الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبعد الصَّفَديُّ فقال: "ولد بعد التسعين وستِّ مئة"(1).
والأول هو الراجح.
طلبه للعلم:
اختصت العناية الإلهية هذا الغلام اليافع، بأن يكون من خدام هذا الدين، ومن وُرَّاث هذا العلم العظيم.
فصرف الله قلبَه عن لعب الصِّبا، ولهو الشباب، حتى صار لا يميل وهو في سن الصبا لأن يلهو مع أقرانه.
وحَبَّب الله إلى قلبه العلمَ الشريف، فصار يستحسنه ويُفَضِّله على كل ما عداه.
ذكر لنا ابن فهد (2): أن مُغْلَطاي وهو في صِباه، كان أبوه يرسله ليرمي بالنشاب، فيخالفه ويذهب إلى حِلَق أهل العلم فيحضرها.
فكان مخالطةُ حُبِّ العلم لقلبه، وشَغَفُه به، وإخلاصه فيه، من دواعي جِده ودَأبِه.
قال تلميذه الحافظ العراقي: "وكان دائم الاشتغال، منجمعًا عن الناس"(3).
(1) نقله عنه الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة" 4: 352، وابن فهد في "لحظ الألحاظ": 133، وغيرهما.
(2)
"لحظ الألحاظ": 133.
(3)
"الذيل على العبر" 1: 73.
ونقل الحافظ ابن حجر عن الصَّفَدى: "كان ساكنًا، جامد الحركة، كثير المطالعة والكتابة والدَّأب"(1).
وجمود الحركة هنا مدح وليس بذم، فليس عنده طيش ولا خفة، بل ثبات أهل العزائم، وإصرار العلماء، حتى علا كعبه، وحاز قصب السبق على منافسيه، في الحديث وعلومه، واللغة، وفنون كثيرة.
فأما في الحديث وعلومه:
فقال ابن تَغْرِي بَردِي: "كان له اطِّلاعٌ كبير، وباغٌ واسع، في الحديث وعلومه"(2).
وقال السيوطي: "كان حافظًا عارفًا بفنون الحديث"(3).
حتى انتهت رياسة الحديث في زمانه إليه (4)، وصار يلقب بـ:"الشيخ الإمام شيخ المحدثين"(5).
وتبحر في علم الأنساب الذي هو أحد علوم الحديث، وتمكن في ذاك العلم، حتى قال مترجموه:"كان عَلَّامة في الأنساب"(3)، وترجمه الحافظ ابن ناصر الدين فقال:"هو. . . أبو عبد الله النسَّابة"(6).
(1)"الدرر الكامنة" 4: 353.
(2)
"النجوم الزاهرة" 11: 8.
(3)
"حسن المحاضرة" 1: 359.
(4)
"الدرر الكامنة" 4: 353 تعليقًا عن حاشية النسخ الخطية.
(5)
"الذيل على العبر" 1: 70.
(6)
"التبيان شرح بديعة البيان" 156 / ب.
وقال الحافظ ابن حجر: "كان عارفًا بالأنساب معرفة جيدة، وأما غيرها من مُتَعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة"(1).
وتعبيره -وكذا من جاء بعده- بـ"خبرة متوسطة" لا يفيد عدم تمكن المترجم في العلوم الحديثيةِ سوى الأنساب، بل يريد خِبرة متوسطة بالنسبة لتبحره في علم الأنساب، وإتقانه له، وإمامتِه فيه، فالحكم نسبي لا على إطلاقه.
وإلا فكيف يتمكن ذو الخبرة المتوسطة بالحديث من شرح البخاري في عشرين مجلدًا مخطوطًا، وغيرِه، وغيرِه من المؤلفات الحديثية القيمة، التي ستراها في مبحث مُؤلَّفاته، وتلك خير شاهد على إمامته في الحديث.
ويدل على سَعَةِ إطِّلاعه وتمكنِه في الأنساب شهادة تلميذه شيخ الإِسلام أبي الفضل العراقي:
ذكر السيوطي في "التدريب"(2) أن الحافظ ابن حجر سأل شيخه العراقي رحمهما الله تعالى عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ: مُغلطاي، وابن كثير، وابن رافع، والحسيني؟
(1)"الدرر الكامنة" 4: 353، ونحوه في "لحظ الألحاظ": 133 عن زين الدين ابن رجب، و"شذرات الذهب" 6: 197، وغيرهما.
(2)
"تدريب الراوي" 2: 405.
قال: "فأجاب -ومن خطه نقلت-:
أن أوسعَهُم إطلاعًا، وأعلمهم بالأنساب: مُغْلَطاي، على أغلاط تقع منه في تصانيفه.
وأحفظهم للمتون والتواريخ: ابن كثير.
وأقعدهم بطلب الحديث، وأعلمهم بالمُؤتَلِف والمختلف: ابن رافع.
وأعرَفَهُم بشيوخ المتأخرين وبالتاريخ: الحسيني، وهو دونهم في الحفظ".
فأوسَعُهم إطّلاعًا وأعْلَمُهم بالأنساب هو الإمام مُغْلَطاي، ولا يضيره أن يكون له بعض الأغلاط في تصانيفه، فمن ذا الذي لا يغلط من هؤلاء الأئمة المكثرين أمثاله؟!.
وأما في اللغة: فقد حفظ في صباه "كفاية المتحفظ"(1)، وكذلك حفظ "الفصيح"(2)، وكان على معرفة جيدة باللغة، مستحضرًا لها.
(1) لابن الأجدابي: إبراهيم بن إسماعيل، المتوفى في حدود سنة 470 هـ، قال في "إنباه الرواة" 1: 193: "وصنف في اللغة مقدمة لطيفة، سماها كفاية المتحفظ يشتغل بها الناس في الغرب ومصر"، والرسالة طبعها قديما بحلب فضيلة العلامة الفقيه اللغوي مصطفى الزرقاء حفظه الله، وأمتع المسلمين بحياته، وأعاد طبعها من جديد محققة.
(2)
لأحمد بن يحيى المعروف بـ"ثعلب" إمام الكوفيين في النحو واللغة، المتوفى سنة 291 هـ، وهو كتاب "صغير الحجم، كثير الفائدة، اعتنى به الأئمه". "كشف الظنون" 2: 1272، وهو مطبوع قديمًا.
قال الحافظ ابن حجر: "كان كثيرَ الاستحضار لها، متسع المعرفة فيها"(1)، وقال ابن فهد:"له اتساع في نقل اللغة"(2).
وتصنيفه في اللغة يدل على تمكنه وإمامته فيها.
ولم يقتصر رحمه الله على هذه العلوم فحسب، بل دَرَس علومًا شتى، وكان يكثر جدًا من القراءة بنفسه، حتى قيل: أكثرُ طَلَبِه بنفسه وبقراءته، قال الحافظ ابن حجر:"أكثرَ جدًا من القراءة بنفسه والسماع وكتب الطباق"(3)، فكان رحمه الله واسع الاطلاع، مشاركًا في فنون عديدة.
قال الحافظ ابن حجر: "حصَّل من المسموعات ما يطول عدُّه"(4).
وقال ابن فهد: "انتقى، وخرَّج، وأفاد، وكتب الطباق"(5).
وقال ابن تَغْري بردي: "رحل، وكتب، وصنَّف. . . وله مشاركة في فنون عديدة"(6).
(1)"لسان الميزان" 6: 74.
(2)
"لحظ الألحاظ": 140.
(3)
"الدرر الكامنة" 4: 352، وكتابة الطباق: معناها كتابة أسماء السامعين والحاضرين لقراءة كتابٍ ما على أحد الشيوخ، كما يرى في آخر الكتب الحديثية وغيرها، وهذا يكون ممن يثق به الشيخ المقروء عليه، ويَكِلُ إليه هذا الأمر.
(4)
"لسان الميزان" 6: 72.
(5)
"لحظ الألحاظ": 138.
(6)
"النجوم الزاهرة" 11: 8.