المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول رحلاته في طلب العلم والتعليم - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ١

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

فهرس الكتاب

- ‌شكرٌ وتقديرٌ

- ‌سبب الاختيار

- ‌خطة البحث

- ‌(تمهيد)

- ‌الباب الأول في التعريف بالكوراني وكتابه

- ‌الفصل الأول في التعريف بالكوراني

- ‌المبحث الأول في‌‌ اسمه، ونسبه، ونسبته، وشهرته

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌نسبته، وشهرته:

- ‌المبحث الثاني لقبه، و‌‌تاريخ، ومحل ولادته

- ‌تاريخ، ومحل ولادته

- ‌المبحث الثالث نشأته

- ‌الفصل الثاني في حياته العلمية

- ‌المبحث الأول رحلاته في طلب العلم والتعليم

- ‌المبحث الثاني شيوخه الذين أخذ عنهم العلوم المختلفة

- ‌المبحث الثالث تلامذته

- ‌المبحث الرابع أقرانه

- ‌الفصل الثالث في أعماله، وصفاته، ووفاته

- ‌المبحث الأول الأعمال التي تولاها

- ‌المبحث الثاني صفاته، وأخلاقه

- ‌المبحث الثالث وصيته، ووفاته

- ‌الفصل الرابع في مؤلفاته، وآثاره

- ‌المبحث الأول مؤلفاته

- ‌المبحث الثاني دراسة تحليلية لكتاب "الدرر اللوامع

- ‌المطلب الأول: عنوان الكتاب، ونسبته إلى المؤلف:

- ‌نسبة الكتاب إلى المؤلف:

- ‌المطلب الثاني: سبب تأليف الكتاب، والظرف الذي ألفه فيه:

- ‌أولًا: سبب تأليفه:

- ‌ثانيًا: الظرف الذي ألفه فيه:

- ‌المطلب الثالث: منهج المؤلف في الكتاب:

- ‌المطلب الرابع: أهمية الكتاب:

- ‌المطلب الخامس: تقويم عام وموجز لشروح "جمع الجوامع" التي اطلعت عليها:

- ‌المطلب السادس: وصف مخطوطتي الكتاب:

- ‌المطلب السابع: عملي في التحقيق:

- ‌ملاحظة:

- ‌تنبيه:

- ‌الباب الثاني ترجمة موجزة لتاج الدين السبكي صاحب الأصل

- ‌الفصل الأول في التعريف به

- ‌المبحث الأول في اسمه، ونسبه، ونسبته، وكنيته، ولقبه

- ‌المبحث الثاني أسرته، ومولده، ونشأته

- ‌ولادته، ونشأته:

- ‌الفصل الثاني حياته العلمية، وأعماله

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم وشيوخه

- ‌المبحث الثاني تلامذته

- ‌المبحث الثالث أعماله، وصفاته

- ‌صفاته، وأخلاقه:

- ‌المبحث الرابع مؤلفاته، ووفاته

- ‌ المؤلفات

- ‌وفاته:

- ‌الكلام في المقدمات

- ‌الكتاب الأول في الكتاب ومباحث الأقوال

- ‌باب المنطوق والمفهوم

الفصل: ‌المبحث الأول رحلاته في طلب العلم والتعليم

‌المبحث الأول رحلاته في طلب العلم والتعليم

سبق أن ذكرت أنه نشأ في قريته كوران، فحفظ القرآن، وتلاه للسبع، ومهر في النحو، وعلم المعاني، والبيان، والعروض، وتميز في الأصلين، والمنطق، وغير ذلك من العقليات، وبرع في الفقه الشافعي، وقد أجازه علماء عصره في العلوم إلى سبق ذكرها، كما أجازه الحافظ في الحديث رواية ودراية، وسيأتي بيان ذلك في الكلام على شيوخه.

ولقد كان لشمس الدين عدة رحلات:

والرحلة - في الطب - مفيدة، لأن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم تارة بالعلم والتعليم، وتارة بالمحاكاة والتلقين المباشر، فالرحلة في طلب العلم لاكتساب الفوائد لا بد منها (1).

وإليك بيان الرحلات التي قام بها الإمام الكوراني:

الرحلة الأولى: كانت من بلده كوران إلى (حصن كيفا)(2)،

(1) راجع: كشف الظنون: 1/ 42.

(2)

ويقال: كيبا: وهي بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة، بين آمد، وجزيرة ابن عمر من ديار بكر، وكانت ذات جانبين، وعلى دجلتها قنطرة عظيمة.

راجع: مراصد الاطلاع: 1/ 407، 3/ 1192.

ص: 31

وجال في بغداد، وديار بكر (1)، وأخذ عن علمائها في عدة فنون.

الرحلة الثانية: كانت من بغداد إلى دمشق، حيث قدم إليها في حدود الثلاثين وثمانمائة، ولازم فيها بعض العلماء، وانتفع بهم.

الرحلة الثالثة: كانت من دمشق إلى بيت المقدس، مع بعض شيوخه الذين انتفع بهم، وقرأ عليهم، وسيأتي بيان أسمائهم في المبحث الخاص بهم.

الرحلة الرابعة: كانت من بيت المقدس إلى القاهرة حيث قدم إليها في حدود سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وبها أخذ عن الحافظ الحديث، وعلومه، ولازمه، وغيره من علماء عصره، وأكب على الاشتغال، ولازم حضور المجالس الكبار كمجلس قراءة البخاري بحضرة السلطان، وغيره.

واتصل بالكمال البارزي (2)، فنوَّه به، كما اتصل بالزيني

(1) ديار بكر: هي بلاد كثيرة واسعة تنسب إلى بكر بن وائل، وحدُّها ما غرَّب من دجلة من بلاد الجبل المطل على نصيبين إلى دجلة، ومنه حصن كيفا السابق الذكر، وميافارقين. راجع: معجم البلدان: 2/ 494، ومراصد الاطلاع: 2/ 547.

(2)

هو عالم الديار المصرية، ورئيسها، كمال الدين أبو المعالي، محمد بن القاضي العلامة ناصر الدين أبي المعالي محمد بن القاضي كمال الدين، محمد بن هبة الله البارزي الحموي الشافعي، كاتب السر بالديار المصرية، وابن كاتب سرها وصهر السلطان الملك الظاهر جقمق، المعروف كسلفه بابن البارزي نسبة لباب أبرز ببغداد، ولد سنة (796 هـ) بحماة، ونشأ بها في كنف أبيه فحفظ القرآن، وأخذ عن علماء عصره الفنون المختلفة، فقهًا، وحديثًا، وبرع في النحو، والمعاني، والبيان، والعلوم العقلية، وتولى عدة مناصب كالقضاء =

ص: 32

عبد الباسط (1) وغيرهما من المباشرين والأمراء، بحيث اشتهر وظهر فضله وعلمه، فارتقى بذلك إلى مصاف العلماء النابغين المعتبرين، وناظر الأماثل، وذكر بالطلاقة، والبراعة، والجرأة الزائدة.

فلمّا ولي الظاهر جقمق (2) وكان يصحبه تردد إليه، فأكثر، وصار أحد ندمائه وخواصه، فانثالت عليه الدنيا - بعد قدومه القاهرة، وكان

= وغيره، وحمدت سيرته في أعماله كلها، كان إمامًا، عالمًا، عاقلًا، ذكيًا، ساكنًا، كريمًا، سيوسًا، صبورًا، متواضعًا، حسن الخُلق، والخَلْق، والعشرة، محبًا للفضلاء، وذوي الفنون، مكرمًا لهم إلى الغاية لا سيما الغرباء، حتى صار محطًّا لرحالهم، وتوفي سنة (856 هـ).

راجع: النجوم الزاهرة: 16/ 13، والضوء اللامع: 9/ 236 - 239.

(1)

هو عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقي، ثم القاهري، ولد بعد التسعين وسبعمائة، وكان وافر الرئاسة حسن السياسة كريمًا واسع العطاء، وقد تولى عدة مناصب، منها أنه عين ناظر الجيوش المنصورة في الديار المصرية، وحمدت سيرته في أعماله الخيرية، وتوفي سنة (854 هـ).

راجع: النجوم الزاهرة: 15/ 552، والضوء اللامع: 3/ 24 - 27، والبدر الطالع: 1/ 315 - 317.

(2)

هو السلطان الملك الظاهر أبو سعيد العلائي الجركسي جقمق، وهو الرابع والثلاثون من ملوك الترك، وأولادهم بالديار المصرية، والعاشر من الجراكسة وأولادهم، تسلطن بعد خلع الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف، وذكر السخاوي أنه كان ملكًا عادلًا، دينًا كثير الصلاة، والصوم، والعبادة، عفيفًا عن المنكرات والقاذورات، لا تضبط عنه في ذلك زلة، ولا تحفظ له هفوة، متقشّفًا، متواضعًا يقوم للفقهاء والعلماء إذا دخلوا عليه، ويبالغ في إكرامهم وتقريبهم، وتوفي سنة (857 هـ).

راجع: النجوم الزاهرة: 15/ 256 وما بعدها، والضوء اللامع: 3/ 71 - 74، والبدر الطالع: 1/ 184 - 186، وشذرات الذهب: 7/ 164، والخطط: 2/ 244.

ص: 33

قبل ذلك فقيرًا جدًّا - فتزوج مرة بعد أُخرى لمزيد رغبته في النساء، مع كونه مطلاقًا (1).

الرحلة الخامسة: كانت من القاهرة إلى الروم.

وسبب ذلك: أنه وقع - في سنة (844 هـ) يوم السبت من جمادى الآخرة - مخاصمة بين المترجم له، وبين حميد الدين النعماني (2) المنسوب إلى أبي حنيفة، والمحكي أنه من ذريته، وآل أمرهما إلى السلطان، فأمر بالقبض على الكوراني، وسجنه بالبرج، ثم ادعى عليه عند قاضي الحنفية، وأقيمت عليه البينة بأنه طعن في نسب النعماني، وبكون المشتوم من ذرية الإمام أبي حنيفة، فأمر بتعزير الكوراني بحضرة السلطان نحو ثمانين جلدة، وأمر بنفيه وإهانته، وكتب مرسوم بنفيه إلى دمشق، ثم

(1) راجع: الضوء اللامع: 1/ 241، ونظم العقيان: ص/38، 39، والشقائق النعمانية: ص / 51، والطبقات السنية: 1/ 322، والفوائد البهية: ص / 48، والبدر الطالع: 1/ 39، 40، والسلوك للمقريزي: 4 / ق / 3/ 1212.

(2)

هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر النعماني، البغدادي الأصل الفرغاني، الدمشقي، الحنفي، ويعرف بحميد الدين، ولد بمراغة من أعمال تبريز، ونشأ ببغداد، ثم قدم دمشق ثم دخل القاهرة ثم عاد إلى دمشق، وتولى عدة أعمال، وكان مشاركًا في علوم كثيرة، كالنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والفقه، والأصول، والكلام، وغير ذلك، وتوفي سنة (867 هـ).

راجع: الضوء اللامع: 46/ 7، ونظم العقيان: ص / 135، وكشف الظنون: 1/ 984، وهدية العارفين: 2/ 203، ومعجم المؤلفين: 8/ 316، والنجوم الزاهرة: 14/ 53، 344، 438.

ص: 34

إلى البلاد المشرقية، وسلمت أعماله التي كان يقوم بها إلى غيره وكذا مرتباته (1).

قال - في البدر -: "وقد لطف الله بالمترجم له بمرافعته إلى حاكم حنفي فلو رفع إلى مالكي لحكم بضرب عنقه، وقبح الله هذه المجازفات والاستحلال للدماء والأعراض بمجرد أشياء لم يوجب الله فيها إراقة دم ولا هتك عرض، فإن ضرب هذا العالم الكبير نحو ثمانين جلدة، ونفيه، وتمزيق عرضه، والوضع من شأنه بمجرد كونه شاتم من شاتمه، ظلم بيِّن، وعسف ظاهر، ولا سيّما إذا كان لا يدري بانتساب من ذكر إلى الإمام. لا جرم قد أبدله الله بسلطان خير من سلطانه، وجيران أفضل من جيرانه، ورزق أوسع مما منعوه منه، وجاه أرفع مما حسدوه عليه، فإنه لما خرج توجه إلى مملكة الروم، ولم يزل يترقى بها في المناصب، ولم يكن عند السلطان أحظى منه"(2).

وبعد الذي وقع للكوراني، خرج منفيًّا، وباع أثاثه، وعند خروج الحاج توجه معه فرد إلى حلب، فلم يشعروا به حتى قدم الطور ليمضي في البحر إلى مكة، فقبض عليه، وسير به حتى تعدى الفرات، وذلك كله سنة (844 هـ)، واتفق في هذا العام قدوم محمد بن أرمغان

(1) راجع: الضوء اللامع: 1/ 242، والنجوم الزاهرة: 15/ 344، والسلوك للمقريزي: 4/ ق/3/ 1212 - 1213.

(2)

البدر الطالع: 1/ 40 - 41.

ص: 35

الشهير بيكان (1)، فالتقى بالكوراني، ولما شهد فضله أخذه معه إلى بلاد الروم.

ولما لقي يكان السلطان مراد خان (2)، قال له السلطان: هل أتيت إلينا بهدية؟ قال: نعم معي رجل مفسر، ومحدث، قال: أين هو؟ قال: هو بالباب، فأرسل إليه السلطان فدخل عليه وسلم، ثم تحدث معه ساعة، فرأى فضله، وولاه عدة أعمال سيأتي ذكرها في مبحثها - إن شاء الله تعالى (3).

(1) هو العالم العامل الفاضل محمد بن أرمغان الشهير بيكان، درس العلوم المختلفة، على علماء عصره، ثم صار مدرسًا في الروم، وانتهت إليه رئاسة الدرس، والفتوى، ومنصب القضاء بعد شمس الدين الفناري، وكان مكرمًا عند السلطان مراد خان، مرضيًّا، ومقبولًا عند الخواص، والعوام، وبعد رجوعه من الحجاز لم يتول شيئًا من المناصب إلى أن توفي في الروم ببلدة أرنيف في دولة محمد خان بن مراد خان.

راجع: الشقائق النعمانية: ص / 48، والفوائد البهية: ص / 160.

(2)

هو مراد خان بن محمد خان بن بايزيد بن أورخان بن عثمان، سلطان الروم، ولد سنة (806 هـ)، وبويع له بالسلطنة سنة (825 هـ)، وكان ملكًا مطاعًا، مقدامًا كريمًا، عين للحرمين الشريفين من خاصة صدقاته في كل عام (3500) ثلاثة آلاف، وخمسمائة من الذهب، ومن خزانته في كل عام مثل ذلك، وفتح فتوحات كقلعة سمندرة، وبلاد مورة، وقاتل الكفار، ونال منهم، واستمر في السلطنة (31 سنة)، وتوفي سنة (855 هـ).

راجع: الشقائق النعمانية: ص / 48، 70، والبدر الطالع: 2/ 302.

(3)

راجع: الشقائق النعمانية: ص / 38، والفوائد البهية: ص / 48.

ص: 36

الرحلة السادسة: كانت من الروم إلى مصر.

وسبب ذلك: أن السلطان (1) عرض له قضاء العسكر، فقبله، ولما باشر أمر القضاء أعطى التدريس، والقضاء لأهلهما من غير عرض على السلطان، فأنكره السلطان، ولكنه استحيا منه فلم يظهره، لأنه شيخه، ومعلمه، فتشاور مع الوزراء، فأشاروا عليه أن يقول له السلطان: سمعت أن أوقاف جدي بمدينة بروسا قد اختلت، فلا بد من تداركها، فلما قال له السلطان ذلك، قال المولى الكوراني: إن أمرتني بذلك أُصلحها، فقال السلطان: هذا يقتضي زمانًا مديدًا، فقلده قضاء بروسا، مع توليه الأوقاف، فقبل الكوراني، وذهب إلى مدينة بروسا، وبعد مدة أرسل السلطان إليه واحدًا من خدامه بيده مرسوم السلطان، وضمنه أمرًا يخالف الشرع، فمزق الكتاب، وضرب الخادم، فاشأز السلطان لذلك، فعزله، ووقع بينهما منافرة، فارتحل الكوراني إلى مصر وسلطانها يومئذ الملك قايتباي (2)،

(1) المراد به محمد خان كما سيأتي في ص / 49.

(2)

هو قايتباي المحمودي الأشرفي، ثم الظاهري، أبو النصر سيف الدين سلطان الديار المصرية من ملوك الجراكسة، كان من المماليك، فاشتراه الأشرف برسباي، ثم صار إلى الظاهر جقمق بالشراء فأعتقه، واستخدمه في جيشه، فترقى إلى أن وصل إلى السلطنة، وتلقب بالملك الأشرف وكانت مدته حافلة بالعظائم والحروب، وسيرته من أطول سير من سبقه من ملوك مصر الجراكسة، وتوفي سنة (901 هـ) وكانت ولادته سنة (826 هـ) تقريبًا، وتولى السلطنة سنة (872 هـ).

راجع: بدائع الزهور: 2/ 90 وما بعدها، والأعلام للزركلي: 6/ 24 - 25، والضوء اللامع: 6/ 201 - 211، وشذرات الذهب: 8/ 6 - 9، والخطط للمقريزي: 2/ 244.

ص: 37

فأكرمه غاية الإكرام، ونال عنده القبول التام، وعاش عنده زمانًا بعزة عظيمة، وحشمة وافرة، وجلالة تامة (1)، وهكذا الحياة لا تخلو من الكدر، والصفاء (2).

ثم إن سلطان الروم ندم على ما فعله مع الكوراني، فأرسل إلى السلطان قايتباي يلتمس منه أن يرسل الكوراني إليه، فحكى السلطان قايتباي كتاب السلطان للكوراني وأنه يريد رجوعه إليه ثم قال له: لا تذهب إليه، فإني أكرمك فوق ما يكرمك هو، قال الشهاب الكوراني: نعم هو كذلك إلا أن بيني وبينه محبة عظيمة، كما بين الوالد، والولد، وهذا الذي جرى بيننا شئ آخر، وهو يعرف ذلك مني، ويعرف أني أميل إليه بالطبع، فإذا لم أذهب إليه يفهم أن المنع من جانبك، فيقع بينكما عداوة، فاستحسن السلطان قايتباي هذا الكلام، وأعطاه مالًا جزيلًا،

(1) راجع: الشقائق النعمانية: ص/ 52.

(2)

قد أشار شيخ الإسلام الكوراني إلى ما جرى له في تنقلاته في مقدمة كنابه "الدرر اللوامع" حيث ذكر السبب لتأليفه، وأنه كان يفكر في ذلك من مدة طويلة، غير أن الشواغل كانت تمنعه، فقال:"وكان يعوقني عن ذلك اشتغال البال، واضطراب الحال، إذ التقدير كان يسبرني تارة إلى الغرب، وأخرى إلى الشرق، وآونة إلى الطول، وأخرى إلى العرض، كأنما أنا مرحل، ومرتحل، موكل بفضاء الأرض أذرعه إلى أن يسر الله - وله الحمد - الحلول بأشرف بلاد الأرض المقدسة، التي هي على تقوى من الله مؤسسة".

راجع: ص/166، 167 من هذا الكتاب.

ص: 38

وهيأ له ما يحتاج إليه من حوائج السفر، وبعث معه هدايا عظيمة إلى سلطان الروم، فلما وصل الروم أكرمه السلطان وولاه عدة أعمال، كما سيأتي ذكرها (1).

* * *

(1) وذكر في الشقائق النعمانية: أن ذلك كان في سنة (862 هـ).

قلت: وفي ذلك نظر، لأن السلطان قايتباي لم يتولَّ السلطنة في مصر إلا سنة (872 هـ) كما تقدم في ترجمته، فكيف يسلم ما ذكره في الشقائق؟ ! مع أنه ذكر أن الكوراني مكث في مصر زمانًا قبل رجوعه إلى الروم، ولعل الكوراني له رحلة أخرى قام بها قبل ذهابه إلى مصر، وهذا ما صرح به السخاوي حيث قال:"ولما كنت بحلب وذلك في سنة (859 هـ) دخلها الكوراني، ثم البلاد الشامية، وهو في ضخامة زائدة، وحج في سنة إحدى وستين (861 هـ) ثم رجع إلى مملكة الروم". وهذه تعتبر الرحلة السادسة من حيث الترتيب، والسابعة من حيث العدد.

راجع: الضوء اللامع: 1/ 242، والشقائق النعمانية: ص/ 52 - 53.

ص: 39