المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في الكلام. وليست كذلك "هو". وأما التي تدخل صلة في - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٣

[ابن جرير الطبري]

الفصل: في الكلام. وليست كذلك "هو". وأما التي تدخل صلة في

في الكلام. وليست كذلك "هو". وأما التي تدخل صلة في الكلام، فتوكيدٌ شبيه بقولهم:"وجدته نفسَه"، تقول ذلك، وليست بصفة "كالظريف" و"العاقل". (1)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ‌

(33) }

(1) انظر مبحث ضمير " العماد " في معاني القرآن للفراء 1: 50 - 52، 104، 248، 249، 409، 410.

وما سلف من التفسير 2: 312، 313 \ 7: 429، 430، وغيرها في فهارس مباحث العربية والنحو وغيرهما.

ص: 509

القول في تأويل قوله: {وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: تأويله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، أي: وأنت مقيم بين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة. قال: ثم خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فاستغفر من بها من المسلمين، فأنزل بعد خروجه عليه، حين استغفر أولئك بها:"وما كان الله معذِّبهم وهم يستغفرون". قال: ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم، فعذّب الكفار.

* ذكر من قال ذلك.

15990 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله عليه:

ص: 509

"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأنزل الله:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون". قال: فكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون= يعني بمكة= فلما خرجوا أنزل الله عليه: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياء". قال: فأذن الله له في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.

15991 -

حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك، في قوله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، يعني النبي صلى الله عليه وسلم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، يعني: من بها من المسلمين= "وما لهم ألا يعذبهم الله"، يعني مكة، وفيهم الكفار. (1)

15992-

حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قول الله:"وما كان الله ليعذبهم"، يعني: أهل مكة= "وما كان الله معذبهم"، وفيهم المؤمنون، يستغفرون، يُغفر لمن فيهم من المسلمين.

15993-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الرازي، وأبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: بقية من بقي من المسلمين منهم. فلما خرجوا قال: "وما لهم ألا يعذبهم الله". (2)

15994 -

....... قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، قال: أهل مكة.

(1) في المطبوعة: " وفيها الكفار "، أما المخطوطة فتقرأ:" بغير مكة، وفيهم الكفار "، ولعل ما في المطبوعة أولى بالإثبات.

(2)

الأثر: 15993 - " إسحاق بن إسماعيل الرازي " هو: " حبويه، أبو يزيد " سلف مرارًا، آخرها رقم:15311.

ص: 510

15995 -

......وأخبرنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: المؤمنون من أهل مكة= "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام"، قال: المشركون من أهل مكة.

15996-

......قال: حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" قال: المؤمنون يستغفرون بين ظهرانَيْهم.

15997 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، يقول: الذين آمنوا معك يستغفرون بمكة، حتى أخرجك والذين آمنوا معك.

15998 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال: ابن عباس: لم يعذب قريةً حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا معه، ويلحقه بحيث أُمِر= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، يعني المؤمنين. ثم أعاد إلى المشركين فقال:"وما لهم ألا يعذبهم الله".

15999-

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، قال: يعني أهل مكة.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم، يا محمد، حتى أخرجك من بينهم= "وما كان الله معذبهم"، وهؤلاء المشركون، يقولون:"يا رب غفرانك! "، وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول. قالوا: وقوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله"، في الآخرة.

* ذكر من قال ذلك.

16000 -

حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة، عن أبي زميل، عن ابن عباس: إن المشركين كانوا يطوفون

ص: 511

بالبيت يقولون: "لبيك، لبَّيك، لا شريك لك"، (1) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:"قَدْ قَدْ! "(2) فيقولون: "إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"، (3) ويقولون:"غفرانك، غفرانك! "، فأنزل الله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون". فقال ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبيّ الله، والاستغفار. قال: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار= "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون"، قال: فهذا عذاب الآخرة. قال: وذاك عذاب الدنيا. (4)

16001 -

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان، ومحمد بن قيس قالا قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا" الآية. فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا:"غفرانك اللهم! "، فأنزل الله:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" إلى قوله: "لا يعلمون".

16002 -

حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كانوا يقولون = يعني المشركين =: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، ولا يعذِّب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها! وذلك من قولهم، ورسولُ لله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، يذكر له جَهالتهم وغِرَّتهم واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قالوا:"اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء"، كما أمطرتها على قوم لوط. وقال حين نَعى

(1) في المطبوعة: " لبيك، لا شريك لك لبيك "، غير ما في المخطوطة.

(2)

" قد، قد "، أي حسبكم، لا تزيدوا. يقال:" قدك "، أي حسبك، يراد بها الردع والزجر.

(3)

في المطبوعة، زاد زيادة بلا طائل، كتب:" فيقولون: لا شريك لك، إلا شريك هو لك ".

(4)

الأثر: 16000 - " أبو زميل " هو: " سماك بن الوليد الحنفي اليمامي "، مضى برقم: 13832، 15734.

ص: 512

عليهم سوء أعمالهم: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، أي: لقولهم: ["إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا"="وما لهم ألا يعذبهم الله"، وإن كنت بين أظهرهم] ، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون (1) = "وهم يصدون عن المسجد الحرام"، أي: من آمن بالله وعبده، أي: أنت ومن تبعك. (2)

16003 -

حدثنا الحسن بن الصباح البزار..................... قال، حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى قال: إنه كان قبلُ أمانان، قوله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" قال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة. (3)

16004 -

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يونس

(1) كانت هذه الجملة هكذا في المخطوطة والمطبوعة: " أي بقولهم، وإن كانوا يستغفرون كما قال وهم يصدون

"، أسقط من الكلام ما لا بد منه وحرف. فأثبت الصواب بين الأقواس، وفي سائر العبارة، من سيرة ابن هشام.

(2)

الأثر: 16003 - سيرة بن هشام 2: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم:15989.

(3)

الأثر: 16004 - " الحسن بن الصباح البزار "، شيخ الطبري، مضى برقم: 4442، 9857.

وهذا الإسناد قد سقط منه رواة كثيرون، وكان في المخطوطة " بردة " فجعلها الناشر " أبو بردة "، وأصاب وهو لا يدري.

وهذا الخبر روى مثله مرفوعًا الترمذي في سننه في تفسير هذه السورة، وهذا إسناده:" حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن نمير، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عباد بن يوسف، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال، قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: أنزل الله علي أمانين لأمتي: " وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة.

ثم قال الترمذي: " هذا حديث غريب، وإسماعيل بن إبراهيم يضعف في الحديث ".

أما خبر الطبري، فلا شك أنه خبر موقوف على أبي موسى الأشعري.

وكان في المطبوعة: " إنه كان فيكم أمانان "، غير ما في المخطوطة، وصواب قراءته ما أثبت.

ص: 513

بن أبي إسحاق، عن عامر أبي الخطاب الثوري قال: سمعت أبا العلاء يقول: كان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمَنَتَان: فذهبت إحداهما وبقيت الأخرى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، الآية. (1)

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، يا محمد، وما كان الله معذب المشركين وهم يستغفرون أي: لو استغفروا. (2) قالوا: ولم يكونوا يستغفرون، فقال جل ثناؤه إذ لم يكونوا يستغفرون:"ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام".

* ذكر من قال ذلك.

16005 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: إن القوم لم يكونوا يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون ما عُذِّبوا. وكان بعض أهل العلم يقول: هما أمانان أنزلهما الله: فأما أحدهما فمضى، نبيُّ الله. وأما الآخر فأبقاه الله رحمة بين أظهركم، الاستغفارُ والتوبةُ.

16006 -

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال الله لرسوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، يقول: ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون، ولو استغفروا وأقرُّوا بالذنوب لكانوا مؤمنين، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون؟ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن محمد وعن المسجد الحرام؟

16007 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال يقول: لو استغفروا لم أعذبهم.

(1) الأثر: 16005 - " عامر، أبي الخطاب الثوري "، لم أجد له ذكر، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف.

(2)

في المخطوطة والمطبوعة: " أن لو استغفروا "، وكأن الصواب ما أثبت.

ص: 514

وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله ليعذبهم وهم يُسلمون. قالوا: و"استغفارهم"، كان في هذا الموضع، إسلامَهم.

* ذكر من قال ذلك.

16008 -

حدثنا سوّار بن عبد الله قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح قال، حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، في قوله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: سألوا العذاب، فقال: لم يكن ليعذبهم وأنت فيهم، ولم يكن ليعذبهم وهم يدخلون في الإسلام.

16009 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"وأنت فيهم"، قال: بين أظهرهم= وقوله: "وهم يستغفرون"، قال: يُسلمون.

16010-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، بين أظهرهم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: وهم يسلمون (1) = "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون"، قريش، "عن المسجد الحرام". (2)

16011-

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا محمد بن عبيد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، قال: بين أظهرهم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: دخولهم في الإسلام.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام.

(1) في المخطوطة: " وهم مسلمون "، والصواب ما في المطبوعة.

(2)

(2) كان في المطبوعة: سياق الآية بلا فصل، وهو قوله:" قريش "، التي أثبتها من المخطوطة. وكان في المخطوطة:" وهم مسلمون يعذبهم الله "، بياض بين الكلامين وفي الهامش حرف (ط) دلالة على الخطأ.

ص: 515

* ذكر من قال ذلك.

16012 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، يقول: ما كان الله سبحانه يعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم. ثم قال: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار. ثم قال:"ومالهم ألا يعذبهم الله"، فعذبهم يوم بدر بالسيف.

* * *

وقال آخرون: بل معناه: وما كان الله معذبهم وهم يصلُّون.

* ذكر من قال ذلك.

16013 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، يعني: يصلُّون، يعني بهذا أهل مكة.

16014 -

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد في قول الله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: يصلون.

16015 -

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله:"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، يعني: أهل مكة. يقول: لم أكن لأعذبكم وفيكم محمد. ثم قال: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، يعني: يؤمنون ويصلون.

16016 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، قال: وهم يصلون.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب المشركين وهم يستغفرون.

ص: 516

قالوا: ثم نسخ ذلك بقوله: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام".

* ذكر من قال ذلك.

16017 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في "الأنفال":"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، فنسختها الآية التي تليها:"وما لهم ألا يعذبهم الله"، إلى قوله:"فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون"، فقوتلوا بمكة، وأصابهم فيها الجوع والحَصْر.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قولُ من قال: تأويله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"، يا محمد، وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم، لأنّي لا أهلك قرية وفيها نبيها= وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرُّون عليه، فهم للعذاب مستحقون= كما يقال: "ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إليّ"، يراد بذلك: لا أحسن إليك، إذا أسأت إليّ، ولو أسأت إليّ لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إليّ. وكذلك ذلك= ثم قيل: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام"، بمعنى: وما شأنهم، وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، (1) وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام؟

وإنما قلنا: "هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب"، لأن القوم = أعني مشركي مكة = كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا:"اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" فقال الله لنبيه: "ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا،

(1) انظر تفسير " مالك " فيما سلف 5: 301، 302 \ 9:7.

ص: 517

وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم، وهم يصدون عن المسجد الحرام؟ ". فأعلمه جل ثناؤه أن الذي استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، (1) وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذابَ في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون. بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر، الدليلُ الواضحُ على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجَّه قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، إلى أنه عُنى به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم، وعما الله فاعل بهم. ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضَّى، وعلى ذلك [كُنِي] به عنهم، (2) وأن لا خلاف في تأويله من أهله موجودٌ.

وكذلك أيضًا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام"، الآية، لأن قوله جل ثناؤه:"وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" خبرٌ، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي.

* * *

(1) في المطبوعة: " أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم "، وفي المخطوطة كما أثبته إلا أنه كتب مكان " حائق "" حاق "، وهو سهو.

(2)

في المطبوعة: " وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله "، وفي المخطوطة، كما أثبته، إلا أنه سقط منه [كني] كما أثبته بين القوسين. وإن كنت أظن في الكلام سقطًا.

هذا وقد ذكر أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 154، هذا الرأي، ثم قال: " جعل الضميرين مختلفين، وهو قول حسن، وإن كان محمد بن جرير قد أنكره، لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر، فيكنى عنهم. وهذا غلط، لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة.

فإن قيل: لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع.

فالجواب: أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع. وذلك أن من قال من الكفار: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء "، إنما قال ذلك مستهزئًا ومتعنتًا. ولو قصد الحق لقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له = ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله يبعث رسولا بوحي من الله، أي: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأهلك الجماعة من الكفار والمسلمين. فهذا معنى ذكر المسلمين، فيكون المعنى: كيف يهلك الله المسلمين؟ فهذا المعنى: " ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يعني المؤمنين = " وما لهم ألا يعذبهم الله "، يعني الكافرين ".

ص: 518

واختلف أهل العربية في وجه دخول "أن" في قوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله".

فقال بعض نحويي البصرة: هي زائدة ههنا، وقد عملت كما عملت "لا" وهي زائدة، وجاء في الشعر:(1)

لَوْ لَمْ تَكنْ غَطَفَانُ لا ذُنُوبَ لَهَا إلَيَّ، لامَ ذَوُو أحْسَابِهَا عُمَرَا (2)

وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال: لم تدخل "أن" إلا لمعنى صحيح، لأن معنى:"وما لهم"، ما يمنعهم من أن يعذبوا. قال: فدخلت "أن" لهذا المعنى، وأخرج ب "لا"، ليعلم أنه بمعنى الجحد، لأن المنع جحد. قال: و"لا" في البيت صحيح معناها، لأن الجحد إذا وقع عليه جحد صار خبرًا. (3)

وقال: ألا ترى إلى قولك: "ما زيد ليس قائما"، فقد أوجبت القيام؟ قال: وكذلك "لا" في هذا البيت. (4)

* * *

القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين إلا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، ولم يكونوا أولياء الله= "إن أولياؤه"، (5) يقول: ما

(1) هو الفرزدق.

(2)

سلف البيت وتخريجه 5: 302، 303، وروايته هناك:" إذن للام ذود أحسابها "، وقد فسرته هناك، وزعمت أن " الذنوب " بفتح الذال بمعنى: الحظ والنصيب عن الشرف والحسب والمروءة.

أمَّا رواية البيت كما جاءت هنا، وفي الديوان، توجب أن تكون " الذنوب " جمع " ذنب ".فهذا فرق ما بين الروايتين والمعنيين.

(3)

يعني بقوله: " خبرًا "، أي: إثباتًا.

(4)

انظر معاني القرآن للفراء 1: 163 - 166، وما سلف من التفسير 5: 300 - 305.

(5)

انظر تفسير " ولي " فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

ص: 519

أولياء الله= "إلا المتقون"، يعني: الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. (1)

= "ولكن أكثرهم لا يعلمون" يقول: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن أولياء الله المتقون، بل يحسبون أنهم أولياء الله.

* * *

وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

16018 -

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون"، هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

16019 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:"إن أولياؤه إلا المتقون"، مَن كانوا، وحيث كانوا.

16020-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

16021 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون"، الذين يحرمون حرمته، (2) ويقيمون الصلاة عنده، أي: أنت= يعني النبي صلى الله عليه وسلم= ومن آمن بك= يقول: "ولكن أكثرهم لا يعلمون". (3)

* * *

(1) وتفسير " التقوى " فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) .

(2)

في المطبوعة والمخطوطة مكان: " يحرمون حرمنه "، " يخرجون منه "، وهذا من عجائب التحريف من طريق الاختصار!! ، والصواب من سيرة ابن هشام.

(3)

الأثر: 16021 - سيرة ابن هشام 2: 325، 326، وهو تابع الأثر السالف رقم:16003.

ص: 520