الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: منهج المؤلف في الكتاب:
لقد رسم شهاب الدين الكوراني -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه "الدرر اللوامع"، منهجه الذي يسير عليه في شرحه المذكور، فقال: "
…
فشرعت في شرح له يميط لثام مخدراته، ويزيح ختام كنوزه ومستودعاته، أنقح فيه الغثّ من السمين، وأميز السين من الشين، أورد الحجج على وجه تتبختر اتضاحًا، وأترك الشبهة تتضاءل افتضاحًا، أطنب حيث يقتضي المقام، وأوجز إذا اتضح المرام، أشيد في كل ذلك القواعد، وأضم إليها ما ظهر لي من الفوائد، في ضمن تراكيب رائقة، وأساليب فائقة، وسوف تقر بما فيه عينُ كلِّ لبيب، ويفوز منه ببغيته كل أريب" (1).
ومن خلال صحبتي أربع سنوات لكتاب "الدرر اللوامع"، وبحثى فيه، وتتبعي لمسائله، وجزئياتها من ألفه إلى يائه، ثم اطلاعى على مصادره التي اعتمد عليها، يمكن أن ألخص منهجه فيما يأتي:
1 -
اعتمد الإمام الكوراني في شرحه لـ "جمع الجوامع" على الكتب الأصولية التي ألفت قبله، كـ "المعتمد"، و"البرهان"، و"اللمع"، و"المستصفى"، و"المنخول"، و"المحصول"، و"الأحكام"، و"المختصر"، و"شرح العضد عليه"، و"التلويح"، وغيرها من كتب الأصول (2)، وكل ذلك قد بينته عند نقله منها، بذكر مصادرها.
(1) راجع: ص/ 168 من هذا الكتاب.
(2)
كالمنهاج، والتوضيح، وكشف الأسرار، كما اعتمد على كتب كثيرة في فنون مختلفة، فينقل كل فن من كتبه المختص به، وقد بُيِّن ذلك في محله وأحلت على مراجعها في الهامش.
2 -
عند نقله منها يصرح -غالبًا- بالقول، فيقول مثلًا: قال في "المحصول" كذا، وبالرجوع إلى المصدر أجد أنه ينقل -غالبًا- بتصرف، وقد بين ذلك في محله.
3 -
عادة الشارح أن يذكر بداية المتن في المسألة، كأن يقول: "قوله: نحمدك
…
إلى آخره"، ولا يذكر المتن كاملًا، ثم يسترسل في الشرح، وهذه عادته غالبًا.
4 -
كان شرحه للمتن متمثلًا في بيانه، وتوضيحه وفق مراد المصنف ثم بعد ذلك يبدي الإمام الكوراني رأيه سلبًا، أو إيجابًا، مدلِّلًا على ذلك، ومبينًا صحة ما ذهب إليه، ولهذا كانت له شخصيته المتميزة عن غيره من شراح المتن، وسيأتي بيان ذلك.
5 -
وقف الشارح على شرح الزركشي (1)، والجلال المحلى، ثم أبدى اعتراضات وردودًا عليهما، فيما قد يوجهان به المتن، أو يختار من القول
(1) هو محمد بن بهادر بن عبد الله المصرى الزركشي، الشافعي، بدر الدين أبو عبد الله، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة، فقيه، أصولى، محدث، أديب، أخذ عن جمال الدين الأسنوي، وسراج الدين البلقينى، ورحل إلى حلب، وسمع الحديث بدمشق، وغيرها، ودرس، وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى، ومن تصانيفه: البحر المحيط في أصول الفقه، وشرح التنبيه للشيرازى في فروع الفقه الشافعي، وشرح جمع الجوامع للسبكي، وشرح علوم الحديث لابن الصلاح، وغير ذلك، وتوفي بالقاهرة سنة (794 هـ).
راجع: الدرر الكامنة: 3/ 397، وشذرات الذهب: 6/ 335، وطبقات ابن قاضى شهبة: 3/ 227، وكشف الظنون: 1/ 491، وهدية العارفين: 2/ 174، والأعلام للزركلي: 6/ 286، ومعجم المؤلفين: 9/ 121 - 122، 10/ 205.
خلاف ما يرجحه هو ويختاره، غير أنه كان شديد اللهجة -عفا الله عنا وعنه- على الجلال المحلى، ومع ذلك لم يصرح باسم واحد منهما، بل يكتفى بالقول: قال بعض القاصرين، أو: وما قيل: إنه كذا، أو: وفي بعض الشروح، ونحو ذلك، وقد بينت ذلك، ومن المراد به عند الشارح في محله، وأحلت على مرجعه.
6 -
كان الشارح منصفًا مع المخالفين حيث يذكر ما لهم من الأدلة على ما ذهبوا إليه، ووجه دلالتها على المطلوب، ثم يناقشها، ويبين ما هو الصواب في ذلك، وهذه أمانة علمية التزمها الشارح في جلِّ مسائله إن لم أقل: في كلها.
7 -
رتب الشارح كتابه "الدرر اللوامع"، على وفق متن المصنف في كتبه ومسائله، غير أنه قد يبدو له القول أن لو تقدم هذا على ذاك، أو تأخر ذلك على هذا كان أولى، وقد ذُكِر ذلك في محله مع التوجيه لما ذهب إليه من قِبَله، أو التوجيه لصحة ما فعله المصنف من قِبَلى.
8 -
التزم الشارح بما قاله، ففي بعض المسائل أطنب واسترسل؛ لأن المقام يقتضي ذلك في نظره، وفي بعضها أوجز القول لوضوحها كذلك.
* * *