المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فوق المسجد الحرام بما يقرب من ثلاثمائة متر» (1). هذا الشعب - الحج من نظم الإمام العمريطي الشافعي في «نهاية التدريب في نظم غاية التدريب»

[محمد محيي الدين حمادة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌شروط وجوب الحج

- ‌أركان الحج

- ‌الركن الأول من أركان الحج هو الإحرام

- ‌الركن الثاني الوقوف بعرفة

- ‌الركن الثالث: الحلق أو التقصير

- ‌الركن الرابع: السَّعي

- ‌الركن الخامس الطواف:

- ‌الركن السادس: ترتيب معظم الأركان

- ‌واجبات الإحرام

- ‌الواجب الأول: الإحرام من الميقات

- ‌الواجب الثاني: الرمي

- ‌الواجب الرابع: المبيت بمنى

- ‌الواجب الخامس: التحذير من الوقوع في محرمات الإحرام

- ‌الواجب السادس: طواف الوداع:

- ‌أبرز المستحبات في الحج

- ‌محرمات الإحرام

- ‌الفداء من اقتراف محظورات الإحرام

- ‌الدماء في الإحرام(أقسامها ـ خصوصيتها ـ ما يقوم مقامها)

- ‌دم التخيير والتقدير

- ‌دم التخيير والتعديل

- ‌شرب زمزمٍ ندبٌ

- ‌ملحق هام في أبرز مزارات مكة

- ‌ غار ثور

- ‌دار الندوة:

- ‌دار السيدة خديجة رضي الله عنها:

- ‌الأخشبان:

- ‌شِعبُ أبي طالب:

- ‌المحصَّب

- ‌مسجد الراية:

- ‌مسجد خالد بن الوليد:

- ‌مقبرة المعلاة:

- ‌سَرِف:

- ‌مسجد الفتح بالجموم:

- ‌غار حراء:

الفصل: فوق المسجد الحرام بما يقرب من ثلاثمائة متر» (1). هذا الشعب

فوق المسجد الحرام بما يقرب من ثلاثمائة متر» (1).

هذا الشعب هو الذي تم حصار بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم فيه، وذلك في شهر محرم سنة سبع من النبوة، وامتدّ ثلاث سنين، وكان حصاراً شديداً ألجأهم إلى أكل الأوراق والجلود.

أما المكان الذي كتبت فيه الصحيفة فهو خَيْفُ بني كنانة ب‌

‌المحصَّب

أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يقبلوا منهم صلحاً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغَدِ يوم النَّحر ـ وهو بمنى ـ نحن نازلون غداً بخَيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، يعني بذلك المحصَّب، وذلك أنّ قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يُسلموا إليهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم (2).

وفي رواية عند غير البخاري: «ولا يخالطوهم» وفي أخرى أيضاً: «وأن لا يكون بينهم وبينهم شيء» (3).

المحصَّبُ:

المحصَّبُ موضعٌ بأعلى مكة يقع عند مدخل مكة من جهة منى العزيزية الشمالية إلى مقربة الحجون وهو ما يعرف اليوم بالمعابدة وامتداداتها باتجاه الحجون، وباتجاه منى.

والمحصّب في اللغة من الحصباء، وهي الحجارة، لذلك يقال لموضع الجمار

(1) المرجع المذكور صـ 126.

(2)

البخاري برقم (1590).

(3)

فتح الباري جـ 3 صـ 572.

ص: 176

في منى المحصّب أيضاً.

والمحصَّب هو الشِّعبُ بين الجبلين، وهو ما جاء في القاموس المحيط.

وبالتالي فالمحصَّب هو مسيل الوادي؛ حيث تجتمع فيه بسبب السيول، الحجارةُ الصغيرة. ويطلق عليها الحصباء، والمكان الذي تجتمع فيه يسمّى المحصّب، ويطلق المحصّب على الأبطح؛ لأنه كالمحصَّب مأخوذ من البطحاء وهي الحصى الغار.

قال العلامة ابن حجر العسقلاني: «البطحاء التي بين مكة ومنى، وهي ما انبطح من الوادي واتسع، وهي التي يقال لها المحصّب والمقوس، وحدّها ما بين الجبلين إلى المقبرة» ، ثم قال:«الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح، وهو المحصّب» (1).

وفي المحصَّب خَيْفُ بني كنانة، والخَيْفُ في اللغة: وفق ما جاء في القاموس المحيط للفيروزابادي ما انحدر عن غليظ الجبل، وارتفع عن مسيل الماء (2)، وبه سُمّي مسجدُ الخَيْف في منى؛ لأنه في سفح الجبل.

ولمّا كانت أرضُ المحصَّب تتبعُ بني كنانة، فإنّ المحصَّب يطلق عليه خَيْفَ بني كنانة، مع أنه في الأصل ـ كما قلتُ لك ـ يختص بما انحدر من الجبل، وهو هنا جبل زرود، وفيه ينشد المداح في مجالسهم:

ألفُ صلّى الله على زين الوجود

مَن سكنْ طَيْبَةْ، وخيَّم في زرود

أهمية المحصَّب تأتي من أنه المكان الذي تحالفت فيه قريش على بني هاشم وبني عبد المطلب لمقاطعتهم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، ولا يؤووهم؛ ولا

(1) فتح الباري جـ 3 صـ 745.

(2)

هذا ما صرّح به في فتح الباري جـ 8 صـ 18.

ص: 177

يكون بينهم شيء حتى يُسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تم حصارهم بالفعل في شعب بني طالب. فالمحصَّب هو الموضع الذي استعلن فيه الكفر في وجه المسلمين، لذلك تعدّدت المواقف النبوية التي تعلن الإيمان وعزّة الإسلام وشعائره في الموقع الذي ارتفع فيه صوت الباطل في وجه الحق الذي نزل به الوحيُ الأمين.

قال لهم ذلك في فتح مكة، وفي يوم النحر من حجة الوداع، وحين أراد حُنَيناً.

روى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منزلنا ـ إنْ شاء الله (1)، إذا فتح الله ـ الخَيْفُ (2) حيث تقاسموا (3) على الكفر» (4).

مسجد البيعة:

هو المسجد الذي بني في الموضع الذي تمّت فيه بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية. ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل التي تتوافد إلى البيت الحرام كل عام في موسم الحج، يتلو عليهم كتاب الله، ويدعوهم إلى التوحيد، ويبشرهم إن هم منعوه حتى يبلغ رسالة ربه أن لهم العزة في الدنيا التي يملكون بها العرب، وتذلّ بها العجم، وأن لهم الجنة في الآخرة، وكان يتّبعهم إلى منازلهم في عكاظ وذي المجاز ومجنة فلا يتبعه منهم أحد؛ لأن أبا لهب كان يمضي وراءه يحذر الناس منه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب، فيردّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الردّ ويؤذونه (5).

(1) المشيئة هنا للتبرك.

(2)

الخَيفُ: مبتدأ مؤخر، خبره: منزلنا.

(3)

أي تحالفوا: والضمير يعود على قريش فيما يعرف بالصحيفة.

(4)

البخاري برقم (4285).

(5)

فقه السيرة د. محمد سعيد رمضان البوطي صـ 169.

ص: 178

وفي السنة الحادية عشرة للهجرة من البعثة المحمدية، عرض نفسه على القبائل شأنه في كل عام، يتلاطف معهم ويقول:«يا أيها الناس قولوا لا إله إلَّا الله تفلحوا وتملكوا .. » ، فبينما هو كذلك إذ لقي عند العقبة في منى رهطاً (1) من الخزرج أراد الله بهم الخير، فسألهم:

من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج.

قال: أمن موالي يهود. قالوا: نعم.

قال: أفلا تجلسون أكلمكم، قالوا: بلى، قال: فجلسوا معه فدعاهم إلى الله

عز وجل وتلا عليهم القرآن فآمنوا.

قال أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: «وكان مما مهد أفئدتهم لقبول الإسلام أن اليهود كانوا معهم في بلادهم، ومعلوم أنهم أهل كتاب وعلم، فكان إذا وقع بينهم وبين اليهود نفرة أو قتال، قال لهم اليهود: إن نبيَّاً مبعوث الآن قد أطلَّ زمانه، سنتَّبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم!

فلما كلم الرسول هؤلاء النفر، ودعاهم إلى الإسلام، نظر بعضهم إلى بعض وقالوا:«تعلمون والله إنه للنبيُّ الذي توعَّدَكم به يهود، فلا يسبقنّكم إليه» .

فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الإسلام، وقالوا: إنّا تركنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم

(1) كانوا ستة: أسعد بن زرارة، وعوض بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله.

ص: 179

الله عليك فلا رجل أعزّ منك. ثم انصرفوا ووعدوه المقابلة في الموسم المقبل» (1).

عند هذه المحطة الموفقة بدأ منعطف جديد للدعوة الإسلامية على العموم، وفوق ثرى تراب المدينة المنورة على الخصوص؛ لأن النفر الستة صدقوا فيما عاهدوا الله عليه، فأخذوا ينشرون مبادئ الدين الحنيف خلال عام كامل هو زمن غيابهم بين موسمي حج متتابعين، فلما طلع العام الثاني عشر من عهد النبوة وافى موسم البيت الحرام من الأنصار اثنا عشر رجلاً بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة لا جهاد فيها، أي على نمط ما بايع عليه النساء ثاني يوم الفتح على جبل الصفا، أما هذه البيعة فكانت في منى فيما صار يعرف اليوم بمسجد البيعة والذي يبتعد قرابة ثلاثمائة متر عن جمرة العقبة على يمين النازل من منى إلى مكة المكرمة.

نص البيعة: «تعالوا بايعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه» (2).

قال عبادة بن الصامت: فبايعناه على ذلك.

فلما أرادوا الانصراف بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير الذي كان قبل الإسلام أنْعَمَ غلام في مكة، فلما دخل الإسلام، وحمل أمانته، طوى كل أسباب الرفاهية، وتصدّى لنشر دعوة الله بين عباد الله.

(1) فقه السيرة صـ 170 ـ 171.

(2)

نفس المرجع صـ 172.

ص: 180

وفي العام التالي عاد الداعية الإسلامي مصعب بن عمير ومعه ثمرة عام كامل من الدعوة إلى الله تعالى وهو لا يحمل معه إِلَّا القليل من العلم، وهو ما يؤكد أن الدعوة الإسلامية وظيفة كل مسلم لا تختص بما يسمّى خطأ رجال دين، ولا تقتصر على العلماء، الذين لهم إلى جانب هذه الوظيفة العامة مهامٌ أخرى من تبصير الناس بشرائع دينهم، وضبط إيقاع الدعاة على إسقاط الشريعة.

وفي موسم الحج للعام الثالث عشر من بدء الدعوة واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أواسط أيام التشريق ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتان، ناموا في رحالهم مع قومهم المشركين الذين استخفوا بهم منذ بدء الرحلة من المدينة، فلما مضى ثلث الليل خرج الجمع الطاهر متسللاً إلى موعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء بصحبة عمه العباس بن عبد المطلب، فتكلم القوم وقالوا بعزيمة وصدق: خذ منا لنفسك ولربك ما أحببت .. فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغّب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.

فقام البراء بن معرور فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:

نعم، والذي بعثك بالحق نبيّاً لنمنعنَّك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة (1) ورثناها كابراً عن كابر.

أثناء هذا الكلام قام أبو الهيثم بن التّيهان مقاطعاً البراء ومستدركاً:

يا رسول الله، إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ .

فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسماً: بل الدمَ الدمَ والهدمَ الهدمَ، أنا منكم، وأنتم

(1) أي السلاح كله.

ص: 181

مني، أحاربُ من حاربتم، وأُسالم من سالمتم.

ومما جاء في هذا اللقاء المصيري أن قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرج الخزرج تسعة نقباء منهم، وأخرج الأوس ثلاثة منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء:

أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي.

فبدأت البيعة، وكان أول من ضرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ثم بايع القوم كلهم بعد ذلك (1).

هذه البيعة ـ كما ترى ـ لم تكن بلا جهاد على شاكلة البيعة الأولى، لذلك تمَّت، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «ارفضوا إلى رحالكم» قال له العباس بن عبادة بن نفلة، وقد امتلأ حماساً وإخلاصاً:

والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنملينّ على أهل منى غداً بأسيافنا؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: لم نؤمر بذلك (2).

وصل الخبر إلى قريش فسألت فأقسم المشركون من الخزرج أنّ شيئاً من ذلك لم يحصل ثم تبين لهم بعد ذلك أنه حصل.

وللكلام تتمة تعود إليه في مظانها من كتب السيرة، وفي هذا القدر كفاية لذوي العناية، والمقصود أن ندرك سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل موقع ننزل فيه لنتعلم، ونقتدي ونعلِّم، إذ لا أجمل من فهم السيرة وأنت تتصور رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه في

(1) فقه السيرة صـ 179 ـ 180.

(2)

المرجع المذكور صـ 180 ـ 181.

ص: 182