الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسًا ـ الِاجْتِهَادُ الْجَمَاعِيُّ:
الْإِسْلَامُ دِينٌ صَالِحٌ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَقَضَايَا الْأُمَّةِ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا قَضَايَا مُسْتَجِدَّةٌ لَمْ تَكُنْ فِي عَصْرِ الْفُقَهَاءِ قَدِيمًا، وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى اجْتِهَادٍ، لِذَلِكَ كَانَ الِاجْتِهَادُ الْجَمَاعِيُّ ضَرُورَةً فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ عِدَّةَ مَفَاهِيمَ لِلِاجْتِهَادِ الْجَمَاعِيِّ، لَعَلَّ مِنْ أَبْرَزِهَا أَنَّهُ:«اسْتِفْرَاغُ أَغْلَبِ الْفُقَهَاءِ الْجُهْدَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَاتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ أَوْ أَغْلَبِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ بَعْدَ التَّشَاوُرِ» .
والِاجْتِهَادُ الْجَمَاعِيُّ يَخْتَلِفُ عَنِ الِاجْتِهَادِ الْفَرْدِيِّ فِي كَوْنِهِ جُهْدَ جَمَاعَةٍ وَلَيْسَ جُهْدَ فَرْدٍ، وَإِنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ تَكُونُ أَغْلَبَ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ.
وَهُوَ أَفْضَلُ الْحُلُولِ لِمُعَالَجَةِ الْمُسْتَجِدَّاتِ فِي حَيَاةِ الْأُمَّةِ، فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ أَنْجَعِ السُّبُلِ إِلَى تَوْحِيدِ النُّظُمِ التَّشْرِيعِيَّةِ لِلْأُمَّةِ، وَهُنَاكَ أَنْوَاعٌ مِنَ الْقَضَايَا الَّتِي تَتَطَلَّبُ اجْتِهَادًا جَمَاعِيًّا، وَمِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ:
أَوَّلًا: الْقَضَايَا الْمُسْتَجِدَّةُ ذَاتُ الطَّابَعِ الْعَامِّ أَوِ الْمُعَقَّدَةُ أَوِ الْمُتَشَعِّبَةُ بَيْنَ عِدَّةِ عُلُومٍ.
ثَانِيًا: الْقَضَايَا الَّتِي قَامَتْ أَحْكَامُهَا عَلَى أَسَاسٍ مُتَغَيِّرٍ، كَالْعُرْفِ أَوِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ كَانَ لِظُرُوفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ دَوْرٌ فِي حُكْمِهَا، مِمَّا يَجْعَلُهَا تَتَغَيَّرُ لِتَغَيُّرِ أَسَاسِهَا. وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالشَّرِكَاتِ وَأَنْوَاعِهَا، وَأَنْظَمِةِ التَّأْمِينِ
وَالسِّيَاسَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمُسْتَجِدَّاتِ، وَالْقَضَايَا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِوَسَائِلِ الْعِلَاجِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَجْهِزَةِ الْإِنْعَاشِ، وَأَطْفَالِ الْأَنَابِيبِ وَبُنُوكِ الْحَلِيبِ، وَالْكَثِيرِ مِنَ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ الْمَدَنِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ .. وَغَيْرِهَا
(1)
.
وَقَدْ قَامَتِ الْمَجَامِعُ الْفِقْهِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْيَوْمَ بِهَذَا الدَّوْرِ - الْبَحْثِ فِي الْمَوَاضِيعِ الْمُعَاصِرَةِ - وَاجْتَهَدَتْ فِيهَا، وَهَذَا يُشْعِرُ بِالطُّمَأْنِينَةِ لِأَنَّ الَّذِينَ بَحَثُوا هَذِهِ الْمَسَائِلَ عُلَمَاءُ مُتَخَصِّصُونَ فِي الْفِقْهِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَشُورَةِ الْمُتَخَصِّصِينَ فِي الطِّبِّ وَالِاقْتِصَادِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ.
(1)
انظر الاجتهاد الجماعي في التشريع الاسلامي، عبد المجيد السوسة الشرفي.