الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
المتشددون ينتقصون الأشاعرة
الجواب:
أولًا: سبحان الله!!! ما المصيبة في إظهار الحق؟
وهل بيان مخالفة الأشاعرة لمنهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خروجٌ على جماعة المسلمين واعتناقٌ لفكر الخوارج!!!
ثانيًا: من هم الأشاعرة؟
الأشاعرة فرقة تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله، وقد مر الأشعري بثلاث مراحل، وهي باختصار: مرحلة الاعتزال، ثم متابعة ابن كلاب، ثم موافقة أهل السنة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل.
وقد صرح أبو الحسن الأشعري بهذا الموقف الأخير في كتبه الثلاثة: رسالة إلى أهل الثغر، ومقالات الإسلاميين، والإبانة.
فمن تابع الأشعري على هذه المرحلة، فهو موافق لأهل السنة والجماعة في أكثر المقالات، ومن لزم طريقته في المرحلة الثانية، فقد خالف الأشعري نفسه، وخالف أهل السنة في العديد من مقالاتهم (2).
(1) هكذا: مِن مصائب، و (مِن) للتبعيض، أي أن هناك مصائب أخرى!!! حسبنا الله ونعم الوكيل.
(2)
انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 72).
ثالثًا: تأمل إنصاف السلفيين الذين يتهمهم المفتي بأنهم أصحاب مصائب!!، فقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «الفِرَق المخالفة لأهل السنة متفاوتون في أخطائهم ، فليس الأشاعرة في خطئهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية بلا شك ، ولكن ذلك لا يمنع من بيان خطأ الأشاعرة فيما أخطأوا فيه ومخالفتهم لأهل السنة في ذلك كما قد بُيِّنَ خطأُ غيرهم لإظهار الحق وبيان بطلان ما يخالفه تبليغًا عن الله سبحانه وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحذرًا من الوعيد المذكور في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} (البقرة:159)(1).
وجاء في فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية والتي صدرت بعضوية الشيخ عبد الله بن قعود، والشيخ المصري الأزهري عبد الرزاق عفيفي نائبًا للرئيس (2)، وبرئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز:
(1) مجموع فتاوى ابن باز (3/ 54).
(2)
الشيخ عبد الرزاق عفيفي عطية (1323 ـ 1415 هـ، 1904 ـ 1994 م)، ولد بشنشور التابعة لمركز أشمون محافظة المنوفية، وتخرَّج في الأزهر حيث مُنِحَ الشهادة العالمية عام 1351هـ ، ثم درس مرحلة التخصص في شعبة الفقه وأصوله ومنح شهادة التخصص في الفقه وأصوله بعد الاختبار، كل هذه الدراسة في الأزهر بالقاهرة.
وهو أول وكيل لجماعة أنصار السنة المحمدية، وثاني رؤسائها بعد رحيل مؤسسها الأول الشيخ محمد حامد الفقي. عُيِّنَ مدرسًا بالمعاهد الأزهرية، ثم ندب إلى السعودية للتدريس، فدرَّس في عدة مدن، ثم نُقِل إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1391 هـ وعين بها نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مع جعله عضوًا في مجلس هيئة كبار العلماء. وأشرف على رسائل بعض الدارسين في الدراسات العليا.
من أبرز تلاميذه: المشايخ: محمد بن صالح العثيمين، وصالح السدلان وعبد الله بن عبد الرحمن الغديان، وصالح بن فوزان الفوزان، وصالح بن محمد اللحيدان، وعبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، وعبد العزيز ابن عبد الله آل الشيخ، وعبد الله بن عبد الرحمن البسام، وعبد الله بن حسن بن قعود، وصالح بن عبد الرحمن الأطرم، وعبد الله بن سليمان بن منيع.
هؤلاء العلماء السلفيون هم أبرز طلاب هذا العالم الأزهري رحمه الله.
[انظر: المعجم الجامع في تراجم العلماء وطلبة العلم المعاصرين، كتاب إلكتروني، من إعداد أعضاء موقع ملتقى أهل الحديث].
رابعًا: إن كان من مصائب السلفيين أنهم بيَّنوا أخطاء الأشاعرة، فما رأي المفتي في الحافظ ابن حجر الذي بيّن أخطاء الأشاعرة؟!! أم أنه يعتبره من المتشددين؟!!!
فمن المعلوم أن إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعد أصوله هو الفخر الرازي، ثم خلفه الآمدي والآرموي فنشرا فكره في الشام ومصر واستوفيا بعض القضايا في المذهب.
وقد ترجم الحافظ ابن حجر للرازي والآمدي في (لسان الميزان) وقد أورد نقولًا كثيرة موثقة عن ضلالهما وشنائعهما التي لا يقرها أي مسلم فضلًا عمن هو في علم الحافظ وفضله، وذكر طرفًا من شنائع الآرموي ضمن ترجمة الرازي.
وقال في آخر ترجمة الرازي: «أوصى بوصية تدل على أنه حسّن اعتقاده» . ووصية الرازي التي نقلها السبكي الأشعري نفسه في (طبقات الشافعية الكبرى) صريحة في رجوع الرازي إلى مذهب السلف.
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/ 240 - 241)، الفتوى رقم (5082).
والحافظ ابن حجر في (فتح الباري) قد نقد الأشاعرة باسمهم الصريح وخالفهم فيما هو من خصائص مذهبهم، فمثلًا خالفهم في الإيمان، ونقَدَهم في مسألة المعرفة وأول واجب على المكلف في أول كتابه وآخره (1).
كما أنه نقد شيخَ الأشاعرة في التأويل (ابنَ فُورَك) في تأويلاته التي نقلها عنه في شرح كتاب التوحيد في (فتح الباري)، وذمَّ التأويلَ والمنطقَ مرجحًا منهج الثلاثة القرون الأولى، كما أنه يخالفهم في الاحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة وغيرها من الأمور (2).
خامسًا: مع أن المفتي يتهم السلفيين بأنهم خوارج - وهم بريئون من ذلك - فقد أجاز (ص17) التعبد بمذهب الإباضية وهم فرقة من الخوارج (3) يقولون بخلق القرآن كما جاء في كتبهم قديمًا وحديثًا، وقد وافقوا الخوارج في ذلك، ويظهر من خلال كتبهم تعطيل الصفات مثل إنكار رؤية الله في اليوم الآخر وتعطيل الصفات عمومًا، والإباضية تقول بتخليد العاصي في نار جهنم، وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم، لكن الإباضية تحكم عليه في الدنيا بأنه كافر كفر نعمة - أو كفر نفاق.
ومن الأمور التي يتفقون عليها إنكار الشفاعة لعصاة الموحدين، لأن العصاة - عندهم - مخلدون في النار، فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار، وكل ذلك معارضَةٌ لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشفاعة لأهل الكبائر (4).
(1) ونقل الحافظ ابن حجر عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيِّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَشَاعِرَةِ أن هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُعْتَزِلَةِ بَقِيَتْ فِي مَذْهَبِ الأشاعرة. انظر: فتح الباري (1/ 70 - 71، 13/ 349).
(2)
انظر فتح الباري (1/ 46)، (3/ 357 - 361)، (13/ 347 - 350).
(3)
((راجع: فتوى الشيخ عطية صقر عن الخوارج، فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com ، تاريخ الفتوى: مايو 1997.
(4)
((راجع: الإباضية، للدكتور عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف.
سادسًا: أنكر المفتي (ص24) على السلفيين الرد على الأشاعرة وسماه انتقاصًا لهم، ومن المعلوم أن الفخر الرازي هو إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعَّد أصوله، فما رأي المفتي في تشكيك الرازي في روايات الصحابة رضي الله عنهم وقوله إنها لا تفيد القطع واليقين؟ (1) فهل هذا من كبير الأشاعرة انتقاص للصحابة رضي الله عنهم؟ نريد رأي المفتي!!
سابعًا: اتهم المفتي السلفيين ظلمًا (ص16) بأنهم يفسقون الناس ويكفرونهم، ويَدْعون إلى منابذتهم ومحاربتهم، وهذا الكلام من المفتي يشهد الواقع بأنه منابذ للحقيقة.
ونسأل المفتي: ما رأيكم في قول الأشاعرة إن مِن أنواع الشرك قولَ الناس إن النار تحرق، والطعام يُشبِع، والثوب يَستُر، وما رأيكم في قول الأشاعرة إن من قال إن هذه الأشياء بطبعها تفعل فلا خلاف في كفره، وإنّ من قال إن هذه الأشياء تفعل بقوة جعلها الله فيها كان مبتدعًا، وقد اختلف الناس في كفره (2).
ألا يُعدّ هذا القول من الأشاعرة تكفيرًا لمعظم المسلمين!
(1)((انظر أساس التقديس للفخر للرازي (ص168 - 172).
(2)
((انظر شرح أم البراهين للسنوسي (ص81)، شرح الكبرى للدراوي (ص184).