الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة عشرة
المتشددون يتمسكون بالظاهر
ويتعبدون بالثياب (ثوب الشهرة - النقاب)
وقال: (ص140): «إن ما اصطلح عليه الناس من نوع وهيئة للزي ما دام في الإطار العام للقاعدة الكلية للثوب الشرعي بكونه لا يصف ولا يشفّ ولا يكشف، وليس من لباس الشهرة (2) فهو مباح.
ومراعاة زي الزمان من المروءة ما لم يكن إثمًا».
الجواب:
أولًا: ثوب الشهرة:
نقول للمفتي: ما المخالفات التي خالف فيه السلفيون كلامه الثاني (ص140) حتى يرميهم بما رماهم به في كلامه الأول (ص138)؟!!
ما الذي يخالف فيه السلفيون زي أهل زمانهم حتى يتهمهم المفتي بأنهم يلبسون ثوب شهرة، وينزّل عليهم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ
(1) ((وهو ما يسمى في العامية المصرية بالقفطان.
(2)
((ويشترط أيضًا أن يكون ساترًا للعورة، وأن لا يشبه لباس الكفار والكافرات في أزيائهم الخاصة بهم، وأن لا يشبه لباس الرجل لباس المرأة وألا يشبه لباس المرأة لباس الرجل، ويشترط في لباس المرأة أيضًا أن لا يكون زينة في نفسه، وأن لا يكون مبخرًا مطيبًا.
اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا» (رواه أبو داود وابن ماجه، وحسنه الألباني).
ما هو ثوب الشهرة؟
ونقل الصديقي العظيم آبادي عن ابن الْأَثِيرِ قوله: «الشُّهْرَةُ ظُهُورُ الشَّيْءِ وَالْمُرَادُ أَنَّ ثَوْبَهُ يَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ لِمُخَالَفَةِ لَوْنِهِ لِأَلْوَانِ ثِيَابِهِمْ فَيَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهَمْ وَيَخْتَالُ عَلَيْهِمْ بِالْعُجْبِ وَالتَّكَبُّرِ» (3).
ونقل المفتي (ص141) عن الشوكاني قوله: «وَإِذَا كَانَ اللُّبْسُ لِقَصْدِ الِاشْتِهَارِ فِي النَّاسِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رَفِيعِ الثِّيَابِ وَوَضِيعِهَا وَالْمُوَافِقِ لِمَلْبُوسِ النَّاسِ وَالْمُخَالِفِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَدُورُ مَعَ الِاشْتِهَارِ، وَالْمُعْتَبَرُ الْقَصْدُ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ» (4).
ونسأل المفتي بعد هذه النقول، وليحكم القارئ الكريم بنفسه: هل اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نهيه عن إسبال الثياب ثوب شهرة، وهل اتباع المسلمة لأمر ربها في لبس
(1) حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 378).
(2)
شرح السيوطي لسنن ابن ماجه (1/ 257).
(3)
عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد آبادي (11/ 50).
(4)
نيل الأوطار (2/ 111).
النقاب يُعَدُّ ثوب شهرة، بيننا وبينك ما نقلناه ونقلْتَه أنت عن العلماء، وعند الله تجتمع الخصوم.
ثانيًا: تقصير الثياب:
قال المفتي (ص138): «إذا وجدتَ شخصًا يرتدي قميصًا (1) قصيرًا فاعلم أنه من المتشددين» .
وله نقول:
أولًا: هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم متشدّدًا عندما نهى عن الإسبال؟ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ» (رواه البخاري).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أوصاه فَقَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تَشْتُمْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ أَجْرُهُ، وَعَلَيْهِ وِزْرُهُ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ، فَإِنَّ إِسْبَالَ الْإِزَارِ مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، وَلَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا» (رواه الإمام أحمد، وصححه الأرنؤوط).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ، فَقَالَ:«يَا عَبْدَ اللهِ، ارْفَعْ إِزَارَكَ» (رواه مسلم).
سؤال: لو تخيلنا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاءنا وقال لنا ـ كما قال لابن عمر ـ: «ارْفَعْ إِزَارَكَ» ، فهل سنقول:«سمعًا وطاعة يا رسول الله» ؟!! أم سنقول إن هذا شعار المتشددين.
(1) ((وهو ما يسمى في العامية المصرية بالقفطان.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي: «قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ (1): «لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَهُ (2) وَيَقُولُ لَا أَجُرُّهُ خُيَلَاءَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ حُكْمًا أَنْ يَقُولَ لَا أَمْتَثِلُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِيَّ فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إِطَالَتُهُ ذَيْلَهُ دَالَّةٌ عَلَى تَكَبُّرِهِ» اهـ مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِسْبَالَ يَسْتَلْزِمُ جَرَّ الثَّوْبِ وَجَرُّ الثَّوْبِ يَسْتَلْزِمُ الْخُيَلَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ اللَّابِسُ الْخُيَلَاءَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بن منيع من وَجه آخر عَن ابن عُمَرَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ رَفَعَهُ (3):«وَإِيَّاكَ وَجَرَّ الْإِزَارِ فَإِنَّ جَرَّ الْإِزَارِ مِنَ الْمَخِيلَةِ» (4).
ونسأل المفتي: هل الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي والإمام ابن العربي المالكي من المتشددين؟!!
وقد حدّثني الأستاذ الدكتور محمد بكر حبيب، الأستاذ بجامعة الأزهر أنه كان يلتقي والدكتور علي جمعة في الدراسات العليا مع المشايخ وهو بقميص قصير وقلنسوة (طاقية)، وقد زاره في بيته في ذلك الوقت، وهو بهذه الهيئة " اهـ.
فما بال الدكتور علي جمعة ينكر على السلفيين التزامهم بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي التزمها فترة من الزمن؟!!
(1) ((المالكي.
(2)
((الكَعْب: العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم، وفي كل قدم كعبان عن يمينها وعن يسارها، والعامة تسمي العقب كعبًا. (انظر المعجم الوسيط (2/ 496).
(3)
((أي رواه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(4)
((فتح الباري (10/ 264).