الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسَ؛ فَتَلَخَّصَ الْفِقْهُ فِي عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِوَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم انْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَكَانَ الدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ مُكْتَمِلًا، وَاضِحَ الْمَعَالِمِ
(1)
.
ب ـ الْفِقْهُ فِي عَهْدِ الصَّحَابِةِ:
امْتَازَ الصَّحَابِةِ بِخَصَائِصَ جَعَلَتْهُمْ أَفْضَلَ الدَّرَجَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، وَيَرْجِعُ تَفَوُّقُهُمُ الْفِقْهِيُّ إِلَى عَوَامِلَ مِنْهَا:
• مُلَازَمَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَإِدَامَةُ الْأَخْذِ عَنْهُ.
• دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَشُهُودُهُ لَهُمْ بِالْمَكَانَةِ، وَحَثُّهُ عَلَى التَّعَلُّمِ مِنْهُمْ، وَتَكْلِيفُهُمْ بِالْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ.
• الْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ وَقُوَّةُ الْإِدْرَاكِ، وَجَوْدَةُ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ، وَحُسْنُ الِاسْتِدْلَالِ.
• التَّفَرُّغُ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْإِفْتَاءِ.
• الْإِقْرَارُ وَالْمُوَافَقَةُ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي كَيْفِيَّةِ فِقْهِ النَّصِّ وَالْتِقَاطِ دَلَالَتِهِ وَأَدَائِهِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ.
ـ
طَبَقَةُ كِبَارِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ:
وَمِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَة: (الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ) وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرَاجِعُ الْفَتْوَى وَمِنْهُمْ: (عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ)، وَكَانَ مِنَ النِّسَاءِ أَيْضًا:(أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ) وَبَعْضُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ وَغَيْرُهُنَّ ..
(1)
انظر تاريخ التشريع الاسلامي، مناع القطان ص 32.
وَإِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ دَعَا لَهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وآله وسلم فَكَانَ هَذا الدُّعَاءُ شَهَادَةً فِي حَقِّهِمْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ تَبْعَثُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ لَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ .. ! قَالَ: «انْطَلِقْ فَإِنَّ اللهَ عز وجل سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ].
وَكَالدُّعَاءِ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ: «اللَّهُمَّ، فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ].
وَهُنَاكَ الْإِجَازَةُ النَّبَوِيَّةُ: مِثْلُ تَكْلِيفِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِلْقِيَامِ بِمَهَمَّةِ الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى وَالتَّعْلِيمِ، فَقَدْ أَرْسَلَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا وَمُفْتِيًا.
وَالشَّهَادَةُ مِثْلُ حَدِيثِ: (وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ)[أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ].
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ ابْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللهِ عز وجل أُبَيٌّ وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الْجَرَّاحِ ([أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ] فَهَؤُلَاءِ نُخْبَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَانُوا مُلَازِمِينَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم دَائِمَي الْأَخْذِ عَنْهُ حَتَّى اسْتَحَقَّوا هَذِهِ الْأَوْسِمَةَ، وَشَهِدَ لَهُمُ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ صلى الله عليه وآله وسلم وَلَفَتَ أَصْحَابَهُ إِلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا قَدْرَ كُلٍّ فِي مَجَالِ امْتِيَازِهِ وَتَفَوُّقِهِ.
وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافٌ فِقْهِيٌّ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاتِهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ اجْتَهَدُوا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم:(لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ)[الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ] فَصَلَّاهَا بَعْضُهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَمْ يُصَلِّهَا الْبَاقَونَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ أَنْ فَاتَ وَقْتُهَا، وَأَقَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الْفَرِيقَيْنِ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَهَذا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ يَتَعَدَّدُ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: انْتَهَى الْعِلْمُ إِلَى ثَلَاثَةٍ: عَالِمٍ بِالْمَدِينَةِ، وَعَالِمٍ بِالشَّامِ، وَعَالِمٍ بِالْعِرَاقِ؛ فَعَالِمُ الْمَدِينَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَالِمُ الْعِرَاقِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَالِمُ الشَّامِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَإِذَا الْتَقَوْا سَأَلَ عَالِمُ الشَّامِ وَعَالِمُ الْعِرَاقِ عَالِمَ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَسَأَلْهُمَا
(1)
.
ـ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَفِي الْحَدِيثِ: (رَضِيتُ لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ) يَعْنَي: ابْنَ مَسْعُودٍ، [أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ]. وَبَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الْكُوفَةِ.
رَوَى حَارِثَةُ بْنُ مُضَرِّبٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ: (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا وَعَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَاضِيًا وَوَزِيرًا، وَإِنَّهُمَا مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَمِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا فَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِمَا عَلَى نَفْسِي
(2)
.
(1)
طبقات الفقهاء للشيرازي ص 42.
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 88.
ـ وَمِنْهُمْ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه.
رَوَى يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْمَوْتُ قِيلَ لَهُ:
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْصِنَا، قَالَ: الْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ
(1)
.
• وَمِنَ الْعُلَمَاءِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَريُّ: وَكَانَ مِمَّنْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَى الْيَمَنِ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ، وَوَلَّاهُ عُمَرُ عَلَى الْبَصْرَةِ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: كَانَ الْعِلْمُ فِي سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَصِفُهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ، وَأَبِي مُوسَى، وَأُبَيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
(2)
.
• وَمِنَ الْعُلَمَاءِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ:
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ فِي كِتَابِ اللهِ أَعْظَمُ؟. قُلْتُ: (اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ)[أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ].
وَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ عُمَرُ ـ وَهُوَ خَلِيفَةٌ ـ وَالْعَبَّاسُ رضي الله عنهما فِي دَارٍ كَانَتْ لِلْعَبَّاسِ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَقَضَى لِلْعَبَّاسِ عَلَى عُمَرَ، وَلَا يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بَيْنَ كِبَارِ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَالِمٌ مُجْتَهِدٌ.
(1)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 3/ 1228.
(2)
طبقات الفقهاء للشيرازي ص 44.