الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحينئذ يخرج حجه من دائرة التطوع إلى عنوان الوجوب.
ويسن التحميد والتهليل للإتباع؛ لأنه من لون الذكر الذي يسن في هذا الموضوع.
قال العلامة الفَشْني: وإنما جعل التحميد والتهليل دعاء؛ لأنه ثناء على الله تبارك وتعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين. وقد قال الشاعر:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
…
حياؤك إنّ شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً
…
كفاه من تعرضه الثناء (1)
الركن الخامس الطواف:
الطواف حول البيت بأنواعه (2) هو انسجام الإنسان في دورانه حول البيت العتيق مع دوران الكواكب والأفلاك والوجود كله حيث يطوف الكون بأسره امتثالاً لأمر الله تعالى عكس عقارب الساعة، تماماً كما يطوف المسلم، بدءاً من الحجر الأسود حيث يجعله عن يساره، في خطورة رائدة لا يفعلها المسلمون إلّا في المسجد الحرام؛ لأنهم دائماً يبدؤون بميامينهم في تنعلهم وترجلهم وطهورهم وفي شأنهم كلهم. وإذا كان الاتّباع هو الباعث الحثيث لطواف الصحابة حول الكعبة المشرفة إقتداء منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي فعل ذلك بأمر من ربّ العزة، ذهاباً منه على جادة إبراهيم عليه السلام، فإن الأمة الإسلامية اليوم بوسعها أن تتلمس وجهاً
(1) تهذيب تحفة الحبيب
…
للعلامة الحجازي الفَشني صـ 205.
(2)
طواف القدوم هو سنة ـ كما تعلم ـ، وطواف الإفاضة ركن:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، وطواف الوداع واجب.
إعجازياً جديداً لهذا الدين من خلال يقين الجميع بان الذي فعله الأنبياء والرسل وأتباعهم يوافق حركة الوجود الكوني قاطبة في جريانه المستقر المرسوم دوراناً من جهة اليسار الأيمن.
فهل من دليل أوضح من هذا يظهر أن بصمة مبدع الحياة بمجراتها ومخلوقاتها، وبصمة منزل الكتاب والأحكام تكليفاً وتشريفاً واحدة، وأنها تحكي العبودية والولاء لله رب لعالمين؟ .
وهل من بيان أوفى من هذه اللوحة الإعجازية التي تشير إلى أن الوجود المترامي الأطراف يتحرك وفق الخطى المرسومة له خضوعاً قسرياً لسلطان ذي العزة المتعال، بينما الكائن البشري الذي زوده الله بالنظر والإرادة شُرف بالانصياع والاختيار لصاحب الإيجاد والإمداد، لكن بدافع العقل وضيائه، والفطرة وصفائها.
وكأني بهذا الوجود الكوني يطوف حول الكعبة المشرفة كل ضمن مساره، مسبحاً لله تعالى، بدءاً من إلكترونات الذرة وبروتونات النواة، ومروراً بالكواكب، وانتهاء بالمجرات والدروب الكونية، في الاتجاه الذي يطوف وفقه المسلم حول بيت الله، في تجل جديد لقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44].
فلا عجب بعد هذا أن يصرح الأصحاب في مذهب الشافعية بأن الطواف أفضل الأركان؛ لأنه قربة في نفسه (1)؛ ولأنه يتكرر في كل وقت من ليل أو نهار؛
(1) الزركشي ذهب إلى خلاف مذهب الشافعية - مع كونه منهم - فقال: أفضلها الوقوف بعرفة، لأن الحج عرفة، =