الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبرز المستحبات في الحج
قال الإمام العمريطي:
ويستحبُّ أن يلبّيَ الفتى
…
وأن يطوف للقدوم إذْ أتى)
(وأن يكون مفرداً لما ذكرْ
…
بأنْ يحج ثم بعد يعتمرْ)
(وركعتان للطواف أُكّدا
…
كذا البياض والإزار والرِّدا)
بدأ العلامة العمريطي في هذه الأبيات بسرد سنن الحج وهي كثيرة:
وبدأ بالتلبية التي يستحب الإتيان بها، والإكثار منها، ويتأكد ذلك عند تغاير الأحوال من ركوب ونزول أو صعود وهبوط أو وقوف، أو اختلاط رفقة، أو إقبال ليل أو نهار، أو فراغ صلاة وما إلى ذلك.
وأَوْلاها ما كان عند الإحرام.
وتكره في المواضع النجسة، وبالفم النجس كغيرها من الأذكار.
وإذا رأى المحرم (1) شيئاً يعجبه أو يكره ندب له أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة (2).
وفي هذا يقول بعضهم:
(1) أما إذا كان حلالاً أي غير محرم فيذكر ذلك من غير لفظة لبيك.
(2)
أي إن الحياة الهنيئة الدائمة حياة الدار الآخرة.
لا تركنن إلى الثياب الفاخرة
…
واذكر عظامك حين تبلى ناخرة
وإذا رأيتَ زخارف الدنيا فقلْ
…
لبّيك إن العيش عيش الآخرهْ
وبالجملة يسن الإكثار من التلبية في دوام الإحرام، لكن لا تسن في الطواف ولا في السعي؛ لأن لهما أذكاراً خاصة، كما لا تسن عند الرمي؛ لأنّ ذكره التكبير، وعند الرمي تنتهي التلبية.
ويسن في ذكرها رفع الصوت للرجل، ويلحق به الصبي، بشرط أن لايجهد نفسه، ولا يؤذي غيره.
ومن لم يحسن العربية أتى بها بأي لغة يحسنها، مع جواز أن يأتي بها مترجمة، وهو قادر على التلفظ بها باللغة العربية (1).
وإذا فرغ من التلبية الأولى ثلاث مرات صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة كانت، لكن الصلوات الإبراهيمية هي الأفضل، ويسن أن يكون صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها أخفض من صوته بالتلبية.
كما يسن أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، بأن يقول:
اللهمّ إني أسالك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار.
(1) التلبية عند الحنفية لها كلمات محددة لا يجوز أن يخل بشيء من كلماتها، فإن زاد فلا بأس. قال العلامة الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني في اللباب في شرح الكتاب صـ 181:«فإن كان مفرداً الإحرام بالحج نوى بتلبية الحج، لأنه عبادة، والأعمال بالنيات، والتلبية أن يقول: لبيك، اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وهي المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخلَّ بشيء من هذه الكلمات؛ لأنه هو المنقول باتفاق الرواة فلا ينقص عنه، فإن زاد فيها أي عليها بعد الإتيان بها جاز بلا كراهة أما في خلالها فيكره، كما في الدرر وغيره» .
ويسن أن يدعوبما شاء من أمر الدين والدنيا، وتمام ذلك أن يقول:
«اللهمّ اجعلني من الذين استجابوا لك ولرسولك، وآمنوا بك، ووثقوا بوعدك، ووفوا بعهدك، واتبعوا أمرك.
اللهمّ اجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت.
اللهمّ يسر لي ما نويت وتقبل مني يا كريم».
ولفظ لبيك مثنى، لكن لا يقصد منه التثنية، وإنما التكثير على عادة العرب في هذا الاستعمال من نحو قوله تعالى:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4].
واللفظ مأخوذ من قولك: لبَّ بالمكان لباً إذا أقام به.
وأصله لبيَّنِ لك، على تقدير فعل محذوف وجوباً وهو أُلبِّي، حيث أقيم المصدر مقامه وهو (لبيْنِ لك)، ثم حذفت النون للإضافة، ثم حذفت اللام تخفيفاً، ثم أضيفت الكاف إليه فصار لبيك (1).
ومن سنن الحج طواف القدوم، أي الطواف الذي سببه القدوم، ويطلقون عليه كذلك طواف الوداع، وطواف الورود.
وطواف القدوم يختص بحاج دخل مكة قبل الوقوف بعرفة.
ولو دخل الحاج المسجد الحرام، والناس يؤدون الصلاة المكتوبة صلاها معهم أولاً، ثم يطوف للقدوم.
ولو أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف، توقف عن طوافه، وقدم
(1) اللباب في شرح الكتاب للعلامة الشيخ عبد الغني الغنيمي الميداني صـ 181 صـ 476.
الصلاة عليه. وكذا لو خاف فوت الفريضة ولو لم تقم الصلاة، أو خشي فوات سنة مؤكدة فإنه يقطع طواف القدوم، ويؤدي ما يخشى فواته.
قال العلامة الفَشني: «ويختص طواف القدوم بحاج دخل مكة قبل الوقوف، ومثله الحلال» (1).
ومن سننه الإفراد، وهو تقديم الحج على العمرة، بأن يحرم بالحج من ميقاته، ويفرغ منه، ثم يخرج من مكة إلى أدنى الحل فيحرم بالعمرة ويأتي بعملها.
ولو عكس لم يكن مفرداً، بل يكون متمتعاً.
ولو جمع بينهما كان قارناً. بأن يحرم بهما في أشهر الحج (2).
وعلى كل من المتمتع والقارن دم إن لم يكونا من حاضري المسجد الحرام، وحاضروا المسجد الحرام هم من كانت مساكنهم دون مرحلتين منه.
ومن سننه ركعتان يأتي بهما بعد الطواف، ينوي سنة الطواف، يقرأ في
(1) انظر تهذيب تحفة الحبيب صـ 210، وكذا قال مثل ذلك العلامة الباجوري في حاشيته ط 1 صـ 477 وهو يؤيد ما أقوله دائماً من أن مكة المكرمة تحيتها طواف القدوم للحاج وللحلال، ووداعها طواف الوداع للحاج وغيره، فهذه خصوصية لها تليق بمقام حرمتها، يؤيد هذا قول العلامة النووي «وقال البغويُّ وأبو سعيد المتولي وغيرهما: ليس هو من المناسك بل يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة تُقْصَرُ فيها الصلاة سواء كان مكياً أو غير مكيّ. قال الإمام أبو القاسم الرافعيُّ: هذا الثاني هو الأصح تعظيماً للحرم وتشبيهاً لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله للإحرام، ولأنهم انفقوا على أن من حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه ولو كان من المناسك لعمّ الجميع» قال العلامة ابن حجر الهيتمي في حاشيته على كلام النووي هذا صـ 448:«ويعتبر المصنف بالحج يشمل العمرة تجوّز إذ هي مثله كما تعلم من كلام الإمام السابق» .
(2)
ويعد قارناً من أحرام بالعمرة، ثم أحرم بالحج قبل شروعه في طواف العمرة، ثم عمل أعمال الحج. انظر تهذيب تحفة الحبيب للعلامة الفشني صـ 211.
الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص يؤديهما خلف مقام إبراهيم، فإن لم يتيسر ففي أي موضع شاء من غيره، ولا تفوت الركعتان إلّا بموته، لكن يُجزاء عنهما غيرهما من مكتوبة، أو نافلة أخرى، وقعت بعد الفراغ من الطواف، وإن كان الاحتياط أن يأتي بهما بعد غير هما من الصلوات، إن أتى بذلك عقب الطواف، كأن أقيمت صلاة الفريضة بعد الفراغ من الطواف، فالأحوط أن يأتي بهما بعد الصلاة وإن أجزأته عنهما (1).
ومن سنن الحج كون الإزار والرداء أبيضين جديدين، وإلّا فنظيفين أي مغسولين. ومن السنن والآداب التي يتهاون فيها كثير من الناس أنّ الحاج إذا أتم مناسكه، وما تزال أيام تفصل بينه وبين تمام الرحلة فإنه ينغمس في الأسواق نتردداً في ذلك بين مكة وجدة. زاهداً بما من أجله جاء زعماً أنه قضى نسكه، ولاشيء عليه بعد! فهذه أوقات كريمة ينبغي أن يختم بها الحاج بمسك الأعمال من ألوان الذكر والعبادة لاسيما الإكثار من العمرة والطواف. قال الإمام النووي:«فينبغي للحاج أن يغتنم بعد قضاء مناسكه مُدّة مُقامه بمكة ويستكثر من الاعتمار ومن الطواف في المسجد الحرام فإنه أفضل مساجد الأرض» (2).
* * *
(1) حاشية الباجوري جـ 1 صـ 477.
(2)
الحاشية لابن حجر على شرح الإيضاح للنووي صـ 430.