المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدماء في الإحرام(أقسامها ـ خصوصيتها ـ ما يقوم مقامها) - الحج من نظم الإمام العمريطي الشافعي في «نهاية التدريب في نظم غاية التدريب»

[محمد محيي الدين حمادة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌شروط وجوب الحج

- ‌أركان الحج

- ‌الركن الأول من أركان الحج هو الإحرام

- ‌الركن الثاني الوقوف بعرفة

- ‌الركن الثالث: الحلق أو التقصير

- ‌الركن الرابع: السَّعي

- ‌الركن الخامس الطواف:

- ‌الركن السادس: ترتيب معظم الأركان

- ‌واجبات الإحرام

- ‌الواجب الأول: الإحرام من الميقات

- ‌الواجب الثاني: الرمي

- ‌الواجب الرابع: المبيت بمنى

- ‌الواجب الخامس: التحذير من الوقوع في محرمات الإحرام

- ‌الواجب السادس: طواف الوداع:

- ‌أبرز المستحبات في الحج

- ‌محرمات الإحرام

- ‌الفداء من اقتراف محظورات الإحرام

- ‌الدماء في الإحرام(أقسامها ـ خصوصيتها ـ ما يقوم مقامها)

- ‌دم التخيير والتقدير

- ‌دم التخيير والتعديل

- ‌شرب زمزمٍ ندبٌ

- ‌ملحق هام في أبرز مزارات مكة

- ‌ غار ثور

- ‌دار الندوة:

- ‌دار السيدة خديجة رضي الله عنها:

- ‌الأخشبان:

- ‌شِعبُ أبي طالب:

- ‌المحصَّب

- ‌مسجد الراية:

- ‌مسجد خالد بن الوليد:

- ‌مقبرة المعلاة:

- ‌سَرِف:

- ‌مسجد الفتح بالجموم:

- ‌غار حراء:

الفصل: ‌الدماء في الإحرام(أقسامها ـ خصوصيتها ـ ما يقوم مقامها)

‌الدماء في الإحرام

(أقسامها ـ خصوصيتها ـ ما يقوم مقامها)

قال الإمام العمريطي:

وسائر الدماء في الإحرامِ

محصورة في خمَسةٍ أقسام

فالأول المرتب المقدرُ

بترك أمر واجب ويُجبرُ

بذبح شاة أولاً وصاما

للعجز عنه عشرة أياما

ثلاثة في الحج في محلهِ

وسبعةً إذا أتى لأهله

الدماء التي تجب كفارات بأمر الله تعالى على مخالفات واقعة في فريضة الحج إلى بيت الله الحرام باجتماع وصفين أو اجتماع ما يقابلهما، أو أحد الوصفين مع ما يقابل الآخر وذلك وفق البيان التالي:

الوصف الأول هو الترتيب، فإن قلنا الكفارة واجبة على الترتيب فنعني بذلك وجوب الدم أولاً فإن عجز الحاج عدل إلى المرتبة الثانية في هذا الترتيب وهو الصيام كما في ترك أمرٍ واجب من واجبات الحج.

وصف الترتيب يقابله التخيير فإن قلنا الكفارة على التخيير فنعني بذلك جواز الدم وجواز الصيام وربما جواز الإطعام كما في فعل محظورات الإحرام خلا الجماع وعقد النكاح.

فالترتيب والتخيير وصفان متقابلان.

ص: 121

الوصف الثاني التقدير: فإن قلنا الكفارة على التقدير فنعني بهذا أن الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيباً أو تخييراً، لا نريد على ذلك ولا ننقص.

ففي المثال السابق في ترك أمرٍ واجب من واجبات الحج تقع الكفارة على الترتيب والتقدير؛ لأن الشاة قدّرها ربّ العزة، فهي تقديرية؛ ثم لأنه جعلها في المقام الأول لا تترك إلى الصيام إلّا عند العجز فهي ترتيبية.

وصف التقدير يقابله التعديل، فإن قلنا الكفارة، على التعديل. فنعني به، أنه أمر يرجه فيه إلى تقويم العدول أصحاب الثقة والخبرة يعدّلونه ويحددون قيمته.

مثاله الإحصار فكفارته على الترتيب والتعديل فمن أحصر، بأن منعه عدو من إتمام النسك وهو محرم وجب في حقه شاة أولاً على الترتيب لا يصار إلى غيرها إلّا بالعجز، فإن لم يستطع انتقل إلى التعديل وهو إطعام بقيمة الشاة، فهو بحاجة إلى غيره لتقويم كم تساوي الشاة؟ وكم يشتري طعاماً بثمنها ليوزعه على الفقراء.

إذا علمت هذا بدأت معك في دراسة دماء الكفارات، وما يقوم مقامها، مبيناً أنها محصورة في خمسة أقسام:

القسم الأول: مثاله ما سرده لنا الإمام العمريطي في الأبيات السابقة وهو الدم المرتب المقدّر وهو الواقع كفارة على ترك الواجب من الواجبات التي سبق ذكرها (1) والتي نقلها لنا مجتمعة العلامة الشافعي إبراهيم الباجوري فيما نظمه ابن

(1) الواجب هو ما يطلب فعله من الحاج لزوماً بحيث يحرم تركه، لكن ليس إلى الحد الذي يفسد به الحج، بل إلى الدرجة التي يكون فيها الحاج مسيئاً وآثماً؛ لأن الشارع الحكيم أقام ذبح شاة على هذا التقصير جبراً للنقص الحادث بهذا الترك، واستدراكاً للخلل. اللهمّ! إلّا إذا بَرَزَ باعث الترك على أرض العذر المعتبر شرعاً، وذلك كمن ترك المبيت في المزدلفة بسبب اشتغاله بالوقوف بعرفة، أو بالازدحام وقت النفرة من عرفات بحيث مضت ساعاتُ ليل مزدلفة وهولا يزال في أرض عرفة، أوفي الطريق الموصل منها إلى المزدلفة دون أن يدرك طلائع حدودها.

ومثله المبيت بمنى فيما لو تركه أصحاب الأعذار كأهل السقاية، أومن به ضعف جسدي لا يتماسك معه صاحبه فوق أرض منى، أو خوفاً من ضياع مريض لا متعهد له، أومن موت قريب في غيبته أو خوفاً على نفس أو مال أو

ومن الأعذار التي نص عليها الحنفية في مذهبهم خاصة ترك المشي في الطواف، وفي السعي لمرض أو كبر سن، فإنه يجوز في هذه الصورة أن يطوف ويسعى محمولاً ولا فداء عليه.

ص: 122

المقري بقوله:

1 ـ أربعةُ دماءِ حجٍ تُحصر

أولها المرتّبُ المقدْرُ

2 ـ تمتعٌ فوتٌ وحجٌ قُرِنَا

وتركُ رمي والمبيتُ بمنى

3 ـ وتركه الميقات والمزدلفهْ

أو لم يودّعْ، أو كمشي أخْلَفَهْ

4 ـ ناذرهُ يصوم إنْ دماً فَقدْ

ثلاثةً فيه، وسبعاً في البلدْ (1).

هذا الدم قدره الشارع في محكم التنزيل، وأنزله منزلة الترتيب، وهو أولاً

(1) هذا النظم حسن ينبغي لكل طالب علم أن يحفظه كما نصح بذلك العلامة الباجوري، لذلك أُثبته هنا بتمامه، مبتدئاً حيث انتهيتُ في الأعلى، والله الموفق:

5 -

والثاني ترتيب وتعديلٌ وردْ

في محصرٍ ووطءِ حجٍ إنْ فسدْ.

6 -

إنْ لم يجْد قَوّمه ثم اشترى

به طعاماً طعمةً للفقرا.

7 -

ثم لعجزٍ عدْلُ ذاك صوما

أعني به عن كل مدّ يوما.

8 -

والثالث التخيير والتعديل في

صيدٍ وأشجارٍ بلا تكلُّفِ.

9 -

إن شئت فاذبحْ أو فعدّل مثل ما

عدّلت في قيمةِ ما تقدّما.

10 -

وخيّرَنْ وقدّرَنْ في الرابع

إن شئت فاذبح أو فَجُدْ بآصعِ.

11 -

للشخص نصفٌ أو فُصُمْ ثلاثا

نجتثُّ ما اجتَثَثْته اجتثاثا.

12 -

في الحلقِ والقَلْمِ ولبسِ دُهْنِ

طيبٍ وتقبيلٍ ووطءٍ ثني

13 -

أوبين تحلُّل ذوي إحرام

هذي دماء الحج بالتمام

14 -

والحمد لله وصلّى ربنا

على خيار خَلْقه نبيّنا

ص: 123

ذبح شاة مجزئة في الأُضحية بأن تكون جذعة ضأن لها سنة، أو أسقطت مقدّم أسنانها بعد ستة أشهر من تاريخ ولادتها، أوثنية معزلها سنتان، بشرط عدم العيب فيهما.

فيجزئ شاة عن واحد أو بدنة أو بقرة عن سبعة دماء، بأن يكون نصيب الواحد منها سُبْعُ بدنة، أو سُبْعُ بقرة.

هذا هو الواجب في المقام الأول، فإن لم يجد الحاج الشاة أو ما يقوم مقامها أو وجده بزيادة على ثمن المثل، أولم يجد الثمن الكافي لذلك الواجب انتقل إلى المرتبة الثانية في هذا الترتيب، وهي صيام عشرة أيام بدلها وجوباً، منها ثلاثة أيام في الحج في محله أي محل إقامته، ومنها سبعة أيام يصومها إذا رجع إلى أهله، إن أراد الرجوع إليهم، لذلك لم يجز له صيامها في الطريق لنص الآية، لكن إن نوى الإقامة بمكة، واستنكف عن الرجوع إلى قومه وعشيرته صام في أرض الحرم السبعة الباقية في ذمته (1)، ويندب في صيام الثلاثة الأُوَّل، وفي السبعة الأُخر التتابع؛ لأن فيه مبادرة إلى قضاء الواجب، وخروجاً من خلاف من أوجبه.

دليل ما ذكرت من بيان القرآن الكريم ومن صحيح السنة النبوية المشرّفة.

فأما الكتاب العزيز ففي قوله تعالى في سورة البقرة: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الآية: 196].

(1) لو لم يصم الثلاثة في الحج ورجع إلى أهله لزمه صوم العشرة وفرَّق بين الثلاثة والسبعة بأربعة أيام وبمدة إمكان السير إلى الوطن.

ص: 124

وأما صحيح السنة المشرفة ففي الحديث الذي اتفق على روايته الشيخان، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: «

مَن كان منكم أهْدى فإنه لا يَحِلُّ من شيْ حَرُم منه حتى يقضي حجّه، ومَنْ لم يكن منكم أهدى فليطُفْ بالبيت وبالصفا والمروة وليقصِّرْ وليُحَلِّلْ ثم ليهُلَّ بالحج ولْيُهْدِ (1)، فمن لم يجد هدياً فليصُمْ ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله

» (2).

وكما رأيت من نظم العلامة ابن المقري فأول دم مرتب مقدّر يقع على نسك التمتع بنصّ الآية الكريمة: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ، علة بذلك أنه دم واجب بترك نسك، هذا النسك هو ترك المتمتع الإحرام من ميقات بلده؛ لأنه يحرم بالحج من مكة، ولو أفرد لأحرم من ميقات بلده، فلزمه على ترك هذا الواجب دم.

ومثله دم القران؛ لأنّ القارن، وهو الذي قرن في إحرامه بين الحج والعمرة معاً، إنما ترك بقرانه الإحرام بالعمرة من ميقاتها وهو أدنى الحل لمن كان بمكة، إذ لكل من الحج والعمرة ميقات زماني ومكاني، خاص بهذين النسكين قد يجتمعان، وقد يفترقان والقارن أحرم من ميقات واحد بدل أن يحرم من ميقاتين، تاركاً إحرام العمرة من ميقاتها بعد انقضاء النسك فلزمه ترك هذا الواجب دم.

الدم الثالث الواجب تحت هذا العنوان هو دم الفوات، وقد وجب على الحاج بسبب تركه الوقوف بعرفة التي فاتته لسببٍ ما.

(1) أي ليذبح شاة بسبب تمتعه كما سيأتي بيانه.

(2)

صحيح مسلم (1227/ 174).

ص: 125

الدماء الباقية سببها ترك واجب من الواجبات كالرمي والمبيت بمنى والمبيت بالمزدلفة وطواف الوداع، فذلك ظاهر كما ترى (1).

وبالنسبة لدم التمتع والقران فإنه يجوز أن يقدم ذبح شاة على أحد سببيها؛ لأنها عبادة مالية، والسبب الأول هنا هو تقديم العمرة على الحج، والسبب الثاني هو الإحرام بالحج.

أما الصوم فهو عبادة بدنية، والعبادة البدنية لا يجوز تقديمها على أحد سببيها، لا بل يجب تأخيرها عن سببيها معاً، لذلك إن فقد الشاة أو ثمنها وانتقل إلى الصوم وجب عليه صوم الأيام الثلاثة الأولى بعد وقوع السبب الثاني وهو الإحرام أي يصومها في حال الإحرام، قبل يوم النحر، فإن أخرها عنه عصى ووجب عليه قضاؤها فوراً بعد يوم النحر وأيام التشريق ولا يجوز صومها في أيام التشريق في الجديد.

والتتابع الذي قلنا إنه يندب في الأيام الثلاثة في الحج قد يتحول إلى واجب كما لو ضاق الوقت بإحرامه في سادس ذي الحجة (2)، ففي هذه الصورة يلزمه التتابع لضيق الوقت لا لذات التتابع حيث قلنا لا يجوز تأخير الصيام عن يوم النحر.

* * *

(1) حاشية الباجوري جـ 1 ص 489 - 490.

(2)

إن أحرم في السادس من ذي الحجة صام في السابع والثامن والتاسع لزوماً مع مراعاة أنه يسن فطر يوم عرفة وترك صيامه، لذلك قال الفقهاء يسن لصاحب هذه الكفارة أن يحرم قبل يوم عرفة بزمن يسعها بأن يحرم قبل السادس من ذي الحجة ثم يصوم السادس ويصوم اليومين التاليين له دون أن يمس يوم عرفة بصيام.

ص: 126