الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة
الحادية عشرة
المتشددون يتهمون مَن
تَرَجَّى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك الأصغر
قال المفتي (ص112) تحت عنوان «المتشددون يتهمون مَن تَرَجَّى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك الأصغر: «يتهم المتشددون مَن يترجّوْن بمكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك ويبادرونه بقولهم: قل لا إله إلا الله، وفي الحقيقة نتج ذلك عن خلط أمرين: الأمر الأول هو ظنهم أن الترجّي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتأكيد الكلام به من باب الحلف.
والأمر الثاني أنهم اعتقدوا أن حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو نفس حكم الحلف بآلهة المشركين، ونوضح فساد فهمهم في هذين الأمرين فيما يلي:
إن الحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة فلا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجه من الوجوه، وإنما مَنَعه مَن مَنَعه مِن العلماء أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله
…
أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقة الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائز لا حرج فيه
…
».
الجواب:
أولًا: السلفيون في ذلك مُتَّبِعُون لا مُبْتَدِعُون، فقد اعترف المفتي أن الحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة مَنَعه مَن مَنَعه مِن العلماء، فلماذا يشَنّع على السلفيين عندما أخذوا بقول هؤلاء العلماء، ومعهم أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تنهى عن الحلف بغير الله، وتعدّه من الشرك والكفر ويكفيهم ذلك؛ فقول رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم مُقَدَّم على قول كل عالم كائنًا من كان، وهذا منهج الأئمة الأربعة، وقد سبق نقْلُ كلامهم في ذلك (1).
ثانيًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ، فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» (رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ» (رواه الإمام أحمد في المسند، وأبو داود، والترمذي، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني).
في هذا الحديث لم يَسْتَثْنِ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ولا الكعبة ولا غيرهما.
فهذا توجيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فِعْلٌ سمَاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم شركًا وكُفْرًا، هل نفعله اتباعًا لقول المفتي؟!!
أيهما أولى بالاتباع: النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المفتي؟!!
ثانيًا: ليس النهي عن الحلف بغير الله مخصوصًا بآلهة المشركين كما يزعم المفتي، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ ابْنَ الخَطَّابِ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:«أَلَا، إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ» (رواه البخاري ومسلم).
قال المناوي في فيض القدير عند شرح هذا الحديث:
«وتخصيص الآباء خرج على مقتضى العادة، وإلا فحقيقة النهي عامة في كل معظم غير الله» (2).
(1) انظر (ص 80 - 81) من هذا الكتاب.
(2)
فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/ 319)، رقم (1945).
ثالثًا: قد وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم اسْتِنْكَارُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ سبحانه وتعالى، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عبد الرزاق وابن أبي شيبة في (مصنفيهما)، والطبراني في (المعجم الكبير) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال:«لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا» ، (قال الهيتمي في مجمع الزوائد:«رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح» ، وصححه الألباني).
رابعًا: نريد من المفتي الدليل على هذا التفريق بين الحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة، وبين ما ليس بمعظم، وإلا فقد ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحلف بالكعبة، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ قُتَيْلَةَ، امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ: أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ:«مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ» ، وَتَقُولُونَ:«وَالْكَعْبَةِ» ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا:«وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» ، وَيَقُولُوا:«مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شِئْتَ» (رواه النسائي والحاكم وقال: «صحيح الإسناد»، وصححه الألباني).
فهذا كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عن الحلف بالكعبة وإقراره أنه من الشرك، فأيهما أولى بالاتباع: النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المفتي؟!!
وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَحَلَفَ رَجُلٌ بِالْكَعْبَةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:«وَيْحَكَ لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» (رواه ابن حبان، وصححه الألباني، وقال الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم»).
فهذا كلام عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في النهي عن الحلف بالكعبة، فأيهما أعلم: صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المفتي؟!!
خامسًا: نقل الحافظ ابن حجر قول ابن هُبَيْرَةَ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ: «وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِمُعَظَّمٍ غَيْرِ اللهِ كَالنَّبِيِّ، وَانْفَرَدَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ فَقَالَ تَنْعَقِدُ» (2).
ومعنى ذلك أن هناك رواية أخرى عن الإمام أحمد رحمه الله بالمنع من الحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلماذا يطعن المفتي في السلفيين وقد أخذوا برأي:
• جمهور الأئمة مالك والشافعي وأبي حنيفة.
• أو إجماعهم حيث إن هناك رواية أخرى عن الإمام أحمد بالمنع؟!!
سادسًا: هل يستطيع المفتي أنْ يطعنَ في الأئمة الأربعة ويتهمَهم بالتشدد كما فعل مع السلفيين الذين أخذوا برأيهم؟!!!
مرة أخرى فلْيعلم القارئ الكريم أين يقف المفتي وأين يقف السلفيون!!
(1) فتح الباري لابن حجر (11/ 535).
(2)
نفس المصدر والصفحة.