المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألةالرابعة عشرةالمتشددون ينكرونذكر الله كثيرا ويمنعون الأوراد - السلفيون وحوار هادئ مع الدكتور علي جمعة

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةالأستاذ الدكتورمحمد بكر حبيبالأستاذ بجامعة الأزهر

- ‌مقدمةالأستاذ الدكتورمحمد النشارالأستاذ بجامعة الأزهر

- ‌مقدمة

- ‌دُرَرٌمن كلامالإمام الشاطبي المالكي

- ‌من هم السلفيون

- ‌أخطاءمنهجية في كتاب المفتي

- ‌الدكتورعلي جمعةوالأمانة العلمية

- ‌اتهامات، ولا دليل

- ‌السلفيون أم المفتي؟من الذي يتبنى الفكر الصدامي

- ‌سهام المفتي تصيب الأزهر وعلماءه وطلابه:

- ‌تناقضاتوقع فيها المفتي في كتابه

- ‌أسئلة للدكتورعلي جمعة تنتظر الإجابة

- ‌مناقشة هادئةلبعض مسائل كتاب المفتي

- ‌المسألة الأولىقوله إن السلفيين يصفون الله بالمكان

- ‌أقوال الأئمة الأربعة في مسألة العلو:

- ‌المسألة الثانيةالمتشددون ينتقصون الأشاعرة

- ‌المسألة الثالثةالمتشددون ينكروناتباع المذاهب الفقهية وتقليدها

- ‌المسألة الرابعةالمتشددون غير مؤهلينللإفتاء ويُحْدِثُون فوضى فى المجتمع

- ‌المسألة الخامسةالمتشددون يعدّون أغلبتصرفات المسلمين بدَعًا وضلالات

- ‌المسألة السادسةالمتشددون يحرمونالتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتهمون منيفعل ذلك بالشرك والخروج من الإسلام

- ‌المسألة السابعةالمتشددون يُحَرّمونالصلاة في المساجد ذاتالأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها

- ‌المسألة الثامنةالمتشددون يعدون التبركبآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصالحين شركًا بالله

- ‌المسألة التاسعةالمتشددون يحرمونالاحتفال بمولد النبي- ص

- ‌المسألة العاشرةالمتشددون يحرمونالسفر لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلموقبور الأنبياء والصالحين

- ‌المسألةالحادية عشرةالمتشددون يتهمون مَنتَرَجَّى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك الأصغر

- ‌المسألةالثانية عشرةالمتشددون يَحْكُمون علىوالِدَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالنار يوم القيامة

- ‌المسألةالثالثة عشرةالمتشددون يَنْفون أيإدراك للميت وشعوره بمن يزوره

- ‌المسألةالرابعة عشرةالمتشددون ينكرونذِكْرَ الله كثيرا ويمنعون الأوراد

- ‌المسألة الخامسة عشرةأكثر المتشددين يمنعون استعمالالسبحة في الذكر ويرونها بدعة وضلالة

- ‌المسألة السادسة عشرةالمتشددون يتمسكون بالظاهرويتعبدون بالثياب (ثوب الشهرة - النقاب)

- ‌على الهواء مباشرةً المفتي يدافع عن السلفيين:

- ‌أمنية

- ‌المسألةالسابعة عشرةالمتشددون قدّموا السعيَ على العلم

- ‌حوار هادئمع فضيلة المفتي حولمقاله في جريدة «الواشنطون بوست»

- ‌الإمامان ابن تيميةوابن القيم بين إنصافكبار علماء الأزهر وإجحاف المفتي

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

الفصل: ‌المسألةالرابعة عشرةالمتشددون ينكرونذكر الله كثيرا ويمنعون الأوراد

‌المسألة

الرابعة عشرة

المتشددون ينكرون

ذِكْرَ الله كثيرا ويمنعون الأوراد

قال المفتي (ص127): «بعد أن حاصر المتشددون أغلب المسلمين في حياتهم وسلوكهم ومساجدهم ذهبوا ليحاصروهم في خلواتهم ومجالس ذكرهم لله سبحانه وتعالى، فنهوا الناس عن ذِكْر الله بأعداد كثيرة، ونهوا كذلك عن ذكر الله بالأوراد والأحزاب ....

ومن وسائل محافظة المسلم على كثرة الذكر هو أن يُلزم نفسه بورد معين يحافظ عليه كل يوم وليلة، إلا أن المتشددين رفضوا ذلك أيضًا كما رفضوا كثرة الذكر، ولا نعلم أحدًا ينهى عن الذكر من مريدي الخير».

الجواب:

أولًا: مِن أين جاء المفتي بتلك الاتهامات؟!! مَن مِن السلفيين رفَضَ كثرة الذكر؟ ومَن مِنهم نهى عن ذكر الله؟!! ومَن مِنهم نهى الناس عن ذِكْر الله بأعداد كثيرة، ومَن مِنهم نهى الناس عن ذكر الله بالأوراد والأحزاب؟!!

نريد من المفتي البينة على هذا الادعاء!!!

ثانيًا: يؤمن السلفيون – كما يؤمن جميعُ المسلمين - أنّ ذِكْرَ الله سبحانه وتعالى على وجه العموم مشروع ومستحب في جميع الأوقات لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الأحزاب: 41ـ42). وقال تعالى: {

وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 35).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ» ، قَالَ:«لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ عز وجل» (رواه الإمام أحمد والترمذي، وابن ماجه وصححه الألباني والأرنؤوط).

ولا بأس أن يُلْزِمَ المرء نفسه بأوراد من أذكار بأعداد معينة تحصيلًا للأجر العظيم، وترطيبًا للسان، وتزكية للنفس، شريطة أن لا يعتقد أي فضيلة لهذه الأعداد التي لم تَرِدْ في السُّنة، وإنما يفعل ذلك من باب ضبط الوقت، وكذلك أن لا يعتقد أن المداومة على هذه الأعداد سُنَّة راتبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن تأمل حال السلف الصالح وجد أن أكثرهم كانوا يُلزمون أنفسهم بأوراد من الصلوات والأذكار والقراءة زائدة على ما ورد في السنة المطهرة ويحتجون على مشروعيتها بعمومات الكتاب والسنة الواردة في فضل الذكر والصلاة وغيرهما، ومن يطلع على سِيَرِهم رضوان الله عليهم يقف على صحة ذلك (1).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَأَمَّا مُحَافَظَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَوْرَادٍ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَهَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَمَا سُنَّ عَمَلُهُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ كَالْمَكْتُوبَاتِ: فُعِلَ كَذَلِكَ.

(1) راجع كتاب سير أعلام النبلاء أو تاريخ الإسلام للإمام الذهبي.

ص: 134

وَمَا سُنَّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ مِنْ الْأَوْرَادِ عُمِلَ كَذَلِكَ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَجْتَمِعُونَ أَحْيَانًا: يَأْمُرُونَ أَحَدَهُمْ يَقْرَأُ وَالْبَاقُونَ يَسْتَمِعُونَ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: يَا أَبَا مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ» (1).

والأذكار والأدعية على قسمين:

الأول: الأذكار الواردة في الكتاب والسنة مقيدة إما بزمان أو بمكان أو بحال، فهذا القسم يؤتى به على الوجه الذي ورد في زمانه، أو حاله، أو مكانه، أوفي لفظه، أوفي هيئة الداعي به من غير زيادة ولا نقصان.

القسم الثاني: كل ذكر أو دعاء مطلق غير مقيد بزمان أو مكان، فهذا له حالتان:

الأولى: أن يكون وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيُؤْتَى بلفظه ولا يُحَدَّد بزمان أو مكان يخص به، أو بعدد يلتزم به.

الثانية: أن يكون غير وارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل أتى به الداعي من عند نفسه أو من المنقول عن السلف؛ فيجوز للعبد الذكر والدعاء به بخمسة شروط:

1 -

أن يتخير من الألفاظ أحسَنَها وأبْيَنَها؛ لأنه مقام مناجاة العبد لربه ومعبوده سبحانه وتعالى.

2 -

أن تكون الألفاظ على وفق المعنى العربي.

3 -

أن يكون الدعاء خاليًا من أي محذور شرعي، كالاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى، ونحو ذلك.

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 521)، وعزاه المفتي (في هامش ص129) للفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي (2/ 385). ولم أجده فيه فلعله يقصد الفتاوى الكبرى لابن تيمية، فإن هذا النص موجود فيه.

ص: 135

4 -

أن يكون في باب الذكر والدعاء المطلق فلا يقيد بزمان أو حال أو مكان.

5 -

أن لا يتخذ ذلك سنة يواظب عليها (1).

(1) انظر كتاب تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبي زيد (ص42).

ص: 137

تنبيه

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَالْمَشْرُوعُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ نَهَانَا اللهُ عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِيهِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّبِعَ فِيهِ مَا شُرِعَ وَسُنَّ، كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَاَلَّذِي يَعْدِلُ عَنْ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحْزَابِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ لَا يَفُوتَهُ الْأَكْمَلُ الْأَفْضَلُ، وَهِيَ الْأَدْعِيَةُ النَّبَوِيَّةُ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَهَا بَعْضُ الشُّيُوخِ.

وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَيْبًا مَنْ يَتَّخِذُ حِزْبًا لَيْسَ بِمَأْثُورٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَإِنْ كَانَ حِزْبًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَيَدَعُ الْأَحْزَابَ النَّبَوِيَّةَ الَّتِي كَانَ يَقُولُهَا سَيِّدُ بَنِي آدَمَ، وَإِمَامُ الْخَلْقِ، وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ صلى الله عليه وآله وسلم» (1).

حُكمُ اختراعِ أذكارٍ وَجَعْلهَا عِبَادَةً رَاتِبَةً:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَذْكَارَ وَالدَّعَوَاتِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَالِاتِّبَاعِ لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ فَالْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ أَفْضَلُ مَا يَتَحَرَّاهُ الْمُتَحَرِّي مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَسَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ أَمَانٍ وَسَلَامَةٍ، وَالْفَوَائِدُ وَالنَّتَائِجُ الَّتِي تَحْصُلُ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ إنْسَانٌ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَذْكَارِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ شِرْكٌ مِمَّا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَهِيَ جُمْلَةٌ يَطُولُ تَفْصِيلُهَا.

وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَسُنَّ لِلنَّاسِ نَوْعًا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ غَيْرِ الْمَسْنُونِ وَيَجْعَلَهَا عِبَادَةً رَاتِبَةً يُوَاظِبُ النَّاسُ عَلَيْهَا كَمَا يُوَاظِبُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛

(1) باختصار من الفتاوى الكبرى (3/ 170).

ص: 138

بَلْ هَذَا ابْتِدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ اللهُ بِهِ؛ بِخِلَافِ مَا يَدْعُو بِهِ الْمَرْءُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلنَّاسِ سُنَّةً فَهَذَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى مُحَرَّمًا لَمْ يَجُزْ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِهِ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْإِنْسَانُ لَا يَشْعُرُ بِهِ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَدْعُو بِأَدْعِيَةِ تُفْتَحُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ قَرِيبٌ.

وَأَمَّا اتِّخَاذُ وِرْدٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ وَاسْتِنَانُ ذِكْرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ: فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ وَمَعَ هَذَا فَفِي الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ غَايَةُ الْمَطَالِبِ الصَّحِيحَةِ وَنِهَايَةُ الْمَقَاصِدِ الْعَلِيَّةِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُفَرِّطٌ أَوْ مُتَعَدٍّ» (1).

فالحاصل أنه ليس كل وِرْدٍ ذِكْرًا، فالأوراد الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يمنع منها أحدٌ من السلف وتابعيهم، إنما ينهون عن الأوراد المبتَدَعة والشركية.

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 510 - 511).

ص: 139