الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 -
مصنف في علم الألغاز (1).
20 -
"معيد النعم ومبيد النقم"(2).
21 -
"مناقب الشيخ أبي بكر بن قوام"(3).
22 -
"منع الموانع"(4).
وفاته:
وبعد هذه الحياة الحافلة بجلائل الأعمال والنتاج والعطاء الذي برهن على ثقافته الواسعة، والتي رفدتها أفكار شيوخه، واعتناء والده به منذ نعومة أظفاره، وهذبها حرصه ودأبه، ثم تولى بسطها أمام الناس ذهن وقاد، ولسان طلق، وحجة قوية، ونشرها بين جمهرة المثقفين ما أخذ نفسه من التقييد والتأليف، وما قدر لمؤلفاته من القبول والنجاح.
(1) راجع: كشف الظنون: 1/ 150.
(2)
هذا الكتاب يعد دراسة مستفيضة لأحوال الأمة الإسلامية في عصره، ونقدًا لطوائف الناس، وتوضيحًا لأخطائهم، مع بيان السبيل المؤدي إلى إصلاحهم، وقد كان سببًا قويًّا في عزله وما جرى له من المحن، فقد عالج مشكلات الأمة الإسلامية في هذا الكتاب بنحو اثنتي عشرة ومائة مسألة، بادئًا بالسلطان والمناصب السلطانية والعسكرية، متدرجًا إلى كل الوظائف العامة حتى يصل إلى الفلاح في أرضه. وقد طبع في ليدن سنة (1908 هـ)، وطبع بالقاهرة طبعات مختلفة.
راجع: مقدمة الطبقات: 1/ 10، 19، ومعيد النعم: ص/ 12 وما بعدها.
(3)
ذكره بروكلمان في مرجعه السابق.
(4)
تقدم الكلام عليه في ص 961.
بعد ذلك كله توفي تاج الدين أبو نصر بن علي شهيدًا بالطاعون بالدهشة، ظاهر دمشق في ذي الحجة، خطب يوم الجمعة، وطعن يوم السبت رابعه، ومات ليلة الثلاثاء سابعه سنة (771 هـ).
ودفن بتربة السبكية بسفح قاسيون عن عمر بلغ (44) سنة (1).
فرحمه الله رحمة واسعة على ما قدمه نحو دينه وأمته، ونسأل الله العفو والغفران، والرحمة لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولجميع المسلمين {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56].
(1) راجع: طبقات ابن قاضي شهبة: 3/ 142 - 143، والأعلام للزركلي: 4/ 335، ومعجم المؤلفين: 6/ 225.
نماذج من نسخة (أ)
(أ)
(أ)
(أ)
(أ)
(أ)
نماذج من نسخة (ب)
(ب)
(ب)
(ب)
(ب)
(ب)
(ب)
جاء على الصفحة الأولى (1):
هذا الكتاب المسمّى: "بالدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع" تصنيف الحبر الإمام، والعلامة الهمام، أفضل المتأخرين، وأفضل المحققين، عضد الملة، سعد الأمة، كشاف الغمة (2)، شريف المعاني الشيخ شهاب الدنيا والدين أبي العباس أحمد الكوراني، قاضي قضاء عساكر الروم، أسبغ الله ظلاله، وأدام فضله وأفضاله آمين.
شهاب أضاء العلم والدين للورى
…
ونور سناه في الحقائق ساطع
بدور العاني في مطالع سعدها
…
بإحيائه طول الليالي طوالع
فمن كان أعمى عن مناقب فضله
…
فذي البينات الواضحات اللوامع
(1) جاء في (ب): "أصول شافعي" على هامش بداية الورقة الأولى.
(2)
لعل المراد أنه يكشف غمة المسائل العلمية في حياته ومصنفاته، ولكن لا ينبغي إطلاق مثل هذه العبارة في حق المخلوق.
القسم التحقيقي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وعليه نتوكل (1)
الحمد لله الذي شيد بمحكمات كتابه أركان الشريعة الغراء، وسدّد بمسندات السنن الشهباء فروع الحنيفية السمحاء، أمر من امتطى غارب الاستنباط باتباع سبيل المؤمنين (2)، ونهى الواقفين دون ذلك عن الانسلاك في مسالك المعتبرَين، والصلاة على من اختص في مضمار البلاغة بجمع الجوامع، وامتاز بغرر (3) المعجزات (4) في المبادئ والمقاطع، وعلى من جاد -في إرسال مصالحه- بالأموال والأبدان، وفاز بشرف الاستصحاب، والاستحسان، والتابعين لهم بإحسان إلى انصرام الزمان.
(1) جاء في هامش (ب): "وقف مدرسة الأحمدية بمدينة حلب المحمية".
(2)
إشارة إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
(3)
الغرة -بالضم-: بياض في جبهة الفرس، فوق الدرهم يقال: فرس أغر، والأغر: الأبيض، ورجل أغر؛ أي: شريف، وغرة كل شيء: أوله وأكرمه، ويعني بغرر المعجزات: أعظمها، وأكرمها وهو القرآن الكريم.
راجع: مختار الصحاح: ص/ 470، اللسان لابن منظور: 6/ 138.
(4)
سيأتي تعريف المعجزة في آخر الكتاب.
وبعد: فإن العلوم على تكثُّر فنونها، وتَشعُّب شجونها أرفع المطالب، وأنفع المآرب.
وعلم أصول الفقه أعلاها شأنًا، وأسناها مكانًا (1)، إذ هو مبنى الفقه الذي به تعبَّد سيد المرسلين، وحث على تحصيله في الكتاب المبين:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122].
ولعمري إنها منقبة لا يخفى مكانها، ومكرمة يتجلى شأنها، ولقد أكثر السلف والخلف فيه من التصانيف المعتبرة، مطولة ومختصرة، وبذلوا الوسع غايته، وبلغوا الجد نهايته، ثم إني وجدت كتاب "جمع الجوامع"- الذي ألفه العلامة المحقق، والحبر المدقق، قاضى القضاة تاج الملة والدين عبد الوهاب
(1) أبرز الإمام الكوراني شرف علم أصول الفقه من جهة مدى الحاجة إليه تبعًا للفقه. لكن حجة الإسلام الإمام الغزالي أبرز شرفه من جهة اشتراك العقل والنقل فيه حيث قال: "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل، فإنه يؤخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقل بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبني على محض التقليد الذى لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد"، وأبرز بعضهم شرفه من جهة عموم موضوعه لحاجة المفسر، والمحدث، والفقيه إليه.
والحق: أن التفاضل بين علوم الشريعة أمره عسير لحاجة العالم منها لسائر العلوم الشرعية.
وإن كان ولا بد من ذلك فعلم التوحيد أشرفها، وذلك لشرف موضوعه وهو ذات الله، تعالى وتقدس.
راجع: المستصفى: 1/ 3، ونهاية السول: 1/ 2، والإبهاج: 1/ 5 - 6، والمعتمد: 1/ أ.
السبكي، ألبسه الله حلل الغفران، وأسبل عليه شآبيب الرضوان- أجمع للقواعد، وأوسع للفرائد والفوائد، مع سلاسة تراكيبه، ورشاقة أساليبه، ولم يقع له شرح يكشف عن مخدراته نقابها، ويستخرج الصعاب عن شعابها (1)، ولم يزل يختلج في خلدي أن أضع له شرحًا يوضح مشكلاته، ويظهر معضلائه، ويبين مجملاته، وكان يعوقني عن ذلك اشتغال البال، واضطراب الحال، إذ التقدير كان يسيرني تارة إلى الغرب، وأخرى إلى الشرق، وآونة إلى الطول، وأخرى إلى العرض، كأنما أنا مرحل ومرتحل، موكل بفضاء الأرض أذرعه، إلى أن يسر الله، -وله الحمد- الحلول بأشرف بلاد الأرض المقدسة (2)، التي هي على تقوًى من الله مؤسسة (3)،
(1) قلت: هذه وجهة نظر الشارح رحمه الله تعالى، وإلا فإن الكتاب قد شرحه، وحل ألفاظه عدة علماء منهم الجلال المحلي، والزركشي، والعراقي، والأشموني، وغيرهم كما تقدم في الكلام على جمع الجوامع وشروحه ص/ 96 - 107، 141 - 144.
(2)
يعني بيت المقدس، ولعله يريد بالتفضيل بالنسبة لأرض فلسطين، وأن أشرفها هو القدس لأنه من المعلوم أن مكة هي أشرف البقاع، ثم المدينة المنورة على خلاف فيهما، ثم المسجد الأقصى بعدهما في الفضل لحديث:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" ولحديث: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى".
راجع الخلاف فيما سبق: شرح النووي على مسلم: 9/ 163 - 168.
(3)
اقتباس من الآية الكريمة في قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109].
وقرت العين بجمال المسجد الأقصى، وكان ذلك المقصد الأقصى، فقلت -لعمري- إن هذه {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (1){الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} (2)، فلما انزاحت عني الغصة، وانجابت لي الفرصة شددت بلا ريث مظنة العزم، ورأيت ذلك غاية الحزم (3)، فشرعت في شرح له يميط لثام مخدراته، ويزيح ختام كنوزه ومستودعاته، أنقح فيه الغث من السمين، وأميز السين من الشين (4)، أورد الحجج على وجه تتبختر اتضاحًا، وأترك الشبهة تتضاءل افتضاحًا، أطنب حيث يقتضى المقام، وأوجز إذا اتضح المرام، أشيد في كل ذلك القواعد، وأضم إليها ما ظهر (5) لي من الفوائد في ضمن تراكيب رائقة، وأساليب فائقة، وسوف تقر بما فيه عين كل لبيب، ويفوز (6) منه ببغيته كل أريب، وسميته:"بالدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع" ولما:
(1) اقتباس من الآية الكريمة في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15].
(2)
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34].
(3)
في (ب): "الجزم".
(4)
جاء في هامش (أ، ب): "الشين بالمعحمة: كناية عن المسائل الحالية بالدلائل، وبالمهملة: عن الخالية عنها".
(5)
آخر الورقة (1/ ب من ب).
(6)
آخر الورقة (1/ ب من أ).
كانت الأعمال بالنيات (1)، وقريبًا كل [ما هو](2) آت، نويت به الثواب يوم النشور لا الثناء في دار الغرور، والله يتولى السرائر، وهو أعلم بالضمائر، وبالله أعتصم، عليه اعتمادي ضارعًا متوكلًا.
قوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ نحمدك (3) إلى آخره".
أقول: اختار الجملة المضارعية على غيرها؛ لإرادة الاستمرار التجددي باستعانة المقام (4)، كقول الشاعر:
بعثوا إليَّ عريفَهم يتوسَّم (5)
(1) اقتباس من حديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
راجع: صحيح البخارى: 1/ 22، وصحيح مسلم: 6/ 48، وسنن أبي داود: 1/ 510، وتحفة الأحوذي: 5/ 283، وسنن النسائي: 1/ 58، وسنن ابن ماجه: 2/ 556.
(2)
سقط من (ب) وأثبت بهامشها.
(3)
جاء في هامش (ب) زيادة بعد نحمدك: "اللهم على نعم يؤذن الحمد بازديادها".
(4)
لأن الفعل المضارع يدل على حدوث شيء في زمن التكلم، أو بعده فيفيد الاستمرار والتجدد، نحو يقرأ، ويكتب، فهو صالح للحال والاستقبال، ويعينه للحال لام الابتداء، ولا، وما النافيتان، ويعينه للاستقبال السين، وسوف، ولن، وأن، وإن.
راجع: تلخيص الأساس: ص/ 8، وشذا العرف في فن الصرف: ص/8.
(5)
جاء في هامش (أ، ب): "أوله -يعني البيت- "أو كلّما وردت عكاظ قبيلة".
فالمذكور، وهو محل الشاهد عجز البيت، وصدره ما ذكر في الهامش. وقائل هذا البيت هو طريف بن مالك العنبري، وقيل: طريف بن عمرو، وهو جد جاهلي.
راجع: لسان العرب: 11/ 141، والأعلام للزركلي: 3/ 326.
أي: يحدث التوسم شيئًا فشيئًا؛ أي: نذكرك بأوصافك الحسنى شيئًا فشيئًا، وإلى ما ذكرنا يشير قوله صلى الله عليه وسلم:"لا أُحصي ثناءً عليك"(1)، إذ الإحصاء: هو العَدُّ، ويلزمه ذلك، ولو اختار الاسمية- كما اختارها غيره (2) لكان لائقًا بالمقام (3) أيضًا، إذ هي تفيد الاستمرار الثبوتي بمعونة المقام لكن أراد نسبة الحمد إلى نفسه صريحًا، والحمد ليس عبارة عن قول القائل: الحمد لله، بل هو الوصف بالجميل الاختياري على قصد التبجيل،
(1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول:"اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" كما روى عن غيرها.
راجع: مسلم: 1/ 352، والموطأ: 1/ 214، ومسند أحمد: 6/ 58، وسنن أبى داود: 2/ 134، وسنن الترمذي: 5/ 561، رقم 1747، وسنن النسائى: 3/ 248، وسنن ابن ماجه: 1/ 358 - 359، ومعنى الحديث: لا أُحصي نعمتك، والثناء بها عليك، وإن اجتهدت في الثناء عليك شيئًا فشيئًا، فلا نهاية للثناء عليك؛ لأن الثناء تابع للمثنى عليه، فكما لا نهاية لصفاته، فلا نهاية ولا حصر للثناء عليه لكثرة نعمه التي لا تحصى، ولا تعد.
(2)
كالغزالي، والرازي، والآمدي، وغيرهم.
راجع: المستصفى: 1/ 2، والمحصول: 1 / ق / 1/ 89، والإحكام: 1/ 3.
(3)
ذكر الزركشي أن الجملة الاسمية مسلوبة الدلالة على الحدث وضعًا، ولو اختار المصنف الجملة الاسمية تأسِّيًا بالقرآن الكريم لكان أنسب؛ لأنه تعالى قديم لم يحدث ولم يتجدد. وهذه هي معونة المقام التي يريدها الشارح.
راجع: تشنيف المسامع: ق (1 / ب).
فقولنا: الوصف بمنزلة الجنس (1)، وقولنا: بالجميل يخرج ما ليس بجميل من الأوصاف كالذم، والهجاء، وقولنا: الاختياري يخرج المدح عند المحققين، وقولنا: على قصد التبجيل يخرج الاستهزاء والشكر -أيضًا- ليس قول القائل: الشكر لله، بل هو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا على الشاكر أعم من أن يكون قولًا باللسان، أو عملًا، وفعلًا بالأركان، أو اعتقادًا ومحبة بالجنان، فبين الحمد، والشكر عموم وخصوص من وجه (2)، إذ بحسب المتعلق الحمد أعم لجواز تعلقه
(1) الجنس: هو كل مقول على كثيرين مختلفين في الحقائق في جواب "ما هو" كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان، وغيره من أنواع الحيوانات، فهى كثيرة مختلفة الصور يعمها معنًى واحد يعبر عنه بحيوان، وهذا هو الجنس، ونُزِّل الوصف منزلة الجنس: لكون الوصف مصدرًا يقرم بالواصف، أو هو القائم بالفاعل، فهو مقول على كثيرين مختلفين في الحقائق كالجنس، إذ الوصف عبارة: عما دل على الذات باعتبار معنًى هو المقصود من جوهر حروفه كوصفه تعالى: بأنه رحيم، كريم، غفور، شكور إلى آخر صفاته الكريمة، فالوصف تحته صفات متعددة، كما أن الجنس تحته أنواع متعددة، فلهذا نُزِّل منزلته.
راجع: معيار العلم: ص / 77، وبحر العلوم: ص / 77، والتعريفات: ص / 152، وشرح الأخضري على السلم: ص/ 26، وإيضاح المبهم: ص/ 7، وخلاصة المنطق: ص / 30، وتجديد علم المنطق: ص / 36، والمنطق الحديث: ص / 65، وشرح الخبيصي على متن تهذيب المنطق: ص / 19، والمنطق الواضح: 1/ 20.
(2)
لأن كلًّا منهما يفارق الآخر في صورة، ويجتمع معه في صورة أخرى على نحو ما ذكره الشارح.
بالفضائل (1)، والفواضل (2)، وبحسب المورد أخص: لاختصاص مورده باللسان وحده، والشكر بالعكس إذ موارده ثلاثة: اللسان، والجنان، والأركان (3) قال:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
…
يدي ولساني والضمير المحجبا (4)
ومتعلقه خاص إذ يكون على الفواضل، والمزايا المتعدية لا غير، هذا محصل ما هو دائر بين القوم في أوائل الكتب (5).
ثم هنا تحقيق آخر يجب التنبه له، وهو أن ما ذكر من معنى الحمد والشكر هو معناهما اللغوي (6)، وأما معناهما الحقيقى -بحسب عرف
(1) الفضائل: جمع فضيلة، وهي الصفة التي لا يتوقف إثباتها للمتصف بها على ظهور أثرها في غيره: كالعلم، والتقوى.
راجع: حاشية عليش: ص/11.
(2)
الفواضل: جمع فاضلة: وهي الصفة التي يتوقف إثباتها لموصوفها على ظهور أثرها في غيره: كالشجاعة، والكرم، والعفو، ونحو ذلك، نفس المرجع السابق.
(3)
فاللسان: للثناء لأنه محله، والجنان: للمعرفة والمحبة والأخلاص، والجوارح: لاستعمالها في طاعة المشكور، وكفها عن معاصيه.
(4)
ذُكِر هذا البيت بدون عزو إلى قائل معين.
راجع: الفائق: 1/ 314، ومعجم شواهد العربية: 2/ 442، وتفسير البيضاوي: 1/ 7.
(5)
راجع: أصول السرخسي: 1/ 4 - 5، والفائق: 1/ 291، واللسان: 91/ 6، ومعترك الأقران: 2/ 63، والإبهاج: 1/ 14، وكتاب الفوائد: ق (1/ ب- 2/ أ).
(6)
وقال اللحياني: "إن الحمد والشكر في اللغة بمعنًى واحد".
راجع: اللسان 4/ 133، 6/ 92.
المحققين من علماء الأصول-: هو أن الحمد فعل ينبئ عن تعظيم المنعم (1)، وحذف هنا قيد كونه منعمًا على الحامد بخلافه في الشكر، حيث كان معتبرًا هناك، فبينهما عموم وخصوص مطلق (2).
والشكر: صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه وأعطاه إلى ما خُلق لأجله: كصرف البصر إلى المبصرات، والسمع إلى المسموعات، وكذلك جميع الحواس، والقوى، والآلات، ولا يخفى عليك النسبة بين هذا المعنى، والمعين اللغوي للحمد والشكر (3).
(1) فمعنى الحمد في الاصطلاح هو معنى الشكر في اللغة بناء على التعريف الذي ذكره الشارح.
وراجع: التعريفات: ص / 128.
(2)
وذلك: لوجود أحدهما مع وجود كل أفراد الآخر كالحمد والشكر الممثل بهما، وكالحيوان والإنسان، فالحيوان أعم مطلقًا لصدقه على جميع أفراد الإنسان، فلا يوجد إنسان بدون حيوانية البتة، فيلزم من وجود الإنسان -الذي هو أخص- وجود الحيوان الذي هو أعم بلا عكس، فلا يلزم من عدم الإنسان -الذي هو أخص- عدم الحيوان الذي هو أعم لأن الحيوان قد يبقى موجودًا في الفرس وغيره، فعلم مما سبق أن الإنسان لا يمكن أن يفارق الحيوان، والحيوان يمكن أن يفارق الإنسان، وهذا هو العموم والخصوص المطلق. راجع: التعريفات: ص / 200، شرح الأخضري على السلم: ص / 27، وإيضاح المبهم: ص / 8، وآداب البحث والمناظرة: ص / 23، وضوابط المعرفة: ص / 43، والمنطق المنظم: ص / 41.
(3)
وهو أن بين الشكر اللغوي، والشكر العرفي عمومًا وخصوصًا مطلقًا، وبين الحمد اللغوي والشكر العرفي عمومًا وخصوصًا من وجه، وقد سبق بيان ذلك.
وانظر أيضًا: اللسان: 4/ 133، 6/ 92، والمصباح المنير: 1/ 149، 319، والمعجم الوسيط: 1/ 490، والنفائس للقرافي:(1/ 78 / ب- 79/ أ)، والتعريفات: ص / 93.
ثم هنا إشكالات يجب إيرادها وحلها:
الأول: أنا لما قيدنا الجميل بالاختياري -في المعنى اللغوي للحمد- خرج الوصف بالصفات الذاتية من أن يكون حمدًا، لكونها قديمة (1)، وكل اختياري حادث، وقد يجاب: بأن تلك الصفات تقع محمودًا بها في مقابله، أو اختياري: هو محمود عليها، فيدخل في المحمودية، وهو كاف، وليس بشيء إذ في مقام الحمد لا يجب ملاحظة المحمود عليه، بل الحق: أن الوصف الاختياري أعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة، وتلك الصفات -وإن لم تكن بالذات- اختيارية، لكن آثارها اختيارية: كآثار الإرادة، والقدرة، والحياة.
فإن قلت: إذا وُصف الجواد بجوده لكونه جوادًا، فيكون المحمود عليه والمحمود به متحدين، وهما غيران ضرورة (2).
قلت: يُكتفى -حينئذ- بالمغايرة الاعتبارية، ولا غَرْوَ في ذلك.
الإشكال الثاني: أنه أتى بكاف الخطاب مع الحمد، وكان المناسب الاسم الظاهر -أعني كلمة الجلالة أو غيرها من أسمائه الحسنى- إذ العبد
(1) لأن صفاته الذاتية قديمة بقدم ذاته سبحانه، وهذا متفق عليه بين أهل السنة والجماعة.
أما الوصف الاختياري الصادر من العبد: كالحمد ونحوه، فهو حادث لكونه يحدث بين الحين والآخر، عندما يتذكر العبد نعم الله عليه، وبره وإحسانه، فيثني عليه ويحمده ويمجده.
(2)
لأن المحمود عليه يكون نعمة ما، والمحمود به قول المنعم عليه: الحمد لله مثلًا.
يجب عليه أن يستقصر نفسه في مقام الحمد، ويستبعدها عن عز ساحة حضرته تعالى وتقدس، وبصيغة الغَيبَة ورد -أيضًا- التعليم من الله تعالى لعباده في كلامه القديم في مواضع شتّى (1)، ولم يقع العدول عنه قطُّ، فلو كان الخطاب لائقًا لسوَّغه في موضع ما.
قلت: لمّا أوقع الحمد هنا في مقابلة النعم التي لا يمكن عدها وإحصاؤها، فضلًا عن إمكان الإتيان بشكرها، وتأمل في مُولي تلك النعم، جليلها وحقيرها، عاجلها وآجلها، ظاهرها وباطنها، معقولها ومحسوسها، قاصرها ومتعديها، ورآها فائتة الحصر توجه بشراشره (2) إلى ذلك المولي
(1) كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1].
وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 1].
وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 1].
(2)
الشراشر: النفس والمحبة جميعًا، أو هي محبة النفس، وقيل: جميع الجسد، وألقى عليه شراشره: وهو أن يحبه حتى يستهلك في حبه، وقال اللحياني: هو هواه الذي لا يريد أن يدعه من حاجته، يقال: ألقى عليه شراشره، أي: أثقاله، وشَرشرَ الشئَ: قَطَّعَه، وكل قطعة منه شِرْشِرَة.
وفي حديث الرؤيا: "فيشرشر شدقه إلى قفاه" قال أبو عبيد: يقطعه ويشقه، قال أبو زيد في وصف الأسد:
يظل مغبًّا عنده من فرائس
…
رفاة عظام أو عريض مشرشر
راجع: اللسان: 6/ 69 - 70، والقاموس المحيط: 2/ 57.
الحقيقي، فقال: يا من استغرق الحامدون في بحار نعمه نحمدك، فكان بمقتضى البلاغة الإتيان بالكاف واجبًا لا يجوز العدول عنه عند من له ذوق سليم.
الإشكال الثالث: عدل عن همزة المتكلم وأتي بالنون، مع أنه في مقام العجز والاستقصاء، فالمناسب انفراده عن الغير ليكون أقرب إلى المقصود.
والجواب: إنما عدل إلى نون الجمع لنكتة سرية، وهي أنّا لمّا قدمنا أنه أوقع الحمدَ في مقابلة تلك النعم الفائتة الحصر، أدرج نفسه في جماعة الحامدين من الملائكة، والإنس، والجن، وكل من يتأتى منه الحمد:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (1)؛ ليكون أبلغ في المرام، وأقضى لحق المقام، فكأنه قال: يا من هذا شأنه نحمدك كلنا معاشر الحامدين بكل محامدك، أي: بكل أوصافك الجميلة، وإن لم نحط بها علمًا، وهذا نهاية درك العارف في مقام الحمد.
وظهر لك -من هذا التحقيق- أن ما قيل (2): إنما ذكر نون العظمة لإظهار ملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله له بتأهيله للعلم امتثالًا لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، مما لا يلتفت إليه، وليس له معنًى صحيح، مع قطع النظر عن هذا المقام، وما قيل (3): من أن المراد بقوله:
(1) قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44].
(2)
القائل هو الجلال المحلي، راجع: شرحه على جمع الجوامع: 1/ 7 - 8.
(3)
القائل هو الجلال المحلي، راجع: شرحه على جمع الجوامع: 1/ 7.
"نحمدك" إيجاد الحمد لا ما سيوجد أسفل من ذلك؛ إذ الإيجاد فعل الله -تعالى وتقدس- لا فعل الحامد؛ إذ الآتي بالفعل غير الموجد كما يظهر بداهة في الزنى والقتل.
وقوله: "لا ما سيوجد" مما لا معنى له، إذ المضارع إما حقيقة في الحال مجازًا في الاستقبال، فلا إشكال في نحمدك، أو هو مشترك بينهما إذ لم يذهب (1) أحد إلى العكس ولا يشك أحد في أن العاقل إذا قال في مقام الحمد: نحمدك، لم يرد أني الآن لا أشتغل بحمدك، ولكن سأفعله، وأمثال هذه الأشياء الواهية لا ينبغي أن نتعرض لها، ولكن تحقيق معنى الحمد لمّا كان من المطالب السَّنِية، والمهمات الدينية كان بذل النصح فيه من الواجبات التي لا يستغنى عنها، وقد ذكروا (2) من أمورًا أُخر لا مساس لها بالمقام، ولا هي معاني صحيحة -أيضًا- عدلنا عنها مخافة التطويل، وقد أنبأت الشجرة عن الثمرة (3). والله أعلم.
قوله: "على نعم".
جمع نعمة، وهي العطية، فالحمد والشكر صادقان في هذه المادة، ولا حاجة إلى جعل النعم بمعنى الإنعامات، كما فعل بعض القاصرين (4).
(1) آخر الورقة (2/ ب من ب).
(2)
آخر الورقة (2/ ب من أ).
(3)
هذا مثل قالته العرب استدلالًا بالشيء على وجود آخر.
(4)
هذا تحامل منه رحمه الله على قرينه في طلب العلم جلال الدين رحمه الله تعالى.
راجع: شرح الجلال على جمع الجوامع: 1/ 10.
قوله: "يؤذن الحمد بازديادها".
إشارة إلى قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، والإيذان بمعنى العلم اليقيني؛ إذ الملازمة (1) قطعية، وازداد: متعدٍّ ولازم كأصله (2)، وقد ذكر بعض الشراح (3) كل ما في هذا المقام لا تعلُّقَ له بالمقصود فاجتنبه.
قوله: "ونصلي على نبيك محمد".
أقول: جاء في بعض التفاسير في تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أي: لا أذكر إلا وذكرك مقرون بذكري (4)، فلهذا جرت عادة المصنفين بالصلاة بعد الحمد، وأيضًا لمّا كان شكر المنعم واجبًا عقلًا
(1) الملازمة -لغة- امتناع انفكاك الشئ عن الشئ، واللزوم والتلازم بمعناه.
واصطلاحًا: كون الحكم مقتضيًا للآخر على معنى أن الحكم بحيث لو وقع بمقتضى وقوع حكم آخر اقتضاء ضروريًّا: كالدخان للنار في النهار، والنار للدخان في الليل.
راجع: التعريفات: ص / 229، ومنطق المشرقيين لابن سينا: ص / 18 - 19.
(2)
تقول: زاد الله النعم عليَّ فازدادت، وزادت، وأصله ازدياد.
راجع: المحلي على جمع الجوامع: 1/ 13، وتشنيف المسامع: ق (2/ أ).
(3)
هو الإمام الزركشي.
راجع: تشنيف المسامع: ق (2/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 12 - 13.
(4)
راجع: التفسير الكبير للرازي: 16/ 5، والجامع لأحكام القرآن: 20/ 106، وتفسير النسفي: 4/ 365.
[عند المعتزلة](1) ونقلًا [عندنا](2)، وشَكَرَ المنعم الحقيقي أردف شكره بشكر المنعم المجازي، إذ النِّعم الواصلة إلينا من الله -تعالى- في الدنيا والآخرة، إنما هي بواسطته صلى الله عليه وسلم، وزاده شَرفًا وتعظيمًا، فلمّا أثنى على المنعِم الحقيقى أراد الثناء على المنعِم المجازي.
والصلاة -لغة- الدعاء: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (3) أي: ادع لهم، والدعاء يلزمه التعظيم، فإن من دعوت له فقد عظمته، فأُطلق الملزوم، وأُريد اللازم (4)، فيكون مجازًا مرسلًا (5)، أي: ونعظم نبيك
(1) ما بين القوسين زيادة من هامش (أ، ب).
(2)
كذلك مثل ما سبق.
(3)
وتمام الآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
(4)
يعنى أن الدعاء ملزوم يقتضي التعظيم الذى هو اللازم، واللازم: ما يمنع انفكاكه عن الشئ، وهو أقسام كثيرة.
راجع: التعريفات: ص/ 10، وشرح الأخضري على السلم: ص / 11، والمنطق المفيد: ص/ 16، والمنطق المنظم: ص / 26.
(5)
المجاز المرسل: كلمة استعملت في غير معناها الأصلي لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى، وعند التحقيق نجد أن المثال الذي ذكره الشارح، وحكم بأنه مجاز مرسل لا ينطبق عليه تعريف المجاز المرسل الآنف الذكر. وإنما الذىِ ينطبق عليه هو تعريف الكناية التي هي لفظ أطلق وأريد لازم معناه، مع جواز إرادة ذلك المعنى، فعلى هذا يكون المثال كناية لا مجازًا.
راجع: الحدود للباجى: ص / 52، والتعريفات: ص/ 187، وجواهر البلاغة: ص / 290، والبلاغة الواضحة: ص/ 110، 125.
بأن نقول: يا إلهنا صل عليه؛ أي: عظّمه وبجِّله، وإضافة النبي لتعظيم المضاف، ومحمد عطف بيان، أو بدل، والنبي: ذكر من بني آدم أُوحى إليه بشرع، وقولنا: ذكر أَولى من قولهم: إنسان للإجماع (1) على عدم استثناء الأنثى من بني آدم، وهو أعم مطلقًا من الرسول: لاختصاصه بالكتاب، أو بتغيير بعض الأحكام، وهو فعيل بمعنى الفاعل، أو المفعول: ويجوز فيه الهمزة، والواو، فعلى الأول: من النبأ، وعلى الثاني: من النبوة، والوجه في الكل واضح (2).
قوله: "هادي الأمة لرشادها، وعلى آله وصحبه، ما قامت الطروس والسطور لعيون الألفاظ مقام بياضها وسوادها".
أقول: الهادي اسم فاعل من الهداية، وهي الدلالة إلى ما يوصل إلى المطلوب، سواء وصل به، أو قصر ولم يصل، كقوله تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17].
وقيل: الهداية وجدان المطلوب. وليس بشئ إذ وجدان المطلوب هو الاهتداء لا الهداية.
(1) جاء في هامش (أ، ب): "الإجماع نقله البيضاوي في تفسيره، ومن قال بجوازه في الإناث محجوج بالإجماع، فلا يعول على قوله" هـ من المؤلف.
وراجع: تفسير البيضاوي: 1/ 159.
(2)
سيأتي في آخر الكتاب الخلاف في ذلك مبينًا أكثر، وراجع: تشنيف المسامع: ق (2 /أ - ب)، وتفسير البيضاوي: 2/ 92، والتعريفات: ص / 239.
وعند أهل الحق الهداية قسمان: عامة: وهي الدلالة المذكورة، وخاصة: وهو خلق الاهتداء (1) لقوله: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2).
والأمة هنا بمعنى الجماعة، وأمَّته على قسمين:
أمة الدعوة، وأمة الإجابة، والمراد أمة الدعوة، إذ هو مرسل إلى الناس كافة، ولكن منهم من اهتدى، ومنهم من ضل، والرشاد ضد الغيّ: وهو مصدر بمعنى الفاعل، أي: أمر ذي رشد وهو دين الإسلام، والصراط المستقيم. والآل: أصله الأهل، وقيل: الأوْل، وخص استعماله -بعد القلب- بذَوي الشرف، والخطر بخلاف أصله، وآله صلى الله عليه وسلم بنو هاشَم وبنو المطلب، وقيل: أقاربه الأدنون، وقيل: كلُّ مؤمن تقيّ آله (3). والصحب: اسم جمع للصاحب كركب، وراكب،
(1) سيأتي في آخر الكتاب ذكر الهداية ومعناها مفصلًا.
(2)
وتمام الآية: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].
(3)
الآل: يطلق بالاشتراك اللفظى علي ثلاثة معان:
أحدها: الجند والأتباع كقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
والثاني: النفس كقوله تعالى: {آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} [البقرة: 248].
والثالث: أهل البيت خاصة، أو آله أتباعه على دينه، وهم جميع أمته، وهذا قول الإمام مالك، وقيل: بنو هاشم وبنو المطلب، وهو اختيار الشافعي وأصحابه.
راجع: المطلع على أبواب المقنع: ص/3، وإيضاح المبهم: ص/4، والإبهاج: 1/ 5، والفوائد للأبناسى: ق (2/ ب).
والصحابي: من حضره وهو مؤمن ولو ساعة (1)، والطروس: جمع طرس، وهو الورق، والسطور: جمع سطر مصدر سطرت؛ أُريد به المفعول.
وما قيل (2): إن عطف السطور على الطروس عطف الجزء على الكل غلط فاحش؛ لأن الطروس هو الورق الذي هو محل السطر، وليس الحالُّ جزء المحلّ، وتفسير عيون الألفاظ بمعاني الألفاظ (3) أفحش: إذ لا دلالة على المعنى بوجه من الوجوه، بل عيون الألفاظ نقوش الكتابة، وهو إشارة إلى ما ذكره بعض المحققين (4) من أن اللفظ له وجود في التكلم، ووجود في الكتابة، ووجود في الذهن -عند القائل به- ووجود في اللوح المحفوظ، ولا شك أن نقوش الكتابة يشتمل على بياض الطرس، وسواد السطر، إذ نقش الكتابة مركب منهما، فبياض الطرس وسواد السطر عرضان (5) قائمان بالمحلَّين قيامًا حقيقيًا، والمحلّان قائمان مقام بياض
(1) سيأتي تعريف الصحابي عند الكلام عليه.
(2)
القائل هو جلال الدين المحلي في شرحه على جمع الجوامع: 1/ 18.
(3)
الذي فسره هو جلال الدين المحلي في شرحه: 1/ 18.
(4)
راجع: المستصفى: 1/ 21، وشرح تنقيح الفصول: ص /5.
(5)
العرض: هو الذى يحتاج في وجوده إلى محل يقوم به: كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به، والعرض ما ليس من ضرورته أن يلازم ولا يمتنع عن الشيء، وهو إما سريع الزوال كحمرة الخجل، وصفرة الوجل، وإما بطئ الزوال كصفرة الذهب، والشيب والشباب.
راجع: المستصفى: 1/ 14، والروضة: ص / 6، والعضد: 1/ 79، والتعريفات: ص / 148.
نقوش الكتابة وسوادها قيامًا مجازيًّا: لاشتمال المُحل على الحالِّ، فالضمير في بياضها وسوادها راجع إلى الألفاظ على ما حققناه، ورجوع الضمير إلى الطروس والسطور -كما فعله بعض الشارحين (1) - لا صحة له؛ إذ التقدير حينئذ: ما قامت الطروس والسطور مقام بياض الطروس والسطور، وقيام الجوهر (2)، وهو الطرس مثل مقام البياض الذي هو عَرَض قائم به مما لا يقول به ذو عقل. هذا والتقييد بمثل هذه الأمور الحادثة الفانية كقولهم:"ما غرَّد القُمْريُّ"(3)، "ما رنحت عذبات البان ريح صبا"(4) وكما فعله المصنف مما يفيد الدوام بحسب العرف (5)، ثم في الطروس
(1) هو الزركشي والمحلي.
راجع: تشنيف المسامع: ق (2/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 18.
(2)
الجوهر: ما يقوم بنفسه، والقابل للأعراض المستفادة كالأمتعة، والمباني. أو هو ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع.
راجع: التعريفات: ص / 79، وكشاف اصطلاحات الفنون: 1/ 203، ورسالة في علم المنطق: ص / 17، وتسهيل علم المنطق: ص / 26.
(3)
القمري: نوع من الطيور ذات الأصوات المطربة، وغرد: رفع صوته بالغناء، وطرب به، فهو غرد وغريد، يقال: سمعت قُمْريًّا، فأغردني، والأغرودة غناء الطائر، أو الإنسان.
راجع: اللسان: 4/ 320، والقاموس المحيط: 1/ 320، والمعجم الوسيط: 2/ 648.
(4)
هذا صدر بيت من بردة البوصيري، وعجزه:
وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
راجع: البردة: ص / 36.
(5)
العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول.
راجع: اللسان: 11/ 140، والتعريفات: ص / 149.
والسطور صنعة بديعية، وهو قلب البعض (1)، وفي الألفاظ استعارة (2) مكنية، وإضافة العيون تخييلية، وذكر البياض ترشيح.
قوله: "ونضرع إليك [-في منع الموانع- عن إكمال "جمع الجوامع" الآتي من فنَّي الأصول بالقواعد القواطع، البالغ من الإحاطة بالأصلين (3) مبلغ ذوي الجد والتشمير، الوارد من زهاء مائة مصنف منهلًا يروي ويمير، المحيط بزبدة ما في شرحيَّ على المختصر والمنهاج، مع مزيد كثير"] (4).
أقول: الضراعة: هي الخضوع والتذلل؛ أي: نسألك خاضعين ضارعين أن تمنع وتدفع الموانع عن إكمال هذا الكتاب الذي هو "جمع الجوامع"، والجوامع: جمع جامع على خلاف القياس، أو جمع جامعة على القياس،
(1) وهو جناس غير تام لاختلاف اللفظين في ترتيب الحروف.
(2)
الاستعارة: تشبيه حُذِفَ أحد طرفيه، فعلاقتها المشابهة دائمًا، وهي من المجاز اللغوي، وتنقسم إلى قسمين: تصريحية: وهي ما صرح فيها بلفظ المشبه به كقولهم: لمع البرق في كفه. شبه الموسى بالبرق بحامع اللمعان. ومكنية: وهي ما حُذِفَ فيها المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه، ويقال لها المرشحة كما في المثال الذي ذكره المصنف في قوله:"لعيون الألفاظ مقام بياضها" حيث حَذَفَ المشبه به، وهو الإنسان، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهي العيون التي هي قرينة المكنية، والقرينة إثبات العيون للألفاظ.
راجع: الإيضاح: 2/ 407، 444، وأسرار البلاغة: ص / 22، وجواهر البلاغة: ص/ 303، والبلاغة الواضحة: ص/ 77، 90.
(3)
يعني أصول الدين وأصول الفقه كما سيذكره بعد هذا.
(4)
ما بين المعكوفتين ذكر في نسخة (ب) وأما في نسخة (1) فقال: "ونضرع إليك إلى قوله: وينحصر".
والفن: هو النوع، وأفانين الكلام: أنواعه، وإضافته إلى الأصول من إضافة العام إلى الخاص، وهو ظاهر، وما قيل (1): إنه من إضافة المسمى إلى الاسم، فليس بشئ، والأصول: أصول الفقه، وأصول الدين (2) لإطلاقه وإن وجد لفظ الفن مثنًى -كما قيل (3) -، فالأمر أوضح، وتحقيق معنى الأصول يأتي عن قريب في تعريف العلم، والقواعد: جمع قاعدة، والقاعدة أمر كلي (4) ينطق على جزئيات (5) تعرف أحكامها منه كقولنا:
(1) القائل هو جلال الدين المحلي في شرحه على جمع الجوامع: 1/ 21.
(2)
آخر الورقة (3/ ب من ب).
(3)
القائل هو الجلال المحلي حيث قال: "وفى نسخة بتثنيته، وهي أوضح" المحلي على جمع الجوامع: 1/ 21.
(4)
الكلي: هو ما لم يمنع نفس تصور مدلوله من أن نفهم فيه الشركة وذلك كالإنسان، فإن مدلوله -وهو حيوان ناطق- إذا تُصُوِّرَ لم يمنع من وقوع الشركة فيه: كزيد، وعمرو، وبكر لاندراجها تحته.
راجع: شرح مطالع الأنوار: ص / 45، والمحصول: 1/ ق /1/ 302، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 27، والتعريفات: ص/ 186، وكتاب الفوائد للأبناسي: ق (14/ أ).
(5)
الجزئي: عكس الكلى وهو ما مَنعَ نفس تصور مدلوله من أن نفهم فيه شركة، كخالد، فإن مدلوله -وهو الذات المشخصة- إذا تُصُوِّرَ منع ذلك من أن نفهم فيه شركة.
راجع: شرح مطالع الأنوار: ص / 45 - 46، والمحصول: 1/ ق / 1/ 302، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 27، وشرح المحلي على جمع الجوامع: 1/ 274، والتعريفات: ص / 75، وشرح الأخضري على السلم: ص/ 26، وإيضاح المبهم: ص/ 7، والمنطق للمظفر: 1/ 48.
كل أمر للوجوب، فهي قاعدة كلية (1)، فإذا أردنا أن نعرف أحكام الجزئيات قلنا: أقيموا الصلاة أمر، وكل أمر للوجوب، فأقيموا الصلاة للوجوب، ثم قد تطلق القاعدة، وقد تقيد، فيقال: معنا قاعدة كلية، فمنهم من قال: إنما تذكر الكلية مع القاعدة تأكيدًا، وليس بشيء إذ ليس الموضع موضع تأكيد، بل التحقيق أن القاعدة تارة تشتمل على جزئيات صِرفة، وتارة على قواعد، وتحت تلك القواعد تكون الجزئيات، فيطلق على الثانية القاعدة الكلية لاشتمالها على الأمور الكلية، والقطعية تارة تكون بالنظر إلى متن الدليل كآيات الكتاب (2)، والأحاديث المتواترة والإجماع المنقول تواترًا، وتارة بالنظر إلى الدلالة، وإن كان المتن ظنيًّا، وتارة بالنظر إلى وجوب العمل كمظنون المجتهد، فإنه قطعي للعمل إذ لا يجوز له العدول عنه، فعلى هذا جميع القواعد قطعية، ولا حاجة إلى دعوى التغليب (3) كما فعله بعضهم (4)؛ لأن التغليب مجاز لا يرتكب إلا عند تعذر الحقيقة،
(1) القاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى، بينما الضابط يجمع فروعًا من باب واحد.
راجع: الأشباه والنظائر للسيوطي: ص/ 50 - 51، والأشباه والنظائر لابن نجيم: ص/167.
(2)
آخر الورقة (3/ ب من أ).
(3)
التغليب: هو ترجيح أحد المعلومين على الآخر وإطلاقه عليها.
راجع: التعريفات: ص/63.
(4)
هو الإمام جلال الدين المحلي في شرحه على جمع الجوامع: 1/ 23.
والزهاء ممدود ومقصور بمعنى القدر، وعلى المد اقتصر صاحب "المشارق"(1).
قوله: "وينحصر إلى قوله: الكلام في المقدمات".
أقول: أي وينحصر "جمع الجوامع" في مقدمات، وسبعة كتب، انحصار الكل (2) في الأجزاء (3) كانحصار البيت في السقف والجدران؛ إذ
(1) صاحب المشارق هو القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرو، أبو الفضل اليحصبي السبتي، عالم المغرب، الحافظ إمام أهل الحديث في وقته، وأعلم الناس بعلوم الحديث، والنحو، والأصول، واللغة، وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، ولي قضاء سبتة، ثم غرناطة، وصف بالعلم، والذكاء، والفطنة، والفهم، والفقه، صنف التصانيف التي سارت بها الركبان شرقًا وغربًا، منها: الشفا، وطبقات المالكية، وشرح صحيح مسلم، والتاريخ والإعلام بحدود قواعد الإسلام، والإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلاثة، وهي الموطأ، والبخاري، ومسلم وهذا هو مراد الشارح، وتوفي سنة (544 هـ بمراكش).
راجع: تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 43، ووفيات الأعيان: 3/ 483، وطبقات المفسرين: 2/ 18، وتذكرة الحفاظ: 4/ 1304، وإنباه الرواة: 2/ 363، والديباج المذهب، 2/ 46، وشجرة النور الزكية: ص/ 140، وطبقات الحفاظ: ص/ 468، وبغية الملتمس: ص / 425، وانظر نهاية ابن الأثير في كلامه على زهاء: 2/ 323.
(2)
الكل -لغة-: اسم مجموع المعنى، ولفظه واحد، واصطلاحًا: اسم الجملة مركبة من أجزاء محصورة، وقيل: مطلقة.
راجع: التعريفات: ص/ 186.
(3)
الجزء: هو ما يتركب منه ومن غيره كلٌّ، كالسقف والجدران للبيت، فكل منهما يقال له جزء، والبيت كل، كما ذكر الشارح.
راجع: شرح الأخضري على السلم: ص/ 28، وإيضاح المبهم: ص/ 8.
الانحصار قد يكون للكلي في جزئياته كانحصار الكلمة في الاسم، والفعل، والحرف، وما ذكر بعض الشراح (1) في تمثيل انحصار الكل في الأجزاء كانحصار الكلام في الاسم، والفعل، والحرف، فليس بشئ إذ الحرف لا يقع جزءًا من الكلام.
فإن قلت: كيف يصح الانحصار على الوجه الذي ذكرته، مع اشتمال الكتاب على علم الكلام، وخاتمة في التصوف؟
قلت: تلك المباحث الكلامية لم يذكرها قصدًا، بل لَمَّا ذكر في آخر الكتاب مباحث الاجتهاد، وانجرَّ كلامه إلى بحث التقليد استطرد الكلام في علم الكلام، وهل التقليد جائز فيه أم لا؟ وذكر خاتمة في التصوف لأدنى مناسبة، ويدل على ذلك إفراد لفظ الفن في النسخ المعتبرة كما قدمناه، ثم وجه الضبط -في الحصر المذكور- أن ما ذكره في الكتاب: إما مقصود بالذات، أو يتوقف عليه المقصود؛ إذ ما لا يكون مقصودًا ولا موقوفًا عليه -مستدرك- لا يجوز ذكره، والمقصود بالذات إما مباحث الأدلة، وهي الكتاب والسنة، والإجماع والقياس والاستدلال، فوضع لها خمسة كتب، وإما مباحث ترجيح بعض الأدلة على بعض، فوُضِعَ له كتاب سادس، وإما مباحث المقصود الأصلى، وهي مباحث الاجتهاد وما يتعلق به من مباحث الإفتاء والتقليد، فوُضِعَ له كتاب سابع، وما لا يكون مقصودًا بالذات ويكون موقوفًا عليه هو المقدمات
(1) هو الإمام الزركشي في تشنيف المسامع: ق (3/ أ).
المذكورة (1)، وهي أمور تذكر أمام المقصود لارتباط بين المقصود وبينها، وهي على قسمين: ضروري: لا يجوز الشروع بدونه عقلًا، وهو أمران: تصور العلم المشروع فيه بوجه، والتصديق بفائدة ما، وقسم آخر غير ضروري: وهو ما عدا هذين الأمرين، بل يوجب زيادة بصيرة في المطلب، وليس منحصرًا في قدر معلوم.
واعلم أن الحصر في [أمثال](2) هذه الأمور استقرائى، يقلل الانتشار، ويسهل الأمر على الطالب، ومن رام حصرًا عقليًّا فقد ركب شططًا.
(1) المقدمة -بفتح الدال، وكسرها- اسم مفعول، واسم فاعل: وهي ضد المؤخرة لغة، فإن لاحظنا أنها تُقدمنا لمقصودنا كسرنا الدال لأنها فاعلة، وإن لاحظنا أننا نقدمها على مقصودنا لنبنى عليها، ولنمهد بها فتحنا الدال، واصطلاحًا: ما يتوقف عليها الشروع في العلم من المعلومات يقال: مقدمة العلم لما يتوقف مسائله عليها كمعرفة حدِّه، وموضوعه، وغايته، وهي ثلاثة أقسام:
أ- مقدمة العلم: وهي من قبيل المعاني، وقد ذكرها الشارح، وعبر عنها بالضروري.
ب- مقدمة كتاب: وهي طائفة من الكتاب تقدم أمام المقصود لارتباطها به، وهي من قبيل اللفظ.
ج- مقدمة الدليل والقياس، وهي صغرى وكبرى يتكون منهما الدليل كقول المناطقة: العالَم مؤلف، وكل مؤلف محدث، فالنتيحة العالم محدث.
راجع: شرح مطالع الأنوارة ص/ 7، وبحر العلوم: ص/ 16، وحاشية عبد الرزاق الأنطاكى: ص/ 14، والرسالة الشمسية: ص/ 4، ونفائس القرافي: وحاشية العطار على شرح الخبيصى: ص/ 13، ونزهة الخاطر: 1/ 23.
(2)
ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.