الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني أسرته، ومولده، ونشأته
على الرغم مما اكتنف القرن الثامن الهجري، فإنه يعتبر مرحلة من مراحل النشاط الفكري، التي ظهرت في الدولة الإسلامية عقب الزحف التتري على بلاد الإسلام في القرنين السادس والسابع، فإن الأهوال العظيمة التي صحبت هذا المد، وما نجم عنها من إهلاك للبشر، وتخريب للديار، وحرق وإغراق للثروة العلمية، والتراث الإسلامي على يد أولئك الهمج، نبَّه جهور علماء المسلمين ودفعهم دفعًا إلى تراث آبائهم وأجدادهم، فعكفوا عليه تحصيلًا، وفهمًا، وتمثلوه علمًا وفنًّا، ثم فزعوا -بعد ذلك- إلى أقلامهم يسجلونه على نحو جديد، يدنيه من كل قلب، ويحببه إلى كل نفس، وكان ذلك إيذانًا ببداية عصر الموسوعات العلمية والأدبية، ولمعت آنذاك في سماء الفكر شخصيات فريدة ظلت تحافظ على هذه الثروة الفكرية، يسلمونها من جيل إلى جيل حتى وصلت إلينا غنية موفورة، تقدم بعض العزاء عما فقدناه من أصول الفكر الإسلامي، التي ذهب بها الغزو التتري، وأتت على كثير منها الحروب الصليبية.
وكانت أسرة زين الدين أبي محمد السبكي من بين الأسر التي كان لها حظ المشاركة بنصيب كبير في تلك النهضة العلمية.
فعبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي، المصري، قاضي القضاة، زين الدين، أبو محمد كان مشهورًا بالصلاح، كثير الذكاء، سمع الحديث من علماء عصره، كما أخذ الفروع عن آخرين، وقرأ الأصول على القرافي، وتنقل في أعمال الديار المصرية، وحدَّث بالقاهرة والمحلَّة، وخرج له تقي الدين أبو الفتح (1) السبكي مشيخة حدث بها، وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي سنة (735 هـ)(2).
وولده علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف الأنصاري الخزرجي السبكي، الشافعي، تقي الدين، أبو الحسن، عالم مشارك في الفقه، والتفسير، والحديث، والأصلين، والمنطق، والقراءات، والحديث، والخلاف، والأدب، والنحو، واللغة، والحكمة، ولد بسبك العبيد من أعمال المنوفية بمصر سنة (683 هـ) وتفقه على والده، ودخل القاهرة،
(1) هو محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام السبكي، المصري، الشافعي، فقيه، أصولي، متكلم، محدث، أديب، ناثر، ناظم، ولد في المحلة بمصر سنة (704 هـ) ولازم أبا حيان، وأخذ عنه القراءات والعربية، مدة سبعة عشر عامًا، وتوفي بدمشق سنة (744 هـ).
راجع: طبقات الأسنوي: 2/ 74، ومرآة الجنان: 4/ 307، والوافي بالوفيات: 3/ 284، وطبقات ابن قاضي شهبة: 3/ 78 - 79، والدرر الكامنة: 4/ 25، وحسن المحاضرة: 1/ 241، وشذرات الذهب: 6/ 141، وذيل التذكرة للحسيني: ص/ 51، والبيت السبكي: ص/ 69.
(2)
راجع: الطبقات الكبرى لحفيده، 6/ 127، والبداية والنهاية: 14/ 172، وطبقات ابن قاضي شهبة: 2/ 348 - 349، والدرر الكامنة: 2/ 396، والنجوم الزاهرة: 9/ 307، وتاريخ ابن الوردي: 2/ 309، وشذرات الذهب: 6/ 110.
وولي قضاء الشام، وله مؤلفات كثيرة، بلغت (150) كتابًا، منها:"الإبهاج في شرح المنهاج" وأكمل غالبه ولده تاج الدين، و "الابتهاج في شرح المنهاج" للنووي في الفروع، و "الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم"، و "الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة"، و "المواهب الصمدية في المواريث الصفدية"، و "الفتاوى" جمعها ولده التاج في ثلاث مجلدات، وتوفي بالقاهرة سنة (756 هـ)(1).
وحفيده: الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي، جمال الدين أبو الطيب، ولد بالقاهرة سنة (722 هـ) ودرس بها وبدمشق، كان عارفًا بالرجال، وناب في القضاء، وتوفي سنة (755 هـ)، ومن آثاره كتاب في "من اسمه الحسين بن علي"(2).
وحفيده: أحمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي، بهاء الدين، أبو حامد، فقيه، أصولي، مشارك في بعض العلوم ولد سنة (719 هـ) وسمع بمصر، والشام، وولي قضاء الشام، وأفتى، ودرس، ومن
(1) راجع: طبقات الأسنوي: 2/ 75، وطبقات ولده التاج: 6/ 146 - 227، والبداية والنهاية: 14/ 252، وقضاة دمشق: ص/ 101، 102، وطبقات ابن قاضي شهبة: 3/ 47 - 53، والدرر الكامنة: 3/ 63، والنحوم الزاهرة: 1/ 3180، وبغية الوعاة: ص/ 342، وذيل التذكرة للحسيني: ص/ 39، وللسيوطي: ص/ 352، والدارس: 1/ 134، والبيت السبكي: ص/ 50 - 60، وحسن المحاضرة: 1/ 177، وشذرات الذهب: 6/ 180.
(2)
راجع: طبقات ابن قاضي شهبة: 3/ 25 - 27، والدرر الكامنة: 2/ 61 - 62، وحسن المحاضرة: 1/ 248، وكشف الظنون: 2/ 1464.