الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
المتشددون يعدّون أغلب
تصرفات المسلمين بدَعًا وضلالات
تحت عنوان المتشددون يَعُدُّون أغلب تصرفات المسلمين بدعًا وضلالات، قال المفتي (ص58):«من أشنع المفاهيم المسيطرة على فكر هؤلاء هو اتساع مفهوم البدع فيعدون أغلب سلوك المسلمين في عباداتهم وعاداتهم من البدع والضلالات» .
الجواب:
أولًا: طبقًا لكلام المفتي إنْ كانت تصرفات المسلمين في العادات والعبادات ألف تصرف مثلًا فإن المفتي يقول إن أكثر من خمسمائة من تلك التصرفات يعتبرها السلفيون بدعًا، ونسأله: ما هي أغلب تصرفات المسلمين التي يعدها السلفيون بدعًا وضلالات؟ نريد من المفتي إحصاءً دقيقًا لتصرفات المسلمين ثم إحصاءً دقيقًا لأغلب تصرفات المسلمين التي يعدها السلفيون بدعًا وضلالات.
هاتِ برهانَك يا فضيلة المفتي، فأنت أستاذ جامعي يجب عليك أن تتحرى الدقة في كل كلمة تقولها، وهذا ما يُمْلِيه عليك ما يسمى بالمنهج العلمي، ومن قبله يُمْلِيه عليك الإسلام، قال تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (الأنعام:152).
ثانيًا: حاول المفتي في كتابه (ص 58 – 68) أن يثبت للقارئ أنه ليست كل بدعة في الدين ضلالة، ورأيه هذا مخالفٌ لنص حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (رواه مسلم). ومخالف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . قال الإمام النووي رحمه الله: «قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ الرَّدُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُودِ وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ الْبِدَعِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِدُ بَعْضُ الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَةٍ سُبِقَ إِلَيْهَا فَإِذَا احْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُولُ أَنَا مَا أَحْدَثْتُ شَيْئًا فَيُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِرَدِّ كُلِّ الْمُحْدَثَاتِ سَوَاءٌ أَحْدَثَهَا الْفَاعِلُ أَوْ سُبِقَ بِإِحْدَاثِهَا» (1).
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً» (2).
وقال الإمام مالك رحمه الله: «مَنْ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم خَانَ الرِّسَالَةَ؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3)، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا» (3).
والبدع إنما تكون في الدين، أما المخترعات والمحدثات في أمور الدنيا والتي تحقق مصالح العباد، وليس فيها ضررٌ عليهم، وليس فيها خُبثٌ فإنها من الحلال؛ لما روى مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:” أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ”.
ومن أراد تأصيلًا شرعيًّا لمسألة البدع وردًّا على شبهات المفتي فعليه بكتاب (الاعتصام) للإمام الشاطبي المالكي - صاحب كتاب الموافقات -، وكتاب الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ رحمه الله عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وقد كان مقررًا لقسم الوعظ والخطابة بالأزهر الشريف.
(1) شرح النووي على مسلم (12/ 16).
(2)
رواه البيهقي في (المدخل إلى السنن)، برقم (191)، واللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)(1/ 104)، برقم (126)، وابن نصر في (السُنة) برقم (67)، وابن بطة في (الإبانة عن أصول الديانة)(2/ 112)، وصححه الألباني.
(3)
الاعتصام للشاطبي (1/ 54). الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (6/ 85).