الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تمهيد)
التمهيد في عصر المؤلف
عاش شهاب الدين الكوراني - رحمه الله تعالى - في المدة ما بين سنة (813 هـ إلى سنة 893 هـ) فهو من علماء القرن التاسع الهجري، وعندما دخل هذا القرن كانت دولة المماليك الجراكسة تحكم مصر والمشرق، ثم بدأت الدولة العثمانية تنازعها السلطة، وتسعى جاهدة لتنفرد بحكم المشرق، وتتطلع إلى الاستيلاء على مصر.
وقد استطاع العثمانيون - في هذا القرن - فتح القسطنطينية، وسيأتي بيان ذلك في القسم الدراسي (1).
وفي الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية في أوج قوتها، ومجدها في شرق العالم الإسلامي، كان الوضع في غرب العالم الإسلامي على العكس.
فقد كثرت النزاعات والثورات الداخلية في المغرب العربي، وتفاقم الخلاف بين ملوك المغرب الأقصى وملوك تونس، مما أدى إلى ضعف كلمتهم.
(1) سيأتي ذلك في مبحث تلاميذه: ص / 49.
والاختلاف بين المسلمين سلاح يجيده أعداء الإسلام في كل زمان ومكان، للاستفادة منه، ولذلك تحالف النصارى الإسبان مع البرتغاليين، وعملوا على طرد المسلمين من الأندلس.
ففي سنة (818 هـ) استولى البرتغاليون على سبتة، وفى عام (867 هـ) استولى الإسبان على جبل طارق، وفى عام (897 هـ) استولوا على غرناطة، وبذلك فقد المسلمون الأندلس، وخرج حكمها من أيديهم بعد أن دام بها قرابة ثمانية قرون، أقاموا بها إحدى أعظم الحضارات في التاريخ البشري.
وعلى الرغم من ذلك، فقد شهد هذا القرن ازدهارًا وتقدمًا في المجالات العلمية والثقافية، ويعتبر عديم النَّظير نتيجة لما تعرضت له المكتبة الإسلامية، والتراث الإسلامي على أيدي التتار في المشرق العربي، وعلى أيدي النصارى الإسبان في الأندلس من الإحراق والإغراق، والتخريب، كما أن المماليك الأتراك الذين كانت لهم السيادة على مصر، والشام في هذا العصر عملوا جاهدين على سد الثغرة التي أحدثتها تلك الحملات، والتي استهدفت القضاء على التراث الإسلامي، فأنشأوا المدارس وخصوصًا في القاهرة ودمشق، حتى أضحت تعد بالمئات.
كما عني المماليك بالعلماء، وشجعوهم على التأليف ونشر العلوم المختلفة، ونتيجة لذلك قامت نهضة علمية رائعة زودت المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات في شتى العلوم والفنون، فقهًا، وأصولًا، وحديثًا،
وتاريخًا، ونحوًا، وتفسيرًا، وكانت المتون، والمختصرات، والشروح، والحواشي، والتقريرات سمة هذا العصر كثرة (1)، ولقد كان العلامة الكوراني أحد علماء هذا العصر الذين أثروا الفكر الإسلامي في العلوم المختلفة، يظهر ذلك في مؤلفاته التي خلفها في الحديث، والتفسير، والأصول، والقراءات، وغيرها، وسيأتي بيانها في القسم الدراسى في المبحث الذي يخصها إن شاء الله تعالى.
* * *
(1) راجع: الفتح المبين: 3/ 4 - 5، وتاريخ التشريع الإسلامي: ص/363 - 364.