المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما قوله: "وإن الله لسميع عليم"، فإن معناه: "وإن الله"، - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٣

[ابن جرير الطبري]

الفصل: وأما قوله: "وإن الله لسميع عليم"، فإن معناه: "وإن الله"،

وأما قوله: "وإن الله لسميع عليم"، فإن معناه:"وإن الله"، أيها المؤمنون، = "لسميع"، لقولكم وقول غيركم، حين يُري الله نبيه في منامه ويريكم، عدوكم في أعينكم قليلا وهم كثير، ويراكم عدوكم في أعينهم قليلا= "عليم"، بما تضمره نفوسكم، وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذ وفي كل حال. (1)

يقول جل ثناؤه لهم ولعباده: فاتقوا ربكم، (2) أيها الناس، في منطقكم: أن تنطقوا بغير حق، وفي قلوبكم: أن تعتقدوا فيها غيرَ الرُّشد، فإن الله لا يخفى عليه خافية من ظاهر أو باطن.

* * *

القول في تأويل قوله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‌

(43) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن الله، يا محمد، سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم "في منامك قليلا"، يقول: يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم= ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا، لفشل أصحابك، فجبنوا وخاموا، (3) ولم يقدروا على حرب القوم، (4) ولتنازعوا في ذلك، (5) ولكن الله

(1) انظر تفسير " سميع " و " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .

(2)

في المطبوعة والمخطوطة: " واتقوا " بالواو، و " والفاء "، هنا حق الكلام.

(3)

في المطبوعة: " فجبنوا وخافوا "، غير ما في المخطوطة. يقال:" خام في القتال "، إذا جبن، فنكل ونكص وتراجع.

(4)

انظر تفسير " فشل " فيما سلف 7: 168، 289.

(5)

انظر تفسير " التنازع " فيما سلف 7: 289 \ 8: 504.

ص: 569

سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تُجنُّه الصدور، (1) لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب. (2)

* * *

وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا"، أي: في عينك التي تنام بها= فصيّر "المنام"، هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله في عينك قليلا. (3)

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16150 -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إذ يريكهم الله في منامك قليلا"، قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم.

16151-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.

16152-

....وقال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

16153 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"إذ يريكهم الله في منامك قليلا"، الآية، فكان أول ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوهم، وكفَّ بها ما تُخُوِّف عليهم من

(1) في المطبوعة: " بما تخفيه الصدور "، غير ما في المخطوطة بلا طائل، وهما بمعنى.

(2)

انظر تفسير " ذات الصدور " فيما سلف 7: 155، 325 \ 10:94.

(3)

هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 247.

ص: 570

ضعفهم، (1) لعلمه بما فيهم. (2)

* * *

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ولكن الله سلم".

فقال بعضهم: معناه: ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم، حتى أظهرهم على عدوهم.

* ذكر من قال ذلك:

16154 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ولكن الله سلم"، يقول: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن الله سلم أمره فيهم.

* ذكر من قال ذلك:

16155 -

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة:"ولكن الله سلم"، قال: سلم أمره فيهم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس، وهو أن الله سلم القومَ = بما أرى نبيه صلى الله عليه وسلم في منامه = من الفشل

(1) في المطبوعة: و " كفاهم بها ما تخوف

"، وفي المخطوطة: " وكعها عنهم ما تخوف "، وصل الكلام، وأثبت نص ابن هشام. وضبطه الخشني بالبناء للمجهول.

وفي السيرة، بعد تمام الكلام،:" قال ابن هشام: (تخوف) ، مبدلة من كلمة ذكرها ابن إسحاق، ولم أذكرها ". فجاء أبو ذر الخشني في تعليقه على السيرة فقال: " يقال الكلمة: (تخوف) ، بفتح التاء والخاء والواو، وقيل: كانت (تخوفت) وأصلح ذلك ابن هشام، لشناعة اللفظ في حق الله عز وجل ".

وهذا لا يقال، لأن ابن هشام يصرح بأنه نسيها ولم يذكرها، فأبدل منها غيرها، فهو لم يغير ذلك إلا علة النسيان.

(2)

الأثر: 16153 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم:16149.

ص: 571