قيس بن ساعدة " لا أدري لم غير ما في المخطوطة.

وأما " أبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري "، من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، فهو الصحابي المشهور، فجعله في المطبوعة:" أبا أسيد بن مالك بن ربيعة "، زاد " بن " بلا مراجعة.

وأما " سيف بني عائذ " فجعلها " سيف بن عائذ "، كما في الخبر التالي، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة. والصواب من سيرة ابن هشام، وفيها:" سيف بني عائذ المخزوميين ".

و" عائذ " في المخطوطة غير منقوطة، وفي المطبوعة:" عائد " بالدال المهملة. والصواب ما في سيرة ابن هشام.وفي بني مخزوم: " بنو عائذ بن عمران بن مخزوم "(بالذال المعجمة) رهط آل المسيب، وفي بني مخزوم أيضًا:" بنو عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم "(بالباء والدال المهملة)، وهم رهط آل السائب. انظر الروض الأنف 2: 76، ونسب قريش 333 ثم: 343، ولم أجد ما أرجح به أحدهما على الآخر.

وهذا الخبر رواه ابن إسحاق في سيرته، ابن هشام 2: 296، بلفظه، وانظر التعليق على الخبر التالي.

ص: 374

-15661- حدثني يحيى بن جعفر قال، حدثنا أحمد بن أبي بكر، عن يحيى بن عمران، عن جده عثمان بن الأرقم= وعن عمه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ردُّوا ما كان من الأنفال! فوضع أبو أسيد الساعديّ سيف ابن عائذ "المرزبان"، فعرفه الأرقم فقال: هبه لي، يا رسول الله! قال: فأعطاه إياه. (1)

(1) الأثر: 15661 - هذا مختصر الأثر السالف من طريق أخرى.

و" يحيى بن جعفر "، هو " يحيى بن أبي طالب "، و" يحيى بن جعفر بن الزبير قال "، شيخ الطبري. محدث مشهور ثقة. مضى برقم:284.

و" أحمد بن أبي بكر " هو " أحمد بن القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري "، كنيته " أبو مصعب الزهري "، ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 6، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 43.

و" يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم المخزومي "، روى عن أبيه، وعمه " عبد الله ابن عثمان ". روى عنه عطاف بن خالد، وأبو مصعب الزهري " أحمد بن أبي بكر "، وغيرهما ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في تعجيل المنفعة: 446، والكبير 4 \ 2 \ 297، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 177، 178، وقال ابن أبي حاتم:" سألت أبي عنه فقال: شيخ مدني مجهول "

وأما قوله: " وعن عمه، عن جده "، فكان في المطبوعة والمخطوطة " عن عمه، عن جده " بغير واو العطف، وهو لا يستقيم، بل هو خطأ محض. بل الصواب أن " يحيى بن عمران "، رواه عن جده مباشرة، ورواه مرة أخرى عن عمه " عبد الله بن عثمان "، عن جده أيضًا.

و" عبد الله بن عثمان بن الأرقم "في المطبوعة ابن الأرقم مكررة" المخزومي "، مترجم في تعجيل المنفعة: 228، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 113، لم يذكروا فيه جرحًا.

وهذا الخبر، مختصر الذي قبله، ولم أجده في مكان آخر.

ص: 375

15662-

حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: أصبت سيفا= قال: فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نفلنيه! فقال: ضعه! ثم قام فقال: يا رسول الله، نفلنيه! قال: ضعه! قال: ثم قام فقال: يا رسول، الله نفلنيه! أجعل كمن لا غَنَاء له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه من حيث أخذته! فنزلت هذه الآية: يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول. (1)

15663-

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: أخذت سيفًا من المغنم فقلت: يا رسول الله، هب لي هذا! فنزلت:"يسئلونك عن الأنفال". (2)

15664-

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد في قوله:"يسئلونك عن الأنفال"، قال: قال سعد: كنت أخذت سيفَ سعيد بن العاص بن أمية، فأتيت رسول الله

(1) الأثر: 15662 - طريق أخرى لخبر سعد بن أبي وقاص، كما بينه في رقم:15656.

وهو خبر صحيح الإسناد، من طريق سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد.

وبهذا الإسناد رواه أحمد في المسند رقم: 1567، 1614 في خبر طويل، مضى بعضه في شأن تحريم الخمر برقم: 12518، من تفسير الطبري. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص: 28 رقم: 208. ورواه مسلم في صحيحه 12: 53، 54، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6: 291، وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 5. ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 150، من طريق زهير بن معاوية عن سماك بن حرب، بغير هذا اللفظ.

(2)

الأثر: 15663 - مختصر الذي قبله.

ص: 376

صلى الله عليه وسلم، فقلت: أعطني هذا السيف يا رسول الله! فسكت، فنزلت:"يسئلونك عن الأنفال"، إلى قوله:"إن كنتم مؤمنين"، قال: فأعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)

* * *

وقال آخرون: بل نزلت: لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر، فأعلمهم الله أنّ ذلك لله ولرسوله دونهم، ليس لهم فيه شيء. وقالوا: معنى "عن" في هذا الموضع "من"، (2) وإنما معنى الكلام: يسألونك من الأنفال. وقالوا: قد كان ابن مسعود يقرؤه: "يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ" على هذا التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

(1) الأثر: 15664 - " إسرائيل "، هو " إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي " مضى مرارًا كثيرة.

و" إبراهيم بن المهاجر بن جابر البجلي "، ثقة، متكلم فيه، مضى برقم: 1291 في نحو هذا الإسناد.

و" مجاهد " هو " مجاهد بن جبر المكي المخزومي "، الإمام الثقة، روى عن سعد بن أبي وقاص وغيره من الصحابة.

فهذا خبر صحيح الإسناد من إسرائيل، إلى مجاهد.

أما " الحارث "، فهو " الحارث بن أبي أسامة "، وهو ثقة، مضى برقم: 10295، وغيره.

وأما " عبد العزيز "، فهو " عبد العزيز بن أبان الأموي "، من ولد " سعيد بن العاص ابن أمية "، وهو كذاب خبيث يضع الأحاديث. مضى برقم: 10295، وغيره، راجع فهارس الرجال.

فمن هذا ضعف إسناده، حتى أجد له رواية عن غير الكذاب، كما قاله أهل الجرح والتعديل. هذا، وقد جاء في هذا الخبر ذكر " سعيد بن العاص بن أمية "، مبينًا، وكنت قلت في التعليق على رقم: 15659 أن " سعيد بن العاص بن أمية " مات مشركًا قبل يوم بدر، فلذلك لم يصح عندنا قوله في ذلك الخبر " قتلت سعيد بن العاص ". أما في هذا الخبر، فإنه مستقيم، لأنه قال:" أخذت سيف سعيد بن العاص "، فسيفه بلا ريب كان مشهورًا معروفًا عند سعد بن أبي وقاص، وكان عند ولده المقتول ببدر " العاص بن سعيد بن العاص "، وظاهر أنه كان معه يقاتل به يوم بدر فقتل وهو معه، فأخذه سعد بن أبي وقاص. ومع ذلك يظل أمر الاختلاف في قتل " العاص ابن سعيد بن العاص " قائمًا كما هو، أقتله على بن أبي طالب، كما قال أصحاب السير والمغازي، أم قتله سعد بن أبي وقاص، كما دل عليه الخبر الصحيح عنه. راجع التعليق على رقم:15659. وانظر الروض الأنف 2: 102، 103 وذكر هذا الاختلاف.

(2)

انظر " عن " بمعنى " من " فيما سلف 1: 446، تعليق:6.

ص: 377

15665-

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يقرأونها: "يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ".

15666-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: هي في قراءة ابن مسعود "يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ".

* * *

* ذكر من قال ذلك:

15667-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"، قال:"الأنفال"، المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، ليس لأحد منها شيء، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سِلْكًا فهو غُلول. (1) فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها، قال الله: يسألونك عن الأنفال، قل: الأنفال لي جعلتها لرسولي، ليس لكم فيها شيء= "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"، ثم أنزل الله:(واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول)[سورة الأنفال: 41] . ثم قسم ذلك الخُمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن سمي في الآية. (2)

15668-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج:"يسألونك عن الأنفال"، قال: نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرًا. قال: واختلفوا، فكانوا أثلاثًا. قال: فنزلت: "يسألونك

(1) في المخطوطة: " في حبسه منه "، والصواب ما في المطبوعة، وهو مطابق لما في البيهقي. و " الغلول "، هي الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة.

(2)

الأثر: 15667 - هذا الإسناد، سلف بيانه برقم: 1833، 8472، وأنه إسناد منقطع، لأن " على بن طلحة " لم يسمع من ابن عباس التفسير.

وهذا الخبر، رواه البيهقي من هذه الطريق نفسها، في السنن الكبرى 6: 293، مطولا.

ص: 378

عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"، وملَّكه الله رَسوله، يقسمه كما أراه الله. (1)

15669-

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر، فنزلت:"يسألونك عن الأنفال". (2)

15670-

. . . . قال: حدثنا عباد بن العوّام، عن جويبر، عن الضحاك:"يسئلونك عن الأنفال"، قال: يسألونك أن تنفِّلهم.

15671-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا حماد بن زيد قال، حدثنا أيوب، عن عكرمة في قوله:"يسألونك عن الأنفال"، قال: يسألونك الأنفال.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى أخبرَ في هذه الآية عن قوم سألوا رَسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال أن يُعطيهموها، فأخبرهم الله أنها لله، وأنه جعلها لرسوله.

وإذا كان ذلك معناه، جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها= وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله

(1) في المطبوعة: " فقسمه "، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

الأثر: 15669 - " عباد بن العوام الواسطي "، ثقة، من شيوخ أحمد. مضى برقم:5433.

و" الحجاج " هو " الحجاج بن أرطاة النخعي "، مضى برقم: 3299، 3960، 4246، 9631، 10138، وهو ثقة، إلا أنه كان يدلس عن " عمرو بن شعيب "، وقال محمد بن نصر:" الغالب على حديثه الإرسال والتدليس وتغيير الألفاظ "، واشترطوا في حديثه التصريح بالسماع، وهذا مما لم يصرح فيه السماع.

فهذا خبر ضعيف، لهذه العلة.

و" عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص "، أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، قال أبو زرعة:" إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها "، وهو ثقة في نفسه، وأحاديثه " عن أبيه عن جده "، محتملة، ولكنهم لم يدخلوها في صحاح ما خرجوا.

ص: 379

السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه= وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش.

* * *

واختلفوا فيها: أمنسوخة هي أم غير منسوخة؟

فقال بعضهم: هي منسوخة. وقالوا: نسخها قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية [سورة الأنفال: 41] ،.

* ذكر من قال ذلك:

15672-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الأنفال لله وللرسول، فنسختها:(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)

15673-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"يسئلونك عن الأنفال"، قال: أصاب سعد بن أبي وقاص يوم بدر سيفًا، فاختصم فيه وناسٌ معه، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فقال الله:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"، الآية، فكانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فنسخها الله بالخُمس.

15674-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني سليم مولى أم محمد، عن مجاهد في قوله:"يسئلونك عن الأنفال"، قال: نسختها: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) . (1)

(1) الأثر: 15674 - " سليم مولى أم محمد "، لم أجده، والذي يروي عن مجاهد، ويروي عنه ابن جربج، فهو " سليم، أبو عبيد الله مولى أم علي "، مضى برقم: 4305، وهو مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 2 \ 127، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 213، وهو من كبار أصحاب مجاهد، ذكره ابن حبان في الثقات.

ص: 380

15675 -

حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة= أو: عكرمة وعامر= قالا نسخت الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) .

* * *

وقال آخرون: هي محكمة، وليست منسوخة. وإنما معنى ذلك:"قل الأنفال لله"، وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة= وللرسول، يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيه.

* ذكر من قال ذلك:

15676-

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"يسألونك عن الأنفال"، فقرأ حتى بلغ:"إن كنتم مؤمنين"، فسلَّموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا، ويضعانها حيث أرادا، فقالوا: نعم! ثم جاء بعد الأربعين: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية [سورة الأنفال: 41]، ولكم أربعة أخماس. وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر:"وهذا الخمس مردود على فقرائكم"، يصنع الله ورسوله في ذلك الخمس ما أحبَّا، ويضعانه حيث أحبَّا، ثم أخبرنا الله بالذي يجب من ذلك. ثم قرأ الآية:(وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)[سورة الحشر: 7] .

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفال لنبيه صلى الله عليه وسلم، يُنفِّل من شاء، فنفّل القاتل السَّلَب، وجعل للجيش في البَدْأة الربع، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. (1) ونفَّل

(1)" البدأة "، ابتداء سفر الغزو، " الرجعة " القفول منه. وكان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو، فأوقعت بطانته من العدو، فما غنموا كان لهم الربع، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباع ما غنموا. وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر، كان لهم من جميع ما غنموا الثلث، لأن الكرة الثانية أشق عليهم، والخطر فيها أعظم. وذلك لقوة الظهر عند دخولهم، وضعفه عند خروجهم. وهم في الأول أنشط وأشهي للسير والإمعان في بلاد العدو، وهم عند القفول أضعف وأفتر وأشهي للرجوع إلى أوطانهم، فزادهم لذلك.

ص: 381

قومًا بعد سُهْمَانهم بعيرًا بعيرًا في بعض المغازي. فجعل الله تعالى ذكره حكم الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، ينفِّل على ما يرى مما فيه صلاحُ المسلمين، وعلى من بعده من الأئمة أن يستَنّوا بسُنته في ذلك.

وليس في الآية دليل على أن حكمها منسوخ، لاحتمالها ما ذكرتُ من المعنى الذي وصفت. وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها، فقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أن لا منسوخ إلا ما أبطل حكمه حادثُ حكمٍ بخلافه، ينفيه من كل معانيه، أو يأتي خبرٌ يوجب الحجةَ أن أحدهما ناسخٌ الآخرَ. (1)

* * *

وقد ذكر عن سعيد بن المسيب: أنه كان ينكر أن يكون التنفيل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تأويلا منه لقول الله تعالى:"قل الأنفال لله والرسول".

15677-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو قال: أرسل سعيد بن المسيب غلامه إلى قوم سألوه عن شيء، فقال: إنكم أرسلتم إلي تسألوني عن الأنفال، فلا نَفَل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقد بينا أن للأئمة أن يتأسَّوْا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيهم بفعله، فينفِّلوا على نحو ما كان ينفل، إذا كان التنفيل صلاحًا للمسلمين.

* * *

(1) انظر مقالة أبي جعفر في " النسخ " فيما سلف في فهارس الموضوعات، وفهارس النحو والعربية وغيرهما.

ص: 382

القول في تأويل قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فخافوا الله أيها القوم، واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه، وأصلحوا الحال بينكم.

* * *

واختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله: "وأصلحوا ذات بينكم".

فقال بعضهم: هو أمر من الله الذين غنموا الغنيمة يوم بدر، وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اختلفوا في الغنيمة: أن يردَّ ما أصابوا منها بعضُهم على بعض. (1)

* ذكر من قال ذلك:

15678-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"، قال: كان نبي الله ينفِّل الرجل من المؤمنين سَلَب الرجل من الكفار إذا قتله، ثم أنزل الله:"فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"، أمرهم أن يردَّ بعضهم على بعض.

15679-

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفّل الرجل على قدر جِدّه وغَنَائه على ما رأى، حتى إذا كان يوم بدر، وملأ الناسُ أيديهم غنائم، قال أهل الضعف من الناس: ذهب أهل القوة بالغنائم! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت:"قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"، ليردَّ أهل القوة على أهل الضعف.

* * *

(1) في المطبوعة: " أن يردوا " بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.

ص: 383

وقال آخرون: هذا تحريج من الله على القوم، ونهيٌ لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره.

* ذكر من قال ذلك:

15680-

حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا خالد بن يزيد= وحدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد= قالا حدثنا أبو إسرائيل، عن فضيل، عن مجاهد، في قول الله:"فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"، قال: حَرَّج عليهم.

15681-

حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن مجاهد، عن ابن عباس:"فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"، قال هذا تحريجٌ من الله على المؤمنين، أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم= قال عباد، قال سفيان: هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر.

15682-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"، أي لا تَسْتَبُّوا.

* * *

واختلف أهل العربية في وجه تأنيث "البين".

فقال بعض نحويي البصرة: أضاف "ذات" إلى "البين" وجعله "ذاتًا"، لأن بعضَ الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث، وبعضًا يذكر نحو "الدار" و"الحائط"، أنث "الدار" وذكر "الحائط".

* * *

وقال بعضهم: إنما أراد بقوله: "ذات بينكم"، الحال التي للبين، فقال: وكذلك "ذات العشاء"، يريد الساعة التي فيها العشاء، قال: ولم يضعوا مذكرًا لمؤنث، ولا مؤنثًا لمذكر، إلا لمعنى.

* * *

قال أبو جعفر: هذا القول أولى القولين بالصواب، للعلة التي ذكرتها له.

* * *

ص: 384