الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة
الثانية عشرة
المتشددون يَحْكُمون على
والِدَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالنار يوم القيامة
قال المفتي (ص116): «هذه واحدة من قضاياهم التي تسيء المسلمين إذا سمعوا بها، وهي أن مصير والدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم النار يوم القيامة، تلك القضية التي إذا ضممناها لباقي القضايا لشعورنا (1) وكأن مكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قلوبهم ليست على القدر المطلوب، وكان (2) حبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصدق.
لا شك أن الحب يتنافى مع رغبة الإيذاء لمن يحب، ولا شك كذلك أن الحديث بسوء عن أبويه صلى الله عليه وآله وسلم يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
…
(التوبة: 61)، {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} (الأحزاب: 57 (.
ولقد نهانا الله صراحة عن أذية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومشابهة اليهود - لعنهم الله - في ذلك فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)} (الأحزاب: 69)» اهـ.
(1) هكذا، والصواب: لَشَعَرنا، ولعله خطأ طباعي.
(2)
هكذا، والصواب: وكأن، ولعله خطأ طباعي.
الجواب:
أولًا: نقول للمفتي: إن القول بأن أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النار تصديق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس إيذاءً له صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الشيخ عطية صقر رحمه الله: «ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون، فكل امرئ بما كسب رهين» (1).
ثانيًا: هل اطلع المفتي على قلوب ملايين السلفيين حتى يزعُم أن مكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قلوبهم ليست على القدر المطلوب، وأن حبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصدق، وأنهم يرغبون في إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحديثهم بسوء عن أبويه صلى الله عليه وآله وسلم؟!!
ثالثًا: هاهنا سؤال لعلماء الأزهر: من المعلوم أن أذية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الكفر، فهل هذا الكلام من المفتي يعتبر تكفيرًا للسلفيين؟ وإن كان الأمر كذلك فهل يحكم المفتي بالكفر على الإمام مسلم الذي روى حديثين يدلان على أن أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النار، فقد روى مسلم في صحيحه - وهو أحد أصَحّ كتابين بعد كتاب الله سبحانه وتعالى عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ:«يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟» ، قَالَ:«فِي النَّارِ» ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ:«إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» .
وهل يحْكُمُ المفتي بالكفر على الإمام النووي رحمه الله (2) الذي قال في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم في شرح (باب بَيَانِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَلَا تَنَالُهُ شَفَاعَةٌ وَلَا تَنْفَعُه قَرَابَةُ المُقَرَّبِين):
«فِيهِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار، وَلَا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ.
(1) في فتوى له بتاريخ مايو 1997، انظر: فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com .
(2)
ولا يستطيع أحد أن يزعم أن المفتي يَعتبِر الإمام النووي من السلفيين المتشددين؛ فقد وصفه المفتي (ص 73) بأنه إمام الشافعية.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَة عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَب مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار.
وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَة قَبْل بُلُوغ الدَّعْوَة، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَغَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء - صَلَوَات اللهِ تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِمْ-.
وَقَوْله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّار» هُوَ مِنْ حُسْن الْعِشْرَة لِلتَّسْلِيَةِ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمُصِيبَة، وَمَعْنَى (قَفَى) وَلَّى قَفَاهُ مُنْصَرِفًا» (1).
وروى مسلم أيضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ:«اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ» (2).
وقد قال بقول الإمامِ النوويِّ بكُفْر والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإمامُ مسلم (3)، والإمامُ أبو داود صاحب السنن (4)، والإمامُ النسائي (5)، والإمامُ ابن ماجة (6)، والإمامُ أبو حنيفة النعمان (7)، وشمسُ الدين السرخسي الحنفي (8)، وزَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ (9)،
(1)((شرح النووي على مسلم (3/ 79).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 45).
(3)
حيث روى في صحيحه الحديثين السابقين.
(4)
حيث روى نفس الحديث مع أحاديث أخرى وعنون عليها: باب في ذراري ـ أي أبناء ـ المشركين.
(5)
حيث روى حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعنون عليه: باب زيارة قبر المشرك.
(6)
حيث روى هو أيضا نفس الحديث وعنون عليه: باب ما جاء في زيارة قبور المشركين.
(7)
حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين الحنفي (3/ 202).
(8)
المبسوط في شرح الكافي (27/ 138).
(9)
أَسْنَى الْمَطَالِبِ فِي شَرْحِ رَوْضِ الطَّالِبِ (4/ 263).
والقاضي عياض المالكي (1)، والبيهقي الشافعي (2) وابن الجوزي الحنبلي (3)، والحافظ ابن كثير الشافعي (4)، وشهاب الدين القرافي المالكي (5).
وقد بسط الكلام في عدم نجاة والدَي النبي صلى الله عليه وآله وسلم العلامة الحنفي الملاّ علي القاري في (شرح الفقه الأكبر)، وفي رسالة مستقلة أسماها:(أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام)، نقل في أولها قول الإمام أبي حنيفة في كتابه (الفقه الأكبر):«ووالدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماتا على الكفر» .
وقد أثبت الملاّ علي القاري في ذلك الكتاب تواتر الأدلة والأحاديث على صِحّة معنى هذا الحديث وعدم نجاة والدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد نقل الإجماع على تلك القضية فقال: «وأما الإجماع فقد اتفق السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر المجتهدين على ذلك، من غير إظهار خلافٍ لما هُنالك. والخلاف من اللاحق لا يقدح في الإجماع السابق، سواء يكون من جنس المخالف أو صنف الموافق» (6).
(1) شرح النووي على مسلم (7/ 46).
(2)
دلائل النبوة (1/ 192، 193)، سنن البيهقي (7/ 190).
وقال في (الدلائل 1/ 192 193): «وكفرُهم لا يقدح في نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن أنكحة الكفار صحيحة، ألا تراهم يُسْلِمون مع زوجاتهم، فلا يلزمهم تجديد العقد، ولا مفارقتهن؛ إذ كان مثله يجوز في الإسلام» .
(3)
الموضوعات (1/ 284).
(4)
البداية والنهاية (3/ 429).
(5)
شرح تنقيح الفصول (ص297).
(6)
أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام، (ص84).
وأخيرًا لابد أن يُعلم أن هذا الاتهام الصادر من المفتي في حق السلفيين هو في الحقيقة متوجه لمن ذكرنا من العلماء لو التزم بذلك المفتي، فهل كل هؤلاء العلماء كانوا يقصدون إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهل كانوا من المتشددين؟!!
ومرةً أخرى فلْيعلم القارئ أين يقف السلفيون وأين يقف المفتي!!!
ومن أراد التوسع في الرد على شبهات المفتي في هذه المسألة فليقرأ كتاب العلامة الحنفي الملاّ علي القاري (أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام).