المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهج الحافظ مغلطاي في الكتاب - الدر المنظوم من كلام المصطفى المعصوم صلى الله عليه وسلم

[علاء الدين مغلطاي]

الفصل: ‌منهج الحافظ مغلطاي في الكتاب

‌منهج الحافظ مُغلَطاي في الكتاب

قال المؤلف رحمه الله في خطبة الكتاب: "جمعت في هذا الكتاب أحاديثَ الأحكام، المُحكَمة النظام، ما أجمع على تخريج أصله السِّتة الأعلام: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسَائي، وابنُ ماجه الإمام، ولكونه أصَحِّ صحيح يوجد من كلام المصطفى محمَّد صَلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

ومُتْبِعُه إِثرَ كُلِّ باب من أبوابه من الحديث مشهورَ الضعف بين أربابه: أبي عيسى، والعُقَيلي، وأبى الفرج، وابن عَديّ، والخطيب؛ والدارقطني الذي له من هذا العلم أوفرُ نصيب".

هذا هو منهج مُغْلَطاى في كتابه، ذكره في مقدمته، ويتلخص بالنقاط التالية:

1 -

موضوع الكتاب: أحاديث الأحكام.

2 -

أودعه الأحاديث التي اتفق الأئمة الستة على تخريجها، وسماها بـ"أصح الصَّحيح".

3 -

ألحق آخر كل كتاب أو باب أحاديث اشتهر ضعفها عند: التِّرمذيُّ، والعقيلى، وابن الجوزى، وابن عدي، والخطيب، والدارقطني.

وهنا سؤال: هل وفَّى مُغلطاي بما اشترطه على نفسه؟

وبعبارة أخرى: هل التزم بمنهجه الذي ذكره في مقدمة الكتاب؟

ص: 83

والجواب عن هذا: نعم في غالب الأحيان، مع خروجه عنه في بعض المواضع، وإليك بعض الإشارات إلى ذلك:

فأمَّا النقطة الأولى: فالكتاب تضمن بعض أحاديث الأحكام، وفاته الكثير منها، وذلك بسبب ما شرطه المصنف على نفسه في اختيار الصَّحيح، وسيأتي الكلام على ذلك.

وأمَّا النقطة الثَّانية: وهي أنَّه جمع في هذا الكتاب "ما أجمع على تخريج أصله الستة الأعلام. . . .":

فينتقد عليه بعض الأحاديث، فمثلًا حديث (105) أخرجه الستة إلَّا البُخاري، وحديث (312) أخرجه الستة إلَّا مسلمًا، وحديث (103) لم يخرجه النَّسائي، وحديث (154) لم يخرجه ابن ماجه، وحديث (280، 299) لم يخرجهما التِّرمذيُّ، وغير ذلك.

وأمَّا النقطة الثالثة: وهي ما عبر عنها بقوله: "ومُتْبِعُه إثرَ كُل باب من أبوابه، من الحديث مشهورَ الضعف بين أربابه. . . .":

فنراه تحت ضعيف كتاب الأطعمة والحدود والديات أورد 19 حديثًا، وهي وإن لم تكن على شرطه في اختيار الصَّحيح، أعني كونها مخرجة في الستة، إلَّا أنَّها ما بين صحيح وحسن، ومنها ما هو في الصحيحين كالأحاديث (331، 332، 333، 334، 337، 338، 346) أو أحدِهما مثل (330، 336، 352) وهذه عند مسلم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن قسمًا لا بأس به من الأحاديث التي أوردها تحت فصل الضعيف، تقوت وارتقت بالشواهد التي أوردتها.

ص: 84

كما أنني حرصت علي دعم بعض الأحاديث بما رآه التِّرمذيُّ تقوية للحديث، وهو: عمل السلف بمضمونه، فكثيرًا ما يُعِلُّ الترمذي إسنادَ الحديث، ثم يُقَوِّيه بقوله: وعليه العمل، ولا منافاة، فالحديث بطريق الرواية ضعيف لسبب من الأسباب، وهو صحيحٌ من حيث توارث العمل به قرنًا بعد قرن، والعمل المقصود هنا: عمل السلف كما تقدم.

وهنا نتساءل: هل طريقة الحافظ مُغْلَطاي في تمييز الأحاديث الصحيحة عن الضعيفة لم يسبق إليها؟.

والجواب عن ذلك: لا، بل تقدمه إلى ذلك الإمام النووي رحمه الله في كتابه "خلاصة الأحكام من مهمات السنن وقواعد الأحكام" حيث يقول في مقدمته (1):

"وقد استخرت الله الكريم في جمع مختصر في الأحكام أعتمد فيه الصَّحيح والحسن، وأُفرد الضعيفَ في أواخر الأبواب، تنبيهًا على ضعفه لئلا يُغْتَرَّ به".

وقال: "وقد التزمتُ في هذا المختصر أن لا أُهْملَ بيانَ شيء من الأحاديث في الصحة والحسن".

ثم قال: "والحسن كالصحيح في جواز الاحتجاج به في الأحكام، وإن كان دونه في القوة".

(1) نقلًا عن كتاب: "الإمام النووي وأثره في الحديث وعلومه" للأستاذ أحمد عبد العزيز قاسم الحداد ص 267، 268.

ص: 85

وقال: "وأمَّا الضعيف فأُنبِّهُ عليه مختصرًا" انتهى.

قلت: وافق المصنفُ الإمامَ النووي في تمييز الضعيف، وجَعْلِه في فصل مستقل آخر كل كتاب.

أما الأحاديث التي قدمها الإمام النووي واعتمدها فهي أعم من أن تكون صحيحة، بل جَمَل معها الحِسَانَ أيضًا، وبعارة أخرى: قدَّم الحديث الصالح للعمل صحيحًا كان أو حسنًا، ومُغْلَطاي قَدَّم الصَّحيح، بل اقتصر منه على ما رواه الأئمة الستة فقط مجموعين، وسماه بـ"أصح الصَّحيح"، فجاء شرطه أضيق، وبناء عليه لم يستوعب في كل كتاب أحاديث جميع أحكامه من أجل ذلك الشرط.

- وتساؤلًا آخر: هل عنى مُغلطاى بإفراد الضعيف عدمَ الاغترار به مثل النووي؟.

ويجاب عنه: بأن مُغْلَطاى لم يُصرِّح بمراده من ذلك تصريح النووي، وإن كان هو الظاهر، كيف لا، وهو ينقل تضعيفَ تلك الأحاديث وجَرْحَ رواتها عن الأئمة بعد ما يوردها، وهذا هو اختياره ورأيه، لكن لا يؤخذ هذا على إطلاقه، فقد علمتَ مما تقدم أنَّه أدخل في فصل الضعيف أحاديث صارت بما عضدها صالحة للعمل والاحتجاج بها.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا: أن الكتاب يتعلَّق بأحكام فقهية، وللأئمة المجتهدين اجتهادات وأنظار وفهوم متعددة مختلفة، فذِكْرُ المصنف لحديث ما في قسم الصَّحيح لا يُلزم الأئمة المجتهدين بأخذه، لاحتمال أخذهم بحديث صحيح غيرِه، أو لانقداح فهم لهم فيه غيرِ ما نراه، وكذلك: ذكره لحديث

ص: 86

ما في قسم الضعيف، لا يُلزمهم بردِّه، فقد يرون ثبوته، أو يعضده عندهم عواضد أخرى، تنهض به للعمل، ولكل ميدان رجاله، والمزاحمة الفقهية تكشف كثيرًا من العلوم والحقائق.

ومن منهجه الذي استنبطته حين خدمة الكتاب:

1 -

اعتماده في صحيح كل باب على "سنن أبي داود": في تسمية الكتب وترتيبها، وفي روايات الحديث وألفاظه، ولا ضير فـ"سنن أبي داود" أصل معتمد، وكتاب مُقدَّم في الأحكام.

فأمَّا تسمية الكتب وترتيبها: فبدأ كأبي داود بكتاب الطهارة، فالصلاة، فالزكاة -ولما كان كتاب اللقطة بعده عند أبي داود صغيرًا، ضمَّه مُغلطاي إلى الزكاة، فقال: كتاب الزكاة واللقطة! فالحج- وهو عند أبي داود: المناسك -فالنكاح والطلاقَ- وهما كتابان عند أبي داود -فالصيام، فالجهاد.

فالوصايا والضحايا والفرائض، كذا عند مغلطاي في كتاب واحد! وأورد تحته أحاديث في الصيد أيضًا!! وهذه الكتب عند أبي داود بعد الجهاد هكذا: الضحايا، فالصيد، فالوصايا، فالفرائض، فكان الأَوْلى هنا أن يجمع بين الضحايا والصيد في كتاب، وبين الوصايا والفرائض في كتاب آخر.

وأهمل مُغْلَطاي كتاب الخراج والإمارة والفيء، وأتى بالذي بعده عند أبي داود وهو: كتاب الجنائز، فالأيمان والنذور، فالبيوع وأدخل في البيوع جملة من كتاب الإجارة الذي أورده أبو داود في كتاب مستقل بعده، فالقضاء، وترك كتاب العلم الذي بعده عند أبي داود.

ص: 87

فالأشربة في كتاب مستقل، فالأطعمة والحدود والديات في كتاب آخر، كذا عند مغلطاي! وكل واحد من الأربعة عند أبي داود فِي كتاب مستقل، فكان الأَوْلى هنا إن أراد الاختصار: أن يجعل الأشربة والأطعمة في كتاب واحد، والحدود والديات في كتاب آخر.

وترك مُغلطاي جملة كتب عند أبي داود لا صلة لها بأحاديث الأحكام.

فأنت ترى مما تقدم كيف اعتمد المصنف ترتيب أبي داود كتابًا كتابًا، ولما أراد جمع بعض الكتب لبعض، وقع فيما رأيت.

- وأمَّا الروايات والألفاظ: فالمصنف يختار من الكتب الستة رواية أبي داود غالبًا، وقد يختار رواية غيره، وذلك على قلة، كما في:(101، 308).

ومن منهجه الذي استنبطته وقت العمل:

2 -

اعتماده على "السنن الكبرى" للنسائي، ومن الأحاديث التي اعتمد فيها على "السنن الكبرى" وليست في "الصغرى":(109، 110).

3 -

إدخاله كتاب "الشمائل" للترمذي في الستة، ومن الأحاديث التي ذكرها وهي عند التِّرمذيُّ في "الشمائل" وليست في "سننه":(198، 148).

4 -

اعتماده في ضعيف الباب على "العلل المتناهية" من حيث ألفاظُ الأحاديث، والأحكامُ عليها، سواء أكانت من ابن الجوزي أم ممن نَقَل عنه هو، وتارة كان يُعِلُّ الحديث بغير ما أعلّه ابن الجوزي كما في (182)،

ص: 88

وفي كتاب "الوصايا" وما بعده صار يستخرج الضعيف من "سنن أبي داود".

5 -

يورد الحديث الضعيف مع بيان سبب الضعف، وهذا منه الكثير الغالب، وندر أن يورد الضعيف ويسكت عنه كما في (287).

6 -

لم يتقيد بنقل التضعيف عن الأئمة الستة الذين ذكرهم في مقدمته: الترمذى، والعقيلى، وابن الجوزي، وابن عدي، والخطيب، والدارقطني، بل نقل عن آخرين: كابن حبان وأكثر عنه، والشَّافعيّ وأحمد وابن معين كما في (49)، وأبي حاتم الرَّازي كما في (132، 182، 188)، وأبي زرعة الرازي كما في (188)، والخطابي كما في (227)، وابن المديني كما في (229)، والأزدي كما في (184)، وغيرهم.

ومما يستدرك عليه: قوله في حديث (344): "تقدم"، ولم يتقدم شيء، وقوله في حديث (30):"وخرجه ابن ماجه عن أبي سعيد مختصرًا"، والواقع أنَّه أخرجه الستة إلَّا الترمذي، وقال في حديث (190):"وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بنحوه"، والحديث أيضًا عند أبي داود والنَّسائيُّ، وقال في حديث (333):"متَّفقٌ عليه من حديث أبي هريرة"، والصحيح أنَّه متَّفقٌ عليه من حديث أبي ثعلبة الخُشَني.

وأقدر أن السبب في تلك الأوهام: كونه صنفه، وحيل بينه وبين إعادة النظر فيه، والله أعلم.

وبالجملة فهو كتاب هام، لأنَّ موضوعه أحاديث الأحكام التيَّ أولاها العلماء اهتمامًا خاصًا، ومفيد يحتاج إليه طلبة العلم، وخصوصًا من عُنِي منهم بالفقه، ولكونه مختصرًا يسهل تداوله والمطالعة فيه وحفظه.

ص: 89